الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدوين وإشكالية المحافظة على النص الديني الأصل كمعيار قياسي

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 4 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الإشكالية التي وقع بها المسلمون لا تشبه الإشكاليات القديمة التي تعرض لها المجتمع اليهودي كوحدة دينية من أصل واحد ونتاج فكرة واحدة، كما لم يتعرض لطريقة الأختلاف في تدوين الأناجيل مما تسبب في تفريق الديانة المسيحية إلى مذاهب وملل، الإشكالية مختلفة تماما وتعود في الجزء الغالب منها إلى ما دون على أنه سيرة وسنة النبي، والتي يؤمن غالبية المسلمين أنها الركن الثاني في بناء منظومتهم الدينية، لقد كا إيمان المسلمين بأن سنة النبي من قول أو فعل أو تقرير هي جزء من مجمل الدين وجزء من الرسالة، وهنا وقع المجتمع الإسلامي فريسة الروايات التأريخية وأختلافها بالدس أو الزيادة أو التحريف أو النقص أو حتى الكذب على رسول الله.
لقد وقع المجتمع الإسلامي فريسة فكرة أن السنة تفسر القرآن وتوضحه وما لا يتوافق مع السنة فهو أما مفسوخ أو معطل أو ساقط العمل به، بدل قاعدة أن ما تعارض مع القرآن المدون من كل السنة أو يخالفه في الشكل والوجوهر هو الساقط الذي لا يعمل به، بأعتبار أن القرآن هو المعيار المدون والقياس المنطقي للرواية التأريخية ومدى ثبوتها أو سقوطها في العمل والعبد.
لذا فإن ما يواجهه المسلمون منذ أربعة عشر قرنا ولليوم من أختلاف وتمزق مرده الرواية التأريخية وتوظيفها في أزمة العلاقة السياسية والسلطوية في المجتمع الإسلامي، وليس لأن القرآن المدون بين أيدينا فيه زيادة أو نقص أو تحريف أو إدخل ما ليس فيه كجزء منه، الأختلاف أذن مصدره شيوع الخبر التأريخي وأعتماد المسلمون القدامى على الواية الشفهية والذاكرة في الحفظ والتدوين لاحقا في القرن الثاني لرحيل النبي، وغياب الطبقة الأولى والتي عاصرت زمن الرسالة وكانت من شواهد العصر، من هنا يتبين لنا أن لأعتماد المسلمين من السلف المتأخر على السنة والتي دونت لاحقا على أنها الصحيح مما تعاطى به الرسول كتجسيد لفكرة الدين وتقديمها على النص القرآني الموحد، هي الإشكالية الكبرى في الفكر الإسلامي والسبب الرئيس الذي أطاح بوحدة المعتقد واليقين، بأن ما جاء به الرسول من وحي السماء إنما هو الأساس الكلي والجمعي كمرشد لبيان الأختلاف أو التعارض بين اليقينيات والثوابت والممارسات التي إلحقت بالدين كضرورة.
هذه الإشكالية واحدة من الظواهر التي تؤشر طبيعة المجتمع العربي خاصة والمجتمع الإسلامي عامة، ظاهرة العيش في صراعات التأريخ والرجوع لها في كل ما يثار من إشكاليات وجودية لعالمنا المعاصر، هذه الظاهرة وإن كانت جزء من تأريخ البشرية في مراحل سابقة إلا أن تجذرها بالوعي الإسلامي والعربي تأخذ منحنى مفصليا لا يستطيع أحد أن يحد من تأثيراته المدمرة على الواقع والفكر والثقافة العامة، صحيح أن الكثير من الأصوات النخبوية سواء في محيط الفكر المعرفي أو في داخل المنظومة التأريخية الدينية تعي خطورة الظاهرة على الإنسان والدين معا، لكن حدود تأثيرها بقيت محصورة في دائرة ضيقة، مقابل نبذ عام وممنهج تمارسه أكثر من جهة وأكثر من سلطة تقريرية وتقديرية متمكنة حفاظا على ما تنتجه من أثار منتخبة ومصالح فئوية محمية بقداسة الإرث التأريخي.
اليوم العرب والمسلمون في طليعة من يتضرر فعليا من نتائج ظاهرة ربط الواقع الراهن بالتأريخ وشده دوما إلى إنفعاىت وأحداث وشخوص رحلت ولم تعد قادرة أن تمارس أي نوع من الفعل الفكري أو الأنتاج الثقافي، لكن العقل الجمعي في غالبه لا يريد أن يفارق ما يعتقد أنه هويته المجتمعية الخاصة وبعنوان الأصالة وحماية الدين والمعتقد، فمن يمكنه أن يجرد عقله من الخرافة التأريخية ليعيد تقييم الواقع الذي كان بكل موضوعية ويقول الحقيقية كما كانت، بل من يجرؤ أن يقول أن كل الفكر الظلامي التكفيري اليوم تم صناعته في عقول متأدلجة ضاغطة نحو المزيد من طرح الكراهية من خلال قنوات الفقه والعقائد والحديث والتفسير والرواية وإلى كل المعارف الدينية، بل أيضا من يجرؤ أن يقول أن بوادر داعش والقاعدة وبوكو حرام ولدت من رحم صرخة (منا أمير ومنكم أمير).
التأريخ الذي يتبارى المسلمون يوميا على تنظيفه من غبار الزمن وتلميعه وتقديمه على أنها قصة حضارة وإنسانية أمه كانت مائلة الحياة وشاغلة الناس، لو قدر للباحثين المجدين أن ينقبوا فيه عن الحقيقية سيجدون الكثير منه مجرد أوهام وخزعبلات وأضغاث أحلام لم ينطق الواقع به ولم تنجب الأحداث غالبيته المقدسة، أقول أن تأريخنا الذي كتبوه بدماء الفقراء والمظلومين والتعساء جرى تدوينه وصياغته تحت سوط جلادي الشعوب ومترفي السلطة وخدم السياسة، هذا التأريخ الذي يقدم الأعتداء والنهب والسلب وقتل الناس وتكفيرهم على أنه من أروع صور البطولة التي يحبها الله ورسوله، لا يمكن أن أنتمي له وأجله وأسس عليه قيم مجتمعية تنتج مزيدا من الحس الإنساني الطبيعي، الإنسانية عندما تريد أن تكرم البطولة والمأثر تكرمها وهي صادقة ونافعة وحقيقية لأنها تبقى كما هي ولا تتغير.
السؤال الذي يثيره الكثيرون عن الخطوة الأولى في عملية المراجعة والنقد، هل تبدأ من محاكمة هذا التأريخ بكل حيادية وعلمية وجلبه لطاولة النقد والتشريح والتفكيك؟ أم جلب العقل الجمعي الذي يدرك أن الكثير من هذا التأريخ مزيف وكاذب ومحرف لأغراض سياسية تتعلق بالصراع الفكري والأيديولوجية، لكنه مع هذا اليقين لا يريد لهذا التأريخ أن يمس لسبب بسيط أن صياغة عقله وبناءه وترتيبة جرى في جزء كبير على بعض أحكامه وقصصه، لذا لا يريد الأنجرار وراء تهديم منظومته والمس بعقيدته من خلال تصحيح الكثير من أسس الإيمان ومرتكزات العقيدة، البعض يرى في هذا التأريخ جزء من المشكلة وهذا الجزء مرتبط أيضا بالمؤامرة عليه وعلى عقيدته، لذا لا يمنح الأذن لعقله أن يستمع وأن يفهم لأنه سيتعرى تماما أمام الأخر، ونسي أن الأخر هو كذلك سيكون عاريا أمامه بلا ورقة توت، فالكل هم ضحية الخديعة وضحية الزيف وضحية الوهم المقدس.
إن التلازم بين مسارات المحاكمة وأخضاع كل المعرفة الإنسانية لقاعدة أن كل شيء مشكوك فيها ما لم يقوم الدليل العلمي والنقدي المنطقي بطرح نتائجه، سيكون منهجا حقيقيا للعودة للذات والعودة لأكتشاف الهوية الأصلية التي أخفتها صراعات التأريخ ومأزق السياسة، وأستخدم الدين فيها سلاحا للطرفين، وميدانا لتباري في تقديم كل أشكال التحريف بالتأويل والتفسير وأعتماد الصورة المزاجية التي تناسب التوجهات الفكرية، وطمس كل الصور والأحداث التي تتناقض مع الحقيقية حتى لو كان كتاب الله نفسه، في الوقت الذي نحتاج لهذه العملية النقدية ما زال التكفير والإرهاب والتموضع في جبهات الصراع التأريخي يأخنا إلى منحى خطير، منحى مواجهة الدين ذاته بأعتباره الأساس الذي يبني عليه المتصارعون نظرياتهم وأفكارهم وخططهم، وهذا هو الأخطر والأكثر قدرة على تجييش جنود التأريخ المسلحين بالظلام والكراهية والإقصاء.
إذا أراد العرب والمسلمون أن يكونوا جزءا من المسار الكوني وأن يستعيدوا جزء مما فقدوه من وجودهم، عليهم أن يكونوا أكثر شجاعة وأقرب للمنطق الواقعي من مسارات منطق الإرث والتأريخ، وأن يباشروا في نقد المعصوم عليهم والمحذور المساس به ليكتشفوا حقيقة الجريمة التي أرتكبها جنود منهج التزيف والكذب، وما رسخوه في العقل الجمعي العربي من أوهام التفوق والمغالات والعنصرية الدينية، وأن يفهموا أن الدين ليس مدفع ولا رصاص نرمي به خصومنا المفترضين، بل الدين أصلا خارطة طريق للعقل أن يكون إنسانيا في تعاطيه مع الواقع، لأننا جميعا وبمختلف دياناتنا وعقائدنا نعبد ربا واحدا وإن بمسميات مختلفة.
لكن المؤكد أن الجميع يعلم من حيث يعلم ومن حيث ينكر أن للكون هذا ربا وصانعا وخالقا واحدا، لا يمكن أن يحب بعضا ويكره بعض ولا حتى يؤمن بنظرية أن لله جنود في الأرض تقاتل نيابة عنه، بل كل ما في الوجود هم عائلة واحدة ومجتمع واحد قدر لهم أن يتنوعوا ويختلفوا بالرأي والرؤية لأنها أساس لكل حراك منج، ولكل تنافس إيجابي يزيد من نتاج المعرفة ويطور من أليات العقل والتفكر، وأختراع شتى أنواع ومنهاج العيش المشترك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير عن ضربة إسرائيلية ضد إيران وغموض حول التفاصيل | الأخب


.. إيران وإسرائيل .. توتر ثم تصعيد-محسوب- • فرانس 24 / FRANCE 2




.. بعد هجوم أصفهان: هل انتهت جولة -المواجهة المباشرة- الحالية ب


.. لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا




.. نار بين #إيران و #إسرائيل..فهل تزود #واشنطن إسرائيل بالقنبلة