الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة الإيمان عند عزمي بشارة

كمال طيرشي

2018 / 4 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


فلسفة الإيمان عند عزمي بشارة
بقلم: كمال طيرشي
باحث في المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات
يميز المفكر العربي عزمي بشارة بين ضربين من الإيمان، الأول معرفي إبستمي مرتهن بالاعتقاد، و الثاني عرفاني مرتهن بالوجدان، و ربما يبدوا هذا التفريق غامضاً من الوجهة الأولانية في التناول و لكن بشارة يعمد إلى إيضاح بعض جوانبه من خلال القول بأن الإيمان المعرفي هو ضرب من الإيمان لا نقتدر على البرهنة عليه بطرائق علمية دقيقة موضوعية، و إثباتات عقلانية سجالية، مع أن الحامل لمثل هكذا اعتقاد إيماني يؤيد تصوره و ينافح عنه من خلال الانطباع العقلي و الانطباع الوجداني. كما أن الإيمان بوجود الله كمعرفة مختلف في جوهره عن الإيمان العرفاني بالله، بحكم أن الأول إيمان بوجود و الثاني إيمان بالله و البون بينهما كبير، فالشق الأول من الإيمان قد يكون أكثر أو أقل عقلانية لكونه معرفي إبستمي، و مادام أنه معرفي فليس يعني ذلك أيضاً أن بإمكانه أن يصل إلى مصاف المعرفة العلمية مهما حاول الكثير من أرباب العلم و الفكر الخوض فيها و محاولة اثباتها بشتى القرائن العلمية و البراهين الاثباتية.
أما ما يتعلق بالضرب الثاني من الإيمان ألا وهو الإيمان العرفاني فللبرهنة عليه و إثباته يستحضر بشارة إيمان النبي إبراهيم ، بحكم أنه ينعت عند بعض اللاهوتيين بأنه فارس الإيمان و أن إيمانه عرفاني مطلق بحكم تسليمه بالامتحان الرباني من دون أي اعتراض عليه أو تطاولاً، فلما عمد الله إلى امتحان النبي إبراهيم في ولده و طلب منه أن يصعد به إلى جبل المريا بغية التضحية به و ذبحه فداءاً للرب في قيوميته، في هذا الوقت الذي استجاب النبي لنداء الرب في فلذة كبده و في ذلك إيمان منه بأن الرب سيفعل المستحيل، لأن كان قد وعده بأن يجعل النبوة في صلبه و في الوقت عينه طلب منه أن يضحي بإبنه، على الرغم من أن النبي إبراهيم كان بإمكانه أن يعترض و يعتبر أن ما طلب منه لا يمكن نعته بالأخلاقية أو بالأحرى مجانب للأخلاقية و هتك لها. و ليس ببعيد عن النبي إبراهيم نجد ذلك عند أيوب الذي اختبره الله في صحته و أهله و أصدقائه ردحاً من الزمن، و نال منه الضر الشيء الكثير و نال منه العذاب و الألم، ليرجع له الرب في الآخر صحته و يغدق على أهله مثله معه كرحمة منه و مباركة له على نجاحه في هذا الامتحان الإيماني العظيم، و قد بسط في هذا المفهوم المفكر اللاهوتي الدانماركي سورن كيرككورد في كتاب خوف و قشعريرة (النبي إبراهيم)، و التكرار (حول النبي أيوب)، و هي المفاهيم عينها التي تجعل سورن يربط الإيمان الحق بالمنحى العرفاني الوجداني باعتباره أصدق و أقدر.
يمكن أن ننعت ضرب الإيمان العرفاني المطلق عند كل من النبيين إبراهيم و أيوب بأنه لون من الاستسلام الكامل الأتمي للرب في قيوميته، أو بعبارة أوفى منتهى الإيمان، وهو يوضح بجلاء أن الإيمان المطلق تعبير عن ذلك الإيمان الذي يغالبه الظن و التشكيك بأي حال من الأحوال، و هذا الإيمان يقابله الكفر، و الإيمان ههنا نقي خالص بالله، وتتعالق معه مسؤولية البشري عن كل ما يتمخض عن أفعاله، أما في حالة ما إذا تعالق الإيمان بنحو من المعرفة أو الشعور بالترنحية في الإستيقان فإن هذا الإيمان يتسلل إليه الظن، بحكم المعقولية التي تطاله، و حين تشكك قوة المعقولية في مدى مقبولية المقولة الإيمانية التي تقع في إطار البرهنة العقلية ، فإما أن يتخلى العقل عنها و يتبنى غيرها، أو يتشبث بها اقراراً و جزوماً.
و ما يمكن أن يكون عثرة أمام النزوع الشكي هو الارتقائية في سؤددية الإيمان العرفاني، و الذي يقابله كما أكد بشارة سابقاً الكفر، و هذا الضرب من الإيمان العرفاني هو المقدمة الأساسية لمعرفة الله سواء عند المدرسة المسيحية في الإسكندرية و عند الغنوصيين عموما، بحكم أن الغنوصية أو العرفان عند أهل التصوف الإسلامي علم بأسرار الحقائق الدينية و الخصائص الإلهية، و بكل ماهو سري و خفي ، وهو من وجهة رأي أصحاب العرفان أرقى من العلم الذي يحصل لعامة المؤمنين البسطاء ، أو لأهل الظاهر من العلم الديني الذين يعتمدون النظر العقلي، و العرفاني هو الذي لا يقنع بظاهر الحقيقة الدينية ، بل يغوص في باطنها لمعرفة أسرارها، وهي معرفة تقوم على تعميق الحياة الروحانية و اعتماد الحكمة في السلوك، مما يمنح القدرة على استعمال القوى التي هي من ميدان الإرادة ومن ثم تصبح الإرادة بديلاً للعقل.فالمعرفة ههنا لا تعني العلم، أي اكتساب المعارف العلمية، بل بذل مجهود متواصل بقصد التطهير و التخلص من البراثن الدرنية و التوصل إلى الصيغة الغنوصية اللازمة لرحلة العودة للاندماج من جديد في العالم الإلهي الذي جاء منه الإنسان.
و يلفت المفكر بشارة إلى قضية هامة مفادها أن دراسة الدين و ضروب التدين و الدخول في تمفصلاته و أعماقه، قد يجعلنا نذهل عن الإيمان باعتباره أمراً جوهرانياً يميز أي حالة تدين مهما كان نوعها، و يقع القصد ههنا بالايمان المتصل بالخبرة المتعالقة بالمقدس و المنفصل عنها في الآن عينه، الايمان بالروحانيات المفارق الماورائي هو العنصر الذي يجب أن يتفاعل مع تجربة المقدس كل تحول إلى تجربة في إطار ديني، فتطور الإيمان الديني تاريخياً عبر فرز سياقات السوسيولوجي و الديني، و حتى عبر فرز مجالات المقدس ذاتها في ما بينها، و انفصل في تنظيمه العقائدي عن تجربة المقدس، وهو يتطور حتى يصبح شأناً فردياً بالنسبة إلى المواطن في المجتمعات الحديثة.
هذا و يعتبر بشارة أن الإيمان الديني في حالة الديانات التوحيدية على الأقل، هو الإيمان بالله، بولاء و طاعة و إخلاص و محبة و رهبة من دون سؤال، و هذا هو الفهم الإسلامي لمفهوم الإسلام بمعنى التسليم لله، و على ذلك تكون الديانات التوحيدية كلها ديانات مسلمة ، و هذه صفات عند المؤمن يمكن التدرب عليها بموجب دين أو عقيدة أو مذهب، وذلك بمؤثرات متعدد مثل الفروض الدينية التي تقام بغض النظر عن فهم معناها، و بالصلاة في جماعة و الطقوس و التلاوة و خوض تجارب الروحية و تدريب الشعور على الرضا و فعل الخير بحد ذاته أو كما يحدده الدين أو كليهما ، و هذا ما يعادل اختزال العبادة في عادة أو اختزال التجربة الدينية الكلية ذات الفضاء الطليق في شعائرية ذات فضاء محدود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن