الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صائغُ اللآلئ … عظيمٌ من بلادي

فاطمة ناعوت

2018 / 4 / 19
حقوق الانسان



قرأتُ اسمَه في قائمة المُكرّمين، ففرحتُ بتكريمه أكثر مما فرحتُ لتكريمي، الذي أعتزُّ به.
الأسبوع الماضي، الأحد 15 أبريل، كان حفلٌ حاشد في "مسرح الجمهورية"، أقامه دار "قلب مصر"، لرعاية الكفيفات، من أجل تكريم بعض الرموز المصرية الوطنية، التي تُعلي من قيمة "المواطنة" وتعتبرها مبدأ حتميًّا لا بديل عنه. وأشكر منظمي الحفل أن تذكّروني ضمن الأسماء الوهّاجة الشاهقة التي كُرِّمت، ومنحوني هذا الدرع القيّم، الذي يشرقُ الآن في صدر مكتبة أوسمتي. لكن ذلك العظيم لم يأت لتسلُّم درعه! لماذا لم يأت؟ لا شكّ عندي في أنه في تلك اللحظة كان يُجري عملية دقيقة لأحد مرضاه، ففضّل إعادة النور لعين إنسان مأزوم، عن تسلّم درع تكريم يحمل اسمَه ويشهد له بالعظمة والتفوّق. يكره الأضواء. وإن قُدِّمت له كلماتُ الشكر والإشادة، أطرق برأسه في خجل؛ كأنما كلمات الإطراء تؤلمه. فهو يرى أنه لا موجب للإشادة حين يقوم المرءُ بواجبه. وهذا حقٌّ، لكنه يفعل ما يفوق الواجب بأميال وأميال.
لماذا هو أحدُ عظماء هذا البلد؟ ربما أحتاج مساحة الجريدة بكاملها؛ حتى أُجيب عن هذا السؤال البسيط. لكنني سأذكر النذرَ اليسير الذي ربّما يشير إلى الكثير الذي لا يُحصَى. ولأختصر الأمر، سأقول إنه النموذج المرآوي للسير "مجدي يعقوب"، ولكن في مجال العيون، لا القلوب. هو أ.د. فتحي فوزي مرقس، طبيب العيون المتحضّر، أحد مؤسسي مستشفى الوطني للعيون. بل هو: "صائغُ اللآلئ"، كما أحبُّ أن أسمّيه.
فعيوننا هي اللآلئ المضيئة التي منحها اللهُ لنا هديةً ثمينة، لكي نُبصرَ بها هذا الكون الجميل، فيُشعُّ لؤلؤنا بالحبّ لله صانع الجمال، وكذلك لجميع خلقه وصنيعة يديه. وظيفة هذا الرجل: إعادةُ النور لتلك اللآلئ إن خبا نورُها أو خَفُتَ بريقُها.
لكنّ عظمته ليست فقط في حجم علمه الهائل في طب العيون، بل كذلك في حجم رهافة قلبه وحنوّه على الفقراء والُمعوزين. قبل سبع سنوات، ذهبتُ إليه بسيدة فقيرة، لكي يردَّ إليها نورَ البصر، بعدما كاد ينطفئ من فرط بكائها على ابنتها الشهيدة. عالجها وأعطاها الدواء هدية. وحين هممتُ بدفع الفيزيتا، رمقني بنظرة عتاب لا أنساها قائلا: “يا أستاذة دعينا نأخذ معكِ شيئًا من البركة!” ومن يومها صرتُ أرسل له كل من يُصادفني من بسطاء المرضى، ليقدّم لهم الحبَّ والعلم والمال، من فائض ما منحه الله من حبٍّ وعلم وبركة.
ساهم في إنشاء قسم الرمد بمستشفى دار الشفاء، وتبرّع بثمن العديد من الأجهزة القيمة للقسم المجاني. وخصّص يومًا كلَّ شهر لعلاج غير القادرين بالمجان، وكان هذا اليوم بمثابة عيد بالمستشفى. وتخرّج من بين يديه أعظم أطباء الرمد في مصر، يدينون له بالفضل، إذ لا يكف عن مدّهم بأحدث الأبحاث العلمية العالمية في مجال طب العيون، من خلال أسفاره ومؤتمراته.
كتبتُ فيه هذه القصيدةَ تقديرًا لذلك العالم الجليل المتواضع الذي يشفي العيونَ المجهدة ويربّتُ على أكتاف المعوزين والمرضى بحنوٍّ ورحمةٍ، لمستهما بيدي.
***
صائغُ اللآلئ
إلى الدكتور فتحي فوزي
**
إنْ غابَ
بحثتْ عنه العيونُ التي في طرفِها حوَرُ.
وافتقدته الجفونُ المُجهداتُ التي، قَدَّ نومَها السهَرُ.
إن سافرَ
سألته المآقي التي خفُتَ بريقُها:
كيف تسافرُ قبل أن يُدركَنا البصرُ؟
***
إنْ تأخّرَ عن موعده،
لاحقَه العِميانُ يضربون الأرضَ بعصواتِهم،
متخبّطين في الأزقّة والطرقات،
حتى يشعروا بظّل مِبضعِه يسقطُ على رؤوسِهم الُمتعبة،
فيبتسمون في وهنٍ،
ثم يسكنون أمام مشارطِه وكيميائه، ويستسلمون.
سألني ديوچين، ابنُ الإغريق الكفيف:
أين كان طبيبُك في القرن الرابع قبل الميلاد؟!
لو وجدتُه، ما كنتُ حملتُ مصباحي كالمجنون في وضَحِ النهار؛
أتخبّطُ في عمائي باحثًا عن الحقيقية!
وما وجدتُها!
فهل وجدَها طبيبُ العيون؟
فأجبتُه: هذا النبيلُ ليس حكيمَ عيون
بل صائغُ اللؤلؤ
استخلفه اللهُ ليحمي جواهرَ مآقينا
ولآلئ أبصارنا.
طوباه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما بلاش أحسن..
معلق قديم ( 2018 / 4 / 19 - 19:35 )
مقالك يوجه نظر الغوغاء إلى نبوغ وعطاء طبيب قبطي...سعيكم مشكور يا ست فاطمة..ولكن كنت افضل عدم التحدث في هذا الموضوع...لماذا؟

علمنا التاريخ أن رائد طب النساء والتوليد القبطي نجيب محفوظ نبغ وعلّم وأنشأ قسم ومتحف النساء والتوليد بنفسه في مستشفى القصر العيني الجامعي حين كان معظم الغوغاء يلجأون للداية (المولدة) التي تنشط في المنازل فتكون النتيجة فقد الكثير من الأمهات والمواليد

جزاء سنمار كان من نصيب المجتهد المحترم الذي عمل المعروف في غير أهله كما يقول المثل الشهير

هل تغيّر المسلمون اليوم عن مسلمي الأمس؟
إن كان هناك فرق فهو إلى الأسوأ

مافيش فايدة واللي يقدر يسيب القرية الظالمة يهرب بجله


2 - مصرية حقيقية
طاهر مرزوق ( 2018 / 4 / 20 - 20:05 )
الأستاذة/ فاطمة
تحية تقدير لمشاعرك المصرية الحقيقية كمواطنة تعشق مصر الحضارية التى كانت فى يوم ما، لا أعرف إن لم قلمك يكتب ويقدم لنا أخبار وقصص هؤلاء الذين يحبون مثلك مصر، فمن كان قادر على تعريفنا بالوجه الآخر المضئ لمصر؟
مصر الآن تعيش أسوأ سنين حياتها الذى يسيطر فيه الدين على عقول التسعين مليون مواطن مصرى، المفروض فيهم أنهم مواطنين لكن الواقع يقول أنهم لا يعترفون بهويتهم هذه، بل يعترفون بالماضى اكثر من الحاضر لذلك نراهم فى تخلف مستمر لا يشغلم العلم والتقدم والإبداع، بل يشغلهم العورة والجنس والخوف من وجه المرأة وشعرها وجسدها كله، حتى أأستشرت بينهم هستيريا جنسية سيطر فيها رجال وكهنة الدين وفرضوا علومهم وأفكارهم على المجتمع المصرى، حتى أهملوا التعليم الطبيعى وأنشغلوا بالتعليم الدينى حتى ينالوا مرضاة الآلهة الغيبية.
أشكرك كمواطن مصرى يشاطرك نفس المشاعر وألف مبرك لك على التكيم وكل من كان معك فى حب مصر.

اخر الافلام

.. شهادة فلسطيني حول تعذيب جنود الاحتلال له وأصدقائه في بيت حان


.. فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي




.. جوزيب بوريل يدعو إلى منح الفلسطينيين حقوقهم وفقا لقرارات الأ


.. تونس.. ناشطون يدعون إلى محاكمة المعتقلين السياسيين وهم طلقاء




.. كلمة مندوب دولة الإمارات في الأمم المتحدة |#عاجل