الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحديقة وأسوار الذاكرة

سعد محمد موسى

2018 / 4 / 21
الادب والفن



هنالك حدائق سرعان ما تمر كسحب تتوارى وتنسى خلف الافق وهنالك حدائق تنمو في تضاريس الذاكرة وأخيلة الطفولة ومنها حديقة "الملك غازي" التي مازالت شاخصة منذ تاسيسها عام 1926 في مدينة الناصرية وحتى يومنا هذا, حين أمر الملك "فيصل الاول" وبعد تاسيس الدولة العراقية بخمسة سنين بتشييد حديقة تحمل اسم ولده وولي عهده.
لقد أحب أغلب العراقيين الملك غازي وحزنوا فيما بعد لمقتله بحادث سيارة عام 1939 وقد شكك الكثير بحادث اصطدام سيارته بعمود كهرباء بعد أن أوعزوا عملية الاغتيال المدبرة الى المحتلين الانكليز لاسيما بعد أن دعى الملك آنذاك لتحرير الاقاليم العربية من الاحتلال البريطاني وأيضا تقاربه من الزعيم الالماني هتلر الذي أثار غضب الانكليز.
مثلما شكك العالم أيضا عام 1997 بالحادث المشابه لمقتل الاميرة ديانا من قبل المخابرات البريطانية والعائلة المالكة حين قررت الزواج من عشيقها المصري.
رحل الملوك ورحل عبد الكريم قاسم ورحل بعده الانقلابيون القوميون ثم سقط النظام البعثي وجاءت الاحزاب الاسلامية الفاسدة والظلامية لسدة الحكم وسيرحلون مثلما رحل غيرهم وكأن العراق بات حفرة تتسع لسقوط جميع الانظمة والحكام.. لكن الحديقة بقيت من معالم المدينة وبعد سنين طويلة من الغياب عن المدينة وعن الحديقة رجعت الى المدينة ومررت فوق الرصيف المحاذي للحديقة ودخلت من احدى زوايا الاسيجة ولاول مرة بعد ان كانت حديقة سرية كثيفة باشجارها وزهورها ونخيلها يجوب في ثناياها الحارس "عناد الاعرج " الذي كان يعرف كل شجرة وكل غصن في الحديقة وهو يلوح بعصاه التي لاتفارقه مهدداً الاطفال الذين يتسلقون من أسوار الحديقة لمعرفة أسرارها والتمتع بسحرها الآخاذ.
كنا نتطلع بفضول الى الحديقة باسوارها العالية وبوابتها المغلقة دائماً واذا تجرأ أي طفل وعبر الاسوار الى الحديقة سرعان ما يكتشفه الحارس حتى وان اختفى وراء الجذوع وكأن الاشجار تراقب الذين يقتحمون عزلتها فتوشي بتسلل الاطفال المشاكسين للحارس.
حتى بات البعض يسمي حديقة غازي بحديقة عناد تيمناً بحاميها القاسي!!!
كبرنا وكبرت أشجار الحديقة ونبتت أشجار جديدة ومازال الحارس عناد يحرس الحديقة الغامضة وهو يطلق العنان لصوته الشجي الريفي باغاني الابوذية التي آلفتها الحديقة والعابرون أيضاً.
على محاذاة الحديقة وعلى الجانب الايسر تقع سينما البطحاء الصيفية وكانت شجرة اليوكالبتوس الكبيرة تحمل المراهقين والاطفال الفقراء ممن لايستطيع شراء تذكرة دخول الى السينما أو لايسمح لعمره بدخول لمشاهدة أفلام الكبار فكنا نتسلق الشجرة لنختلس النظر لمشاهدة شاشة السينما في عراء الباحة.
حين تزدخم شجرة اليوكالبتوس بالمتسلقين في الليل وهم يحطون كخفافيش تحاول الاختباء كان البعض يمارس دور الحكواتية الى رفقاهم في الا ض وهم مشرابين باعناقهم نحو الحكواتيين و يستمعون بفضول بالصوت والحركة لنقل أحداث الفيلم.
ومازلت أتذكر أيضاً ذات مساء وفي منتصف العرض انكسر الغصن الكبير من شجرة اليوكالبتوس حين لم ما عاد ان تحتمل كل هذا العدد الهائل من المتسلقين فسقط الجميع أرضاً دون ان يدركوا نهاية الفيلم.
قبل أيام مررت في الشارع الذي يفصل الحديقة عن السينما التي تهدمت وشيدت بدلها دور سكنية أما الحديقة فمازالت باقية بائسة ومهملة دون حارسها عناد الذي هرم وأحيل للتقاعد ودون شجرة اليوكالبتوس وأطفالها النزقيين وموحشة دون عصافير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما


.. شبّه جمهورها ومحبيها بمتعاطي مخدر الحشيش..علي العميم يحلل أس




.. نبؤته تحققت!! .. ملك التوقعات يثير الجدل ومفاجأة جديدة عن فن


.. كل الزوايا - الكاتب الصحفي د. محمد الباز يتحدث عن كواليس اجت




.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله