الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عباس يؤدي قسم الثورة // عباس الفلسطيني .. بكل أسف - 2 -

سليمان الهواري

2018 / 4 / 22
الادب والفن


قصة قصيرة
عباس يؤدي قسم الثورة
عباس الفلسطيني .. بكل أسف - 2 -
*************************
_ " هاتي الشيشة يا عباس "
صاح غسان وهو يقدم "طلبيات" الشباب الجالسين في الركن الخلفي من "مقهى فلسطين"
_ "حاضر أخوي" ..
ردّ عليه عباس في الحين بلكنته الأحوازية التي حافظت على عربيتها رغم كل غزوات "التفريس" التي دأبت عليها حكومات طهران البهلوية ..
"غسان" شاب في الثلاثينات من العمر وله في الكويت ثمان سنوات قضى الخمسة الأخيرة منها نادلا هنا في المقهى وكل زبائن "فلسطين" يحبونه ليس فقط لأنه فلسطيني قادم من "مخيم عين الحلوة" اللبناني حيث ترك أمه العجوز وأخواته اللواتي أقمن فيه بعد رحلة "التغريبة الفلسطينية " الطويلة .. بل كان "غسان" زيادة على وسامته ووجهه البشوش، يشارك الشباب نقاشاتهم واهتماماتهم التي أصبحت طاغية هذه الأيام .. خاصة وأن كل الأخبار تؤكد أن العرب ضيعوا نصرا حقيقيا على "إسرائيل" لولا قرار مصر سحب جيشها من خطوط المواجهة .. حديث تجاوز الجيش المصري لخط "برليف" كان موضوع زهو للجميع وإسم العقيد المصري يتردد على كل لسان .. أصبح الكل محللا في المقاهي التي يقصدونها لنسيان تعب نهارات الكويت الحارقة ..
هنا في "فلسطين" المقهى كانت تجلس كل مساء مجموعات المغتربين وجلهم من الفلسطينيين والأردنيين والمصريين الذين استقبلتهم مدارس مشيخات الخليج التي جاؤوها هاربين من
"أبو زعبل" سجن مصر الذي تعرفه أسماء كل من تشتم فيه رائحة الانتماء لتنظيم "الإخوان المسلمين" بعد قصة تنظيمهم الخاص مع الضباط الأحرار هناك ..
_ "والله ونشم فيك رائحة البلد يا " خالو غسان" ..
كان هذا "أبو وائل" خال "غسان" وهو يعمل هنا مدرسا من بداية الستينات ، يعيش مشتتا بين بيته ومدرسته ومقر جريدة "القبس" التي يشتغل فيها بالليل مدققا للغة ..
هنا في الجريدة تمر كل الأسماء الفلسطينية التي تصل إلى المدينة ..
كل يوم كان "عباس أصفهاني" يعجب أكثر بحياته الجديدة وسط هذه الإنشغالات التي نقلته من هموم "الأحواز" و "تودة" وايران الى همّ يشربه كل يوم من معين "غسان" و "أبو وائل" ورفاقهم الذين لا يخلو المقهى من أحدهم طيلة النهار والأخبار توزع مع القهوة وجرعات من عشق يكبر كل لحظة إسمه "فلسطين" ..
مرت سنتان هنا وعباس أصبح واحدا من "الأهل" .. لم يكن يعرف أن خربشات قلم الرصاص الذي يحمله دائما وراء أذنه اليمنى ستنقله إلى جنوب لبنان ليصير هناك مقاتلا في "حركة فتح الفلسطينية"
كانت "كاريكاتورات" عباس على الورق العادي مثيرة للإعجاب خاصة وهو يضع عليها تعليقاته الساخرة التي يلتقطها من هنا وهناك داخل يوميات المقهى ..
لقد جمع منها "غسان" العشرات و"أبو وائل" يتأملها أمامه وهو يرتشف فنجان قهوته الثاني هذه الليلة ..
_ "هذا الشاب موهوب ورجل حقا"
قالها "أبو وائل" وعيناه لا تغادران الرسومات ..
__ " لو رآها "ناجي العلي " معنا في الجريدة لأعجب بهذا الولد ..
لم يكن "أبو وائل" يمزح في حديثه ، كانت أفكاره شاردة في مكان آخر ..
_ "قل للولد عباس كي يهيء نفسه للحضور مع الشباب ذكرى انطلاق المنظمة ..
كان هذا آخر ما سمعه " غسان" من خاله "أبو وائل" قبل أن يغادر المقهى من بابه الخلفي حيث يركن سيارته الصغيرة ..
تمنى عباس أن يصافح الليلة "الختيار" مباشرة ..
كان قلبه يخفق فعلا من التمزق بين الخوف والفرحة .
كل الأجواء هنا تجعله مسلوبا حدّ الدهشة .. كان جسده وحده يجلس جنب "غسان" في قاعة الحفل ومجموعة "العاشقين" الفلسطينية تردد أغانيها الثورية ..
اشهد يا عالم علينا وع بيروت اشهد بالحرب الشعبية
واللي ما شاف م الغربال يا بيروت أعمى بعيون أمريكية
بالطيارات أول غارة يا بيروت غارة برية وبحرية
برج الشمال وبالبحر يا بيروت صور الحرة والرشيدية
قلعة الشقيف اللى بتشهد يا بيروت علي داسوا راس الحية
والشجر قاتل والحجر يا بيروت والواحد جابه دورية
جمل المحامل شعبنا يا بيروت بعين الحلوة والنبطية
الكوفيات الفلسطينية والأهازيج التراثية وهذه الألوان تخترق مسام عباس وترفعه إلى سماء أخرى .. كل ما حوله يتحول في عينيه إلى بنادق وخنادق ومواجهات تسكن روحه منذ تلقى أبوه أول صفعة على خذه من رقيب الشرطة في الحي الذي كانوا يسكنون فيه .. أحس حينها بالقهر وتمنى لو يرد الصفعة التي لم يردها أبوه لكن الخوف من جلاوزة الشاه بهلوي كان أكبر من كل شيء .. وظل يحمل مرارة الإهانة طويلا قبل أن يستوعب أن معركة الفقراء واحدة في كل العالم ..
_"صورة أبو عمار التي رسمت يا عباس جميلة جدا .. ستعجبه يقينا عندما يزور معرض الفنون المقام في ذكرى الثورة ..
لأول مرة يلتقي عباس بهذا الشخص الذي يرافق "أبو وائل" و هو يهم بمغادرة قاعة الحفل .. كان مستغربا كيف يخاطبه باسمه ويحضنه كما لو أنه يعرفه من زمان ..
_"لقد كلمني عنك كثيرا أخونا "أبو وائل" وهو يحبك كما أولاده وأكثر ..
_ تعالى غدا مع "غسان" كي نحتفل داخل الأسرة بأمنا الجميلة فلسطين ..
لم يصدق عباس نفسه وهو يراجع حديث الرجل الغريب .. كان يفهم أنهم قبلوا به أخيرا جنديا في صفوف الثورة الفلسطينية ..
لا يذكر عباس الطريق الذي سلكته السيارة التي نقلته ليلا برفقة "غسان" كما لا يعرف الوجهة التي أخذتها نحو حفلة الليلة .. سائق السيارة الشاب والشخص الذي يجلس جنبه لم ينطقا تقريبا طيلة الرحلة سوى ببضع كلمات ، عباس لم يسبق له أن رآهما بالمقهى ..
بدت الساعة أنها لن تنتهي قبل أن تتوقف السيارة داخل مرآب أرضي في مكان لا يعرف عنه أي شيء .. فتح عباس باب السيارة وهو ينتظر أن يخفف عنه وجه "أبو وائل" أجواء الرهبة التي يحسها هنا الآن .. لكن "أبو وائل" ليس موجودا هنا ..
الليلة لا قيمة للأسماء ولا للجنسيات ولا للأعمار و الهويات ..
تراجعت السيارة إلى الخلف مغادرة ثم اختفت في الظلام ..
ضغط "غسان" قليلا على يد عباس ..
_ "هل تعرف أني أحبك يا عباس أكثر من اخوتي الذين تركتهم في مخيمات الشتات بلبنان ؟ ..
لقد كان عباس يبكي فعلا والدموع تنهمر من عينيه بلا إرادة .. لا يعرف عباس لماذا تجتاحه الدموع و هو على مشارف الجرح الفلسطيني ..
تقدم " غسان" أمام عباس وهو يدخل إلى غرفة صغيرة خلف المرآب .. يبدو أنه يعرف المكان جيدا .. كان هناك ثلاثة أشخاص متوسطي العمر ينتظرانهما ..
لم يطل الترحيب طويلا وهم يشربون كؤوس الشاي النصف ممتلئة .. كان الشاي حارا حقا ..
على الطاولة الصغيرة وسط الغرفة كوفية فلسطينية وعليها وضعت نسخة من "المصحف الشريف" وجنبها نسخة من "الإنجيل المقدس" ..
صمت رهيب كان يلف الغرفة سرعان ما خرقه أصغر الرجال الثلاثة وهو يسحب من تحت حزامه مسدّسا ..
عباس يحاول أن يتمالك نفسه ما أمكن حتى لا يغشى عليه فهذا الإحساس لم يعرفه من قبل ..
_ "الليلة ستؤدي قسم يمين الولاء لحركة فتح والثورة الفلسطينية المقدسة ..
مبروك عليك.يا عباس شرف الإنتماء للثورة .. ومن اللحظة أنت مقاتل من أجل فلسطين ..
وضع الرجل المسدس جنب الكتابين المقدسين وطلب من عباس أن يضع يده اليمنى على كتاب دينه المقدس ويردد معه قسم التنظيم ..
لا يعرف عباس لمَ لمْ يضع يده على أي من الكتابين بل سبقته يده لتحضن المسدس ثم شرع في أداء يمين القسم ..
إحساس العظمة والكفاح المسلح لا يعرفه حقا إلا مقاتل من أجل فلسطين ..
( أقسم بالله العظيم. أقسم بشرفي ومعتقداتي… أقسم أن أكون مخلصاً لفلسطين… وأن أعمل على تحريرها باذلاً كل ما أستطيع. وأقسم أن لا أبوح بسرية حركة فتح… وما أعرف من أمورها… هذا قسم حر… والله على ما أقول شهيد…)
** سليمان الهواري / حكايا من همس الذاكرة **








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير