الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الإنسان بين النزوع الفطري وأستحكامات الوجود المادي ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 4 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وحتى لا يتحول شعور الإنسان على أنه كائن مستلب الإرادة أمام قوة الله وسطوة الحكم الديني وجبروت الطبيعة المحيطة بكل وجوده الذي طالما أشعره ويشعره كثيرا أن مجرد وجوده في هذا العالم هو أعتداء عليه لأنه تم إيجاده بعذر غير مبرر, فلا بد أن يستوجب منه أما بالمقاومة أو ضرورة وجود من يفسر له ويبرر له السبب والنتيجة أو يعوضه عن هذا الجرم التكويني بحقه ببدل مادي يجبر إنكساراته في هذا الصراع والتنازع, لذا يمكننا أن نقول أن الإنسان عندما يبدأ التفكر بوجوده يتحول طبيعيا ولا إراديا إلى ثائر من حيث لا يعلم، أنه يحتج ويقاوم هذا الإستلاب, فقد ينجح مرة بتوظيف ثورته الذاتية لتكون مكسب تعويضي وتنفيس عن الكبت والخيبة والفشل، وغالبا ما ينتهي التمرد باليأس ليتحول إلى كارثة تزيد مساحة الشعور بالخيبة من الله أو الرب أو الدين أو المؤسسة التي فرضت عليه هذا الوجود فيصبح ناقما أو نائما .
هذه النتائج الكارثية التي يصحو عليها الإنسان نتيجة الثورة الناقمة المستولدة من إشكاليات عدم الحصول على تبرير أو تفسير، أكبر ضررا على الإنسان والمجتمع والمنظومة العقلية الإنسانية بمجملها ومتعلقها الدين والأخلاق والمعرفة والفكر من الضرر المفترض، والذي يتحدث الكثيرون عنه نتيجة التفكير بنتيجة (أنه لا يحب المتخفين أو لا يحب الغائبين أو لا يؤمن بالمفترضين)، من سلسلة مقولات إبراهيم التكميلية التي أزعم أن كل إنسان عاقل يحدث نفسه بها لكنه مقموع من فكرة المحرم المقدس وضرورة التسليم بما قال النص ظاهرا دون استنطاقه ماذا يريد أبعد من بناءه أو ماذا يريد الرب منا فعلا عمله؟, قل لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون, العلم هو إرادة الرب لا التسليم التوارثي إنا وجودنا آبائنا فاعلون والله يقول أكثرهم لا يفقهون أي لا يفقه مراد النص وغايته الكبرى.
إذا السؤال المتبادر هنا, هل يصح للإنسان أن يخوض هذا الصراع والنزاع متعدد الأطراف وهو الذي يقر أولا بكونه كائن غير مكتمل لا بعنصر القوة ولا بإرادة البقاء أو المغادرة وشعوره المتأت من عجزه عن المجارات في كل مرة ليصبح مرة كافرا ومرة مجنونا؟ ومرات كثيرا عبدا للقوى المسيطرة ويخسر تمرده كما يخسر في أحيانا كثيرة قضيته الأساسية وهي حق في التعبير عن وجوده كما ينبغي أن تكون؟, الجواب الآن مرتبط بجواب السؤال الذي يثار دوما,هل نجح الإنسان مرة أن يدرك أنه متمرد غيبي يمارس تمرده في الظل ولا يصرخ بوجه من ينازعه كفى تخويفا وكفى قداسه, وليخرج من ذاكرته العميقة ذلك الطوطم الأبدي الذي يستعبده من خلال رسوخ فكرة العالم القادم المجهول الذي يقهرنا ونعلم أننا مأمورين فقط بالإيمان به دون دليل حسي أو عيني يؤكد أو ينفي وجود العالم الأخر, إن كان الجواب نعم فقد تهيأ له أن يثور صحيحا وعلى دراية واعية بما ثار من أجله, وإن كان الجواب لا فقد رزح تحت قيود العبودية للمجهول والغيب واللا أبالية في تدبر وجوده أصلا ويفقد مشروعية وجود العقل لديه أصلا.
هناك أيضا مسألة مهمة جدا وتعبر عن وجه من أوجه الفشل الأبدي أننا كبشر وضحية صراع أزلي مستمر لا ينتهي إلا برحيلنا عن الوجود, الأمر ينتهي دوما دون إجابة شافية عن معنى هذه الرحلة ولماذا خضعنا لها أصلا ومن وراء ذلك ولماذا الإنسان بالذات هو محور الصراع وهدفه؟, هذه المسألة التي لا نملك الشجاعة فيها أن نقول أننا خلقنا الخوف وخلقنا الخطوط الحمر التي يجب أن لا تنتهك وخلقنا عالم يصارعنا ونصارعه ولا نستطيع أن نصدق أننا كما خلقنا يمكننا أن ننفي أو نعدم هذا العنصر ونخرجه من دائرة الأهتمام والتأثير، وبذلك نحصر صراعنا ليكون قطبي بيننا وبين الطبيعة لأن كلانا مخلوق من قضية ولقضية مختلفة لا يد للطبيعة فينا ولا يد لنا في خلق الطبيعة, سيكون صراعنا متكافئا من ناحية الرؤية الكونية فقط.
هل يقبل الإنسان مثلا أن يعيش بلا دين أي بلا خوف ولا أمل بجنة في عالم أخر, ماذا تنفعه الجنة إذا وهو لم يختبر ولو جزئيا شيئا من واقعها حتى يضحي بوجوده هنا لأجل موعود مؤجل غيبي متعلق بإرادة موجود غائب متخفي لا يظهر علنا ولا يحاول أن يمنحنا جرعة حقيقية من أمل بما يعدنا, فقط يأمرنا أو نحن نتوهم أنه يأمرنا بذلك, لا يهم في المسألة إلا حقيقة ما نخدع أنفسنا به أو نتوهم أنه حقيقة, لماذا علينا أن نخضع للدين كخضوعنا أو نزاعنا مع الطبيعة مع أختلاف في كل شيء يمكن قياسه أو تحسسه بين الدين والطبيعة, صراعنا معها صراع حقيقي يومي تفصيلي وكلي ولكن صراعنا مع الدين خفي وخجول ومتستر عليه ولا يمكن لأحد حتى أن يبوح لنفسه بوجوده خوفا من التكفير و التفكير .
من عوالم السؤال إلى واقع التدبر ماذا حصد الإنسان؟ وما هي حصيلة هذا الحراك العقلي؟, وقف الكثير من الفلاسفة والمفكرين طويلا أمام هذا السيل من الأسئلة وحاول كل منهم أن يجيب بالقدر الذي يؤمن أنه لا يجلب له الموت على يد فرسان المجتمع القافل على خط الخنوع والرضوخ وما زال الكثير مخفي عنا, لكن الظاهرة التي تقول أن الغالب منهم ألحدوا أو استغرقوا في الإيمان لم تكن صادقة فالإلحاد غير الفحص, الأول نكران وتجنب المواجهة من خلال الرفض للفكرة، وقد تأت أحينا من تفكر لكن القضية يجب أن لا تبنى على مجرد الرفض والإنكار، بل تتعدى إلى ما هو أعمق من هذا الحد لنكون أكثر صراحة مع أنفسنا ونملك أمر التقرير بدليل عقلي علمي ذاتي يصل بنا لنهاية، تقول أن مشكلتنا أن عقولنا تأبى إنكار قوة المجهول المعظم برغم أن دليلنا واضح وصريح أو بالعكس .
العقل الذي أستدل على وجود العوالم الما بعدية بكل ما تيسر له من أدوات وأصبح الوجود الما بعد الوجودية حقائق يقينية عنده ولا تقبل التغيير, اليوم هو موضع اتهام وذم لأنه مدعو وبإلحاح أن يكتشف بنفس الوسائل والأساليب حقيقة ما أكتشفه في محاولة ثانية منه تكون أكثر جرأة من ألأولى, فأما أن يعزز قناعاتنا به وبها, أو يطرح بديل جديد أو محدث لما سبق أن توصل إليه, إذا كان العقل حقيقة هو من أوصلنا لهذه المعرفة فهو اليوم مسئول عن الإجابة عن كل تساؤلاتنا الملحة وبعكسه سوف نضع أشارة تعجب واستفهام وإدانة لكل ما سطره في يقينا البدائي هذا.
الذين يظنون أن العقل الإنساني لا يصلح لهذه المهمة وليس بمقدوره أن يكون اللاعب الأساسي والقائد المتجدد في تقرير مصيرنا الوجودي، هم من يتمسك بقوة عن حصاد العقل الأول ويدافعون بكل قوة عن ما أنتج خلال رحلته الطويلة, وهذه من المفارقات العجيبة والغريبة حين تنحاز مرة لموضوع وبكل قوة وتدافع عن قضية الموضوع بأعتباره حكم حقيقي ثابت, تأت أنت في نفس السياق وبنفس الآلية والمنطق ترفض أن يفعل الموضوع وظيفة القديمة وهي تكرار للعملية الأولى ومجاراة لذات المنطق بحجة العجز الذاتي وقصورية العقل أن يفعل مثل هذه المهمة.
هذا التناقض يفترض سلسلة من النتائج تتعلق أولا أما بتعزيز العقل كونه الوسيلة والأداة والمنهج الذي أوصلنا لما بين أيدينا من نتائج، ورفض فكرة تعطيله أو فكرة القصورية الطبيعية فيه أو رفض النتائج الأولى وكل ما بني عليها وجعلها مجرد نتائج أحتمالية وتخمينية، وبالتالي فهي معرضة حالها حال كل النتائج التي لم تتعرض للبرهان والمسائلة والنزول بها من مرتبة اليقين المقدس وجعلها من ضمن كل النتائج الطبيعية الخاضعة دوما للنقد والتفنيد بأعتبارها مجرد معرفة قابلة لكل الأحتمالات.
ثانيا سيكون وفقا لهذا المنطق تعريض كل العقل بأعتباره منظومة ناقلة وبانية ومدركة للمعرفة إلى الحاجة للتشكيك الدائم وعدم الأعتماد على سلسلة الأحتمالات التي ينتجها بنظامه الخاص، مما يطعن بكل الحقائق التي عرفها العقل ومن ضمنها مسائل أساسية وتسليمية منها حقيقة وجودنا الأصلي، وقد يكون هذا الموضوع أيضا مجرد أحتمال أو تخمين لحاجة إلى معيار تدقيقي وقياسي نستطيع من خلاله معرفة حقيقة ما نحن فيه، لأن زج الأحتمال في موضوع الإستدلال يجعل من الأخير مجرد عبث أو تقدير معرض للإبطال .
إن إدراكنا وحاجتنا لمثل هذه الأسئلة الجوهرية وهي تأتي في إطار بناء وعي حقيقي بالكثير من القضايا التي مرت وتسالمت عليها الإفهام واعتبرتها منجز يقيني غير خاضع للسؤال والنقد، مما كون اتجاها عقليا قاد لمرحلة متقدمة من التحجر والتقوقع وتقويض حرية العقل الإنساني في أكتشاف ممرات ونوافذ وأبواب ينطلق منها لفضاءات أرحب وأوسع، وخاصة في تلك المسائل التي تدخل فيها الدين أو بالأحرى القراءة البشرية للدين عندما وجد نفسه محاصرا بها دون إجابة، فأغلق باب التفكر والتدبر ليس لأن نتائجها غير معلومة ولكن لأنها تكشف عجز وفشل تلك القراءات من إدراك حاجة العقل للحرية، وعجزها هي أيضا أن تكون مع قدرها في مواجهة العقل وأسئلته ومطالبه بالحرية.
العجيب أن الكثير من الذين يتزعمون فكرة التحرر من السلفية الفكرية والبحث عن أفق عقلي جديد هم أكثر الناس خشية من مواجهة العقل ومواجهة هذه الأسئلة وإثارة المزيد من التساؤلات الأعمق، والعلة في ذلك تعود لأنهم ليسوا قادرين ولا راغبين في المواجهة إلا بحدود تسفيه عقل الاخر ووضعه في موضع الشبهات من خلال الطعن بالقاعدة العملية النظامية التي يبني الأخر عليها فكرته الخاصة, ومن هنا أما أن يكون العرض ساريا وعاما ومجردا خاليا من الخصوصية والتخصيص، أو التخلي عن المشروع لأن الفكر ليس سوقا تجاريا بحاجة للربح والخسارة.
الخطاب التحريضي ضد العقل ومشروعة عقلنة الوجود وعقلنة كل النتائج التي نؤمن بها ونجعلها جزء من حركة وجودنا تتطلب منا عدم التفريط بحقيقة العقل، ولا بتحميله الفشل والخذلان المتكرر نتيجة عدم أستيفاء الواقع لضرورة هذه الثورة الفكرية العقلية، وعدم مواجهتها بالشجاعة المطلوبة التي واجه بها الفلاسفة الأوائل والمفكرون الكثير من الخزعبلات والأساطير الأولى، ووضعوا العقل البشري على جادة الإصلاح الوعيوي الذي من نتائجه هذه الثورة المعرفية والمعلوماتية التي لا يتمكن الكثير منا مجاراة التوسع والإنطلاق المرعب لحدودها، نحو حدود الأدنى منها يعد قصيا في فترة ماضية بسيطة.
ما يحتاجه العرب والمسلمون اليوم خطاب مختلف نوعي وقيمي عن السائد التأريخي والمعتمد على (كان وسوف) وما أعتاد عليه الفكر العاجز عن مجاراة عصره والتحولات الكونية ليقدم نموذجا أستشراقيا بعيدا عن الثرثرة والتبرير وحكايات الألف ليلة, فقد تكفي فكرة بزمنها القصير أن تغير معادلات قائمة وتتبنى مشروعا فيه ملامح التطور والتبدل كلحظة سقوط التفاحة, هذا التغيير في الخطاب لا تستطيع المؤسسة الفكرية القائمة الآن أن تتبناه ما لم تتخلص من شبح السيف وراية الحلال والحرام والثابت والمطلق الديني والاجتماعي، وأن تنزع لها وجودا متحررا خارج الخشية من قبول الأخر له أو رفضه .
الخلاصة نحتاج لفكر متحرر وشجاع ومسئول وقادر على العمل بأصعب الظروف دون تبريرات وتقريرات، والزمن كفيل بدعم المشروع الحقيقي وكشف التزييف والتحريف على قاعدة أن الصحيح قادر على المواجهة والمزيف يسقط في أول جولة, وليس التدرع بالفعل الآني وردات الفعل الهيسترية من قبل المتمسكين بالممكن والمعقول, وحرمان العقل من أن يسترد وعيه ودوره في ظل منطقة زمنية وجودية عند الأخر جعل من العقل الحر ونشاطه التأملي والتجريبي والافتراضي مفاتيح للعالم المنشود، دون أن يخشى أن يواجه بسيف التخلف القداسة والحرام البشري والمحال العقلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك




.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر