الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امرأة تعيش خارج الذاكرة .. لماذا ؟؟

تميم منصور

2018 / 4 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


من خلال متابعتي للمسيرة النضالية لعدد من الثائرات الجزائريات ، خاصة الجميلات الثلاث ، وهن جميلة بوحيرد ، جميلة بوعزة ، وجميلة بو باشا ، وجدت أن ميزان عدالة التاريخ لم يكن منصفاً ، وهذا الانحراف في مؤشر قياس الأحداث والسيرة النضالية لدى الجميلات الثلاث، قد توقف طويلاً أمام مسيرة جميلة بوحيرد النضالية ، وتحرك بسرعة أمام بوابات النضال والكفاح الذي مارسته كل من جميلة بو باشا وجميلة بوعزة ، لهذا السبب نجد ان الأضواء الاعلامية واقلام المؤرخين رصدت حياة جميلة بوحيرد بعمق يزيد عن العمق الذي رصدت به كل من جميلة بو باشا وزميلتها جميلة بوعزة ، كان من المفروض ان يتم اصلاح هذا الغبن من قبل اولئك الذين اخذوا على عاتقهم تدوين تاريخ الثورة الجزائرية ، وخاصة دور المرأة الجزائرية فيها .
لا أحد ينكر الدور البطولي الذي قامت به جميلة بوحيرد ، وتعرضها لأقسى أنواع التعذيب في السجون الفرنسية ، لكنها نالت حظها بما فيه الكفاية من الشهرة ، حتى ان البعض يعتبرها مناضلة عالمية ، لقد أصبح اسمها على كل لسان خاصة في سنوات الخمسين والستين ، يفضل التغطية الاعلامية التي وفرتها لها وسائل الاعلام المصرية- أفلام وأناشيد وقصائد شعرية - في تلك الفترة ، في حين فإن الجميلتين الثانيتين بقيتا في الظل ، رغم ان الدور البطولي الذي قمن به لا يقل عن دور جميلة بوحيرد .
وهناك من يلحق بعض الاسقاطات في مسيرة وحياة جميلة بوحيرد ، في مقدمة هذه الاسقاطات زواجها من المحامي الفرنسي الذي دافع عنها أثناء اعتقالها ، لم يتقبل الكثيرون حتى من ابناء الشعب الجزائري هذه الخطوة ، واعتبروها غير لائقة بحق مجاهدة كبيرة مثل جميلة بوحيرد ، وبعد الاستقلال اختارت ان تعيش مع زوجها الفرنسي في باريس ، بدلاً من العيش في الجزائر ، ولا تزال تعيش في فرنسا ، وكان لهذا تبعات كبيرة وهامة ، انعكس على حياتها وعلى اولادها ، أما زميلتها جميلة بو باشا ، فقد ذكرت في المقابلة التي أجرتها مع صحيفة النصر الجزائرية عام 2014 ، بأنها قررت بعد الاستقلال ان تعيش في الجزائر كبقية المواطنين ، لأنها لم تعتبر نضالها وكفاحها منة على أحد ، بل اعتبرته واجباً ، بل فرضاً وطنياً ، وتأملت من الأجيال اللاحقة التي حظيت بنعمة الاستقلال ، أن تستمر بحمل المشاعل وتساهم في بناء دولة حرة متطورة ، يتساوى كل ابنائها أمام القانون .
جميلة بو باشا من مواليد 1938 ، تنتمي الى اسرة ثورية ، والدها عبد العزيز بو باشا ، كان شخصية معروفة ، داخل صفوف الحركة الوطنية الجزائرية ، والى جانبه جميع اخواتها وأقاربها ، في صغرها علمها والدها ان تنشد الاناشيد الوطنية الجزائرية ، وعندما بلغت سن الرشد قررت الانضمام الى الفرع النسوي في حزب الشعب ، وفي سنة 1953 انضمت الى الاتحاد العام للطلبة الجزائريين ، بعد ذلك انضمت الى صفوف الكشافة الوطنية .
عندما اندلعت الثورة الجزائرية عام 1954 انضم والدها للثوار ، وتبعه شقيقها جمال وشقيقتها نفيسة ، ومن ثم لحقت بهم وانضمت الى صفوف الثورة بمساعدة شقيقها جمال ، الذي كان يطلعها على تحركات الثوار .
كلفها الثوار بنقل المنشورات والرسائل بين المجاهدين ، فضلاً عن القيام بتنظيف السلاح للثوار ونقله من مكان لآخر ، كما قامت بنشاطات أخرى لخدمة الثورة في منطقة بوفاريك وبلدة البليدة .
من بين العمليات العسكرية التي قامت بها وضع قنبلة في محطة لتجمع العسكر الفرنسي ، وقامت بنقل الأدوية وايصالها للمجاهدين ، ومن بين كبار المسؤولين في الثورة الذي دربها مع مجموعة من الفتيات المجاهد المعروف " مصطفى شلحة " . الذي قرر أن يضع على عاتقها اكبر المهام التي كلفت بها وعرضتها للخطر ، القيام بنقل الأسلحة وايصالها للثوار .
في اجابتها على سؤال حول موعد اعتقالها لأول مرة ، قالت : تم توقيف كل افراد الأسرة اول مرة عام 1957 ، فقد القي القبض على شقيقها جمال في معركة بناجية بير خادم ، لكن شقيقها انكر مشاركتها في الثورة ، فأخلوا سبيلها ، فواصلت العمل داخل صفوف الثوار ، الى درجة انها شاركت بشكل فعلي في مهاجمة دوريات فرنسية ، وفي سنة 1960 وخلال احدى الاشتباكات ، لم تتمكن من الانسحاب فالقي القبض عليها ، وبقيت في السجن حتى نيل الاستقلال . في المعتقل تعرضت جميلة بو باشا لشتى أنواع التعذيب لمدة خمسة أسابيع متواصلة .
رفضت في البداية سلطات الاحتلال الفرنسي تقديمها للمحاكمة ، لعل وعسى تموت في السجن ، لأنها عاشت في غيبوبة متقطعة من شدة التعذيب ، وعندما قرروا تقديمها للمحاكمة رفضت ، لأنهم منعوها من توكيل محامية نزيهة من طرفها لتدافع عنها ، تمت محاكمتها غيابياً وحكم عليها في البداية بالإعدام ، ثم خفف للسجن المؤبد .
أخلي سبيلها كباقي الآف المعتقلين بعد حصول الجزائر على الاستقلال عام 1962 .
تقول جميلة بو باشا في مقابلة معها ، بأن الرئيس الجزائري أحمد بن بله عرض عليها مناصب مختلفة هي وزوجها المدعو عمر خالي ، كان هو الآخر مجاهداً في الثورة ، ثم أصبح محامياً وعضو في البرلمان الجزائري.
اكتفت جميلة بو باشا بوظيفة عادية متواضعة بوزارة العمل ، وبقيت تمارس عملها ولم تغادر الجزائر حتى خرجت للتقاعد .
لم تتحمل جميلة بو باشا حالة الفوضى في نظام الحكم والفساد الذي استشرى في اجهزة الدولة ، خاصة في فترة حكم الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد ، فقررت اعلان الاضراب عن الطعام لمدة ستة أيام سنة 1989 ، احتجاجاً على تفشي الفساد ، كان شعارها ان من قاموا في الثورة ، عليهم مرافقة الجيل الشاب لإرشاده الى الطريق الصحيح .
هي تؤمن بأن الكثيرين من المسؤولين من افراد الأسرة الثورية لم يحققوا أهداف الشعب ، خاصة العدالة في توزيع ثروات البلاد والمناصب ، كما أن زوجها شاركها في هذا الرأي ، انتقدت المسؤولين الجزائريين لأنهم لم يقوموا بتوزيع الأراضي على الفلاحين بالتساوي ، فقد تلقى العديد من هؤلاء المسؤولين الرشاوى من كبار الفلاحين ، للحصول على اراض لا يستحقونها .
عبرت جميلة بو باشا التي حملت لقب " الشهيدة التي لم تمت " عن عدم رضاها عن كتابة تاريخ الثورة ، فقالت : في البداية كتبوا حقائق وقعت فعلاً ، ولكن هناك من حاولوا فيما بعد أن يظهروا انفسهم أبطالاً من خلال تزيين افعالهم ، كما فعل السادات عندما تطاول على عبد الناصر ، وتعترف جميلة بو باشا أن الكثير من الشهادات قد زيفت الاحداث ، فقد نسبت اعمال بطولية الى أشخاص لم يقوموا بها .
هذا غيض من فيض من تاريخ سيرة امرأة تدعى " جميلة بو باشا " أنها مثل الكثير من النساء الفلسطينيات المناضلات اللواتي يتجاهلهن التاريخ ، ويعشن خارج الذاكرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن