الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التصوف ضد العنف

محمد الاغظف بوية

2018 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


شاركت في لقاء للتصوف بحضور عشرات الباحثين المغاربة والافارقة ومن اسيا .ناهيك عن باحثين من العالم العربي .
لقاء التصوف احتضنته مدينة اكادير واستكملت الأعمال العلمية بمدينة العيون .انه الملتقى الرابع للفكر الصوفي عند الشيخ ماء العينين الذي تنظمه مؤسسة الشيخ ماءا لعينين للعلوم والتراث برئاسة الدكتور فؤاد مصطفى ماءا لعينين .
خلال هذا الملتقى قدمت مداخلة تحت عنوان التصوف ضد العنف قراءة في وضعية التربية .
نحن على يقين ان التصوف هو الفكر القديم الذي يحضر معنا فهو القديم الحاضر الذي به تستشرف امتنا المستقبل لانه يحمل في طياته حلولا لواقعنا الماساوي .فقد كان من طبيعة المتصوفة حل المشكلات وفي ادبياتهم وسلوكهم طرقا لتقويم الامة واعادتها لجادة الصواب .ولذلك فان راهنية التصوف تستدعي منا استحضاره في واقع مأزوم مرتبك مظلم .
لقد خبر الصوفية الواقع واسسوا مناهج قائمة على نبذ العنف والاقصاء والتهميش وطوروا اشكالا من التربية تهدف الى اخراج النفس البشرية من قوقعة مظلمة الى ساحة للتحرر والتعايش والانضباط .
فالتربية الصوفية شكلت نموذجا خلاقا لمواجهة الهشاشة وضعف الايمان .ولذلك نجد الصوفية قد بادروا الى اذكاء روح الاخاء والسلام والقوة والتعايش انطلاقا من مرتكزات تربوية تقوم على علاقة الشيخ المربي بالمريد التلميذ نذكر في هذه الورقة نماذج منها ـ النموذج الاول مقتطفات من التربية الصوفية بصفة عامة والنموذج الثانى التربية عند الشيخ ماءالعينين كنموذج خاص ـ فكيف كان يربي الشيخ تلميذه ؟


1ـ اتخاذ الشيخ:
أول ما يطلب من التلميذ _المريد أن يتخذ شيخا ناصحا ليدله على الطريق وفي هذا الصدد يقول صاحب الرسالة ،الامام الاستاذ عبد الكريم القشيري :"ثم يجب على المريد أن يتأدب بشيخ. فان لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان " 1
2ـ مواصفات الشيخ أو شروط المشيخة :
الطريقة الفاضلة والحسنة عند الصوفية من يقودها شيخ عارف تتوفر فيه مجموعة من الخصال والشروط يمكن اعتبارها موضوعية منها على سبيل المثال لا الحصر :
ـ انتماء شيخ الى شيخ أو مشيخة ، أو مااصطلح عليه عند القوم بالسلسلة الصوفية ،وهذه السلسلة هي عبارة عن سند يتناقله الخلف عن أسلافهم وتبدأ هذه السلسلة بالجنيد المعروف بسيد الطائفة .
3اداب المريد –التلميذ:
وقد وضع المتصوفة ادابا وأوجبوها على المريد والسالك في الطريق الصوفي ومن اهم هذه الاداب :
ـ عدم مخالفة المريد لشيخه فموافقة القلب والجوارح فلا انكار ولا اعتراض لأن ذلك من شأنه ادخال الفتنة الى قلب المريد يقول القشيري :" وأن لا يخالف شيخه في كل ما يشير عليه لان الخلاف للمريد ابتداء حاله دليل على جميع عمره " الرسالة ص 182
يتأدب المريد مع شيخه حتى يتأكد له أن نهايته السعيدة ستكون مع من يحمل همه ،من يرفع قدره وشأنه يقول الامام ابن عربي الحاتمي صاحب كتاب الفتوحات المكية " ومن شروط المريد أن يعتقد في شيخه أنه على شريعة من ربه ونبيه منه ".
ان اعداد المريد نحو القرب من الله تعالى والتعلق به هي أسمى الغايات والمقاصد ولا يتم الاعداد لهذه المقامات الا اذا سلك المريد –التلميذ طريق الزهد في الدنيا علما أن الزاهد يجب أن يكون مالكا للدنيا وليس الدنيا مالكة له ،وبمعنى أدق وأشمل بأن يكون مشاركا فاعلا في الحياة عن طريق العمل والمعرفة وتتم المعرفة عن طريق القراءة وهنا تحدد المدرسة الصوفية نوعية هذه القراءة والهدف منها .
فالصوفي من خلال التربية يسعى الى الدنيا للكسب أولا ويشارك في الحياة مع لعب دور مهم في تطوير أساليبها والرقي بها من خلال سموه الروحي .
ويعمد أئمة وشيوخ التصوف بتربية طلابهم بطريقة معقلنة تقطع مع اساليب التطرف والعنف بل تجعل المريد قادرا على المشاركة والتفاعل وتبعده عن روحية تعزله عن محيطه .فالصوفي المربي يرمي من تربية موضوعية ومركزة. اخراج المريد عن المألوف وكسر العادة بوضع أسس سليمة لتربية روحية .
يتبين من خلال الواقع التربوي للصوفية ،وكذلك الانتاجات العلمية و الدراسات الفكرية حول هذه الظاهرة التي سكنت الفكر الإسلامي وأخذت موقعا لها .أن التربية الصوفية قدمت للفكر الإنساني حلولا لقضايا أخلاقية وعلاجات لمشاكل عويصة منها الإرهاب والعنف الذي يكاد يفتك بالإنسانية جمعاء .
فقد قدمت الصوفية للإنسانية فكرة أن الإنسان يحيا لأجل أخيه الإنسان.
وقدمت إمكانية الانطلاق بثبات نحو الإدراك الكامل المبني على الحب الشديد للخالق وكذلك الحب المؤسس على الانفتاح والإيثار وكراهية العنف والتسلط والقهر.
إننا نتذكر فضل التصوف واثاره على البنية النفسية للانسان لنؤكد وبالملموس ان التربية الصوفية قضت على الفوارق الاجتماعية التي تهدد السلم المدني .فالشيخ عندما يخاطب المريد بل وعامة الناس يبتعد عن خطابات التفرقة ويرفض استحضار الانتساب والولاء العرقي والاثني والطائفي واللغوي .
للحديث عن التربية الصوفية وما عالجته من قضايا جعلت المتتبع للشأن الديني يقف باعجاب للمستوى التربوي العميق للإنسان الصوفي الذي يحمل الانسانية في قلبه وفكره وعقله .ولنا في شيوخ التصوف اسوة حسنة ودليل واضح على شموخ التربية الزهدية وعلو مقامها نقف للحظات دقيقة مع أهم مدرسة عرفها العالم الاسلامي ولاسيما الغرب الاسلامي او ما يصطلح عليه ببلاد المغرب الكبير .مدرسة لم ينحصر انتاجها الفكري على علم التصوف .وإنما كان الإنتاج شاملا ومتنوعا من فقه وتفسير وأصول وحكمة .مدرسة الشيخ ماءالعينين .
فمن هو الشيخ ماءالعينين ؟
ان افضل التعاريف التي يمكن ان تختصر لنا هذا العلم . اننا أمام موسوعة علمية وفقهية نقارنه بشيوخ الاسلام الاوائل كالغزالي وابن تيمية والقاضي عياض ..واصحاب المدارس الفقهية والكلامية ،فقد عمت شهرته الافاق .فتألق اسمه في سماء العلم والمعرفة بين الناس كشيخ وعالم وفقيه ومحدث وأديب ومتصوف وقائد في ميدان الحرب .
فلماذا اختار الشيخ ماءالعينين التصوف كمبدأ أساسي في حياته وكيف كان يربي مريديه ؟
اختار الشيخ التصوف لاعتبارات خطها في كتاباته ومؤلفاته التي لاتعد ولاتحصى منها قوله:"...التصوف علم به صلاح القلوب وتهذيبها من العيوب وبه انكشاف الحجب عنها لمشاهدة الغيوب ".نعت البدايات ص6 للسياسة التربوية للشيخ ماءالعينين ابعاد كبرى فكان الهدف تربية المريد على اسس متينة تجعله مشاركا ونشطا وفاعلا. وفعلا لقد تمكنت جامعة الشيخ من تخريج بناة للحضارة مدافعين عن وطنهم معتزين بانتماءهم الديني .وقد أخذوا على عاتقهم نشر قيم المحبة والوسطية والاعتدال .فقد جعل الشيخ ماءالعينين المريد متخلقا باخلاق المصطفى عليه السلام وجعله أحق باحياء سنته والتخلق بأخلاقه .
منهج الشيخ التربوي يقوم على محاربة الغلو وضعف الإيمان ويتأسس على ابتغاء التلميذ _ المريد للكمال او ما يسميه الشيخ عبد القادر الجيلاني بالإنسان الكامل وعند الفلاسفة الوضعيين بالكمال الشخصي .قلت يقول الشيخ ماءالعينين في هذا الصدد " ومن اشرف الخصال طلب الكمال ،والكمال هو التخلي عن الأوصاف الذميمة والتحلي بالأوصاف الحميدة " .
نذكر في هذا المقام ان الاوصاف الحميدة المتعارف عليها عند المتصوفة وعند الشيخ ماءالعينين هي : العلم والحلم والكرم وصفاء الباطن والرفق والصبر والتواضع والزهد والتوكل والحياء والرضى والاخلاص والصدق والشفقة والرحمة على الخلق والحب في الله وسلامة الصدر والنصح والحضور والخشوع وحسن الخلق ونحو ذلك .
لنتذكر ونحن في هذا المجلس الرباني ان هذه الصفات وهذه الوصفات الطبية المقدمة من طرف ارباب التصوف لن تجتمع في قلب من يريد الفتك بالانسانية باسم الدين .
لقد رفض الصوفية عبر مسارهم التاريخي الغلو والتطرف وسيادة الراي الواحد .وادركوا ان الايمان القوي هو الصمام والحاجز والمانع بل هو الجدار السميك القادر على مواجهة التطرف والعنف .ولذلك يمكن القول بان الصوفية وعلى راسهم الشيخ ماءالعينين كانوا من دعاة اللاعنف .واللاعنف ممارسة عملية لمنطق اخلاقي اسلامي وهي اي اللاعنف بنية متكاملة متمثلة في قوله تعالى " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن .فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم " .
فالمدرسة الصوفية مدرسة تتبنى اللاعنف في مواجهة العنف ،ولان الانسان يملك قوى باطنية تقوده للسلم والحفاظ على حياته فان ارباب التصوف خصوا بترطيب قلب الادمي ونجحوا في الاخذ بيده بعيدا عن التهلكة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص