الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كردي من الجبايش

سربست مصطفى رشيد اميدي

2018 / 4 / 24
أوراق كتبت في وعن السجن


كردي من الجبايش

سنحت لي في بداية سنة 2017 زيارة الاهوار في محافظة ذي قار، وبضيافة الاخوان أبو عبير(عبد فيصل السهلاني) وشقيقه (حجي عباس) والاخ أبو أمل (عودة الشطري). وكانت فرصة طيبة ان ازور مدينة الجبايش وارى اهوارها عن قرب، حيث كنت اتمنى الذهاب الى جبايش في اية فرصة ممكنة منذ خروجي من السجن لسبب في نفس يعقوب. ولدى اقترابنا من مدينة الجبايش لاحظت من بعيد على اطرافها قبة كبيرة فاعتقدت للوهلة الاولى انها قبة لحسينية، لكنني لم الاحظ منارة لها، وقد تبين بعد اقترابنا من البناية بانه ضريح (شهيد الاهوار). حيث ان الحكومة العراقية بعد التغيير قد بنت هذا الصرح ليكون دليلا وتقديرا ووفاءا للدماء الكثيرة التي اريقت على ايدي نظام البعث من ابناء الوسط والجنوب وخاصة ابناء الاهوار ومن اوتهم من معارضي النظام من الاسلاميين والشيوعيين ومن الهاربين من جحيم حرب الثمان سنوات وانتفاضة اذار المجيدة 1991 وماتلتها من احداث. ان هذا الضريح يعتبر مبعث فرح واطمئنان بان دماء الشهداء لم تذهب سدى، وان نضالهم والمباديء الذين استشهدوا من أجلها هي في وجدان وخطط ومناهج الاحزاب التي وصلت للحكم، وخاصة الاحزاب الاسلامية الشيعية التي اصبحت تمسك بتلابيب السلطة باظافرها واسنانها.
هذه المزار كان محل توافد اعداد كبيرة من الزائرين من البلدة وخارجها، وحسنا فعل القائمون على المزار بعرض صور ووثائق داخل المبنى من فترة حكم البعث. ولكن البناء ليس بالمقام والرمزية التي توثق دماء شهداء الاهوار، وصرفت عليه بلايين الدنانير، ويقال بسبب بؤس الطراز المعماري ونوعية البناء بانه ميزانية المشروع قد (فرهدت) منه المال الكثير من قبل القائمين على تنفيذ المشروع. وقد لفت نظري تقرير امني بخصوص احد الضباط المجندين في عهد النظام السابق حول التزامه الديني ومشاركته المستمرة في زيارة كربلاء لسيد الشهداء الحسين بن علي بن ابي طالب.
( انت لا ، ارجع ) ،،،
( انت لا ، هم أرجع )،،،
( انت اي نعم تفيد، اطلع )
قال السجان ابو سلام في احد ايام نهاية تموز سنة 1988 على سجناء الزنزانة رقم (2) في قاطع الاعدام في سجن أبو غريب.
كاكه
استاذ
كاك سربست
يبدو ان المكان وهذه الوثيقة قد رجعتني الى ايام السجن عندما تم اختياري ك (عنقرجي) في السجن ولم احس بكلام الاخوان لمغادرة المبنى لانه كان قد حان موعد الغذاء.
هذه الوثيقة ذكرتني بايام السجن حيث بعد مرور 45 يوما على صدور حكم الاعدام بحقنا فكان علينا الاستعداد لتنفيذ الحكم بحقنا في ايام الاحاد او الاربعاء من كل اسبوع، وهي ايام تنفيذ الاحكام. وفعلا في يوم كئيب ونحن ننتظر مجيء زبانية النظام وفتح ابواب الزنزانات حيث تم فتح باب زنزانتنا فتوقعنا ان ينادوا باسماءنا ولكن السجان (عايد) نادى على اسم ( ضياء) و(ناهي) و(قاسم) و(ميثم)، طبعا مع اخرين من بقية الزنازين وقادوهم الى المشانق لتنفيذ حكم الاعدام فيهم. وكان (العنقرجي) السابق وهو السجين الذي يقوم بتوزيع وجبات الطعام على السجناء في المحاجر، من ضمن الذين تم تنفيذ حكم الاعدام فيه مع الاخرين، وقد كان شابا في ريعان عمره اذ لم يصل للعشرين من عمره ، واسمه (عبد الباري) من مدينة الجبايش. وقد ارتبطت معه في الاسابيع الاخيرة من عمره بعلاقة طيبة، حيث كان من الهاربين من الخدمة العسكرية الى اهوار الغموكة ولكن بعد القاء القبض عليه اتهموه بحمل السلاح ضد الحكومة ، فكان مصيره الاعدام. هذه العلاقة بدأت بمزحة بيننا حيث كنت قد سميت نفسي في تلك الفترة ب(أبو خناف) فكان المسكين يناديني ب (أبو كنافة) ملاطفة ولانه لم يكن يستطيع تلفظ حرف ال(V)، شانه شان اغلب الاخوة العراقيين من العرب. فقد كان قد سألني عن مدينتي فقلت مازحا له بانني من الجبايش، فقد صدق في البداية، حيث كيف كردي ومن الجبايش؟ وهكذا سرت هذه المزحة علي بانني كردي من الجبايش.
ابن الجبايش الشهيد(عبد الباري) وعشرات الالاف من شهداء الوسط والجنوب قد قدموا ارواحهم، من اجل انهاء حكم البعث، هؤلاء كانوا يحلمون بالقضاء على الظلم والاضطهاد والقتل والتعذيب والتهجير، كانوا يحلمون ببناء وطن يعيد فيه الاحترام للمواطن باعتباره انسانا قبل كل شيء، له من الحقوق على هذا الوطن مالكل مواطن على بلده في الدول التي تحترم فيها حقوق الانسان، وقد كانوا اوفياء للوطن لانهم قدموا ارواحهم فداءا له.
ان اختزال كل النضال السياسي وتقديم انهار من الدماء في الوسط والجنوب فقط بالحرية وضمان زيارة مراقد أئمة الشيعة، بتصوري هو استخفاف بالدماء الزكية لهؤلاء الشهداء، لانه لم يكن حلمهم الوحيد السير في الزيارات الى مراقد الائمة في النجف وكربلاء وسامراء، لا كان حلمهم بناء عراق يستوعب الجميع، لان فيه من الخيرات لو أستغلت بشكلها الصحيح فانها تكفي لضعف نفوسه الحالي، وليس كما تختزل الاحزاب الشيعية الحاكمة كل ذلك النضال ضد الدكتاتورية بحرية اداء الزيارات لمراقد الائمة فقط، وما عدا ذلك وكل الاحتياجات المدنية والمعيشية والانسانية كانما لاتهمهم.
وقد سنحت لي ان ازور محافظتي النجف وذي قار وشاهدت مدى بؤس تلك المحافظات وانعدام الخدمات فيها، وان الحكومات التي تراسها رئيس وزراء شيعي لم يضعوا فيها طابوقة واحدة لمشروع استراتيجي، على الرغم من وضع حجر الاساس لمئات المشاريع الوهمية اي التي لم تنفذ اساسا وموجودة فقط على ورق وزارة المالية او غيرها. هذه المحافظات اصبحت مجرد تجمعات سكانية لاغير، مدن منعدمة النظافة والتراب يتراكم في الشوارع وعلى الارصفة، علما انه تم الاهتمام بقطاع الفندقة في محافظة النجف نتيجة الاستثمار من قبل رجال اعمل شيعة من السعودية والخليج وايران وايضا مشروع النجف عاصمة الثقافة الاسلامية، اما الانسان الجنوبي فهو في نظر الاحزاب الاسلامية الحاكمة مجرد رقم يحسب له الحساب في يوم الانتخاب فقط، وبعد ذلك فهو منسي في دهاليز الزمن يعاني البؤس والشقاءعلى مر السنين.
ان الاحزاب الاسلامية قد اهدرت مئات المليارات من العملة الصعبة تكفي لبناء وطن في عرض البحر في مشاريع وهمية وعلى تنظيماتهم المسلحة وفي تضخيم ارصدتهم في الخارج وشراء مئات الفنادق والدور والقصور والشركات والمزارع والجزر في اوربا وامريكا واستراليا. لكن لم يهتموا بابناء جلدتهم في الوسط والجنوب، لا بل ان الاهمال المتعمد واضح لدرجة ان تلك المحافظات كانت انظف ومستوى تقديم الخدمات كانت افضل في فترة نظام البعث عما هي عليه الان !! علما ان اغلب مدن الوسط والجنوب في فترة التسعينات كانت شبه مطوقة من قبل الجيش العراقي وقواته الامنية. وهذا الكلام عن هدر اموال العراق وعدم تقديم اية خدمات يسري ايضا على الاحزاب السنية الحاكمة أو ماتدعي ذلك وما تدمير محافظات كاملة الموصل وانبار وصلاح الدين وغيرها وقد اصبحت مدن منكوبة وتشرد اكثر من نصف سكانها الى محافظات اقليم كوردستان وخارج العراق، وهذا الا دليل على عدم التفات تلك الاحزاب لمصالح وامن مواطنيها قدر اهتماهم بمصالحهم الحزبية الضيقة.
ولو أن معالي وزير الخارجية قد ذكر مدينة اربيل ضمن المدن المنكوبة في العراق، وهذا بتقديري صحيح من وجهة نظره لان اي مدينة في العراق خارج اهواء احزاب الاسلام السياسي الحاكمة ولا تدور في فلكها ، تعتبر من وجهة نظرهم مدن منكوبة.
نم قرير العين ايها الشهيد (عبد الباري)، نم قرير العين وابقى تحلم بعراق يحترم المواطن فيه لكونه انسانا قبل كل شيء بعيدا عن الانتماء الحزبي والمذهبي والعشائري، الذي لم يتحقق. احلم بعراق يتوقف فيه القتل على الهوية، عراق لا يبقى فيها داعش واخواتها، احلم بعراق يحاكم فيها المجرمون والبعثيون التي تلطخت اياديهم بدمائكم والاف الشهداء، احلم بعراق يضع فيه خلف القضبان من كان يقصف المدن الامنة في اذار1991 وخاصة كربلاء والنجف والحلة، ويحاكم فيه من كان يقصف مرقد الحسين سيد الشهداء. عراق يحاكم فيها الفاسدون الذين نهبوا وينهبون اموال الدولة وفرهدوا ثرواته، واختفت موازنة سنوية كاملة دون رقيب أو حسيب.
وهذا كله لم يتحقق !!!
فنم قرير العين ولاتفتح عيونك على وطنك الذين أرجعوه مئات السنين الى الوراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف إسرائيلية من مغبة صدور أوامر اعتقال من محكمة العدل الد


.. أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى -حماس- يغلقون طريقاً سريعاً في




.. غضب عربي بعد -الفيتو- الأميركي ضد العضوية الكاملة لفلسطين با


.. اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق




.. أربك الشرطة بقنابل وهمية.. اعتقال مقتحم القنصلية الإيرانية ب