الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريمة أنْ تكتب!

ممدوح مكرم

2018 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


سردية أولى للسجن
في مصر صار كل شيء معسكرْ( أي مجتمع عسكري)، كأن المجتمع كله صار كتيبةً كبيرة يتحكم فيها قائدٌ واحدٌ ملهمٌ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فأنت في وطنٍ جارحٍ كالنمر- بتعبير الشاعر محمد الماغوط -، وطنٌ يؤلمك ويعذبك ويشقيك؛ وحتى لا مانع من أنْ يرديك قتيلا، وأنت تعشقه، وتذوب في هواه!
وطن يحكمه الفسدة والحواة والهواة والبهلونات والمعتوهون وأصحاب العاهات، لا مكان لي هنا بينكم؛ أقول هذا الكلام بمناسبة جريمتي التي أحاكم عليها ألا وهي: جريمة الكتابةّ! في شهر آيار/ مايو من العام الماضي ( 2017) وفي تمام الساعة 1.30 أو يزيد قليلا من صبيحة يوم الجمعة 19 مايو، داهمت قوات الأمن منزلي الكائن بمنطقة كوم الترمس( مركز أبنوب- محافظة أسيوط) كان سؤالي المنطقي للضابط: فين إذن النيابة؟ أو أمر الضبط و الإحضار؟
كانت الإجابة سمجة ومائعة: " وريني أوضتك، هوريك إذن النيابة" وكنتُ متأكد في قرارة نفسي: أنه لا يوجد إذن من النيابة، وأنًّ هناك قرار متخد لاعتقالي، في سياق حملة اعتقالات واسعة بدأت منذ آواخر أبريل 2017م، زادت أكثر في مايو، وفي مايو تحديدا تم التركيز على المنتمين لحزب العيش والحرية اليساري( تحت التأسيس) فقد تم القبض على رفاقي من الحزب في محافظات الشرقية والدقهلية والمنيا، ومحافظات أخرى.
بداخلي إحساس عميق طيلة يوم الخميس وماقبله، من أنه سيتم القبض عليَّ تحديدا؛ لا أدري لأي اعتبارات؟! وكنتُ أتحاور مع رفقينا( مؤمن عصام) الذي ذهب في ذمة الله قبل انقضاء العام 2017م الأغبر، وذلك على خلفية القبض على رفيقين لنا في محافظة المنيا المجاورة بصعيد مصر المهمش!.
دخل أفراد الأمن المدججون بالسلاح إلى الغرفة، والتي بها المكتبة، وأرشيف الصحف الكثيرة، هي مملكتي، أستقبل فيها أصدقائي ورفاقي، يقيم فيها من يقيم، ويبيت من يبيت، فيها أفعل كل شيء، أبكي/ أضحك، أفرح/ أحزن، أمارس فيها الروحنة، وأمارس فيها اللذة، هي ذاتي، وذاتي هي! الكتب تحتل المساحة الأكبر، وجهاز اللاب توب الذي أصبح جزءا مني، فبه وعليه أمارس لذتي في الكتابة، ولذة القراءة، إنه شبق المعرفة الذي لا يتوقف ولم يتوقف لحظة، منذ سطوع الإشراق بداخلي وبناء هذه العلاقة الحميمية مع الكتب منذ نعومة أظفاري. لم يكن الأمر معقدا بالنسبة لي ولا مدهشًا، فكنت في كل لحظة منذ حملات القبض أنتظر هذا المصير، لكن ما كنت أجهله هو ما التهمة/ التهم التي سيتم توجيهها؟! هل سيكون ذلك بسبب أنًّ الحزب قرر أو سيقرر( لم نكن قررنا بعد) أنْ يدفع بالزميل خالد علي للترشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية؟ ومواقف الحزب المعارضة بشكل حاد لسياسات النظام، وبخاصة في موضوع تيران وصنافير؟
حمدتُ اللهَ أنْ لم يتم الاعتداء على مكتبتي ولا حاسوبي، وتم اصطحابي إلى السجن( مركز أبنوب) وفي النيابة: تعرفت على التهم الموجهة لي، فهي تهم مضحكة، وتدعو للأسى في ذات الوقت!
الأولى: الانتماء لجماعة إرهابية محظورة، وما دام هذا اللفظ متدوال إعلاميا فالجماعة الإرهابية هنا في حالتي هي: الإخوان، وهذا وضح أكثر من سؤال وكيل النيابة لي عن الإخوان، بالتأكيد كنتُ في قرارة نفسي أتهكم على عريضة الاتهام، قلت له: إني عضو في حزب العيش والحرية، وأني اشتراكي التوجه، وأنَّ ذلك لا يمكن أنْ يلتقي بأية حالٍ مع التهمة الموجهة وهي: إني إخواني أو أنتمي للإخوان! أنا أؤمن بدولة علمانية لا بدولة دينية!
الثانية: استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في التحريض على هدم مؤسسات الدولة!! قلت له: أي مؤسسات؟ وأي ناس حرضت؟ هذا غير دقيق وغير صحيح، لا توجد قرائن مادية على ذلك، فالتهمة عائمة أو كما نقول مائعة!! ثلاثة عشر بوستا واجهنى بها وكيل النيابة في التحقيق في سراي نيابة أبنوب ظهيرة يوم الجمعة 19 أيار/ مايو.
كانت بوستات مستلة من حسابي الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي( فيسبوك) وقد أنكرت صلتي بهذا الحساب، رغم إنه حسابي( تم التهكير عليه قبل أسبوعين) مسألة الإنكار هي مسألة تكتيكية كما هو معروف في سياق التضييق الأمنى على المناضلين، للخروج بأقل الخسائر الممكنة!
كل البوستات المستلة من صفحتي كانت ذات بعد سياسي- اقتصادي- اجتماعي، نقد للنظام وممارساته وسياساته وانحيازاته الفجة للرأسمالية الكبيرة، وتماهيه مع آل سعود، وصهيونيات الخليج الأخرى من مدخل المساعدات التي تقدمها تلك الطغم الحاكمة لاقتصاد مصر المنهك والبائس منذ عقود، وزاد ذلك بعد يناير وتبعاتها، وهذا التوجه لأقصى اليمين منذ صعود السيسي بعد انقلاب 30 حزيران( يونيو)!
يعني الجريمة مجرد كتابة رأي، بعد سقوط التهمة الأولى بفضل تحريات جهاز الأمن الوطني، وحكمت المحكمة ( خرجت بعد أسابيع بكفالة/ إتاوة قدرها 10000 جنيه مصري) غيابيا خمس سنوات، وعارضتُ الحكم، ليتأجل الحكم أكثر من مرة، حتى قاربت القضية أنْ تقفل عامها الأول، ليصدر تأييدا للحكم يوم الأربعاء 18 نيسان/ أبريل 2018م ، أي المحكمة قد أيدت الحكم الصادر ( خمس سنوات غيابي) لتستمر القضية لمدى أطول، وكل الجريمة هي الكتابة!
فهل بتُ أشكل خطرا داهمًا على هذا النظام؟
لماذا يخاف هذا النظام من فعل الكتابة؟ وقد أغلق ما يقارب من 500 صحيفة و موقع إلكتروني بسبب نقدها لهذا النظام، الذي لم يسبقه نظام في هذا القمع للحريات، ولا هذا الانحياز للصوص والهليبة من رجال الأعمال!
إذا كانت الكتابة تخفيكم، فنستمر في الكتابة.
إذا كانت الكتابة تهز عرشك ياسيسي.. فسنكتب.
الكتابة ليست جريمة.
ولا العمل السياسي والانتماء الحزبي جريمة.
الجريمة هي الصمت على ممارسات هذا النظام.
الجريمة هي بيع تيران وصنافير، و1000 كيلو متر من سيناء لمشروع السفيه محمد بن سلمان( نيوم).
الجريمة هي رفع الأسعار، وجعل الناس يعانون، وترك الحبل على الغارب لحفنة من رجال الأعمال، يتحكمون في الثروات.
الجريمة اعتقال الشباب والزج بهم في غياهب السجون، وأخذ الجميع بالشبهة دون تفرقة بين إخواني وغيره، بين إرهابي قاتل سفاح، وبين مسالم وديع.
لا يخيفنا السجن، ولا يفت في عضدننا هذا القهر.
سنظل نكتب ونكتب، وسنظل نحلم ونحلم.
والثورة آتيةٌ لار يب فيها.
أبنوب في يوم الخميس: 19 نيسان 2018م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر