الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديمقراطيتهم وديمقراطيتنا

محيى الدين غريب

2018 / 4 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كلمة الديمقراطية تلك الكلمة التي يتفنن في ترديدها الجميع ، يجهر بها البعض ويتغنى بها بعض آخر ، ويتاجر ويساوم بها البعض الأخير. يحبها البعض ويعشقها بعض آخر ويخاف منها البعض الأخير. تختلف مقاييسها ومفاهيمها ورؤيتها وتفسيراتها حسب الزمان والمكان والظروف وحسب التقاليد والعادات ، وحسب عشرات أخرى من العوامل والملابسات.
ووجودنا في المجتمع الدنماركي اختصر علينا الكثير ، فالرؤية هنا واضحة بالنسبة لمقاييس ومفاهيم الديمقراطية ، حيث التطبيق الديمقراطي يكاد يكون نموذجياً وكاملاً واضحاً وبسيطاً مما هيأ لنا فرصة رائعة في الاشتراك معهم في ممارسة نوع من الحياة أجيد فيها مزج الحرية والعدالة مزجاً متوازناً.
هذه الإجادة هي نتاج أعوام طويلة من العمل المخلص اشتركت فيه جميع طبقات الشعب بكل حرفية الاشتراك على الصعيد الفكري والعملي لإنجاح تجربتهم الديمقراطية.
إن سلامة الديمقراطية يرتبط ارتباطاً وثيقاً أولاً وأخيراً بالوصول إلى هذا التوازن الدقيق بين الحرية والعدالة ، فلا أن يكون العدل تابعاً للحرية ولا أن تكون الحرية نافلة تتحقق إن سمح العدل بتحقيقها.
وبدون الوصول لهذا التوازن فإن التجربة الديمقراطية تكون غير كاملة والإغفال عن أهمية هذا التوازن يعرقلها ويؤخرها.
أما إذا كان هذا الإغفال مقصوداً فإن التجربة تكون قد خرجت عن قواعدها الأساسية في هذه المرحلة لتتحول إلى تجربة أشبه إلى واحدة من تجارب النظام الدكتاتوري أو الشمولي أو الإحتكاري ، حتى لو وصلت إلى أحسن صورها عندما يضحى بالحرية الشخصية من أجل العدالة الإجتماعية الكاملة أو العكس.
وجودنا في المجتمع الدنماركي وفر لنا رؤية واضحة للأمور. ودرجة الوضوح هذه تعتمد على درجة الوعي والنضج الاجتماعي والسياسي وما إلى ذلك. هذا الوضوح كثيراً ما كان حملاً ثقيلاً علينا كأغراب في مجتمع ديمقراطي لأننا تلقائياً وفي معظم الأحيان لا نكف عن المقارنات بين مجتمعنا الأصلي والمجتمع هنا.
ومع الأخذ في الإعتبار كل الظروف والفوارق في العادات والتقاليد والديانات والإختلافات الثقافية والحضارية ، كان من السهل لنا أن نرى أن تجربة مصر وبعض البلاد العربية ما زالت خارج حدود التجربة الديمقراطية الكاملة بمقاييسها الحقيقية ، حيث لم يتوفر قدر كاف من الحرية ولا آخر من العدالة وهما طرفا التوازن وشرطا التجربة الكاملة الناجحة.
وهذا ليس معناه عدم وجود بعض الحرية وبعض العدالة في هذه البلاد ولكن وجودهما لا يكفي لتحقيق الديمقراطية المطلوبة.
والذي وصلت إليه هذه البلاد التي تمارس بعض الديمقراطية هو بعض الحريات المحاصرة المشروطة وبعض من العدالة الإجتماعية النظرية والغير شاملة.
الخطأ التقليدي يكمن في أن الطبقة الحاكمة في هذه البلاد والطبقة التي في صالحها هذا النوع من الحكم تحاول جاهدة إقناع طبقات الشعب أنه يمكن الإنطلاق مباشرة إلى التطبيق الديمقراطي ، ثم تحقيق طرفي التوازن في مراحل لاحقة ، أو عندما تسنح الفرصة لذلك.
والرؤية هنا واضحة لأن الطريق إلى الديمقراطية له مراحل بعينها ، وكل مرحلة محفوفة بمعالم ونتائج متعارف عليها مهما اختلفت ظروف التطبيق ومهما اختلفت الشعوب وحضارتها ودياناتها وحالاتها الإقتصادية ..... إلخ.
معالم ونتائج ولغة مشتركة تلتصق بالإنسان في كل خطوة من خطواته في فكره في حياته في عمله وفي آماله ، لتشكل في النهاية حقائق يمكن بالنظر إليها التعرف على المسار الصحيح والديمقراطية السليمة.
فعدم وجود الفساد ومحاربته الجادة ما هو إلا حرص السلطة على تكافؤ الفرص وعدم التحايل على القانون.
وانخفاض نسبة الأمية ما هو إلا مزيد من فرص التعليم.
وانخفاض معدلات الوفاة ما هو إلا مزيد من الرعاية الصحية.
وارتفاع مستوى المعيشة ما هو إلا نجاح اقتصادي.
والمزيد من حرية الصحافة ما هو إلا ثقة النظام الحاكم بنفسه بتقبله النقد من أجل الصالح العام.
والسماح بالمزيد من النقابات التي تراعي فئات الشعب المختلفة ما هو إلا مزيد من العدالة الاجتماعية ومزيداً من التعرف على الحقوق والواجبات.
والمزيد من سماع الرأي الآخر وعدم إقامة عقبات في سبيل إنشاء الأحزاب المعارضة ما هو إلا اشتراك عدد أكبر من طبقات الشعب في إبداء رأيه ، وبالتالي إلى فرصة الاشتراك في الحكم وهكذا .....
الذين اتخذوا الطريق الصحيح للديمقراطية ليسوا غافلين عن المصاعب التي يمكن أن يصطدموا بها ، وليسوا نادمين على التضحيات التي يمكن أن يضحوا بها من أجل تصحيح المسار من حين لآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله اللبناني يوسع عملياته داخل إسرائيل ويستهدف قواعد عس


.. حزب الله يعلن استهداف -مقر قيادة لواء غولاني- الإسرائيلي شما




.. تونس.. شبان ضحايا لوعود وهمية للعمل في السوق الأوروبية


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية.. وطلاب معهد




.. #الأوروبيون يستفزون #بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال ا