الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تَرَسْمُل المُتَمَرْكِس : عصام الخفاجي أنموذجاً /15-20

حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)

2018 / 4 / 24
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


يواصل الدكتور عصام الخفاجي ترتيلاته في حمد ربه : سلطة رأس المال الغاشمة "بآياته الشيطانية" أدناه ، فيها المتشابه و المتشاكل ، و التي سأرقم منها أربعاً – منقولة كما هي بالنص – بين قويسات للمناقشة في هذه الحلقة و ما بعدها :
"أولاً / تخلّت معظم الحركات الماركسية في منطقتنا عن هدف القيام بثورة اجتماعية تقلب النظام الإجتماعي- الإقتصادي القائم، لكنها ظلّت خجولة، حذرة من الإعتراف بثورية النظام الرأسمال ي. والحاجة إلى دفع هذا النظام للكشف عن كل جوانبه الثورية هي أكثر إلحاحا في بلداننا مما هي عليه في البلدان المتقدمة،لأن ما يحصل في بلداننا اليوم ليس تطوّرا رأسماليا بل هو تطوّر، إن صحّت تسميته تطوّرا، قائم على الريع."
التعليق :
لا أعلم بالضبط من هي " معظم الحركات الماركسية في منطقتنا " التي "تخلت عن هدف القيام بثورة اجتماعية تقلب النظام الإجتماعي- الإقتصادي القائم " على حد تعبير المنقود ، و العهدة على القائل في مدى مصداقيتها . غير أن قناعاتي تفيد بأنه لا يمكن لأي حركة ماركسية أن تتخلى عن شعار الاشتراكية كهدف مستقبلي ضروري التحقيق في أوانه ، هذا إذا كانت تلك الحركة تعبِّر فعلاً – و ليس مداهنة – عن الفكر الذي اختارت هي بمحض إرادتها إطلاقه على نفسها : "الماركسية". و علاوة على ذلك ، فقد شهد تاريخ الشرق الأوسط و العالم أجمع – على الأقل منذ عام 1918 و لحد الآن – نشوء و تطور عشرات الحركات و الحكومات غير الماركسية ، بل و حتى المعادية للشيوعية ، و التي عمدت لتأميم الثروات كالبترول و الغاز و المرافق الاقتصادية الستراتيجة و الحيوية في أغلب بلدان العالم . و لكن صيغة المواربة المختارة لهذا النص تتناسى واقعين جوهريين يفرضان نفسيهما على كل حركة ماركسية – بموجب مقتضيات واقعها الملموس – عند رسم سياساتها الراهنة و المستقبلية ، ألا و هما : مرحلة التطور السياقتصادي السائدة في البلد المعني ؛ و شكل نظام الحكم القائم فيه . هذان الواقعان هما اللذان يمليان على الأحزاب الماركسية الأوليات و الإستحقاقات السياقتصادية الواجب تقديمها على غيرها في رسمها للبرامج السياسية ؛ حيث لا يجوز رفع شعار تشريك ملكية وسائل الإنتاج الرأسمالية عندما لا يوجد هناك إنتاج رأسمالي استغلالي أصلاً في حال سيادة أسلوب المشروعات الفردية و ورش الانتاج التشاركية أو التعاونية (اليمن الجنوبي ، مثلاً ) ، و لا عندما يكون النظام الإقطاعي هو السائد ، و لا قبل إنجاز مهمة التحرر الوطني . كما أن شكل نظام الحكم السائد و فاعليته (تداولي ، مطلق ، عسكرتاري ، بين-بين ، طائفي ، فاشل ) هو الذي يملي إلى حد بعيد السبل المتاحة للنضال السياسي و آفاقه . و لا يوجد في الماركسية ما يمنع انتهاج الطريق الديمقراطي لتحقيق التغيير الثوري المطلوب شريطة أن يكون هذا النهج متاحاً . و في كل الأحوال ، فإن الحزب الماركسي متى ما استبعد الاشتراكية كهدف ضروري واجب التطبيق في الوقت المناسب فإنه ينقلب إلى حزب رأسمالي عدو للماركسية ، كائناً ما كانت يافطاته .
نأتي الأن إلى جملة : " لكنها ظلّت خجولة، حذرة من الإعتراف بثورية النظام الرأسمال ي. والحاجة إلى دفع هذا النظام للكشف عن كل جوانبه الثورية هي أكثر إلحاحا في بلداننا مما هي عليه في البلدان المتقدمة" .
يلاحظ القارئ الكريم ولع الدكتور عصام الخفاجي المحترم بترديد كذبة "ثورية النظام الرأسمالي" المفضوحة ، و هو النظام الذي بات نظاماً رجعياً و مدمراً للبشرية قاطبة منذ كتابة ماركس و انجلز للبيان الشيوعي عام 1847 . بل و لقد إزدادت شراسته تمدداً على مر العقود ، حتى لم تنجو أي بقعة في العالم من شروره المستطيرة . و لو كانت القوى الثورية في الغرب قد أنجزت بنجاح الثورة الشيوعية الضرورية لتحرير العمل و الإنسان إبان القرن التاسع عشر أو خلال العقد الأول من القرن العشرين لما اكتوت كل شعوب العالم بالموت و الدمار الرهيب للحربين العالميتين و لا بالانقلابات العسكرية و الحروب المحلية المشتعلة في كل مكان ، و لا بالأزمات الاقتصادية الرأسمالية الواحدة تلو الأخرى ، و لا بالتدمير الرهيب للبيئة ، و لا بتقسيم سكان العالم إلى مليار "ذهبي" و ستة مليارات "فحمية" . و قبل التعليق على عبارة "دفع النظام الرأسمالي للكشف عن كل جوانبه الثورية في بلداننا" ، لا بأس من الإستشهاد هنا بمقتطف من هذا الخطاب للفيلسوف الأمريكي من أصل روسي "أندري فلتشيك" (و هو أيضاً روائي و مخرج سيمي و صحفي محقق) المعنون : "جرائم الإمبريالية الأوروبية : أوربا مبنية على الجثث و النهب" و الذي ألقاه مطلع عام 2016 تحت قبة البرلمان الإيطالي بغية الختم على كلام الدكتور عصام الخفاجي بدمغة الكذب الصراح الحاسمة ، عله يرعوي فيفكر ثانية بتدبر المعنى الحقيقي لليمين و اليسار في السياسة على نحو موضوعي .
نص الخطاب :
"جرائم الإمبريالية الأوروبية
أوربا مبنية على الجثث و النهب
أندري فلتشيك
(خطاب ألقي في البرلمان الإيطالي بروما ، بتاريخ 29 ، كانون الثاني ، 2016)
أصدقائي و رفاقي ، إنه لشرف عظيم أن أكون واقفاً هنا – في مجلس النواب للبرلمان الإيطالي .
إن الغرب (أو سمِّه الناتو ، أو أي تسمية تحب – فكلنا يعرف ما الذي أعنيه !) قد زعزع الاستقرار و دمَّر الشرق الأوسط برمته بأشنع طريقة . فمثلما فعل في كل قارات العالم الأخرى ، فقد دمر الغرب حضارات عظيمة ، و نهب كل ما تصل يداه إليه ، و حوّل شعباً فخوراً إلى عبيد . لقد أصبحت ليبيا و العراق في خبر كان ! أنا أشهد بذلك ، فلقد عملت في شتة أنحاء الشرق الأوسط . و بعدها ، عزل الغرب نفسه في مخزنه الضخم المكسو بالذهب ، ليهضم على مهل و حقارة أسلابه !
كم من المهاجرين يوجد ممن تقول لهم أوربا بأنها لا تستطيع قبولهم ؟ مليوناً واحداً . و هذا رقم تافه ، فلبنان قبلت مليوني مهاجر ، و لبنان يجاهد لتحملهم ، يجاهد إلى أبعد الحدودٍ ، و لكنه قد تحملهم ! و لبنان ليس هو البلد الذي دمَّر سوريا و ليبيا و أفغانستان أو العراق .
هل تعلمون كيف يبدو منظر كل هذا الأمر ؟ إنه يبدو مثل ملاحظة امرأة مغتصبة جماعياً ، و قد قتل زوجها أمام ناظريها ، و نُهب بيتها الجميل . و الآن فإن هذه المرأة ، لكي تنقذ أطفالها المتضورين جوعاً من الخراب ، تجد نفسها مجبرة للذهاب إلى أوربا ، إلى نفس المغتصبين و السرّاق الذين دمروا حياتها ، لتطلب المأوى و الطعام . و لكنهم يبصقون في وجهها ! و يقولون لها : " إنك تكلفيننا الكثير ، و من الصعب علينا إيواؤك أنت و الآخرين من أمثالك . يا امرأة ، لقد جئتِ للاستفادة منا . أنت جئتِ لتحصلي على حياة أفضل على حسابنا ! "
هذا هو شكل المشهد من الخارج . هذا هو ما أراه أنا . و أريد أن أتقيأ . و لكن لا وقت لدينا ... على المرء أن يعمل ليل نهار لوقف هذا الجنون . و لكن الغرب ، بضمنه أوربا طبعاً ، قد كلسته جرائمه التي اقترفها بنفسه ، و تسافَلَ أكثر ، وغابت عنه الندامة . أنه يبقى أعمى ، لأن رؤية هذا المشهد لا تُكسِبه مالاً !
لم يبقَ أي يسار في أوربا . إنه ليس اليسار بمعناه الذي نفهمه في كوبا و في غيرها من الأمم الثورية . بالنسبة لنا ، فإن اليسار الحقيقي يعني "الأممية" ، يعني التضامن ! اليسار الحقيقي هو عولمي ، يؤمن بالمساواة ، و لا يأبه مطلقاً بلون بشرة الإنسان . أما ما يسمى باليسار في أوربا فلا يهتم إلا بمنافع مواطنيه أنفسهم . و هو لا يهتم أبداً من أين تأتي الأموال .
و ما دام المزارعون الفرنسيون و اليونانيون و الإسبان و الإيطاليون يحصلون على دعمهم و على اعفاءاتهم ، فعلام القلق إذا ما تم تدمير الزراعة في أفريقيا أو آسيا ؟ أهم شيء هو أن المزارع الأوربي يستطيع ركوب آخر طراز من سيارات "بي أم في" لقاء انتاجه محصولاً ما ، أو حتى لقاء عدم إنتاجه أي شيء قط .
و لقد رأيت أغرب المفاهيم مطبَّقةً في بلدان مثل السنغال و غيرها من المستعمرات الأوربية السابقة : طوفان من المنتجات الزراعية الفرنسية المدعومة بقوة يجتاح الأسواق المركزية في أفريقيا الغربية التي تفتتح هناك ، فيهوى الإنتاج المحلي . بعدها ، ترتفع أسعار تلك المنتجات ضعفين أو ثلاثة أضعاف سعرها في باريس . و لذلك نجد أن سعر كوب اللبن في السنغال - التي لا يكاد دخل الفرد فيها يبلغ سوى 10% من مثيله في فرنسا - يكلف ثلاثة أمثال سعره في محلات "مونوبري" بفرنسا .
من الذي يدفع كلفة أيام العمل لـ 35- ساعة أسبوعياً ؟ من الذي يدفع كلف التأمين الصحي الشامل و التعليم المجاني في الاتحاد الأوربي ؟ قطعاً ليس الأوربيين أنفسهم ! معظم هذه الاموال تأتي من المستعمرات ، من النهب الذي لا يمكن تخيله للعالم الذي ينفذه الغرب .
الاستعمار و الامبريالية ما زالا موجودين ، و إن غيرا أشكالهما أغلب الأحيان ، و لكن مكابدات البلدان غير البيضاء تبقى نفسها . كان الملك البلجيكي ليوبولد الثاني و أذنابه قد قتلوا في ما يسمى الآن بالكونغو عشرة ملايين إنسان في مطلع القرن العشرين . و من عام 1995 إلى اليوم ، فقد نهب الغرب جمهورية الكونغو الديمقراطية مرة أخرى بلا رحمة باستخدامه أقرب حلفائه في أفريقيا - رواندا و اوغندا و كينيا . و مرة أخرى ، مات ما بين 7 و 10 ملايين إنسان هناك في بحر عشرين سنة فقط ، و هذه ليست أرقاماً مبالغاً بها ، بل هي الأرقام التي تزودنا بها الامم المتحدة و تقاريرها ، بصمنها تقريرها المسمى "Mapping Report" . كل هذا الرعب قد حصل لكي يستحوذ الغرب على الكولتان (المستعمل في الهواتف المحمولة) و على اليورانيوم و غيره من الخامات الستراتيجية . و لقد قمت بجمع الأدلة على كل هذا في شريطي الوثائقي المعنون "رواندا غامبيت" .
لقد حصل كل هذا الدمار للحيوات و للبلدان لكي يربح المواطنون الأوربيون على منافعهم ، على الإجازات الطويلة عن العمل ، و على الخدمات الاجتماعية . و عندما ناقشتُ بهذا الموضوع صديقي ، صانع الأفلام الإيطالي من نابولي ، ابتدرني هو بالقول : " نحن لا نريد أن نكون مثل الصينيين . أننا لا نريد ان نكد بجد مثلهم !" فأجبته : " إذن عِش ضمن حدود ما تنتج ! و لا تسمح لمؤسساتك و حكوماتك أن تقتل عشرات الملايين من البشر لكي تحصل الشركات على أرباحها الجنونية ، و يحصل المواطنون الأوربيون على اعاناتهم الشنيعة " .
عندما كنت مؤخراً في تايلند ، سمعت مجموعة من الإسبان العاطلين عن العمل و هم يتضاحكون على قضائهم العطلة في جنوب شرق آسيا ، مدفوعة من إعانات بطالتهم . و أنا أعرف العديد من البلدان المعتمدة على الغرب و التي يساوى فيها فقدان العمل للفرد إصدار حكم الإعدام عليه ! غير أن المطلوب منا هو أن نحزن على العاطلين عن العمل في إسبانيا و إيطاليا و اليونان لأن المتوقع منا هو أن نراهم كضحايا !
يحزنني القول بأن الولايات المتحدة الأمريكية ليست هي الوحيدة ، بل أن أوربا معها في جهلها الهني بدورها في العالم ، و بالتدمير و الرعب الذي تنشره في كل أرجاء كوكبنا . لقد هزني هذا الاكتشاف هزاً عنيفاً بحيث أنني أمضيت أربعة أعوام أجوب العالم لكي أجمع الأدلة و الشهادات التي تصور التراث الاستعماري و الاستعماري الجديد و الامبريالي للغرب ، علاوة على البربريات النيوكولنيالية الجارية الآن . الكتاب الذي ألفته عن هذا يستغرق متن 840 صفحة ، و اسمه : " الكشف عن أكاذيب الامبراطورية" و الذي أتمنى أن يصبح في يوم ما متاحاً باللغة الإيطالية ! لقد حظي هذا الكتاب على الاهتمام الحماسي ، و لكن بالنسبة لي فإن هذا المجلد السميك ليس هو النهاية . حيث أنني أعكف الآن على جمع مواد كتاب ثان مكمل له لكون هذا الموضوع ضخم بكل معنى الكلمة . إن الجرائم و الإبادات الجماعية و المحارق التي اقترفها الغرب على سطح كوكبنا هي من الفداحة على نحو فضيع ! و كل الأشياء مرتبطة بها ! أن كل الترتيب للعالم يوظفها كأعمدة .
و عن كتابنا : "حول إرهاب الغرب – من هيروشيما إلى حرب الطائرات المسيرة" الذي كتبته بالاشتراك مع صديقي نعوم تشومسكي ، فقد وَجّه لي السؤال عما إذا كان الأوربيون يعون حقاً ما الذي فعلوه بالعالم خلال القرون الأخيرة (ملاحظة عرضية : هذا الكتاب متوفر الآن باللغة الإيطالية بعنوان (Terrorismo Occidentale) "الإرهاب الغربي") . و لقد أجبت نعوم : " قطعاً ، لا " !
أكرر هنا مرة أخرى بأن غالبيتهم ، بل أن الغالبية العظمى من الأوربيين ، لا يعون هذا ! إنهم لا يريدون لا الرؤية و لا الاعتراف بكون ما هو موجود لديهم من دور الأوبرا و المستشفيات و المتاحف و المتنزهات و الأروقة ذات العِماد قد شيدت كلها على جثث أولئك الذين تم نهب كل شيء منهم في أمريكا اللاتينية بأوردتها المفتوحة و في آسيا و أفريقيا . الاستعباد ، حملات الإبادة التي يعجز العقل عن تخيلها ، قائمة فادحة من المرعبات !"
أنتهى المقتطف من خطاب أندري فلتشيك .
أعود الآن لمناقشة نص الدكتور عصام الخفاجي المحترم [القوس لي]:
" لكنها [أي الأحزاب الماركسية] ظلّت خجولة، حذرة من الإعتراف بثورية النظام الرأسمال ي. والحاجة إلى دفع هذا النظام للكشف عن كل جوانبه الثورية هي أكثر إلحاحا في بلداننا مما هي عليه في البلدان المتقدمة،لأن ما يحصل في بلداننا اليوم ليس تطوّرا رأسماليا بل هو تطوّر، إن صحّت تسميته تطوّرا، قائم على الريع.""
ما هي "كل الجوانب الثورية الأكثر إلحاحاُ للرأسمالية" ؟ لقد أجابنا "فلتشيك" عنها ؛ إنها "الاستعباد ، و حملات الإبادة التي يعجز العقل عن تخيلها ، و القائمة الفادحة من المرعبات !"
و لكن لعل الدكتور عصام الخفاجي يتوهم – مثلاً – أن العراق هو بلد غني بالموارد الطبيعية ، و هو بمساحة الجزر البريطانية ، لذا فإن اتباع طريق التطور الرأسمالي فيه سيحول العراق خلال 50 سنة أو أكثر إلى بريطانيا الشرق الأوسط ! ألم يحصل شيء مثل هذا في كوريا الجنوبية و تايوان ، على سبيل المثال ، لا الحصر ؟ من يردد هذا الوهم لا يعي التقسيم الرأسمالي للعمل الفاعل المفعول في أنحاء العالم كله و الذي يقتضي عدم السماح بالتطور الرأسمالي لأي بلد من بلدان العالم الثالث إلا بنشر الغرب للتدمير و الرعب فيه بحيث تصبح كل الموارد الطبيعية و البشرية للبلد في خدمة الشركات المتعدية الجنسية للغرب ، بالضبط : " لكي تحصل الشركات على أرباحها الجنونية ، و يحصل المواطنون في الغرب على اعاناتهم الشنيعة : الدعم المالي و المنافع ، الإجازات الطويلة عن العمل ، و الخدمات الاجتماعية المجانية " . القانون الذي يعود الفضل في اكتشافه لماركس و الذي يفرض على النظام الرأسمالي استقطاب رأس المال عند حفنة من المستغلين و استقطاب البؤس للأغلبية الساحقة من الشغيلة قد توسع مدار اشتغاله – مثلما بيَّن ماركس و إنجلز بالضبط – من داخل نطاق البلد الواحد ليشمل شعوب قارات العالم الأجمع فيما يعرف الأن بقطبي الشمال و الجنوب ، و الأدق : قطب الناتو (أوربا الغربية و الولايات المتحدة الأمريكية و و اليابان و كندا) و قطب بلدان بقية العالم كله . مصلحة رأس المال العالمي هي التي تقرر مصائر الشعوب و الأمم . يقول ماركس (رأس المال ، 1867) :
"كل بلد – حتى و إن كان أكبر و أقوى البلدان – أصبح الآن خاضعاً للاقتصاد الكلي للعالم الذي يقرر مصائر الشعوب و الأمم ."
بل و لقد طوّر هذا النظام لمصلحته الآن أذرعاً كونية جبارة مصممة خصيصاَ لتكريس و أدامة هيمنته على العالم أجمع : حلف الناتو ، صندوق النقد الدولي ، الجات ، مجموعة البنك الدولي ... إلخ . كما أن القادة السياسيين للدول الإمبريالية يحلو لهم التصرف إزاء شعوب العالم الثالث مثل زعماء عصابات المافيا في فرض الأتاوات و قتل المتمردين عليهم ، بل و حتى على نحو فاشي خالص مثلما أثبتت وقائع التاريخ المتواترة خلال احتلال افغانستان و العراق و ليبيا و اليمن و سوريا ، و من خلال سياساتهم إزاء السعودية و دول الخليج و لبنان و فنزويلا و المكسيك و البيرو و كوريا الشمالية .. الخ .
يواصل الدكتور عصام الخفاجي تسويق النظام الرأسمالي كنظام عولمي كلي النهب و التدمير بالقول :
"ثانياً / الأحزاب الشيوعية والماركسية تتحدّث باستحياء عن "ضرورة فسح المجال للقطاع الخاص". النظام الرأسمالي كنظام لا كمشاريع هنا وهناك، يرتبط في أذهان الشيوعيين بالإستغلال فقط، وهو قائم على الإستغلال حقا. ولكن "الديالكتيك" الماركسي نفسه يقوم على أن الوصول إلى مجتمع أكثر عدالة لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تثوير التكنولوجيا وزيادة الثروة المنتجة لكي يرتقي البشر بعد إشباع حاجاتهم إلى طرح مطالب لم تكن تخطر بالبال سابقا كالمطالب البيئية وحظر عمل الأطفال ومقاطعة المؤسسات الأجنبية التي تشغّلهم حتى خارج بلدانهم وسن القوانين المانعة للإحتكار وتحقيق المساواة التامة بين الجنسين وغيرها. والتظاهر بغير ذلك، والإعتقاد بأن ملكية الدولة وسيطرتها على الإقتصاد تمثّل نظاما أكثر تفوّقا يغالط الوقائع حيث أنتجت التجربة السوفيتية مجتمعا طبقيا في الوقت الذي عجزت فيه عن دفع التطور بعد بضعة عقود من انتصار ثورتها."
كل هذا الكلام هو محض مغالطات تجانب الحق كل المجانبة . و ما "دام النظام الرأسمالي قائم حقاً على الإستغلال" مثلما يعترف الدكتور عصام الخفاجي المحترم بعظمة لسانه ، فكيف يمكن للمستغل أن يكون "يسارياً" و "ثورياً" ؟ هنا يتعكز المنقود على تزييفات "الديالكتيك" الرغائبي و ليس الماركسي العلمي - الذي رأيناه في الحلقات الماضية و هو يزوره عن سبق أصرار و ترصد ، و على "العدالة و المساواة بين الجنسين" (كذا ! أين حصل هذا ؟ على سطح زحل أم في نجم سهيل ؟) الموهومة ، و على "زيادة الثروة المنتجة" بيد واحد من المليون من البشر و إفقار بقية البلايين (أنظروا حولكم لتروا كم من وحوش السيارات تستهلك البترول المشترى بأرخص من الماء و هو أحد أثمن الثروات الناضبة للأرض) ، و على "تثوير التكنولوجيا" (أنظروا حولكم و لن تروا شيئاً غير قديم مستحق للتجديد و الرمي بالزبالة) ، و على "تحقيق المطالب البيئية" (أنظروا حولكم و لن تجدوا أبداً عبوة بلاستيكية مسرطنة من هذا النوع أو ذاك حيث تردم ملايين الأطنان "التكنولوجية الثورية" منها في البحار لتبيد كل الأنواع) ! لا حول ولا قوة إلا بالله الذي لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم .
و لكن لا ، فالدكتور عصام الخفاجي المحترم يهدي للعالم هذه التحفة الفريدة : " والإعتقاد بأن ملكية الدولة وسيطرتها على الإقتصاد تمثّل نظاما أكثر تفوّقا يغالط الوقائع حيث أنتجت التجربة السوفيتية مجتمعا طبقيا في الوقت الذي عجزت فيه عن دفع التطور بعد بضعة عقود من انتصار ثورتها" . و لن أتطرق مرة أخرى هنا إلى التجربة الفذة المجيدة بكل حق للاتحاد السوفيتي "التي أنتجت مجتمعاً طبقيا" بالفعل مثلما يقول المنقود و التي مثَّل إنهيارها أفدح خسارة في التاريخ منيت بها البشرية قاطبة و العالم الثالث خصوصاً (يمكن للقارئات و القراء المهتمين بهذا الموضوع مراجعة مقالاتي الخمس بهذه الصدد و المعنونة : "إنحناءة إجلال للبلاشفة في مئوية ثورة أكتوبر" المنشورة على موقعي الفرعي في "الحوار المتمدن" الأغر) . سأناقش فقط جملة : "الإعتقاد بأن ملكية الدولة وسيطرتها على الإقتصاد تمثّل نظاما أكثر تفوّقا يغالط الوقائع" لأثبت للمنقود بالوقائع التاريخية و على نحو قاطع كيف أن "ملكية الدولة و سيطرتها على الانتاج تمثل نظاماً أكثر تفوقاً " .
طيب ، بما أن النظام الرأسمالي "ثوري" و "عادل" و "متفوق على ملكية الدولة" مثلما يفتري المنقود ، فلماذا تضطر حكومات الدول الإمبريالية مراراً و تكراراً إلى "تأميم" أكبر مؤسسات الرأسمالية في الأزمات الاقتصادية لترقيع نظامها الرأسمالي المحكوم ابدياً بالأزمات مثلما علمنا ماركس ، ناهيك عن قيامها بتأميم للشركات ذات الأهمية الستراتيجية مثل "رولز رويس" لانتاج المحركات النفاثة ؟ لماذا ؟
لتقرأ هذا الملخص عن تأميم الحكومة الأمريكية لشركتي "جي أم" و "كرايزلر" لصناعة السيارات :
The U.S. government bailout of the auto industry
BY KIMBERLY AMADEO Updated February 16, 2018
The U.S. government bailout of the auto industry lasted from January 2009 to December 2013. The Big Three automakers approached Congress in November 2008. They warned that, without the bailout, GM and Chrysler faced bankruptcy and the loss of one million jobs. Ford didn t need the funds since it had already cut costs. But it asked to be included so it wouldn t suffer by competing with subsidized companies.
The Treasury Department invested -$-80.7 billion from the -$-700 billion authorized by EESA. It recouped all but -$-10.2 billion.. It both lent money and bought stock ownership in GM and Chrysler. It also provided incentives to spur new car purchases. In effect, the government nationalized GM and Chrysler just as it did Fannie Mae, Freddie Mac, and AIG.

الترجمة [الأقواس لي]
الإنقاذ المالي للحكومة الأمريكية لصناعة السيارات
كمبرلي أماديو
أخر تحديث : 16 شباط ، 2018
استمرت عملية إنقاذ الحكومة الأمريكية المالي لصناعة السيارات من كانون الثاني 2009 و حتى كانون الأول 2013 [أي خمس سنوات] حيث قدمت الشركات الثلاثة الأكبر طلباتها إلى الكونغرس الأمريكي في شهر تشرين الثاني 2008 . في هذا الطلب ، تم تحذير الكونغرس أنه بدون إنقاذ الدولة لها فإن شركتي "جي أم" و "كرايزلر" تواجهان الإفلاس و خسارة مليون وظيفة . و لم تكن شركة فورد بحاجة للإنقاذ المالي حيث كانت قد خفضت كلفها . و لكنها طلبت شمولها [بعملية الإنقاذ] كي لا تتعرض للخسارة جراء تنافسها مع الشركات المدعومة حكومياً .
و لقد استثمرت وزارة الخزانة الأمريكية مبلغ 7/ 80 بليون دولار من أصل 700 بليون دولار التي أتاحتها لها خطة الكونغرس (EESA) ، و استرجعت كل المبالغ المستثمرة عدا 2/10 بليون دولار .. حيث قامت [وزارة الخزانة الأمريكية] بإقراض الأموال و بشراء ملكية الأسهم في "جي أم" و "كرايزلر" . كما قامت بتوفير الحوافز لتنشيط صفقات الشراء الجديد للسيارات . هذا يعني في واقع الحال بأن الحكومة [الأمريكية] قد أممت شركتي "جي أم " و "كرايزلر" ، مثلما أممت شركات "فاني ماي" و "فريدي ماك" و "أي آي جي" .
إنتهت الترجمة .
أين هي أذن "ثورية" الرأسمالية ، و "عدالتها" و "يساريتها" و "أفضليتها على ملكية الدولة و سيطرتها على الإنتاج" التي يتشدق بها الدكتور عصام الخفاجي المحترم ؟
هذا الموجز يستبطن الحقائق التالية :
• أن إشهار إفلاس الشركتين الأمريكيتين "جي أم" و "كرايزلر" عام 2009 ، قد سبب خسارة حاملي أسهمها من عامة الناس لأكثر من ثمانين بليون دولار لأن إشهار الإفلاس يستتبع قانوناً خروج أسهم الشركة من سوق التداول لتصبح قيمتها صفراً على الشمال بين عشية و ضحاها . (قارن مقترح الدكتور بمنح العمال أسهماً في الشركات الرأسمالية) . كل هذا هو من غير خسارة الدولة للبليونات العشرة و 2% مع فوائدها السنوية التي لم يتسنى لها استعادتها من الأرباح السنوية .
• و يستتبع إشهار هذا الإفلاس موت الشركة القديمة المفلسة و ولادة شركة جديدة مملوكة للدولة ، و إن كانت بنفس الإسم التجاري القديم . و عندما تبدأ أوضاع الشركة الجديدة بالاستقرار تدريجياً و بتحقيق الأربح بفضل الدعم القوي للدولة لها لعدة سنوات ، يصار إلى بيع أسهم الدولة فيها من جديد ، لتبدأ مرحلة الحلقة القذرة الأخرى من الخسارة و إشهار الإفلاس و انهيار الأسهم و التأميم ...
• أن طلب شركة فورد غير المهددة بالفساد شمولها بنفس خطة الإنقاذ المالي يعني أنها تعتبر نفسها – مثل كل الشركات الرأسمالية "الثورية اليسارية" – شريكاً في موارد الدولة ، له الحق ، مثل الدولة ، في نهب أموال دافعي الضرائب لها عبر تكبيدهم كلف ليس أزمتها المالية الفعلية و إنما كلف المنافسة المستقبلية أيضاً ، في حين أنها تغرف الأرباح الصافية لنفسها فقط .
• هذا يعني أن النظام القانوني "الثوري" "اليساري" الأمريكي يعفي البليونيرية الرأسماليين من تسديد الديون المستحقة عليهم عند إشهار إفلاسهم في حالة تحقق خسارتهم نتيجة لسوء تصرفهم و يغطي لهم كلف تنافسهم المستقبلي ، و لكنه يسمح لهم بالاحتفاظ لأنفسهم بصافي أرباحهم في حالة الربح . أي أن هذا النظام القانوني يقضي بما يلي : صافي ألأرباح هي ملك مقدس للرأسمالي وحده لا غير ، أما خسارته و كلف تنافسه فيتحملها حاملو الأسهم و دافعو الضرائب و ليس الرأسمالي ! يحيا العدل الامبريالي !
نظام "ثوري يساري عادل و متفوق" ! جرّوا صلوات َعلى الأنبياء المزوِّرين للإمبريالية الفاشية !

يتبع ، لطفاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الواقع اكثر تشعبا من الكلمات
سامي ( 2018 / 4 / 26 - 05:46 )
الافكار المطروحة بدون اطار زمني تاريخي لايمكن محاكمتها .


2 - كل الأفكار يجب أن تحاكم بالضبط لأنها في الزمان
حسين علوان حسين ( 2018 / 4 / 27 - 08:04 )
السيد سامي المحترم
ت 1
تحية و بعد
صحيح ، بالتأكيد ، الواقع هو دائماً أكثر تشعباً بكثير من الكلمات ، و لهذا يقال بأن النظرية رمادية في حين أن الواقع شجرة ، بل غابة خضراء متشابكة . كل الوصف للواقع أنما هو نسبي و تقريبي .
و محكوم بالزمكان لأن كل الأفكار مرتبطة بالوجود ، أعني وجود الإنسان على سطح كوكبنا هذا ، و هذا الوجود محكوم دوماً بالزمكان ؛ لذا لا توجد أفكار بلا أطار زمكاني ، مثلما لا توجد في الماركسية أفكار لا يمكن محاكمتها لكون النقد الملازم هو أحد أخص خصائصها المرتبط بالتفكير النقدي للإنسان - و هو أهم ميزة و واجب للبشر .
مع التقدير .


3 - تحياتي
عذرى مازغ ( 2022 / 11 / 10 - 23:27 )
بالفعل شاهدت فيلم وثائقي حول الكونغو يشرح كيف بدأ الصراع فيها كما استمعت إلى شهادة مهاجر من البلد (كانت تسمى سابقا الزايير ) ويتهم بشكل كبير كما ايضا موثق في الفيلم الوثائقي فرنسا والولايات المتحدة في خلق الأزمة في الزايير على خلفية صراع شركاتهم الرأسمالية حول الثروات الباطنية للبلد، لم يكن البت صراعا سياسيا بين فصائل واخرى بل بين مليشيات تابعة لهذه الشركة او تلك من خلال تسخير مليشيات من داخل بلدان الجوار وخاصة الكونغو الشمالية والخطاب الذي ألقاه أندري فلتشك في برلمان إيطاليا ينسجم تماما مع ما حصل في المنطقة والذي صيغ لنا في وسائل الاعلام الغربية على انه صراع في الديموقراطية والحرية بينما كان صراع لبسط نفوذ شركات رأسمالية لتحرير المناجم من استغلال المواطنين الزاييريين انفسهم

اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا