الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سايكولوجيا الاحتجاج

محمد طه حسين
أكاديمي وكاتب

(Mohammad Taha Hussein)

2018 / 4 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سايكولوجيا الاحتجاج ... كتاب قد يرتقي الى مانيفيستو
محمد طه حسين
قرأت متأنياَ وفي غضون اسبوع كتاب " سيكولوجيا الاحتجاج في العراق....أفول الاسلمة ..بزوغ الوطنياتية" لكاتبه الدكتور فارس كمال نظمي، تعد نصوص الكتاب مساهمات جدية وفعالة في تسييس السيكولوجيا ونفسنة السياسة عبر ابرازه (والاشارة للكاتب) ظواهر دينية مسيسة ومؤدلجة وكذلك ظواهر سياسية غير متكاملة في تمظهراتها المجتمعية والجماهيرية، والتي تنعكس قصر ذهنية مراجعها الفكرية في قبول المختلف، وعجز قادتها في تجاوز العادة السيكولوجية الانفعالية والعصبية السيئة الا وهي الاستحماء والاستقواء بالجماعة التي افتقدت كونيتها وانكمشت داخل قوقعتها الضيقة، هذه الآليات تنشط عندما تتشابك الهويات الصغيرة والمحلية مع بعضها وتنصهر قدرة الدولة في صناعة البيت الوطني الحاضن للكل المختلف والآوي لكائن جديد يتباهى ويتبجح بانتمائه لمساحة أوسع يسمى الوطن بمعناه الحديث.
عالج الكاتب في كتابه مشاكل عدة منها تهم الفرد المواطن، وكذلك الفِرق والطوائف والمجموعات، وبعضها تهم الجماهير الواعية الممتلئة غضباً من مكاييل الساسة التي لم تعد الدولة بمعناها الحداثوي تهمهم، ومنها تهم الساسة والقادة الأقزام المنضوين تحت خيمات مختومة باختام اسيادهم الدوليين والاقليميين.
التحليلات السايكوسياسية في هذا الكتاب الذي حصر الفرد كمشكلة بحاجة الى حلّ، نجحت في التشخيص أولاً ومن ثم في تقديم مقترحات علاجية ثانياً، حيث رصد الدكتور فارس الشخصية العراقية المتأزمة والمضطربة سلوكياً وحاول أن يفهمها في ظهورها السياسي الجديد في ساحات وميادين الاحتجاجات ويعنون خطابها الاحتجاجي من خلال تماسكها الواعي بضرورة التحول والتغيير بغية تجاوز زمن القراصنة الناهبين لثروات الامة والبلد.
التمعن السيكولوجي لجوهر الجماعات ذات الوشائج البدائية أظهر نرجسية هذه الجماعات وتصلبها القيمي تجاه الآخرين دون الانفتاح على الآخر المختلف، ولهذا استنتج الكاتب مدى ضيق الأفق لدى الفرق والجماعات في طروحاتها وكذلك مواجهتها لمن لا يشبهها والركون الى صومعتها حفاظا على ذواتهم المزيفة المستسلمة لكهنة الظلمات، حيث ارتكز الكاتب على الوعي الشعبي أو الجماهيري الناضج والواعي بمتطلبات المرحلة والاقدام نحو ترجمة السلوك الجمعي الارادوي والمدني من خلال رفض التمترسات الطائفية والتموضعات ذات النزعات القبلية.
حاول الدكتور فارس تأطير الظاهرة الاحتجاجية المنبعثة أساساً من الحاجات الاساسية للعيش والصاعدة نحو ابراز التغيير في نوعية الحياة وذلك في أطار نظري غير مسبوق متجلياً في نوع من المانيفيستو تظهر فيها جدلية انسياق بعض القوى والأحزاب والمنظمات الفاعلة وراء ظاهرة الاحتجاج واعطائها زخماً فكرياً حداثوياً بدل تقاليد ركوب الأمواج للنيل منها أو الوصول من خلالها الى مكاسب سياسية حزبية ضيقة.
ارتكز مواضيع الكتاب واقعياً على الممكنات في العملية الشاملة للتغيير والاصلاح واستعار لغرض مقترحات تنظيمها الموديل الغرامشي المتجلى في الكتلة التأريخية التي ينضوي تحتها الكل المتشكل من جميع الألوان والأطياف الاجتماعية.
نموذج الكتلة التأريخية هو الصورة الأكثر تناسباً عند الكاتب لتحالف القوى الدينية والديمقراطية والليبرالية واليسارية، فالاستاذ المفكر الدكتور فارس قدّم من خلال الائتلاف الاجتماعي المقترح والموجود بالفعل في الساحة مانيفيستاً مبدئياً ومبرمجاً يعطي امكانية العمل المشترك وذلك لجمع ارادة الذوات في ذات كلّانية أقوى وروح كلّية هيغلية تتحرك داخل كيان واعٍ بكل الاختلافات الموجودة داخله.
تنطلق رؤية هذا الكتاب السيكوسياسي من مبدأ بلورة الأمل ومن منظور واقعي ينسجم مع خطوات العقل دون أن يطير بنا على أجنحة الخيال لتأمل اليوتوبيات والمدن الفاضلة غير القابلة للتحقيق.
القراءة السايكولوجية للظواهر السياسية والاجتماعية هي بحد ذاتها محاولة جادة وفاعلة من قبل الكاتب لتقديم فهم جديد ودقيق لجدلية العلاقة بين الفضاءات الحياتية التي تتشكل بفعلها الجسد الاجتماعي ذو اللياقة العالية والسلامة السيكوسياسية والسايكوسوسيولوجية، وكذلك يتبين من خلال هذا الفهم مدى الحاجة الماسة للعقول المفسرة سايكولوجياً للأحداث والظواهر، والتي تسهل في النهاية على الأطراف السياسية والأجتماعية رؤية الواقع والعالم بمنظار مختلف قد يتيح لهم بناء المؤسسات المدنية العابرة للنزعات العصبية القبلمدنية، والباعثة للتوازنات الاجتماعية والسياسية والنفسية داخل المجتمع والدولة معاً.
ابارك للمثقف والباحث والمفكر السايكوسياسي الدكتور فارس كمال نظمي هذا الكتاب المليئ بطروحات ومقترحات قابلة للتطبيق والتحقيق، حيث أعتبره خارطة طريق ومانيفيستو فكري معرفي للساسة والاحزاب على اختلاف مناهلهم ومراجعهم الايديولوجية.
ترتفع القدرة الفكرية لهذا الكتاب على قدرات الايديولوجيا والمذاهب المسيسة حيث يرسم لنا خرائطَ واضحة للوصول الى الأهداف الرئيسية التي تجمعنا كلنا نحو بناء المدنية والحياة الانسانية الراقية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر المقال يوم غد في موقع الحوار المتمدن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد عزم أمريكا فرض عقوبات عليها.. غالانت يعلن دعمه لكتيبه ني


.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح




.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي


.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي




.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل