الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سجن الرّوح-17-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2018 / 4 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تسكننا فراغات كثيرة، نحاول أن نملأها قبل النّوم.
زوجان نائمان على سرير واحد انتهيا من الواجب الزّوجي في الحبّ للتوّ، وبينما بدأ الزوج يشخر. أدارت الزوجة ظهرها وبدأت تملأ الفراغات.
ملأت الفراغ الأوّل حول الحب بشخصية الحاج محمد الرجل المؤمن الذي يقدّر قيمة العطاء، والذي يعرف كيف يصيغ الكلمات خصيصاً لها. ليؤمن بالله إذن قدر ما يشاء طالما تتصدّر أولياته، ولطالما لا يرهقها بالطّلبات، ورائحته تشبه رائحة اللحم المقدّد. تضع رأسها على كتف الحاج، وتكمل السّهرة معه. تتأوّه، تقول له: أودّ أن أكون جارية لها حقوق الجارية، يعانقها ، ويقول أنت سيدّة الحياة. إن كان الحاج محمد، أو الخوري الياس سيّان. هو حرّ بإيمانه طالما يمنحها الحبّ وحاجتها من الكلمات.
في تلك اللحظة تبدأ أحلام الزوج تسرد نفسها حيث يتحدّث في حلمه في أغلب الأحيان، ومع أنّ الحلم مدّته ثانية، لكن حلم الزوج يمتد وبصوت عال. يشرح فيه كيف أنه كان فحلاً في تلك الليلة ، وكانت زوجته هي الرابعة التي منحته الحبّ، لكنّها كانت باهتة ، وليست مثل الثلاثة الأخريات اللواتي ألهبن حماسه. تتساءل الزوجة وهي تسمعه: يستفزّني حتى في المنام!
كانا حلمان حول الحبّ. أحدهما حلم يقظة يوصل رسالة مفادها: ليتني أقمت علاقة مع رجل متديّن يعطيني قيمة، وليس مع رجل لا يعرف حاجاتي مثلك، بينما حلم الرّجل كان حول الجنس، والجنس الجماعي، وهو حلم واقعي رغم أنّه في المنام ، ورغم أن السّكر قد تجاوز ال في دمه 400في تلك اللحظة من الليل، لكن بعد أن امتلأت الفراغات أسدلت السّتارة ونام الزوجان وهما يديران ظهريهما لبعضهما البعض.
. . .
لا تحبّ تلك المرأة التي تحلم أحلام يقظة بالحاج محمد أن تكون معزولة، ولا تلتقي بزوجها إلا وفقاً لرغبته. تعاقب نفسها في الصّباح كيف فكرت بخيانة زوجها حتى ولو بطريقة الحلم، فشرفه هو الأهم. هي خائنة إذن ، ومن هو حاج محمد هذا؟ زوجها مثقف ثوري عندما تأتيه هجمة التّألّق يبدأ الحديث ، يتعرّج به، وتنتهي السّهرة ولا ينتهي الحديث ،حيث يؤيّده ضيوفه وهم يحتسون كؤوس المودة معاً بينما هي تروح وتجيء تقدّم لهم ما يمكنها تقديمه من طعام. فات زوجها أن يجلب اللحم والخضار والفواكه لهذا اليوم رغم أنّه دعا أصدقاءه. هي تغطيّ على ذلك تكفيراً عن ذنبها في الخيانة . لم يتذكّر سوى قناني النبيذ، وبعض المكسّرات من النّوع الرّخيص . بعد أن حارت بزمانها أتتها الفكرة: صنعت من الخبز المعفن لحوماً، ومن بقايا الخضار مرقة، ومن فضلات المعكرونة أرزاً، ورمت بالذباب الواقف على الخبز المرمي، حمّصته، وعندما احمر لونه ذاقته، ثم بصقت اللقمة عندما تذكرت الّبابة الميتة فوقه، وعادت فأكلت منه فهي جائعة. أرهقها الحلم. كانت وليمة رائعة حسب رأي الضّيوف حتى أنهم سألوها عن طريقة صنعها للّحم!
الحبّ يصنع المعجزات، وقد صنعها فعلاً.
المعجزة هي أنّ تلك المرأة التي اعتقدت أن ذلك الثّوري الذي ألقى قصيدة في عيد المرأة لأجلها ثمّ أمسكها من يدها ليقول على الملأ: هذه حبيبتي. تبيّن أنّ حبّه كان في حالة سكر، وأنّ القصيدة عبارة عن رسالة حبّ يرسلها لكلّ امرأة تقع في طريقه.
. . .
الفراغ قاتل، ويصنع المعجزات، ولا بد لهذا الكبت من تصريف، وليس أفضل من زيارة شريفة الحيّ التي يضمّ مجلسها النّساء، وتذهب الزّوجة إلى محفل النّساء، تتحدّث عن حبّ زوجها لها، وعن ليلة حمراء بينما تسرد تفاصيل أحلام يقظتها مع حاج محمد، وشريفة الحيّ توافقها على أنّ الحبّ هام، وتطلب منها قرضاً لن يعاد مئة ليرة لأنّ زوجها مختلف، ولا يحبها وتحتاج ثمن الطّعام، وعلى عشيقة حاج محمد أن تدفع، فالاعتذار أمام مجموعة النساء مخجل أمام الحب الكبير الذي تحدثت عنه، وكانت قد احتفظت بمئة ليرة سرقتها من جيب زوجها كي تجمع ثمن حلقتين تضعهما في أذنيها بعد أن باعت مصاغها، وقد تحدّثت في مجلس النّساء سابقاً عن عفّة نفس زوجها. وأنّها هي التي أقنعته بانّ مساعدة المرأة لزوجها واجب، ويهون المصاغ أمام حاجته للمال، بينما هو يرفض مادا يده في انتظار أن تستعجل.
شريفة الحيّ تجمع في بيتها النّساء كل يوم، وكلّ واحدة تجلب معها لقمة ما للمسكينة، لكن هذا لا يمنع أن تفتح مجلساً للرجال في المساء، ويكون زوجها المؤمن معهم لنصحهم، بينما تقدّم ابنتها الشّابة التّقية الضيافة بنكهة صوت مغناج ، فتزداد الحماسة عملاً " عليك بذات الدّين" ويشتد التنافس على الصًبية. يضرب أحدهم على صدره ، ويطلب الطعام للجميع على حسابه ويضع للصبيّة على الصّينية خاتماً ذهبياً. يقول لها: الليلة لنا. كل شيء بالحلال. أنا ذاهب لإحضار الشهود.
وتسأل الصبيّة بخجل: لم أقرّر بعد . ما رأي مجلسكم الكريم؟
وينهض أبو النّخوة، وكان قد أحضر مصاغ زوجته ليبيعه، لكن لحظات الحبّ غير محسوبة، يرمي على رأسها المصاغ، وتهلهل الأمّ لأن ابنتها اشتراها رجل ليس كما كلّ الرّجال. عندما سألتها عمّتها وافقت أن تكوني زوجة ثانية أجابتها ما الفرق؟ الطلاق موجود!
. . .
لا حديث إلحادي إلا ويستند إلى حجّة إيمانية مستفزّة, أتحدّث عن التّسامح الديني عند السوريين، ولست ملزمة أن أستثني ولا أن أعمّم فأنا أتحدّث عما رأيت أو سمعت.
القطيع البشري مختلف عن الحيواني ، فالعنزة التي يشبهونها بالبشر للتعبير عن ضعفها لو تخلت عن القطيع تشبيه غير صائب حيث يقال أن العنزة التي تتخلف عن القطيع تذبح. في هذه الحالة كما المسائل اللغوية يجوز فيها الوجهان ، فقد يجدها جائع فيذبحها، وقد يجدها صاحب مزرعة يضيفها إلى ثروته الحيوانيّة. الخروج عن القطيع في مجتمعنا كارثة إنسانية تصيب من يخرج فالقطيع الآخر الذي سوف تنتمي إليه قد يعتبرك العنزة التي تستحقّ الذّبح.
عندما كان زوجي سوف يخطبني. قال لي: قمت باستشارات عائلية كي أعطي للموضوع طابعاً علنياً، وكان من ضمن الذين استشارهم كبير عائلته في ذلك الحين له كونه لا أب له فقال له: هؤلاء كفرة . كيف تتزوج منهم؟ وجد الأمر معارضة من عائلتي لفترة طويلة أيضاً بسبب الاختلاف بالطائفة .
وماذا بعد؟
إنّها البداية ، وليست النّهاية. كان أفضل النّاس معي هي والدة زوجي حيث كانت تجاملني ولا تسألني أبداً عن موضوع الصّيام والصّلاة.
كنت في الرابعة والعشرين من عمري، وثقافتي محدودة في الدّين وفي كل شيء، لكن بشعور حبّ البقاء عزلت نفسي عن البيئات التي تستفزّني وتركت علاقتي فقط مع البيئة السّياسية التي أنشط وسطها ،حيث كان أغلب أصدقائي من الأكراد أو المسيحيين أو الأرمن، وهؤلاء لم يكونوا يتحدّثون معي الحديث الديني في ذلك الوقت. كان هذا قبل أكثر من أربعين عاماً، لكن المفارقة ليست هنا. بل بعد عشرين عاماً من ذلك الكلام. دُعينا إلى مزرعة أخو زوجي التي كان قد اشتراها حديثاً، وكانت ابنتي قد أصبحت في الجامعة ، وعندما تكون الجلسة بين جماعة " علمانية" قد يكون الوضع أصعب من الجلوس مع جماعة مؤمنة حيث أنّ الحالة الأولى تتعامل مع شخص يفقد توازنه بعد أن يكون المشروب قد أطفأ لديه روح الحياء، وتكون الجلسة في نهايتها. ليس صحيحاً أن هناك أناس لا يتأثرون بالمشروب على طريقة من رأيتهم. لا يتأثر بالمشروب الفرنسي ربما الذي يشرب كأساً من النبيذ في المساء، وليس ليتر عرق تصنيع سوري، وأنا لا أتحدث عن المشروب هنا من الناحية الدينية، ولم أكن أعرف أنّ هناك شيء اسمه إدمان حتى بدأت أرى برامج غربية حول مشكلة المدمنين مع عائلاتهم، وقد صعقني دقّة الوصف المماثل لما في ذاكرتي ورأيت أنّ من حقّ المرأة أن تخبر عن إدمان زوجها، وكان تصوّري مختلف عن الغرب، حيث أنّني لم أره إلا من خلال الروايات.
في تلك الجلسة في المزرعة حيث كنا ثلاثة عائلات من الأقارب، وفي حديث مفتعل من قبل أحدهم . تحدث عن صديقه من بلدتي، وبعد أن تحدّث عن أخلاقه سألني هل صحيح أنكم تعبدون الفرج؟
لا زلت أخجل من الألفاظ الجنسية ولم أجبه مباشرة، لكنني قلت له أن ذلك الشخص الذي تحدث عنه صحيح أنّه من مدينتي لكنّه سنّي، فقهقه زوجي، وقال لقد أفحمتك .رد عليها إن استطعت! وكنت ساعتها قد ذهبت إلى موقد صنعته أصنع عليه الشّاي.
وبالمناسبة لا بد من التنويه أن أغلب من كان لديهم مناصب ولو بسيطة من عائلة زوجي أو من " عشيرته" لو جاز تسميتها كذلك ينتمون إلى التيار الديني حيث البيئة المحجبة بمن فيهم البعثيون وعن طريق تلك البيئة وصلوا إلى مناصبهم سواء مع الأسد، أو مع المعارضة الإسلامية، وربما بعضهم وصل إلى منصب ما في جبهة النّصرة. هم في أعماقهم، وبرأيي الشّخصي قد لا يكونون مؤمنون كفاية، أعرف أن أغلبهم لا يصوم رمضان ، ويدفع كفارة، لكن البيئات التي تزاول التّجارة تعرف أهميّة التدّين للنّجاح، واليوم على من يتديّن أن يذهب على الجامع، وأحدهم وقد انتمى للجناح المعارض المعتدل ، بعد أن يصلي صلاة الجمعة. يذهب إلى المطعم ليطلب المشروب، قد يكون حقيقة قد آمن لكن جسد المدمن لا يتركه. يقال أن أحدهم حجّ سبع مرّات على نيّة ترك المشروب ولم يستطع. الإدمان مرض كبقية الأمراض ، ولست بصدد الحديث عن أبعاد المرض.
على الطّرف الآخر يتبنى الكثير من أبناء طائفتي التّيار العلماني السّوري الجديد، و هذا التيّار قد لا يحبّ الأسد كشخص، ويحاول أن تكون مهمّته اجتماعية ، ومن إيجابيات هذا العمل محافل الشعر والموسيقى ، لكن أحد أموره التي لا تطاق هو أن يكرّس شخص وقته ليضع خطبة لشيخ غير معروف يحرّم ويحلل، ثم يسخر برأيه منه ، أو التحدث عن الإرهاب الإسلامي منذ ظهور الدّعوة الإسلامية ، وكأنّ انتماءهم مختلف، وبينما يكيلون الشّتائم المبنية على أدلّتهم للمسلمين السّنة فإنّهم يعتبرون طائفتهم عابرة للإسلام مع أنها تحمل نفس الهوية، وربما يكون الإسلام السّنة كعقيدة أرحم بالنسبة للنّساء. حيث أنّهم يعترفون بوجود المرأة كعنصر يمتعهم، وعليهم أن يتكفلوا بمصاريفها، أما في المقلب الآخر فإن المرأة تكون في بعض الأحيان نوعاً من الجنس الثّالث، إضافة إلى أنّهم مؤمنون بالطائفية وهذا لا يعني أنهم مؤمنون بالله كما لا يعني أن المسلم السّني مؤمن بالله في كلّ حالاته. هو فقط إعلان عن عدم القبول للآخر، والعلمنة السّورية اليوم تضّم جميع الطوائف -غير السّنية-سواء كانت مسيحيّة أو مسلمة. هذا هو الطّابع العام. هل يوجد أشخاص ليسوا كذلك؟ نعم. هناك الكثير لكن ليس لهم تأثير. . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي