الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القابضون على الجمر

جعفر المظفر

2018 / 4 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


القابضون على الجمر
جعفر المظفر
إن كثيرا من الذين تراكمت تجاربهم السياسية خلال العقود السابقة كانوا أقدر على تحديد الرؤى وتأسيس الأحكام, لا لكونهم كانوا أذكى من أقرانهم في الوقت الحاضر, وإنما لأن خارطة تصنيف خانات الأعداء والأصدقاء كانت أكثر وضوحا مما هي عليه الآن.
كان العدو القومي والوطني المتمثل بإسرائيل والغرب الإستعماري قد جمع في مقابله الوطنيين والقوميين والماركسيين في جبهة واحدة كتلك التي شاهدناها قبل إنهيار الحكم الملكي في العراق وفي تجارب الشام المتفرقة. وقد قُدِر لذلك التجمع السياسي أن يخلق وعيا واسعا وحركة جماهيرية عريضة تلتقي على أساسيات المواجهة على الأقل.
في تلك المرحلة يمكن القول تحديدا أن المساحة الزمنية للمواجهة بين الحركة الوطنية العريضة من جهة وبين التحالف الصهيوني الإستعماري الرجعي من جهة أخرى كانت كافية لإنتاج خطاب وطني مشترك وهوية وطنية جماهيرية جامعة, وقد ظلت الخلافات بين القوى محصورة في مستوياتها البينية سياسيا ولم تتركب بعد او تنزل إلى العمق الإجتماعي, وظل الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي في اثناء الحرب الباردة يؤثر بشكل كبير في تقسيم الساحة السياسية العربية بعناوين تناسب مفردات تلك المرحلة. وبإمتداد زمن ذلك الصراع لأكثر من سبعين عاما فإن الخطاب السياسي والإجتماعي الوطني كان إمتلك المساحة الزمنية الكافية لإنتاج ثقافة سياسية كافية لتحديد من هو العدو ومن هو الصديق..
في عقد السبعينات صارت المنطقة في مواجهة حدثين أديا بدورهما إلى إحداث إرتباك خطير على صعيد تحديد قوى المواجهة وعلى توزيع هذه القوى وترتيبها. الحدث الأول كان تمثل بتنازل مصر عن دورها الريادي في جبهة المواجهة العربية مع إسرئيل بعد الزيارة التي قام بها السادات إلى القدس في19 نوفمبر (تشرين الثاني) 1977 وإعلانه أن حرب إكتوبر عام 1973 هي آخر الحروب, وبيعته لواشنطن بإعتبارها حسب وصفه تملك كل أوراق الحل. وكان هذا الدور قد تراجع أصلا بعد نكسة الخامس من حزيران عام 1967 التي أكلت كثيرا من الزعامة الناصرية وأدخلت الساحة العربية في مرحلة سميت حينها بالحقبة السعودية.
وكان ثاني الحدثين هو إنهيار النظام الشاهنشاهي الإيراني عام1979 الذي أدى بدوره إلى صعود حكم الإسلام السياسي في طهران, والتي كان من تأثيراته المباشرة إنهاك النظام البعثي في العراق في حرب طاحنة إستمرت لثمان سنوات, ثم جَعْلِه عرضة للدخول في مغامرة كسر الظهر في الكويت, التي أدت بدورها إلى إحتلال العراق من قبل أمريكا وصعود الإسلام السياسي الشيعي التابع إلى إيران بديلا لنظام صدام حسين مسجلة بذلك إنتهاء الحقبة القومية ودخول المنطقة العربية في عصر التجاذبات السعودية الإيرانية.
لقد جابهت المنطقة العربية نوعين من الإحتلال, أولهما إحتلال الأرض على يد إسرائيل وثانيهما إحتلال الإنسان على يد إيران. وبينما كان إحتلال الأرض على يد الإسرائيليين كافيا لتعريف المرحلة وتحديد هويتها السياسية وهوية قواها الفاعلة فإن أبرز ما جاءت به مرحلة إحتلال الإنسان أنها أدخلت هذه القوى في مرحلة تشرذم وإنقسام ذاتي وضياع سياسي يمكن تبين ملامحه من خلال سيادة الأحكام الإزدواجية وتناقض المواقف بشكل كاريكتيري مثير للسخرية, حتى وكأنك صرت ترى إنسانين في إنسان واحد.
كان السياسيون لهم من وضوح المواقف ما يكفي لمعرف درجة القربى أو درجة الخصومة مع غيرهم من القوى. أما الآن فلقد كان لطبيعة المتغيرات السياسية السريعة والمركبة دورا في إحداث الإرتباك سواء ذلك الذي يتعلق بنوعية القوى المقررة الجديدة أو بنوعية الإصطفافات بينها أو بطبيعة الأحكام العامة أو الفردية. وما نواجهه هنا أن المتغيرات السياسية كانت كبيرة وسريعة في حين أن الثقافة السياسية والخطاب الوطني الذي يلاحقها, أو يتكون منها, كان بطيئ التكوين: أي أن الثقافة الوطنية المشتركة لم تملك بعد الفرص الكافية لكي تتكون بسبب زحمة وكثافة ونوعية المتغيرات الإستراتيجية الهامة, ولهذا فإن الخطاب الوطني المشترك لم يتكون بعد, وقد نقول أنه ما زال في دوره الجنيني ولم يولد بعد.
أما نحن أصحاب التجارب السياسية السابقة فقد أضفنا إلى سوء الحشف كيلات. قسم منا وجد نفسه على سبيل المثال قوميا أو بعثيا سنيا, وقسم منا, وعلى سبيل المثال أيضا, وجد نفسه شيوعيا شيعيا. من الناحية السياسية دخل الموقف في مساحة من الإرتباكات الكبيرة أهمها تلك التي جعلت البعض على أهبة أن يكون حليفا ومحبا لإسرائيل لأنه متضرر من الأطماع الإيرانية, وتجد من بين أولئك الذين قاتلوا ضد إيران لثمانية سنوات كاملة وقد تحول إلى نصير لإيران.
إن الذي يحافظ على ولاءاته الوطنيه وعلى علاقاته القومية والإقليمية بشكل لا يتقاطع مع تلك الولاءات بات الآن كالقابض بيده على جمرة من نار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تجاوزت مرحلة القابض على الجمر
موفق حدادين ( 2018 / 4 / 25 - 16:02 )
آلاستاذ د المظفر
تحية طيبة
مقالتك هذه هي كما يقول المثل الشعبي: -مثل الكي على الفكك- أي كما يقول
Right on the nailالمثل الانجليزي
إلا أنني تجاوزت مرحلة القابض على الجمر لأنني لم أضعت هويتي بعد كل الهزائم والانتكاسات في القرن الماضي والحالي ، ما لم أشارك في تأسيس حزب جديد أو حركة سياسية جديدة تتجنب أخطاء الماضي ولكن هيهات وقد تجاوزت الخامسة والسبعين
موفق حدادين
2018/4/25 عمان في


2 - خطأ مطبعي
موفق حدادين ( 2018 / 4 / 26 - 13:22 )
جاء في تعليقي رقم 1 أعلاه -لم أضعت- والصحيح -أضعت- ه
موفق حدادين

اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير