الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إبداع المرأة وسجن اللاوعى

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2018 / 4 / 25
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



فى منتصف ستينيات القرن الماضي، قابلت الكاتبة الفرنسية سيمون دو بوفوار، حين جاءت للقاهرة بدعوة من «جريدة الأهرام» مع الكاتب الفرنسى جان بول سارتر، كتبت مقالا بعد اللقاء نشر بمجلة روز اليوسف بعنوان «ساعة من الصمت مع صانعة الكلمات» عبرت فيه عن خيبة أملى فيها، بدت سيمون دو بوفوار فى حقيقتها أكثر تبعية لسارتر عنها فى كتاباتها، لا شك أن كتابها «الجنس الآخر» من أهم الكتب التحريرية للمرأة فى القرن العشرين، ولها أعمالها الأدبية المهمة، وهناك حملة عدائية (غير موضوعية) لبعض النسويات الفرنسيات ضد سيمون دو بوفوار ، بالطبع تتدخل عوامل كثيرة فى النقد لا علاقة لها بالأدب .

كان يمكن لسيمون دو بوفوار، فى رأيي، أن تكون فيلسوفة أكثر أهمية من «جان بول سارتر »، لكنها تنازلت عن فلسفتها من أجله، وأصبحت تؤمن به وبفلسفته الوجودية الاشتراكية الليبرالية، تغلب سارتر عليها فكريا وعاطفيا، عاشت تذرف عليه دموع الحب الأحادي، وعاش هو متعدد العلاقات، يتنقل كما يشاء بين النساء، معلنا أنه لم يذرف دمعة واحدة على أى امرأة. التناقض واضح فى حياة سارتر وسيمون وكتاباتهما، كان سارتر يكتب عن تحرير الشعب الجزائرى من الاستعمار الفرنسى وتحرير الرجل الأسود من الرجل الأبيض، لكنه كان يستغل النساء ويمارس القهر عليهن، وكانت سيمون دو بوفوار تكتب عن تحرير النساء من القهر السياسى الاقتصادى والجنسي، إلا أنها عاشت مهانة الخضوع والتبعية للرجل.

يلعب الإبداع الأصيل دورا فى إلغاء الفاصل بين الخاص والعام، تعيش المبدعة (أو المبدع) ما تكتب وتكتب ما تعيش، وهذا أمر شاق لا يتحقق إلا نادرا، بسبب الظروف والقيم التى يعيشها الكاتب أو الكاتبة منذ الطفولة. فى طفولتها عاشت سيمون دو بوفوار تحت سيطرة أمها الكاثوليكية المتزمتة، كرهت سلطتها ورقابتها عليها، فأصبحت تلجأ لأبيها وكان يمنحها حرية أكثر، كرهت أمها واعتبرتها رمزا للشر، أحبت أباها ورفعته للمثل الإلهى الأعلي، وجاء «سارتر» حبيبها ليحتل مكان الأب المقدس، وأصبح شبح «الأم» الشريرة كامنا فى اللاوعي، يتبدى لها مخيفا فى الظلام، خارج الزمان والمكان كالشيطان .

أصبح الرجل والفكر الأبوى هو الجسر الذى تسيرعليه الكاتبة سيمون دو بوفوار لتدخل العالم الذكورى وتحقق ذاتها فيه، وقد فعلت ذلك بنجاح كبير، وأصبحت كاتبة مشهورة مرموقة عالميا، إلا أنها عاشت حياتها تجتر الحزن والاكتئاب، تشعر بألم الفقدان، فقدان ذاتها أكثر من فقدان الرجل، تذرف دموع البعد عن نفسها الحقيقية، أكثر من البعد عن سارتر كما توهمت. تقع فى هذا المأزق أغلب النساء المبدعات فى العالم، تتربى البنت لتكون عدوة لأمها، حبيبة أبيها، يجبرها التاريخ والعلم والفن والدين والقيم والثقافة الأبوية على رفع الرجل للسماء، والهبوط بالمرأة تحت الأرض، تصبح كارهة لنفسها ولأمها وكل بنات جنسها، تتغذى بأفكار الطب النفسى الحديث بزعامة سيجموند فرويد، الذى يمجد الأب بحكم موروثه الأبوي، ويصور الأم كالوحش, وأصبحت الأم قاتلة للأب فى اللاوعى الطفولي، وانقسمت شخصية الأم الى جزءين، الجزء الإلهى الطيب الحنون، والجزء الآخر الشيطاني، خلعت البنت على أبيها الجزء الحنون الإلهي، وأصبحت أمها هى عدوتها، تنافس البنت أمها لتكسب حب الأب، ويساعد الأب على اتساع الفرقة بين الأم والابنة ليحظى بالسلطة عليهما (فرق تسد)، وبقيت سيمون دو بوفوار وكثيرات من النساء، حبيسات هذا اللاوعى المنفصم ، تتجمد الشخصية الأنثوية عند مرحلة تأليه الرجل وشيطنة المرأة، ويمكن للإبداع الأصيل المتمرد على القيم المزدوجة، أن يغير اللاوعى الأنثوى والذكوري، لينتج الوعى الإنسانى الأعلي، لكن هذا يقتضى نظما سياسية جديدة وعلاقات اقتصادية واجتماعية وأخلاقية عادلة، تقوم على المساواة والحرية، وتعليم وتربية منذ الطفولة أرقى إنسانيا، تساوى بين الأمهات والآباء، وبين الرجال والنساء، وبين الجماعات والأفراد فى الدول والشعوب والطبقات، يصبح التبادل المتساوى فكريا وماديا هو الأساس، فلا يحدث الانقسام فى الإنسان أو المجتمع، وهذا أمر نادر، لأننا نعيش فى عالم رأسمالى أبوى عنصرى عسكرى ديني، قائم على القوة والظلم والحرب والعدوان والاستبداد، مع الخداع، وكثرة الكلام عن الديمقراطية والعدل والسلام والحب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بعض الملاحظات النقدية
آصال أبسال ( 2018 / 4 / 27 - 02:00 )
أولا.. يبدو أن الكاتبة نوال ليست على اطلاع بفلسفة سارتر.. فهو لم يزعم في يوم من الأيام بأنه صاحب -فلسفة وجودية اشتراكية ليبرالية-.. كما تدعي الكاتبة..
ثانيا.. فرويد لم يتزعم -الطب النفسي الحديث-.. كما تدعي الكاتبة أيضا.. على العكس كان فرويد من خلال منهجه في التحليل النفسي ضد جل أفكار هذا -الطب النفسي-.. وعليه فرويد لم -يمجد الأب بحكم موروثه الأبوي-.. بل حاول أن يحلل أو يعالج مجتمعا أبويا (ذكريا) ساد أوربا زمانا مديدا.. من خلال العقدة التي سماها -عقدة أوديب-.. التي تعود بأصلها إلى عصر سوفوكليس في مسرحيته -أوديب الملك- الشهيرة..
ثالثا.. المسألة بين الرجل والمرأة ليست بهذه الصرامة التي لا تقبل النقاش.. بأن المرأة دائما مظلومة في المجتمع الأبوي (الذكري).. خاصة في مجتمعاتنا.. هناك الكثير من النساء في العالم.. وخاصة من حصلن على نوع من السلطة بشكل أو آخر.. هن أسوأ بكثير من الرجال الذين حصلوا على هذه السلطة بشكل مشابه.. فمثلا.. حاولي أن تسافري عبر مطارات أوربا وأنت تحملين حقيبتك.. وسترين في نقاط التفتيش خاصة أن نساء الشرطة أشرس بكثير من رجال الشرطة.. هذا مثال واحد فقط من بين أمثلة كثيرة..


2 - شكرا على النشر
آصال أبسال ( 2018 / 4 / 27 - 19:10 )
شكرا على النشر أخيرا..
ولكن أرجو أن تعملوا جادين على تلطيف نبرات الجمل التي تنص بقواعد النشر ..
فمثلا.. الجملة المكتوبة بالأحمر في أعلى تعليقي تقول بنبرة حادة وآمرة كثيرا ما تخدش آذان من يقرؤونها من القراء.. تقول الجملة ما يلي..
(التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها)..
مع أنه كان من الألطف والأجمل بكثير أن تقول على سبيل المثال..
(التعليقات المنشورة هنا تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المركز)..
مع التحية الطيبة لكم جميعا
آصال أبسال


3 - أحسنت يا دكتورة آصال
حي يقظان ( 2018 / 4 / 28 - 01:39 )
أحسنت يا دكتورة آصال بملاحظاتك النقدية على مقالة الكاتبة نوال... فعلا سارتر لم يزعم بأن فلسفته (فلسفة وجودية اشتراكية ليبرالية) كما يبدو أن الكاتبة تفسر دون اطلاع... وفعلا فرويد لم يتزعم (الطب النفسي الحديث) حسب تفسير الكاتبة... ولكنه ابتكر طريقته الخاصة في التحليل النفسي التي تختلف كثيرا عن الطرق المتبعة في (الطب النفسي الحديث)...
أخيرا... أوافق الدكتورة آصال بشدة على رأيها الذي أبدته في (تلطيف نبرات الجمل التي تنص بقواعد النشر) وما شابه ذلك...
وشكرا لأسرة تحرير الحوار المتمدن...


4 - (1)الى الدكتورة آصال
ماجد الشمري ( 2018 / 4 / 28 - 08:51 )
الدكتورة آصال/ ان الدكتورة نوال السعداوي تقصد ان سارتر كان وجوديا وتخلى لاحقا عن وجوديته ليتبنى الماركسية كفلسفة لايمكن تجاوزها حسب زعمه وكان يحاول الجمع بين الماركسية والليبرالية في اخر ايامه.لذا فان ماقالته نوال هو اجمال لمراحل سارتر الفكرية وليس تفصيلا.اما ماذكرته نوال بشأن دوبوفوار فهو تجني على سارتر فقد كانا متفقان سارتر ودي بوفوار على ان علاقتهم العاطفية حرة وبلا قيود ويستطيع كل منهم ان يقيم اي علاقة اخرى خارج علاقتهم الثنائية وهذا مافعله الاثنان من ارتباطات جنسية اخرى.


5 - الى الدكتورة آصال
ماجد الشمري ( 2018 / 4 / 28 - 08:53 )
اما بخصوص فرويد فهو على المستوى الشخصي الخاص كان ذكوريا جدا ورجعيا في افكاره بحكم الحقبة الزمنية للعصر الفكتوري التطهري وبيئته المحافظة.ويعتبر اتجاهه في التحليل النفسي تيارا كلاسيكيا استهلك نفسه وقد تجاوزه ادلر ويونغ وتقدم عليه كثيرا اريك فروم في جمعه بين الماركسية والتحليل النفسي كما سبقه في ذلك فيلهلم رايخ.اما عن موقف نوال من الجندر فهي ومنذ البداية موقفها منحاز كليا الى النسوية بحق او بباطل فهي لاتنصف المرأة بقدر ماتعادي الرجل بعقلها وعاطفتها وانت محقة في عدم اخذ العلاقة بين الرجل بهذه الميكانيكية الصارمة.فنوال ليست مرنة في اراءها بل احادية ومتصلبة


6 - ردا على تعليق ماجد الشمري
آصال أبسال ( 2018 / 4 / 29 - 23:19 )
بالنسبة إلى سارتر.. المسألة ليست بهذه البساطة التي يتصورها المعلق عن المنهج الفلسفي الذي انتهجه هذا الفليسوف.. أما بالنسبة إلى فرويد.. يبدو أن المعلق اطلع على بعض من الكتابات المغرضة التي تهدف إلى الحط من قدر شخص فرويد.. ولكنه لم يطّلع على كتابات فرويد نفسه حتى يتأكد من أية (رجعية) يتكلم عنها.. حقيقة من ذكرهم المعلق من أمثال يونغ وإدلر هم الرجعيون بمعنى الكلمة إن كان يعتقد أن فرويد (رجعي) على المستوى الشخصي.. وإن كان لا يدري أيضا.. فإن منهج فرويد التقدمي في علم النفس لا يختلف كثيرا عن منهج ماركس التقدمي في علم الاجتماع.. وبالنسبة إلى فروم الذي ذكره باعتقاده أنه (متقدم على فرويد كثيرا من حيث تطبيق الماركسية).. ما على المعلق سوى أن يطّلع على ما كتبه فروم بالذات في هذا الخصوص.. أو على الأقل يطّلع على محاضراته ومقابلاته إذا كان يجيد الألمانية أو الإنكليزية..


7 - الاستاذ ماجد الشمري اعترض
فؤاده العراقيه ( 2018 / 4 / 30 - 20:02 )
اعترض وبشدّة على قولك بخصوص موقف المفكرة نوال من الجندر حيث تقول هي منذ البداية موقفها منحاز كليا الى النسوية بحق او بباطل فهي لاتنصف المرأة بقدر ماتعادي الرجل بعقلها وعاطفتها( ما هكذا يكون الكلام ولو كنت مراقب جيد او متابع لمواقفها لرأيتها تنشد للعدل بغض النظر عن الجنس او المذهب او القومية والخ .. من هذه الفروقات السخيفة بالنسبة لها ولكل من وصل لمرحلة عالية من الوعي بهذه الأمور , الوعي يوصل صاحبة ليكون منحازا للإنسانية فقط

اخر الافلام

.. استشهاد امرأة فلسطينية وإصابة آخرين إثر غارة إسرائيلية استهد


.. اعتقال ناشطات معارضات للحرب في قطاع غزة والسودان




.. في حوار لـ-العربية ENGLISH-.. أندرو تيت الملقب بـ-كاره النسا


.. هل يعاني علم المصريات من الاستعمار الثقافي؟ • فرانس 24 / FRA




.. تغير المناخ.. تحد يواجه المرأة العاملة بالقطاع الزراعي