الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية في نص ومضي (غربة) للكاتب مجدي أحمد

عماد نوير

2018 / 4 / 26
الادب والفن


من روائع الومضات
قراءة نقدية لنصّ ومضي (غربة) للكاتب مجدي أحمد
غربة
نظر في عينيها؛ أبصر غريمه.
مجدي أحمد

الحياة المرتبكة
الصراع الذكوري للفوز بقلب المرأة، يُنشب مخالبَ رجولته و فحولته في المسيرة الطّويلة الأزلية التي لابد أن تثمر عن اجتماع الجنسين، الصراع الذي لا استسلام فيه إلّا الظفر أو الرحيل إلى عالم الجنون، صراع بين الرجال لكسب ود الحسان، صراع يطيح بكل الاعتبارات أمام حب امرأة، لم يَسلمْ منه صديق و صديق و لم يتحاشَ أخٌ أخيه و يقرّ له بالاستسلام، و التّنازل عن امرأة داعب طيفها أوتار غيتار عشقه، صراع انبثقتْ نزعاته منذ ولاداتنا الأولى، التي ولّدت بدورها أول جريمة في حياة الإنسان، و حتى لو لم تكنْ هي السبب الحقيقي لتلك الجريمة، و تغاضيا لرواية مشهورة، أو تضعيفها و تفنيدها، فإن صبغة الصراع حول امرأة لم يأتْ من فراغ، بل من استنتاجات اجتماعية، و نوازع عينِيّة ملموسة، بُنيت على أساسها نظرية قتل أحد الأخوين أخيه الآخر!
إذا فحجم هذا الصراع و وضوح تواجده و تناميه حرّك مخلية الراوي لصياغة تلك الرواية إن لم تك صحيحة، و هكذا يخلد في المخيّلة إمكانية مزاحمة الأقرب و الأبعد علنا و هزيمته بكل فخر للنيل بقلب من يحب.
و الصراع مازال على أوجه، صراع آخر، هو صراع مع الذّات، التي تسمح لنفسها الوقوع في التّذلل و الخنوع و الهوان للمحبوب حتى إن كان يواجه منه رفضا و إعراضا، و مواجهة نمرة و وحشية للرجل الآخر الذي له الحظوة عند محل النزاع، و خلق العداء و مناصبته له و لو لم يكن يعرفه، أو أنه خرج بحياة المرأة لاحقا، دون أن تكون له سابقة مشتركة مع الغريم.
صراع يتحوّل إلى تحدٍ سافر، و أنانية وقحة، يحاول فيها الإيقاع بالاثنين معا، و عدم الرضا بالخروج من حياة امرأة وجدت طريقا آخر أقرب إليها من قلب مالت إليه في وقت مضى، و ربما لم تكن ميّالة نحوه أبدا بالقدر الذي تصوّره هو، و صاغ على ضوئه ذاك التّمسّك و التّشبّث بعنجهية.
النّصّ يحكي لنا قصة تضرب في عمق النفس البشرية، متأملة تلك النوازع التي تنتاب الرجل حال ظهور بوادر من ينازعه على أنثاه، و ذاك أمر مسلّم به قطعا، فالعقل البشري لا شك أرقى بكثير و لا سبيل للمقارنة مع الحيوان الذي يستميت دون أن يزاحمه أحد من صنفه في مغازلة أنثاه، و عليه فلا غبار على أحد الغريمين إن كان يحظى بالشّرعية دون غيره، و لا غبار أيضا أن كان يحاول الظفر بلحظة أمان من يقين، و سعادة من اطمئنان، و حبور في الخلاص من ماض مؤرق.
فكرة النّصّ ظاهرة عريضة الانتشار، معمّدة الطرح من الكثير، لكنها تبقى أسيرة الكيفيّة الفنيّة التي سوف يسوقها الكاتب إلى قارئه، ليرسم على محياه إمارة رضا، و يحصل منه على تصفيق علني أو خفي فهو سواء.

غربة
وقوفنا عند كل عنوان، و تكرارنا أهمية الانتقاء الجيد، لا يعني استهلاكا للمعلومة قدر الزّيادة في التأكيد لأمر في غاية الأهمية، و محاولة النفاذ إلى عمق النصّ من خلال إيجاز العنونة المثالية و المغرية.
و العتبة هنا مفردة نكرة كما هو الغالب و المؤكّد في هكذا نصوص غاية في التكثيف و الإضمار و الضغط، و الغربة هنا استطاعت أن تلعب دور العنوان المثالي بجدرارة، فهي ذات بعد دلالي عميق، و وقع سمعي يوحي بأن هناك فجوة و شرخا كبيرا في الحياة المشتركة للزوجين أو الحبيبين، و من المرجّح أن يكونا زوجين حبيبين بنفس الوقت، فالغربة قد أوغلت أظافرها في وطن صغير جدا، يكاد يكون روضة فيها بطلين لا غير، ممّا يصعّب دور الغربة في مساحة صغيرة مملوكة لبطلين فقط!
و تبرز المشكلة التي تظهر الغربة و البعد النفسي أزاء القرب الجسدي، و التّنافر الروحي أزاء الاختلاط المعيشي اليومي، و ملاحظة المسافة البعيدة التي تتجلّى في وحشيتها في غرفة واحدة و سرير واحد.
إذا العنوان هو العزلة و الاغتراب النفسي داخل الوطن الواحد، و الانعزال و النفور داخل الحياة الزوجية التي قد يبدو عليها الاستقرار ظاهرا، و هو العزلة الاختيارية في أحيان كثيرة نابعة من توارد خواطر وهمية و شكوك هشة، و استنتاجات هزيلة لا تصمد أمام واقع الحال، سوى من هواجس لا تستطيع النفس إلّا أن تنقاد إليها و تعشق أسرها لها، و ذلك ما يأتي من حب مفرط و غيرة زائدة تنتج عدم ثقة سرعان تحطّم سقف الوطن الآمن و ضياع روح السّعادة أمام رياح الانانية و عدم التّحرّر من قيود الماضي المنصرم.

نظرَ في عينيها
النّظرة هنا ليست عابرة أبدا، إنها نظرة تفحّصية، تفقّدية، استنتاجية، فهو إذا مقرّب منها بدرجة زوج و حبيب كما أسلفنا سابقا، و هو إِنْ نظرَ، إنما تعمّق لأمر ما، قد يكون مريبا، و قد يكون تُهيّما و تعشّقا و إبحارا في سحر عينيها، الذي أوقعه يوما، و مازال لهذه اللحظة لا ينوي مغادرة تلك الرحلة الأبدية في مدن عينيها السّاحرة، و ربما هما الاثنان معا، فهو ينظر إلى عشقه فيهما و بالوقت نفسه، يستجلي أمورا شائكة و ضبابية أشكل عليه تجاوزها إلى ماهو أكثر استقرارا و هدوءاً.
و الكاتب هنا كان يجيد استنطاق الأفكار الخفية، و يعرف أن الأسرار تفضحها العيون، لذا لم يقل نظر إليها، و آثر النظر لعينيها بتعمّد، إشارة مفادها هدفان، إعلام القارئ إن لغة العيون تفشّي أحيانا مكنونات النفس البعيدة، و الهدف الثاني، هو التّلميح إلى أن البطل له القدرة على ترجمة كل رمشة و إطراقة و سكون و حزن و ابتسام يصدر من متكلم عجيب هو العين دون أدنى شك، و من جهة أخرى ذلك القرب الروحي من بطلته التي يستطيع أن يعّد أنفاسها و يستقرئ عينيها أكثر من أي شخص آخر، لعيشه عمرا ربما داخل محبوبته فهو يعرف ماذا قال لحاظها دون عناء يُذكر.
الشطر الأول من الومضة جاء بإيقاع جيد و بنسق متّزن رغم وجود حرف جر فيه، إلّا إننا لم نلحظ أي ثقل أو تلكؤ أو تعثّر، بل إنه كان في محلّه تماما فأعطى البعد الذي أراده الكاتب، حيث ذلك العمق النافذ داخل الفكر من خلال العين، و لم يقل نظر لعينيها، حيث يمكن حينئذ أن يُفهم النظر الخارجي إلى العين الجارحة الجميلة السّاحرة، لا العين العميقة النّاطقة المعبّرة الموحية إلى أشياء كثيرة.
صدر جميل و موفّق رغم بساطة مفرداته، استطاع أن يستدرج القارئ إلى عجز يحمل التّرجمة الكاملة لقصة يبدو أنها جميلة.

أبصر غريمة
غالبا ما يكون فعل العجز متناقضا مع فعل الصدر، ليكتمل التقابل اللفظي و يعيش القارئ في جو مشحون بالمفارقة التي تجعل النص على درجة عالية من النضج، لكن فعل العجز هنا جاء من نفس جنس فعل الاستهلال، نظرَ/ أبصر، و جاء مزوّدا بهمزة دلالة على تصيير الفعل، و تحويل الفاعل إلى مفعول، أي أن الغريم هو من كان فاعلا في حياة المرأة، و حاضرا في وجدانها، فصيّره إلى مفعول و الفاعل المبصر هو الزوج المغدور.
رغم تجانس الفعلين إلّا إن المعنى كان يسير قُدما بالاتجاه الصحيح، و كان ذلك إثباتا إلى أن المفردة التي تخدم النصّ هي من تصلح رغم خرق القواعد و البديهيات، أو هكذا تُحسب عند البعض، متناسين أن التغيير إلى الجمال و الفن السّاطع هو الذي يصمد أخيرا في ذائقة المتلقّي.
لقد جاء الشطر الثاني مباغتا و سريعا و مفاجئا، يحمل مع برقه السريع زلازل الإدهاش التي تصعق عقل القارئ، لقد تأزمتِ القصّة بطريقة سريعة و بالسرعة نفسها انفرجت و تنوّرت و أُقفلت في مفردتين فقط، كان لهما سرد كثير و دلالة كبيرة و قول وافر، ففي الوقت الذي نظر البطل في عينيّ حبيبته، لم يكن ليرى عشقا مقابلا أو ولها مطابقا أو حبا مسارعا، لكنه رأى أو أبصر و هي التي كانت تعني ما تعني من نظر بعين بعيدة جدا، تجاوز رؤية العين إلى بصيرة القلب و إحساس و حدس و فطنة و تكهّن بعين حذقة، لقد رأى بما وراء العين ذلك الغريم الذي لم يفارقه أبدا.
و هنا نحاول أن نرى و نبصر نحن أيضا، هل رأى غريمه حقا في عينيها، هل كانت تحمله معها كل هذه السنين، ليعيش البطل معا (غريبا) و مهمشا في قلبها الذي يملأه الغريم؟!
أَمْ هي أوهام تخطر بالبال كلما ذُكر اسم مشابه للغريم في أي وقت، أو هي مجرد شكوك و غيرة تحضر كلما حصل موقف مماثل لحدث طمرته الأيام و النسيان، ليجدّده شكّه النابع من حبه المفرط لها؟
و كل ذلك ولدته الفطرة الذكورية التي تحرّم على المرأة العيش بطريقة مدنية تشبه حياة الرجل، و كل ذلك لأن الإرث حمّل المرأة أعباء الخطئية، و ألبسها ثوب الخيانة، و جرّد منها صفة الوفاء التي تليق بها دون شك!!!
و يبقى السؤال الأخير من باب توقّع كل أمر وارد الحدوث، هل أبصر البطل غريمه حقا، و هل كان غريبا في حضن بارد طيلة العمر المنصرم معها؟ و كانت كانت على درجة من الدونية أن تحمل معها شريكا لم تستطع أن تنساه يوما، أو أنه ظهر بمنتصف حياتها الجديدة، فأباحت لنفسها إكمال حياتها معه خلسة، كانت عيناها كفيلة بفضحها أمام زوج و عاشق يقرأ العيون جيدا..!!!
شكرا لكاتب النّص أ مجدي أحمد و إلى مزيد من الإبداع إن شاء الله.
تحيّتي و الودّ
عماد نوير...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب


.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل




.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال