الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خالد وابو خالد؛ الخطأ والخطيئة

مهند طلال الاخرس

2018 / 4 / 26
القضية الفلسطينية


وسط مراسم خجولة وبعد مسيرة طويلة من العمل والتخبيص السياسي توفي أبو خالد العملة عن عمر يناهز 82 عاماً في العاصمة السورية دمشق، سنوات كثيرة عاشها الرجل كانت كفيلة بأن يتورط خلالها في صراعات داخلية دموية، وان يرتبط خلالها بأطراف ودوائر كانت دائما ما تبحث عن مقاولين مصنفين لديها في دائرة العبث، تلك الدوائر التي تستهوي وتجذب اليها كل اصحاب الطموح المريض، والذين غالبا ما كان يسوقهم هذا الطموح الى المقصلة.

موسى محمود العملة «أبو خالد العملة» (1930-2012)، والذي شغل لسنوات طويلة منصب نائب أمين سر حركة فتح الانتفاضة (المنشقين)، قبل أن يُفصل منها عام 2006 بقرار اتخذه في ذلك الوقت أمين سر الحركة أبو موسى، على خلفية تورط العملة بأحداث مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان، ودعمه لجماعة فتح الإسلام السلفية المتشددة.

حيث اتخذت الحركة قرارا بفصل أبو خالد العملة من التنظيم نهائيا لأسباب أمنية وقضائية. حيث أن الأسباب الأمنية تتلخص في أن العملة يسّر دخول عناصر تكفيرية إلى أجنحة الحركة المسلحة، وأن هذه العناصر تم تدريبها في مواقع حركة فتح(المنشقين) في لبنان، حيث عمد أبو خالد العملة إلى التواطؤ مع هذه العناصر للاستيلاء على مكاتب الحركة في مخيم نهر البارد في لبنان.

اضافة الى ان أبو خالد العملة تصرف في أموال الحركة لصالحه الشخصي بشراء شقق وبيعها دون علم الحركة، بما يعادل ملايين الليرات السورية. وحسب ما أعلن حينها فإن القيادة اعلنت أنه لهذين السببين اتخذت حركة فتح الانتفاضة قرارا بفصل أبو خالد العملة من الحركة.

قضى أبو خالد العملة أيامه الأخيرة يصارع المرض في منزله بهدوء وعزلة، مبتعداً عن الأجواء السياسية، وتوفي في ثالث أيام عيد الأضحى، ودُفن بعد وفاته بيومين في مقبرة الشهداء الجديدة الواقعة وسط مخيم اليرموك جنوب دمشق، بمراسم جنازة متواضعة جدا. لم تُعلّق صور العملة على جدران وزوايا المخيمات الفلسطينية في سوريا، كما سرت العادة، بل اقتصرت الجنازة على حضور عدد قليل من المشيعين والأصدقاء الشخصيين للراحل. وكان اللافت في التشييع الخجول هو غياب الحشود الكبيرة من لاجئي مخيم اليرموك.

خلال السنوات الطويلة التي قضاها متنقلاً في المراكز العسكرية، عاش الراحل تفاصيل ومحطات كثيرة، كان عنوانها الأبرز هو التقلب والانقلاب وامتهن فيما بعد تأجير المواقف وبيعها وخرج من التبعية لدائرة المخابرات السورية الى دوائر وعوالم أعقد وأصعب. البداية كانت مع الجيش الأردني الذي تطوع فيه ووصل إلى رتبة عقيد، لكنه استقال لاحقاً ليلتحق بركب الثورة الفلسطينية، التي تزعمتها في ذلك الوقت حركة فتح بقيادة الزعيم الراحل ياسر عرفات عام 1965،
المحطة الأبرز في حياة أبو خالد جاءت مع الانشقاق الذي قام به عام 1983 عن حركة فتح، ليشكل مع أصدقائه أبو صالح وأبو موسى وأبو فاخر حركة فتح-الانتفاضة او ما عرف فتحاويا بالمنشقين، والتي خرجت عن مسار حركة فتح الأم، بعد خلافات في وجهات النظر مع أبو عمار حول طبيعة علاقة الثورة الفلسطينية مع السياسة الغربية، وبعض الأنظمة العربية وعلى رأسها النظام السوري، الذي بارك وأيد ودعم هذا الانشقاق، مما تسبب لاحقاً بمواجهات مسلحة دموية، في مناطق لبنانية مختلفة أثناء الحرب الأهلية ثم تورط في معارك المخيمات بين الفصائل الموالية لسوريا وأخرى موالية للشرعية الفلسطينية وعلى رأسها خصم الاسد اللدود ياسر عرفات.

استمر أبو خالد العملة في منصبه مسؤولاً عن العمليات العسكرية في الحركة، وحاز على رضى وعلاقة إيجابية جيدة مع النظام السوري،.

الحلقة الأخيرة من حياة أبو خالد السياسية، أعلنها أبو موسى، عندما أصدر في العام 2006 قراراً يقضي بفصله من الحركة، على خلفية ارتباطه ودعمه لحركة «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد، والذي كان السبب المباشر في نقمة النظام السوري على العملة، الذي اعتقل على أثره في دمشق مع بعض كوادر الحركة، وعند العفو عنه وخروجه من السجن قضى السنوات الأخيرة من حياته منكفئاً على ذاته معزولا في منزله، يصارع المرض العضال حتى وافته المنية.

ابو خالد العمالة وبعد هذا التاريخ من الولائآت والارتماء بالاحضان السورية اعتقلته المخابرات السورية لارتباطات مشبوهة سجلت عليه كما اسلفنا، ولعلها صحوة الموت هي التي استفاقت في جسده المتشح حقدا وكراهية لم تستطع تقاسيم وجهه العريض اخفائها رغم ارتداءه اللحية البيضاء المسبلة تحت نظارته السميكة لعلها تستطيع كبح غل عينيه وجحوظها من البيان بشكل فاقع.

ابو خالد منظر من الطراز الاول ومثقف لا يشق له غبار، ولم يتوانى دائما عن الهجوم على خصومه وقدحهم ونعتهم بأبشع الصفات. ولم تستطع كل ثقافته الواسعه ولا فكره من كبح بذاءة حديثه او ضبط ايقاع الكراهية لديه عندما يهاجم الخصوم فشكل بطروحاته والتي ما فتأت وسائل اعلامية كثيرة عن توفير هذه المنابر له ولك ان تتصور حجم المأساة التي تتكون لدى المشاهدين وهم يرون امثاله يتصدر الشاشات وينضح بهذه الكراهية والبذاءة وكان من الطبيعي ان تتصدر الجزيرة القطرية وبل تحتكر هذا الظهور امعانا في تقديم كل ما هو كريه مساهمة منها في اظهار ابشع الصور .

وفي استعراضنا لسيرة الراحل ما قد يفسر البيئة التي نشأ فيها والتي تسببت في تشكيل وعيه على هذه الطريقة، وفي استعراضنا للنص التالي لعلي الوردي في حديثه عن الاخلاق ما يعيننا على فهم الكثير من نوازع هذا الرجل حيث يقول الوردي : "إننا لا نستطيع إصلاح أخلاق الناس عن طريق المواعظ والنصائح على منوال ما كان القدماء يفعلون قديمًا، اﻷخلاق وليدة الظروف ااجتماعية التي تحيط بها، وما لم تتغير تلك الظروف، فإننا لا نأمل أن تتغير اﻷخلاق كما نهوى، وبهذا يصدق قول القائل: "غيّر معيشة المرء تتغير أخلاقه".

على العموم لسنا هنا في وارد تقييم سلوكي واخلاقي لمواقف الراحل بقدر ما حَضَرنا هذا الاقتباس بعد تلك الرسالة الشهيرة التي كتبها العملة من مخدعه في سجن المزة الى خالد مشعل محذرا اياه من مغبة ارتكاب نفس الخطأ الذي وقع فيه العملة نفسه. ام ان هذه الرسالة تشكل فعلا وتجسيدا حقيقيا لمقولة عمرو بن العاص:" الانسان حيث يضع نفسه، فان وضعها اتضعت، وإن رفعها ارتفعت".

ولأهمية الرسالة ولاحتوائها على عرض وتشريح لمسيرة الثورة وتعريجها على اهم المواقف المفصلية وتعرضها للخطايا والاخطاء التي ارتكبت بحقها من قبل العمله واعوانه وامثاله وليس آخرهم مشعل(الطرف الآخر في الرسالة)، نعرض هذه الرسالة كما هي تاركين للباحثين والمهتمين قراءتها وتمحيصها واستخلاص العبر منها، وقبل كل ذلك نترك للتاريخ الحكم على مضمونها وعلى صاحبها، لكن هل يصلح العطار ما أفسده الدهر، وهل من هانت عليه قضيته وشعبه أهلٌ لالقاء مثل هذه المواعظ، وهل من حلل على نفسه استباحة الدم الفلسطيني قادر على ردع غيره عن ذلك، ام لان الاثنان عملا بنفس السوية ولدى نفس اللاعبين والعابثين بالقضية، ام لان أحلامهما الصبيانية بالزعامة والسيادة والريادة متشابه، وهل يجوز على من امتهن تأجير القضية تارة وبيعها تارة أخرى بأهل للوعظ والارشاد والتقويم والتصويب، ام نقول كما قالت العرب:" أن تاتي متأخراً خير من أن لا تأتي".

على العموم وبعد هذا التقديم والاستهلال نورد لكم نص الرسالة موضوع المقال كما وردت من المصادر المتعددة بدون زيادة او نقصان.
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة مفتوحة إلى ولدي الحبيب خالد مشعل
في هذا اليوم، وفي هذه الفترة بالذات، وفي هذه اللحظات التاريخية من حياة شعبنا الفلسطيني - والتي تتشابه مع لحظات مماثلة مررنا بها قبل ربع قرن تقريبا – ومن سجني في المزه، أحببت أن أرسل لك رسالتي هذه قبل أن التحق بالرفيق الأعلى، ومع شعوري بدنو الأجل، وباللحاق بخير الرفاق، ولعلمي بأنني سأقف بين يدي الله الذي نسيته منذ أمد بعيد، لا بل أنني أتذكر تلك اللحظة، لحظة النسيان، الحلقة المفقودة من ذاكرتي، وقد كانت تلك اللحظة التي فقدت فيها البوصلة وابتعدت عن أبو عمار، حيث سار بي التيه مع الرفاق إلى بادية الشام، ولأنه لا مفر من اللقاء المحتوم، فقد أحببت أن يستريح ضميري، وتبرأ ذمتي، وتنظف مما علق بها من أدران ذلك التيه الذي جمعني ورفاقي قبل ما يقرب ربع قرن في بادية الشام، مع كثرة الأحداث والوقائع التي سبقته أو مهدت إليه، ولم نكن لندرك في حينه أخطارها التآمرية على حركتنا ومنظمتنا، وعلى شعبنا، وآثارها السلبية على القضية المقدسة، وسواء أدركنا أو لم ندرك، فهذا لن يعفينا من الحسابين، حساب الدنيا الذي بدأ ولم ينته، وحساب الآخرة الذي ينتظرنا.

ولدي: ما اقصر العمر، وما أطول اللحظة، عندما دخلنا في التيه الذي طال أمده، وجرى فيه ما جرى، وأجريناه بأيدينا، وجرى فيها استغلالنا أبشع استغلال من قبل كل الذين سخرونا للعمل معهم من ورثة أحفاد تيمور لنك وآخرين غيرهم، ولما كان التيه تيها، فكل الذي جرى فيه تيها، وعليه فانا اعتذر، أعتذر إلى الله الذي سأقف بين يديه للسؤال عن كل صغيرة وكبيرة، نعم اقر واعترف بالخطيئة، فكما تاه أتباع موسى في سيناء، تهنا نحن مع (أبو موسى) في بادية الشام، والحالتين كان الكفر سيد الموقف، وكان القتل، وكان الإجرام، ولهذا اعتذر من (أبو عمار) وزمرته العرفاتية، ومن آل ياسر وعموم الشعب الفلسطيني، في ارض الرباط وفي المنافي، وذلك لما سببناه لهم من أذى جراح لا تندمل، ومآسي لا تنسى، فيما حصل خلال هذا التيه الطويل وما تبعه من تداعيات طالت آثارها جميع مناحي الحياة الفلسطينية، اعتذر لأولئك الذين غررنا بهم وتبعونا في رحلة التيه والعذاب، واعتذر منك يا بني، لأنني أردت لك الصلاح وأنت بالفعل كذلك، ولكنك تبعتني، وقلدتني في كل شيء، وقد ردتك الاستثناء في حياتي وفي مماتي، ولا ارغب مطلقا بان ينطبق عليك القول الدارج: من شابه اباه فما ظلم ، ولكن ما لا أرغبه لك أن ترث هذا التيه مني قبل رحيلي، فأنا لا أقوى على الوقوف بين يديه سبحانه وتعالى ليسألني عن أقوالك وأفعالك من بعدي يا خالد.

قبل الرحيل، وحيث لازال هناك متسعا، قلت لنفسي لا بد لي من كفارة تخفف عني في زنزانتي، وهي الفرصة التي لا زال بإمكاني أن أعلمك بما لم تعلمه من قبل، لأنك لم تكن لتدركه بحكم حداثة سنك، فبعض الامور حصلت وانت لم تكن قد خرجت للحياة بعد، ولم تعلم بها إلى الآن، والكثير منها وقعت وأنت لا زلت تلهو مع اقرانك، فلن تستطيع ادراكها وفهمها في حينه، فابوك من قبلك لم يكن ليقوى على فهمها، ولم يكن ليدرك مراميها، وقد كان ذلك متاحا، وقد كنا لا زلنا في رحاب الحضرة العرفاتية، وما أدراك ما الحضرة العرفاتية، وهي المشهورة بأنها كانت خير مكان يلمع عرفات به الذاكرة ويبعث برسائله القصيرة، المباشرة وغير المباشرة للجميع، ولكن هيهات فلا ذاكرة لدينا، ولا حياة لمن تنادي، وقد كانت لنا آذان تسمع وعيون تبصر حين فقدنا البصيرة، ومما لاشك فيه، الآن أيقنت بانني ساقف يوم العرض بين يدي المولى عز وجل، وسيشهد علينا الرئيس، وادعو الله ان يشفع لنا ولك وللأتباع، ولتتذكر قوله تعالى: انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء .

وكما وعدتك، سابدا في الحال بسرد كل ما اسعفتني به الذاكرة حتى هذه اللحظة، وإذا ما أمهلني القدر، أعدك بأنني ساوافيك لاحقا بكل ما ستجود به الذاكرة ليكون دليلا ومرشدا لك، ولاخوتك من حولك في الشام وفي غزة معا، استميحك العذر إذا ما حصل تأخير، فأنت لم تجرب بعد المزة وظروفها، وهي الظروف التي عليك انت وكافة رفاقك التهيؤ لها فورا ومن الآن، ولكنني الآن ومن مكان اعتقالي هذا، ومنذ اللحظة الأولى لدخولي إليه، تتدفق إلى ذاكرتي وبدافع من ضميري الذي نام طويلا بعض الوقائع لعلها تساهم بإسعافك وإنقاذك مما أنت فيه، ولعلها تجد من يستفيد منها من هم حولك في دمشق، ومن جماعتك في غزة، وكذلك بقيتهم الباقية من الدرجة الثانية في أكناف بيت المقدس؛ فإليك، واليهم، ولكم جميعا أبدا بسرد الحكاية:

- 1 في التاسع من شهر اكتوبر من عام 1981، تم اغتيال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، القائد ماجد ابو شرار وذلك بتفجير السرير الذي ينام عليه في غرفته التي يقيم فيها في فندق فلورا في روما بايطاليا، وقد طرحت الكثير من التساؤلات نفسها: من فعل هذا في ؟ ولماذا ؟ ولمصلحة من ؟ ولماذا ماجد ؟ وماذا كان يمثل بالنسبة لمن كانوا يقفون وراء الاغتيال ؟ وما الذي جنوه من وراء هذا الفعل ؟؟ هذه الأسئلة والكثير مثلها، لم تكن لتجد الجواب المقنع في حينه، لا بل كانت هنالك الكثير من الإجابات الموجهة، وازدحمت الإجابات، الملتبس منها والمغرض، المثير للجدل والموقظ للفتنة، كل ذلك لصرف الأنظار عن الفاعل الحقيقي، وبهدف التضليل في سياق التهيئة المخططة في ليل حالك السواد للقادم من الأيام. واختصارا للشر أحيلت المسؤولية عما حدث للعدو الصهيوني وأدواته، ولكن هذا لم يكن ليقنع احد، وبقيت التساؤلات مطروحة وهي تبحث عن إجابات أكثر اقناعا. وبعد هذه السنوات المنقضية، وما تخللها من صحوة للضمير، وما أدركته متأخرا استطيع القول بأن تغييب القائد ماجد أبو شرار عن الساحة كان مصلحة سورية، نفذتها أدواتهم وأجهزتهم لتسهيل الوصول إلى الانشقاق والتخلص من ياسر عرفات أو إضعافه على الأقل، وبالتالي الاحتواء الكامل للجسم الفلسطيني مقاومة ومنظمة، وفي النهاية الورقة الفلسطينية، ولكن لماذا ماجد ابو شرار؟ كان ماجد ابو شرار العائق للانشقاق، والمانع لخروج من بالحوزة عن الحركة، كان وطنيا فلسطينيا خالصا، نقيا من اية شائبة إلى أن لاقى ربه شهيدا، وكان صمام الأمان العصي على عبث العابثين في القضية الوطنية المقدسة، ولم يكن ليسمح لنا نحن المقربين منه أو القريبين من فكره من الشطط أو الخروج خارج الدائرة الفلسطينية، وباغتياله أصبحت المهمة اكثر يسرا وسهولة، علما بانه كان من المفترض أن يتم التمرد في عام 1981، اي عام واحد قبل اجتياح لبنان، ولكن ذلك لم يكن ليتم حيث قام القائد العام أبو عمار بسلسلة إجراءات وترتيبات إدارية، وتنقلات ميدانية في عام 1980 كان القصد منها إفشال توجهنا الانشقاقي الانفصالي المكشوف والمعروف للجميع، ولم نكن نخفي توجهاتنا، وبالفعل فشلنا في حينه كما فشلنا في محاولات كثيرة سابقة.

2. في بداية عام 1982 أنهى القادة الثلاثة الكبار أبو عمار، وأبو جهاد، وأبو اياد، زيارة هامة وسرية إلى ليبيا، حيث تم اللقاء بالعقيد القذافي رئيس الجمهورية الليبية - حيث لم تتحول الى جماهيرية عظمى بعد - وخلال هذا اللقاء وضعت القيادة الفلسطينية الزعيم الليبي بصورة ما لديها من معلومات مؤكدة حول النوايا والخطط الإسرائيلية الهادفة إلى القيام باجتياح يستهدف المقاومة الفلسطينية في لبنان، وعليه فقد تقدمت القيادة بقائمة الاحتياجات الملحة والمستعجلة من الأسلحة والمعدات المطلوبة للتزود بها من قبل الأشقاء الليبيين لمواجهة الهجوم الإسرائيلي المرتقب، وبالفعل استلم قائد الثورة الطلبات الفلسطينية، وأكد لهم بان كل المطلوب سيسبقهم إلى بيروت، ولكن شيئا من هذا القبيل لم يتم، ولكن الذي تم هو وصول المطلوب إلى ميناء اللاذقية بسوريا ومنه الى البقاع الشرقي وبرسم المخابرات السورية، بدلا من الوصول الى بيروت ليكون برسم القيادة الفلسطينية، ولأهداف أخرى غير تلك التي اتت بها القيادة الفلسطينية، وسأتناول يا بني هذا الأمر في مكان اخر من هذه الرسالة، (مرحلة الانشقاق).

3. في الرابع من حزيران عام 1982، بدأ الاجتياح الإسرائيلي للبنان، حيث علم به مسبقا من علم، وسكت في حينها من سكت ، وقد تم ضرب المقاومة الفلسطينية اللبنانية، فخرجت القوات الفلسطينية برا وبحرا إلى المنافي بعد حصارها في بيروت لمدة 88 يوما تخللها ضغط دولي وتخاذل عربي، انتهت المعركة وتكشفت السماء وزالت سحب الدخان والغبار، فانكشفت بعدها كل الوعود الكاذبة والمواقف الزائفة، انتهت معركة ولكن الحرب سجال، بكل الصور والأشكال، وجاءت قمة فاس الثانية التي عقدت في 6 أيلول من عام 1982 ففضحت الجميع، واقر فيها الرئيس حافظ الأسد (الرئيس السوري السابق) بأنهم (الإسرائيليين والأمريكان) قالوا له فقط 46 كيلومتر؟؟؟ اي انه كان يعلم بالاجتياح، ولديه الضمانة بأن الاسرائليين لن يتجاوزوا جسر الاولي (شمال صيدا)، ولن يتم التعرض لقواته الموجودة في لبنان بشرط عدم تدخلها الى جانب المقاومة، انه الالتزام بالتفاهمات غير المكتوبة، وهذا ما تم بالفعل ياولدي، بالفعل انتهت المعركة، وبالفعل لم تصل الأسلحة الموعودة من ليبيا، وبالفعل لم يف العقيد القذافي بما وعد به القيادة الفلسطينية، ولكنه أرسل لها برقية طالبا من القيادة والمقاتلين عدم الخروج من بيروت، ودعاهم الى الانتحار على ان لا يخرجوا، يدعوا إلى الانتحار وهو قابع في جحره بطرابلس الغرب، يراقب ويحيك منتظرا اللحظة التالية للقيام بما يتوجب عليه فعله بالتنسيق مع (الاسد) القابع في وكره منتظرا دوره في القضاء على ما سيتبقى من المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وذلك بعد انتهاء العدوان الاسرائلي عليها، ثم وضعت الحرب أوزارها، وانتهت بما انتهت إليه بالاتفاق الذي رعاه فيليب حبيب مبعوث الرئيس الأمريكي في حينه، وخرجت القوات الفلسطينية على متن البواخر اليونانية، بعد ان تم توزيعها على تسع عواصم عربية، وكان الخيار العرفاتي أن لا يوضع كل البيض في سلة واحدة، وهو الذي كان يرى ما لا يراه غيره، وهو العارف ببواطن الأمور وخاصة ما يضمره النظام العلوي الباطني بالجوار، وما أدراك ما الجوار.

4. وبالخروج المشرف للمقاتلين، انتهى كل شيء بالنسبة للمعركة مع الغزو الإسرائيلي ومن تعاون معه من الأطراف اللبنانية المحسوبة على اليمين الانعزالي متوجين فصلا دمويا بمجزرة صبرا وشاتيلا ليلة 1691982، وبدأت مشاهد فصل جديد على الأرض، وسريعا بدأت باغتيال القائد سعد صايل في البقاع، وهي المنطقة الواقعة تحت سيطرة عسكرية سورية كاملة، وبين حاجزين عسكريين لذلك الجيش تم الاغتيال المروع لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، العميد سعد صايل ابو الوليد، حيث حال هذا الجيش من إمكانية وصول سيارة الإسعاف في الوقت المناسب لإنقاذ حياته، مما تسبب في استشهاده، وبعد ان تيقنوا من مفارقته للحياة سمحوا لسيارة الاسعاف بنقله الى ثلاجة الموتى، هذا ما حصل للشهيد ابو الوليد، وقد كان ذلك بتاريخ 2991982، الأسئلة المشروعة كثيرة : لماذا ابو الوليد ؟ ولمصلحة من تم ذلك يا ولدي ؟؟ ولكن الإجابات جلية وواضحة، فالأحداث غير معزولة عن بعضها البعض، ولا مجال للصدفة فيها، بالأمس ماجد ابو شرار، واليوم سعد صايل، فوضوح الاسباب والدوافع التي ادت الى تغييب الأول، هي الآن اشد وضوحا فيما يتعلق بالثاني، فلن تستوي الامور، ولن تفلح الخطة اذا ما بقي ابو الوليد على قيد الحياة، وبالتأكيد لن تفلح اذا ما بقي هذا القائد الذي خبرناه جميعا على رأس القوات العرفاتية في البقاع، كيف ستستقيم الخطة اذا ما بقيت القلعة الحصن واقفة شامخة؟ فابو الوليد العسكري المشهود له في كل الميادين، هو الفلسطيني بامتياز، الفتحاوي العنيد، وهو ركن عرفاتي كجلمود صخر لم تتمكن كل السيول من ان تحط به من عل، في القمة كان ولا زال، قبل الاستشهاد وبعده، وبالخلاص منه جسديا تكون الطريق ممهدة لاستكمال كل المراحل اللاحقة المخطط لها لتصل الى كل الأهداف النصيرية المنشودة، والتي كنا نعتقد بانها أهدافنا، ولم تمض الا شهور قليلة حتى اكتشفنا بأننا نسير في طريق إجبارية لتحقيق الأهداف السورية، وما كنا نحن الا الاداة والوسيلة فقط، لا حول لنا ولا قوة، ودخلنا في طريق اللا عودة ولا مجال للتراجع، وقد كنا المطية ونفذوا باسمنا ما نفذوا، ولم يكن احد منا يجرؤ حينها على الكلام، اما الآن فلم يبق ما نخاف عليه الا القضية وأنت يا بني، إنها المصلحة السورية دائما، وهم الأدرى من الجميع بما يجب فعله وما لا يجب، يحددون الأولويات، نحن ننفذ كل شيء في وقته، وبالنسبة لهم كل شيء في وقته حلو ، اغتيال ابو الوليد في الميدان كان البداية، ومن خلف الكواليس، والى أن يحين الوقت المناسب سوريا جهزنا ورتبنا انفسنا للحظة الإعلان عن تحركنا من خلال إشارة من ولي الأمر، راعي المسيرة، وصاحب المصلحة الكبرى، وهو وحده الذي قدر الوقت المناسب.

5. في التاسع من أيار لعام 1983، ومن الحضن السوري الخادع، يعلن العقيد ابو موسى انشقاقه عن حركة فتح بهدف التصحيح، متذرعا بما جرى من تقصير خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وما لحقه من إجراءات إدارية وتنظيمية داخلية، وتقوم القيادة الليبية بتسليح الانشقاق وتمويله بما قيمته 37 مليون دولار، وتتولى القيادة السورية من خلال جهاز مخابراتها وضابطتها الفدائية (الجهاز الذي كان يتولى ادارة العلاقة والارتباط مع المقاومة الفلسطينية على الأراضي اللبنانية) مسؤولية إدارة العمليات وترتيبات الانشقاق ميدانيا بما يخدم الأهداف السورية، هذه الملايين من الدولارات، وهذه الأسلحة الليبية التي كان من المفترض لها ان تكون بتصرف المقاومة لمواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان، ها هي تستغل وتستثمر في شق الحركة الوطنية الفلسطينية، وضرب وحدتها، والذهاب الى ما هو ابعد من ذلك، نعم فقد ذهبت إلى حد مصادرة وخطف القرار الوطني الفلسطيني المستقل، انها القرصنة السورية والتخاذل العربي في وضح النهار، هذا هو سلوك جبهة الصمود والتصدي (سوريا، وليبيا، وايران) التي صفقنا لها كثيرا، ما صمدوا وما تصدوا، ولكنهم تصرفوا على عكس كل ذلك، صمدوا بلحم ودماء وارض الغير، بالفعل جاهدوا وناضلوا وصمدوا وضحوا بالآخرين، المهم أن لا تتورط سوريا، وهذا انتصار عظيم، كانت دباباتهم ومدافعهم ومضاداتهم الجوية في الجبل، وفي بيروت وحولها، ولكنها كانت فطيمة مكممة، خرج منها من خرج منسحبا، وبقي منها من لم يسعفه الوقت بالخروج قبل ان يطبق الحصار على العاصمة بيروت، هذا هو شقيقنا السوري، واما بالنسبة لقائد الثورة الليبية ، فحدث ولا حرج، ولنعترف يا ولدي ولو بعد ربع قرن بكل صراحة، اننا كنا مخطئين، اننا كنا مخدوعين بليبيا وبالثورة، وبأهدافها، وكانت الخدعة الكبرى قائدها، إننا امام القائد الذي ساهم بشكل فعال بتخريب وتدمير الحالة العربية، والحالة الإسلامية، والحالة الإفريقية، وحركات التحرر في العالم، اننا امام السلوك المحير الذي حير المفسرين، فسل نفسك يا ولدي: ما المنفعة التي قدمها القذافي للقضايا العربية ؟ وبماذا، وكيف واجه أعداء الأمة وخصومها ؟ اليوم لم يعد صعبا ايجاد التفسير لهذه الحالة الظاهرة (ظاهرة العقيد قائد الثورة)، اننا وباختصار امام تفسير واحد وحيد، اننا امام (كوهين) الذي وصل الى الحكم، ولا تفسير غير ذلك، ولا غلو فيما اقول يا ولدي، انها الحقيقة التي ظهرت ولو بعد حين، اعمل عقلك وراجع كافة تصرفاته وخاصة في المراحل الحرجة من مسيرة الامة، راجع أقواله وتصريحاته وكل تصرفاته في كل المنعطفات، ستخلص عندها يا ولدي الى ما خلص اليه والدك، والا فليقنع قائد الثورة الأمة با آل اليه مصير الامام موسى الصدر، ومن هي الجهة المستفيدة من وراء اخفاءه؟ وما تفسيره لعدم تأمين السلاح للمقاومة في بيروت؟

6. في حزيران من عام 1983، تقرر طرد الرئيس ياسر عرفات من دمشق، فاقتاده ضابط سوري إلى الطائرة التي أقلته إلى تونس باعتباره شخصا غير مرغوب فيه عائدا الى فندق سلوى ( المقر المؤقت للقيادة الفلسطينية ) بالقرب من حمام الشط، انها الخطوة الوقحة بهذا السلوك السافر المتجاوز لكل الخطوط الحمراء، انه الإمعان في التآمر والصلف السوري الذي لم يخف ولو للحظة رغبته في احتواء المقاومة، واذا اقدم النظام السوري يا ولدي، على طرد ابو عمار، فهل تعتقد انه سيتوانى عن طردك أو طرد أي مسؤول فلسطيني آخر مهما علا شأنه أو طالت لحيته، أو اي مسؤول آخر تابع له، او حتى اعتقاله وابعد من ذلك بتصفيته واغتياله، وبالنتيجة فإن هم هذا النظام كان ولا يزال احتواء المقاومة، فتحاوية ام حمساوية، لا فرق بين الرايتين بالنسبة لهم، كيف لا يكون له هذا ؟ وعرفات ورفاقه المخلصين لا زالوا القابضين على الجمر، والكرامة الوطنية دونها الكرامة الشخصية، ومكث عرفات عدة شهور يعد العدة، واستمر في تنظيم عودة المقاتلين إلى طرابلس بلبنان فردا فردا حتى يستكمل الجيش عدده، وهم الذين أخرجوا بالامس جماعات على السفن من ميناء جونيه ببيروت بعد الحصار الكبير موزعين على كل العواصم.

7. في أيلول من عام 1983، كان التحدي الصعب والكبير، يأبى عرفات ان يستسلم، القرار الوطني الفلسطيني المستقل يسكن عرفات، وعرفات يسكنه، ومن له ان ينزع هذا من ذاك، فينسل من حضنه الدافئ تونس دون ان يعلمه بوجهته، ويعود متخفيا، متنكرا، متسللا الى طرابلس - شمال لبنان - للحاق برفيق الدرب ابو جهاد، الصامد المرابط مع ثلة من العرفاتيين، و الشباب الجيدين تنظيميا - وهو الشرط اليتيم الذي تضمنته برقية من ابو جهاد - تحضيرا للمواجهة الكبرى، المفروضة عربيا بتمويل ليبي، وادارة ميدانية سورية، تلك المواجهة، التي اطلق عليها عرفات الاسم الشهير معركة القرار الوطني الفلسطيني المستقل وقد كانت بالفعل كذلك، إنني اعترف يا ولدي، ولست اخجل من هذا، لعله يساعدني عند الله، ويساعدك على الاعتبار وتعديل المسار قبل فوات الأوان، فهل من معتبر ؟ بالفعل لم يستسلم عرفات، بالسلامة وصل إلى طرابلس، ودخلها متسللا متخفيا، ويزج بنفسه بين جموع المصلين، وبعد انتهاء الصلاة، يتفاجأ به الجميع، فلسطينيون، ولبنانيون، مصليا صلاة عيد الأضحى معهم في مسجد الزاهرية، بطرابلس الشمال، الأمر الذي أذهل الجميع وأصيب البعض بالصدمة، وخاصة أولئك الذين لم يتمرسوا على السلوك والمفاجئات العرفاتية، فلم يحتملوا الموقف، وهذا لم يعجب حلفاء الشر ايضا، استفزهم التحدي فاطبقوا الحصار عربيا (سوريا) فلسطينيا برا، وإسرائيليا بحرا وجوا، واحتدمت معركة الدفاع عن القرار الوطني المستقل، والتي استمرت ما يزيد عن ثلاثة شهور متواصلة، ولم يتمكنوا بكل ما أوتوا من قوة ودعم من مصادرته، واستشهد دونه خيرة أبناء فتح وحلفائها، وفي أواخر ديسمبر 1983، وبتدخل فرنسي مصري، تم التوصل إلى اتفاق للخروج من طرابس على البواخر اليونانية مرة اخرى وبحراسة دولية، فخرج الرئيس عرفات، ومن تبقى معه من العرفاتيين إلى المنافي ظافرا بالقرار الوطني الفلسطيني المستقل.

8. تتواصل الحملات والضغوط السياسية والمضايقات ضد منظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن فشلت كل المحاولات العسكرية الدموية للانقضاض عليها بالتآمر على حركة الشعب الفلسطيني، حركة فتح بهدف مصادرة القرار الوطني الفلسطيني المستقل، ولم تقبل اية دولة عربية ان يعقد المجلس الوطني الفلسطيني على أراضيها، وكما كانت الحالة دائما، الورقة الفلسطينية هي الهدف، فكيف ينعقد المجلس الوطني دون دفع الثمن ؟ او كيف يكون لعرفات ما يريد دون ضريبة ما بشكل من الأشكال، وكيف ندفع الأثمان؟ ونحن المر لحمه، لم نتنازل امس تحت النار، فكيف بنا اليوم والضغوط والمساومات كبيرة تعجز عن تحملها الجبال ؟ ولكن عرفات تحملها وحمل معها الجبال، متحديا الريح إن كان يقوى على هز شعرة، فكيف له ان يهز الجبل، وفي النهاية كان له ما اراد، وتم في عمان عقد الدورة السابعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني بتاريخ 22111984، وتم انتخاب لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير لتستمر وطنا معنويا ومظلة لكل الفلسطينيين، على ارض الوطن وفي الشتات، منتمين ومستقلين، وهي المظلة التي حملت الهم الفلسطيني ولا زالت تدافع عن كل القضايا بما في ذلك وجودها.

9. ولازال الشر يتربص بالانجاز، كيف يسمح لعرفات الاستمرار بما حققه، واللجنة التنفيذية بعضوية فهد القواسمه - رئيس بلدية الخليل الأسبق - ها هي تقف وبلا منازع ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، منتخبة من قبل المجلس الوطني الفلسطيني، وعلى رأسها الرئيس ياسر عرفات منتخبا من المجلس ذاته، كل هذا لم يعجب حلفاء الشر الذين هزموا بالأمس في طرابلس، فعادوا إلى ديدنهم، وامتدت يد الغدر لتغتال فهد القواسمه عضو اللجنة التنفيذية، رئيس دائرة شؤون الأرض المحتلة، وذلك بإطلاق الرصاص عليه وهو يهم بدخول منزله في جبل الحسين في عمان في 29/12/1984، الأسئلة نفسها تعود لتطرح نفسها: فمن اغتال فهد ؟ ولماذا فهد القواسمه ؟ ولمصلحة من ؟ انها الأسئلة المطروحة دائما، وهو الذي لم يكد يمض على عضويته في اللجنة التنفيذية شهرا واحدا، ليسدد فاتورة موقفه الوطني الملتزم، بالموافقة على العضوية في اللجنة التنفيذية، والسير في الركب العرفاتي حاملا راية القرار الوطني الفلسطيني المستقل، ومواصلا المسيرة التي ارتضاها لنفسه مناضلا على أرضه في مواجهة الاحتلال، ومنفيا ليواجه بجسده العاري كل الذين اخذوا على عاتقهم الانجاز والتنفيذ بالوكالة عن الاحتلال، انه الطريق ذاته، وليس غيره، على نفس الخط والخطى كان ماجد، وكان سعد، واستمر فهد، والذين أداروا معركة الدم بالأمس، هم أنفسهم ما غيروا وما بدلوا، وما افلحوا في مصادرة الورقة الفلسطينية، يطلون علينا بالدم أيضا ليصادروا او ليعطلوا، نعم يا ولدي، يا خالد، هم السوريون، الذين استمرأوا الحالة وبكل وقاحة وصلف، فقد أوغلوا النصال ولا هم لهم الا أنفسهم حملوا الشعار وعملوا به نحن او لا احد، ومن لا يعمل معنا فتحت الأرض مكانه أو المزة مأواه ، انها القوة الاقليمية التي تجاهد بالمجان، على حساب الدم الفلسطيني تارة، وعلى حساب الدم اللبناني تارة أخرى، والجبهة السورية في سبات عميق، كيف لا يكون ذلك والمتبرعون منا كثر، وابوك يا خالد خير مثال على الحالة، أرجو منك يا ولدي الانتباه لحالتك، فلا ارى أمامي الا الحالة نفسها تتكرر من خلالك، فما أشبه اليوم بالأمس، بالأمس ابو خالد واليوم خالد، نحن عائلة من المتبرعين، ليتنا ما كنا ولا كانت الحالة.

10. ليس هناك استراحة للمحارب، وليس مسموحا للوضع الفلسطيني أن يستقل أو يستقر، فيتم مجددا إشعال الحرب التي انتحلت مجازا وللتورية اسم حرب المخيمات الفلسطينية في بيروت في الفترة من عام 1985 إلى بدايات 1988، ولكنها كانت عمليا استمرارا لنفس الأهداف العدوانية الصهيونية الإسرائيلية من ناحية، والتآمرية السورية للقضاء على المقاومة وللسيطرة على الورقة الفلسطينية من ناحية ثانية، ولكن هذه المرة من خلال تحالف سوري، لبناني (اللبناني حليف الأمس في المقاومة) ونحن المتبرعون التقليديون رأس الحربة، وكانت المعارك الأشد ضراوة وقسوة في مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنه، فسحقت المخيمات عن بكرة أبيها، وقتل فيها من قتل من المقاتلين العرفاتيين المدافعين عن القرار الوطني الفلسطيني وكانت مختلف السجون السورية هي المأوى لمن بقي منهم على قيد الحياة، الداخل إليها مفقود، والخارج منها إلى القبر.

ولدي العزيز خالد مشعل، آمل ان تكون استفدت من كل ما سبق، وفي الوقت نفسه اسمح لنفسي بأن استلهم من هذا الماضي، ومن غيره مما لم ابح به لألفت نظرك وأقول لك التالي:

1. ما أشبه اليوم بالأمس، بالأمس وقبل ربع قرن من الزمان حصل المنعطف، فكما كان العبث في قضيتنا سوريا ليبيا، إدارة وتمويلا وتسليحا، ها هو اليوم يأتي من جديد لنواجه عبثا سوريا إيرانيا، إدارة وتمويلا وتسليحا وتفكيرا وتكفيرا. وكما كان الشعار دوما هو قضية فلسطين، وإزالة إسرائيل من الوجود، والتحرير من النهر الى البحر، والحفاظ على الثوابت، ها نحن اليوم على موعد مع الحالة ذاتها، فكما تم تمويل الانشقاق في البقاع، وانحرف الدعم العربي الليبي لإراقة الدم الفلسطيني وإزهاق الأرواح البريئة في حروب ومعارك طاحنة لم تحترم حرمة الدم الفلسطيني، ها نحن نشهد هذه الأيام التمويل الإيراني السخي، والخبرة السورية في إدارة واستثمار هذا المال الإيراني النجس في غزة، من خلال جيوب ومليشيات مسلحة ومعممة وبلا أي أفق سياسي, مدعية الشرعية الإلهية، ولكنها تمارس كل ما حرم الله من صنوف القتل وإثارة الفتنة ولا تعبر عن أي مضمون او هدف نبيل، ان ما نشهده اليوم هو رجوع بالحالة الفلسطينية إلى القتل على الهوية، وما حاجز البربارة ببعيد، آخذين بعين الاعتبار الفوارق بين الحالتين، ففي كلتا الحالتين كان الدم فلسطينيا، وها هو الدم الفلسطيني المحرم يعود ليسيل، وأرواح بريئة تزهق يوميا، والاستثمار الإقليمي لا يطال فلسطين وقضيتها منه الا مزيدا من التآكل والضياع، فأين كان هذا السلاح خلال السنوات السابقة ؟ اين كانت إيران وأموالها حين كان عرفات محاصرا في المقاطعة؟ اين كان السلاح الذي لا يقتل الا الاهل في شوارع غزة وخان يونس ورفح ؟؟ اين غاب هذا السلاح عن المواجهة في بيت حانون ؟؟ هل كان يمارس رياضة اثبات القدرة على ضبط النفس، تمهيدا للتأهل والدخول الى الحل السياسي القادم، والذي بدأت مؤشراته مع وثيقة احمد يوسف جنيف ؟ أم هي المصداقية العالية على الالتزام بالتعهدات المعلن عنها وما بطن أسوة بالأستاذ السوري الذي برع بمثل هذا الدور على مدار العقود الماضية ؟؟

2. للتذكير وللمقارنة البسيطة، بالأمس كان الانشقاق داخل تنظيم حركة فتح، وكان مسرح عملياته بين البقاع وطرابلس، وقد تجاوزه الزمن، وكشف العري المفزع لحالة النظام العربي، وما زاد فتح والمنظمة الا منعة وصلابة، وباءوا بفشل عظيم. اما اليوم فالأمر مختلف وأكثر خطورة، فالتهديد اكبر من انشقاق داخل تنظيم بعينه، الامر متعلق بالحالة الجديدة ومسرح عملياتها هو الوطن، فبالله عليك يا ولدي إن تسأل رفاقك في غزة، ولا تعف نفسك من السؤال: إلى أين انتم ذاهبون بالقطاع ؟؟ وبالتالي إلى أي مصير ستؤول إليه الضفة ؟ باختصار أخبرني عن مصير الوطن والقضية برمتها.

3. بالأمس كنا في البقاع، واليوم نحن في القطاع، وما أدراك ما القطاع، ما الذي يجري في القطاع ؟؟ القطاع اخر معاقلنا، وهل يحسبون انفسهم في بيشاور ؟ أم في قندهار ؟ ام في مقاديشو ؟ اي تجربة يستنسخون ؟؟ ومن أي معين يشربون ؟؟؟ ومن وصف لهم هذا ؟؟؟ هل نعيش مرحلة الاستفراد بالجغرافيا ورهنها واغتصاب القرار ...ولصالح من ؟

4. ما هذه التصريحات التي اسمعها من الوزير عاطف عدوان، وزير شؤون اللاجئين بتاريخ 3122006 ؟ وكيف تكون غزة عقر دارهم ؟؟ ومن هم ؟؟ وما هذا الذي اسمع ؟ وهل هذا من الوحي الإلهى؟ والى أين هم ذاهبون في القطاع ؟ فليخبرونا عن شكل الكيان القادم وفقا لهذا النوع الغريب العجيب من التصريحات، وهذا النمط من التفكير، افيدونا افادكم الله....! انه الوزير العدوان يا ولدي..... ! انه الوزير العدواني ......! انه الفكر العدواني .....! نعم انه العدوان يا خالد، فالعدوان يا ولدي، كان ولا يزال السبب في الكارثة، وفي النكبة، والنكسة، واللاجئين، والنازحين، والمطاردين، والمبعدين، والمهجرين، والشهداء، والجرحى، وآلاف المساجين... فكيف لوزير بهذا الاسم أن ينسجم مع أهداف المهمة التي يتولاها، الا وهي ملف اللاجئين، لب القضية ؟ وهل سيداويها بالتي كانت هي الداء ؟؟ كلا، إن ما صرح به الوزير، لمنسجم مع اسمه ( العدوان ) نعم، انه سلخ غزة عن بقية الوطن، وبمصادرتها إلى المجهول بالنسبة لنا، المعلوم بالنسبة لأسياده (أسيادنا) انه العدوان بعينه .. فليتوقف هذا العدوان.

5. ولدي خالد: هل ينشق الوطن ؟ هل ينقسم ؟ وعلى أي أساس ؟ هل أصبحت غزه ستان؟ وهل سيحتاج الرئيس أبو مازن يوما ما لتأشيرة للدخول إلى غزة ؟ ومن أين سيحصل عليها ؟ وهل سيحتاج إلى إقامة فيها ؟ وهل ستمدد له؟ وهل سيحتاج إلى كفيل ؟ فما نوع الكفيل، وما هي مواصفاته؟ الوضع مخيف وغير مسبوق! يا للكارثة !! فلتنشق كل الفصائل ويبقى الوطن وحدة واحدة، فغزة ليست عقر دار احد وحده دون غيره، غزة عقر دار كل الفلسطينيين كما بقية أجزاء هذا الوطن، وكذلك هي عقر دار كل الأحرار والشرفاء الذين وقفوا مع فلسطين من كل أنحاء العالم .. وكما أن التاريخ لا يرحم، فالجغرافيا كذلك واشد.

6. أعلمك وأوصيك يا ولدي: إن هذا الوطن الواحد الموحد فينا وان تقطعت أوصاله، فليبق بعيدا كل البعد عن رهن قراره لصفوي او غيره مقابل مال نجس، او إعارته لأحفاد تيمور لنك، انه أغلى ما نملك، وهو آخر معاقلنا، لا نفرق بين احد من أهله ولا حبات رمله، كما اننا لا نعترف بوطن غيره، وليست دمشق او طهران مرابط خيولنا، ولا غيرها أيضا، أوصيك ارض الرباط، فلسطين بعاصمتها القدس الشريف.

7. كل الأهداف تتلاقى مهما أوغلت في الزمن الماضي السحيق، فالسيطرة على القرار الوطني الفلسطيني المستقل هو الرغبة الملحة والجامحة للجميع بمختلف ألوانهم وأطيافهم، وما لم يكن مفهوما بالأمس، فقد أصبح واضحا كل الوضوح اليوم، وكل شيء يحتاج الى تفسير ولتتوقف عند كل منعطف، فلا تكن ساذجا ياولدي، ثق بي ودعك منهم، وما لا تجد له تفسيرا في الحين، سيأتي الزمن الذي يوضحه ويفسره ولو بعد حين، واليوم وقد فسرت لك ما كنت تجهل، وما اشبه اليوم بالأمس، وأنا الذي خبر الحياة والمعاناة وما تعرضنا له خلال ال25 سنة الأخيرة، والمزة نهاية المطاف، الا يكفيك كل هذا لتستفيد من تجربة ابيك وتعفي نفسك وشعبك من أثمان تجربة جديدة أكثر كلفة ؟ وهل تحتاج يا ولدي الى ربع قرن اخر من الان حتى تفهم إلى اين تتجه الأمور؟ الا يكفي شعبنا ما دفعه من الأثمان الباهظة بسبب مراهقتنا السياسية تارة، وتأجير البندقية والقرار تارة اخرى ؟ وها انتم تكررون نفس الخطأ، علاوة على قيامكم برهن القرار الوطني الفلسطيني في كافة القضايا بدءا من قضية الجندي (جلعاد) والذي تحول لقلعاط، وانتهاء بالهدنة على الطريقة الإسلامية وفقا للدكتور الشيخ المستشار (احمد يوسف جنيف).

8. لا حاجة لك لربع قرن إضافي او يزيد حتى تتمكن من فهم الذي يجري معك اليوم، فأنا أقولها لك ومن زنزانتي في المزة، أقولها لك بصراحة ولا أخشى في الله لومة لائم، ولم يبق لي من العمر أكثر مما مضى منه، أقولها لك وبكل صراحة، وما احرص الأب على ولده، أقول لك بان آخرتك ونهايتك، طالت ام قصرت، لن تكون بأفضل من آخرتي هذه، فاكسب غدك وانج بنفسك، فقد هلك أبوك فلا تهلك بني، أهلكنا فتح فلا تهلكوا حماس والوطن، أرجوك يا ولدي، أرحني، فأنا ملاق ربي، ولست معفيا من المسائلة عن أفعالك وأقوالك، فأنت ولدي الصالح، وارجو ان تكون عملي الصالح كذلك، واعلم بني بأنني سأقف بين يدي الخالق الواحد الأحد لأسأل عن اسمك، وما اسميتك مشعلا الا لتبقى كذلك، مشعلا حقيقيا لتنير فيه دروب العز والأمل، لأجيال تتوق للحرية والاستقلال والكرامة، فلا تكن غير ذلك، ولتكن عند حسن ظني .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير