الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقع الإنفصاليين في إستراتيجية الإرهاب الجديدة

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2018 / 4 / 27
الارهاب, الحرب والسلام



أثارت مقالتنا حول مستقبل حركة الماك الإنفصالية في الجزائر نقاشا حادا، وأنقسمت المواقف مابين سلبي وإيجابي، وذهب البعض إلى القول ان حركة الماك في الجزائر تتمدد، ولا تنحسر، فإذا كان هذا الكلام صحيح، فمعناه نعطي حجة لأعدائها القائلين بأن تبني الدولة الجزائرية للبعد الأمازيغي سيعقد الوضع أكثر، وان تلبية جزء كبير من مطالب الحركة الأمازيغية لم يؤت أكله، طبعا لاداعي للتذكير بأن أعداء الأمازيغية لعبوا دورا كبيرا في تهديد وحدتنا الوطنية بممارساتهم الإقصائية لهذا البعد، ومن الصعب جدا كسب ثقة المواطنين من جديد في كل ما تتخذه الدولة من إجراءات لصالح البعد الأمازيغي، كما قلنا في المقالة أن هناك أسبابا أخرى لميلاد حركة الماك يجب معالجتها، ومنها الإقصاء والتهميش السياسي والإقتصادي لمنطقة القبائل الناتج عن بعض سياسات الذين أخذوا السلطة1962، والذين يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية في هذا التفتيت وضرب الإنسجام الوطني في الجزائر، ولازال جزء أو جناح من داخل النظام وفيا لهذه السياسة على عكس جناح آخر أراد التخلص منها نهائيا، والذي يحتاج دعمنا، كما لا ننسى الذين يلعبون على سياسة فرق تسد للبقاء في السلطة، فبودهم أن يكون في أيديهم بعبعا يستخدمونه لتخويف الجزائريين من أن وحدتهم الوطنية مهددة، فيدعموا سلطتهم متناسين أن السياسات اللاوطنية لهؤلاء، ستؤدي حتما إلى إنهيار الدولة كلها، مما يتطلب الضغط عليهم لإدخال إصلاحات ديمقراطية جذرية على النظام لتجنب ما لايحمد عقباه.
يجب علينا التوضيح منذ البداية بأن الحركات الإنفصالية غير موجودة في منطقة القبائل فقط، كما يعتقد البعض، بل هناك بذورا لها في عدة مناطق جزائرية أخرى، ومنها الصحراء والأوراس، بل يمكن لنا القول كل مناطق البلاد، ويعود ذلك إلى شعور كل منطقة أنها مهمشة من السلطة المركزية، وهو مايعني شعور كل الشعب الجزائري أنه مهمش، لكن فليدرك كل هؤلاء أن الحل ليس في الإنفصال وتفكيك الدولة، لأن أي عملية تفكيك، سينتج فوضى دموية يصعب جدا القضاء عليها، ويصبح تمنيات الجميع العودة إلى أقل من الوضع السابق، لكن في هذه الحالة تتعقد المسألة أكثر وتصبح من شبه المستحيلات الوصول إلى ذلك بحكم ظروف دولية محيطة بالجزائر ومناورات لاتخفى على أحد هدفها تفكيك كل دول المنطقة على أسس طائفية أو أوهام عرقية في بلادنا المغاربية وجعلها تعيش في فوضى مزمنة، كي يحقق الكيان الصهيوني مشروعه في المنطقة كلها.
فبناء على ذلك، فلنقل أن أي محاولة تفكيك لدولتنا الوطنية هو نوع من الإنتحار لميؤوسين، ولعل لايدرك البعض من جيل الشباب التضحيات الكبرى التي دفعها أجدانا من أجل إقامة هذه الدولة الوطنية، ولعله لايفهم لماذا سكت الكثير من المجاهدين من الإنحرافات التي وقعت في 1962، وفضلوا الإستسلام لمجموعة وجدة، بل مساعدتها على فرض الأمن والإستقرار لأنهم خشوا أن تذهب تلك الدولة الوطنية الفتية سدى، فهؤلاء كانوا يعرفون جيدا الصعوبات الكبرى في إنشاء دولة وطنية للجزائريينن، وكانوا يأملون فيما بعد الإنطلاق بما هو موجود بكل سلبياته ثم بنائه وتصحيحه تدريجيا، ولهذا نقول أن الحل يكمن في تظافر الجهود وتوحدها لمواصلة النضال من أجل إصلاح النظام ودفعه للقيام بإصلاحات ديمقراطية عميقة بشكل تدريجي مدروس وسلمي مع المحافظة على الدولة وتحسين فعالية مؤسساتها، وبتعبير أدق إستعادة الشعب الجزائري لدولته، أو كما نقول دائما في مقالاتنا إقامة دولة-الأمة الجزائرية كلها، أي دولة لكل الجزائريين فلا يشعر فيها أي أحد بأن الدولة ليست دولته، وبأنها ليست دولة لمجموعة أو أيديولوجية أو طبقة أو جهة وغيرها، أي تحرير الدولة من مجموعة وجدة التي سرقتها في 1962 فأحتكرتها لنفسها، ولازال اليوم فرع من هذه المجموعة يعمل من أجل توريثها لعائلة، ولايستبعد أن يكون هذا الفرع وراء كل هذه التلاعبات والمناورات التخويفية والفوضوية، كي يستسلم لها الجزائريون، كما أستسلموا لها في 1962 خوفا على الدولة الناشئة، وكما أستسلم المسلمون الأوائل للأمويين بعد الفتنة الكبرى رغم رفضهم لهم في قرارة أنفسهم، فإنهاك الشعوب هو أسلوب هؤلاء لأخذ السلطة كاملة دون أن يجدوا معارضة لهم، فلنحذر من الوقوع في لعبتهم ومناوراتهم، ويبدو أن الكثير من الجزائريين يشعرون بإحتكار بلدة أو منطقة صغيرة جدا في الغرب الجزائري كل دواليب الدولة، مما أصبح يشكل خطرا على وحدة الدولة، لكن فليدرك الجزائريون أن إقامة الديمقراطية تحتاج أيضا إلى دولة بمؤسسات قوية وإلى إنضباط، لكن إقامة ديمقراطية في إطار دولة ضعيفة معناه الإنهيار التام، فلاالديمقراطية ستنجح ولاالدولة ستبقى، وسيكون المستفيد الوحيد من ذلك كله هو مشروع آخر، ويتمثل في إستغلال الجماعات الإرهابية ذلك لإعادة إنتشارها بهدف إقامة دولة داعشية في شمال أفريقيا، هذا ما يدفعنا إلى بيت القصيد في مقالتنا هذه.
هل تساءل يوما المتعاطفون مع حركة الماك الإنفصالية في منطقة القبائل، والذين يبررون موقفهم بما تتعرض له المنطقة ومواطنيها من تشويه وشتم وتخوين مما يعتقد أنهم الجزائريين الآخرين؟ لكن هل فعلا مايعتقدونه صحيح أم أن هذا السلوك هو منتشر فقط في وسائط التواصل الإجتماعي، خاصة الفايسبوك، ووراءة أناس لانعرف هوياتهم الحقيقية مع إنسياق أقلية معهم، لكن هذا السلوك محدود جدا إن لم نقل منعدم في الشارع عند بسطاء الناس؟، فليعلم هؤلاء بأن من وراء ذلك ليس الجزائريون الآخرون، بل جماعات إرهابية عرفت كيف توظف وسائط التواصل الإجتماعي على أساس فعل ورد فعل لتضخيم صفوف الإنفصاليين، فإن كانت إسرائيل ضليعة في حروب الجيل الرابع وهو ضرب الدولة من الداخل بخلق كراهيات بين مكوناتها بواسطة وسائط التواصل الإجتماعي، وهو ما نسميه الحروب الإلكترونية، فإن الجماعات الإرهابية حليفة هذا الكيان الصهيوني الذي لم تهاجمه يوما تستخدم بفعالية هذه الوسائط، فقد تعرضت الجزائر ولازالت تتعرض إلى حرب إلكترونية على يد الجماعات الإرهابية، ومنها هذه الهجمة منذ سنوات على منطقة القبائل، وذلك لهدفين واضحين لدى هذه الجماعات وحلفائها الأيديولوجيين، وهما: دفع منطقة القبائل إلى الإنفصال، لأنها المنطقة التي لعبت دورا كبيرا، ولازالت في إيقاف الزحف الإرهابي في الجزائر، ولهذا فصلها هو شرط ضروري لإقامة دولة لهم في باقي الآراضي الجزائرية، ويشترك معهم في ذلك مجموعة صغيرة من داخل السلطة تريد أيضا فصل منطقة القبائل لأنها يمكن ان تعرقلها في سعيها منذ سنوات للسيطرة التامة على الدولة وبقررات يمكن أن تكون منطقة القبائل هي رأس الحربة لمواجهتها، كما أن أي محاولة إنفصال معناه إثارة فوضى عارمة، والتي بموجبها تخدم الجماعات الإرهابية، وتسمح لها بإعادة إنتشارها، مما يمهد إقامة دولة داعشية في شمال أفريقيا إنطلاقا من الجزائر، وهذا المخطط يعتمد على ركيزتين، وهما تضخيم الحركات الإنفصالية في كل مناطق البلاد، وبشكل أخص منطقة القبائل بإستفزاز مواطنيها بواسطة وسائط التواصل الإجتماعي، مما يدفعهم إلى ردود فعل عاطفية، فتتضخم وتتقوى الحركات الإنفصالية، أما الركيزة الثانية فهي الجنوب الجزائري، فتنظيم داعش الذي أنهزم في العراق وسوريا هو بصدد التجمع في بلدان الساحل، ويستخدم الهجرات الغير شرعية للدخول كأفراد معزولين إلى الجزائر ثم نشر فوضى أيضا بسبب هذه الهجرات المكثفة التي تشبه غزوا، وإلا كيف نفسر معدل 500مهاجر غير شرعي يوميا يعبر الحدود الجزائرية رغم كل الترسانة العسكرية والجيش المرابط هناك، فيبدو أن فوضى في الشمال وحركات إنفصالية وهجرات غير شرعية مكثفة جدا في الجنوب معناه إنهيار للجزائر وسيطرة الجماعات الإرهابية على المنابع النفطية في الصحراء، وهذا كله سيسمح لهذه التنظيمات الإرهابية إعادة إنتشارها ثم إقامة دولة داعشية في المنطقة بعد ما فشلت في تسعينيات القرن الماضي، وبذلك فلا الأمازيغية ستبقى ولا ثقافتنا ولا أمننا ولا الجزائر التي ستخرج من التاريخ، ومنها ستتشكل هذه الجماعات قاعدة لها لغزو كل بلدان المنطقة.
وفي الأخير أوجه رسالة للإنفصاليين في كل مناطق الجزائر سواء في منطقة القبائل أو الصحراء أو غيرها، والذين يتذرعون بظلم وتهميش النظام لهم، فأقول لهم لا تعرضوا أنفسكم لضحك الأجيال القادمة عليكم، فيروون بأن مواطنين ردوا على تهميش وظلم النظام لهم بالتنازل عن وطنهم وأرضهم الواسعة جدا مكتفين بجزء صغير منها فقط، فبدل الدعوات الإنفصالية، فلنعمل كلنا من أجل دمقرطة النظام وبناء دولة لكل الجزائريين وتحقيق حلم أجدادنا في وحدة مغاربية أو دولة شمال أفريقية موحدة فيدرالية وديمقراطية وحداثية، فأرضنا تمتد من سيوا شرقا إلى الأطلسي غربا ومن البحر المتوسط شمالا إلى أفريقا جنوب الصحراء جنوبا، وإن لم نناضل من أجل ذلك، وتمادينا في دعواتنا الإنفصالية الناتجة عن ردود فعل عاطفية بسبب الظلم والتهميش، فمعناه فتح الطريق للفوضى التي لاتعود بالفائدة إلا للجماعات الإرهابية ولدولة داعشية على أرضنا الواسعة هذه بدل دولة ديمقراطية حداثية ضحت من أجلها خيرة أبنائنا.

البروفسور رابح لونيسي
-جامعة وهران-










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في