الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب بين الغزو الامبريالي والجنون الديني (1)

منذر علي

2018 / 4 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ألا يلفت الانتباه بروز ترامب في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين وبروز يلتسن في أواخر العقد الأخير من القرن العشرين ، وقبلهما بروز هتلر و موسوليني في النصف الأول من القرن العشرين؟
إذن ، من الجائز القول بأن الرئيس الروسي بوريس يلتسن كان الوجه القبيح لتفسخ "رأسمالية الدولة السوفيتية" الذي طفا ببشاعته ، كالطحلب على سطح الحياة السياسية ، زعيماً متوجاً في مطلع التسعينيات "، و دونالد ترامب ، يشكل الوجه العنصري القبيح لانحطاط النظام الرأسمالي الغربي والأمريكي ، في طوره الامبريالي الأعلى بشكل خاص، الذي برز على سطح الحياة السياسية ، على غير توقع من كل مراكز البحوث السياسية، بعد حوالي ربع قرن من الزمن عقب صعود نظيره الروسي ، وبعد حوالي ثمانين عامًا على صعود زعيمي النازية والفاشية هتلر و موسوليني.
الزعيمان الروسي والأمريكي، يكادان يتشابهان ، في الطول والعرض والوزن ، والجهل ولون البشرة ، ويتناغمان في النزعة العبثية، والشذوذ السلوكي والبذاءة ، كأنهما تؤمان خُلقا من رحم واحد. إنهما التعبيران الأشد بؤساً عن قبح النظام الرأسمالي بوجهيه البيروقراطي والامبريالي، الشرقي والغربي، اللذان لم يعدا يشكلان أفقًا مفتوحًا للأمل سواء للعالم العربي المنكوب ، أو للمجتمع الإنساني المهدد والمعطوب بالفقر والكوارث الإنسانية.
وفي هذا الصدد بودي أن استعرض ، وإنْ بإيجاز شديد، ثلاثة أبعاد للمعضلة التي عبرت عنها في عنوان هذه المقالة: الاشتراكية البيروقراطية ، و الأنظمة الرأسمالية ، وموقع العالم العربي، وذلك على النحو التالي:
أ‌) الاشتراكية البيروقراطية
فمن جهة نجح النظام السوفيتي في الإطاحة بالنظام القيصري ، الإقطاعي- الرأسمالي، في أكتوبر 1917 ، وقوض الوجود المادي للنظام السابق ، وعلى الصعيد الخارجي تمكن النظام الجديد من فضح مرامي القوى الاستعمارية في تقسيم العالم ، وخاصة العالم العربي ، وساعد حركات التحرر الوطني في أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ، ومكنَّها من الخروج والتحرر من أسار الاستعمار الغربي المباشر ، وساعدها على الشروع في التطور السياسي والاقتصادي المستقلين ، و على الصعيد الداخلي قام النظام الاشتراكي الجديد ببناء قاعدة صناعية كبرى، وبناء دولة عظمى ، وهزم الفاشية في عقر دارها ، وأرسل أول إنسان إلى الفضاء ، ومثل حلم البشرية الواعد في مستقبل عادل ومضيء.
ومن جهة أخرى قامت النخبة السياسية الجديدة ، التي خلفت النظام القيصري ، سواء بسبب ضيق الأفق السياسي ، عقب موت لينين ، أو بسبب الضغوطات الخارجية والصعوبات الداخلية ، الملازمة لأول تجربة اشتراكية في التاريخ الإنساني في أكثر البلدان الرأسمالية تخلفاً ، بإلغاء ديمقراطية المجالس الشعبية ، وتقويض الوجود الاقتصادي والسياسي للطبقة العاملة ، وخلق نخبة بيروقراطية جامدة ، فاسدة ومفسدة ، متورمة بالأوهام الذاتية ، سُمح لها بأن تحل محل الطبقة الرأسمالية السابقة على الثورة البلشفية ، وأصبحت قادرة على إدارة الدولة الجديدة وتطوير الصناعة الثقيلة وخاصة الحربية ، وإنتاج القنابل والصواريخ العابرة للقارات ، ولكنها غدت، مع الزمن ، وفي ظل الجمود والقمع والانغلاق وغياب الانفتاح والحرية ، عاجزة حتى عن مجرد إنتاج ما يكفي من القمح والحليب والبطاطا لإشباع المتطلبات المادية للسكان.
وحينما سقط النظام السوفيتي ، بشكل مدوٍ في مطلع التسعينات ، فأن الدول الاشتراكية التي كانت تدور في فلك ذلك المحور ، باستثناء روسيا الاتحادية الذي تم إنقاذها في اللحظات الأخيرة عبر القيادة الاستثنائية لبوتين ، سارعت للالتحاق بحلف الناتو والاتحاد الأوربي، تحت أوهام أنَّ الأنظمة الرأسمالية ستساعدها على النهوض والتقدم في مسار الحضارة الإنسانية ، ولكنها غرقت في وحل الرأسمالية وعمتها مطاعم الماكدولاند الأمريكية ومشروبات الكوكولا والملابس الغربية الجاهزة، وأدوات التجميل ، واكتسحتها السياحة ، المتلازمة مع تجارة الجنس والأمراض وأنتشر فيها الفقر والعنصرية والنزعات الفاشية ، وخاصة في دول مثل أوكرانيا وبولندا والمجر ودول البلطيق وغيرها.

أما الأنظمة الوطنية التقدمية في العالم الثالث ، التي استلهمت الثورة البلشفية ، ومنها اليمن الديمقراطي ، وكوبا وأنجولا وفيتنام ولاوس وكمبوديا وأثيوبيا وموزنبيق وأنجولا ، فقد تُركت لوحدها ، وغدتْ أشبه بالأيتام على موائد اللئام. وقد حاولت الأنظمة الرخوة منها ، التي كانت تستمد قوتها من الأيديولوجية اليسارية الفجة، المرقعة فوق رؤوس النخب السياسية البلهاء ، الخالية من كل شيء ما عدا الحماسة ، ذات الأصول الريفية ، المنفصلة عن الواقع التاريخي ، المشوشة ، والمشبعة بالأيدلوجيات القبلية والأوهام البدائية ، أن تنتصر على التخلف ولكن بوسائل متخلفة ، فعمدت إلى تحقيق ذلك ليس من خلال الاعتماد على العلم، والتخطيط العلمي والحوار السياسي والتفاعل مع قيم العالم المعاصر، وإنما من خلال الاعتماد على الأناشيد والأوهام ، و الاتكاء على المساعدات الاقتصادية القادمة من المعسكر الاشتراكي، دون خلق بدائل اقتصادية أو علمية داخلية تمكنها من النهوض المستقل. ومع ذلك ، فقد حققت تلك الدول بعض الانجازات ، ولكن ما أنْ بدأت تلك الانجازات، تبرز للعيان ، فأن تلك النخب العمياء سرعان ما اختلفت وتنافرت، بشأن تقاسم مغانم السلطة السياسية ، فاعتمدت على قبائلها المدججة بالجهل والسلاح، تمامًا كما تعمل داعش اليوم ، فانحدرت إلى الصراعات الداخلية ، فأكلت بعضها ، وسقطت على قفاها، كما جرى في اليمن الديمقراطية وأثيوبيا وبضعة دول أفريقية أخرى.
أما الأنظمة التي بقيت صامدة ، متحدية العواصف السياسية ، فكانت تلك الأنظمة ، التي تمتلك نخب فكرية طليعية، حيث تمكنت من تجديد رؤيتها الأيدلوجية ، بما يتلاءم مع واقع الحياة السياسية والثقافة القومية لشعوبها ، و خلقت بدائل داخلية ، على صعيد بناء الدولة الوطنية Nation-stat ، وأقامت أسس اقتصادية متينة ، ونجحت في تحقيق نهوض اجتماعي شامل ، وخاصة في مجالي الإنتاج الزراعي والصناعي ، و على صعيدي التعليم والعلوم الطبية ، بسبب توفر القيادات السياسية الملهمة ، والقاعدة الشعبية المستنيرة ، وفي هذا الصدد تحضرني دول مثل الصين الشعبية ، و جمهورية فيتنام الديمقراطية ، و جمهورية كوبا الاشتراكية، وهاتان الدولتان الأخيرتان غدتا ، بدورهما ، ملهمتان ، لكل شعوب العالم ، وبشكل خاص لشعوب أمريكا اللاتينية ولغيرها من الشعوب في آسيا وأفريقيا . ومع ذلك فأنَّ هذه الدول تواجه صعوبات بالغة ،جراء الحصار الاقتصادي والضغوط السياسية المتنامية عليها من قبل القوى الامبريالية، وخاصة الولايات المتحدة.
ولكن ماذا بشأن الأنظمة الرأسمالية ذاتها ، ألم تحقق التقدم المنشود ، ألا تشكل منارة الأمل للبشرية المعذبة؟ هذا ما أعتزم مناقشته في الحلقة القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو العسكرية شمال محافظة بابل ج


.. وسائل إعلام عراقية: انفجار قوي يهزّ قاعدة كالسو في بابل وسط




.. رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل: قصف مواقع الحشد كان


.. انفجار ضخم بقاعدة عسكرية تابعة للحشد الشعبي في العراق




.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي