الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توقعات/ قصة

محمود شقير

2018 / 4 / 30
الادب والفن


نذهب في الصباح إلى متجر الأطفال في المدينة التي تجتاحها التظاهرات منذ عدة أيام، نشتري الهدايا، نركب المترو إلى الحي الجنوبي، نتأمل الملصقات التي تطالب باستقالة الحكومة "الاشتراكية". تكبر في نفوسنا التوقعات، ونتساءل في السر: هل يعقل أن يعود البورجوازيون إلى الحكم؟ ونتساءل: وهل يعقل أن يظل البيروقراطيون سادرين في غيّهم؟ وتصيبنا الحيرة البالغة. نصل البيت الذي يقام فيه الإحتفال. هناك، نجد البنت التي سيخونها صديقها بعد عام، والمرأة التي ستموت بعد أشهر معدودات، وجمهرة من الأصدقاء وزوجاتهم والأطفال الذين ولدوا خارج الوطن. يمتلىء البيت بصخب الأطفال، يقترح عليهم رب البيت أن يسمعونا أغنية ما، يغنون أحلى الأغاني، ثم يتفرقون في أرجاء البيت. نصغي لشريط عليه بضع أغنيات عن الإنتفاضة، نشرب الفودكا الروسية والنساء يشربن في صمت عصير البرتقال.
تحضر ربة البيت كعكة عيد الميلاد وعليها خمس شمعات، تدعو ابنها الذي جئنا نحتفل بعيد ميلاده، يطفىء الشمعات، نصفق له ثم نغني تلك الأغنية إياها: "هابي بيرث دي تو يو" وتبدأ الكاميرا في التصوير: الأطفال يكتمون ضحكاتهم، ونحن نجلس على المقاعد وقد تسرب إلى أعماقنا حزن خفي، نطلب من الأطفال أن يرقصوا على موسيقى يبثها المذياع، يرقصون، ونحن نهز رؤوسنا ونفرقع بأصابعنا للإيهام بأننا في غاية الانسجام، والبنت التي سيخونها صديقها بعد عام، تستبد بها الحماسة، ترقص في رشاقة، وتبدو كأنها نخلة بين الأطفال، وأم الطفل الذي نحتفل بعيد ميلاده تغني، ثم تصمت بعد وقت وفي عينيها دموع وتقول: يقطعها من عيشة. كانت جدران البيت مزينة بخريطة كبيرة للوطن، وبصور عديدة لبعض المدن الأسيرة، وعلى اليسار صورة لشاب في العشرين: إنه أخوها الذي استشهد قبل سنة في إحدى المواجهات مع الجنود. نقول في سرنا: ربما سالت دموعها لأنها تذكرت أخاها الشهيد، ولا نسٍألها عن السبب، حتى لا نضاعف من حزنها. تقول المرأة التي ستموت بعد أشهر وهي تقبل الطفل: سنحتفل بعيد ميلادك القادم ونحن في الوطن الحر السعيد. والد الطفل يتأمل كلماتها العذبة لحظة ثم يحدق عبر فضاء النافذة نحو البعيد، والشريط يبث بعض الأغاني عن الإنتفاضة، والبنت التي سيخونها صديقها بعد عام تلف الكوفية على عنقها وتقول: سأخرج، وتقول إنه ينتظرها الآن، وعليها ألا تتأخر عن الموعد لأنهما سيذهبان معاً إلى السينما. أم الطفل توزع الحلوى وتقول: لماذا لا نرقص كلنا في مثل هذا اليوم المشهود!‍‍ نرقص كيفما اتفق ثم نعود إلى مقاعدنا، والأطفال يواصلون رقصهم الظريف، نشجعهم بالكلمات وبالتصفيق، يذوي الكلام في حلوقنا ونحن نتأمل الأطفال الذين يكبرون بعيداً عن الوطن ونقول: إن هذا عذاب كبير، ونصيح دون كياسة أو تهذيب: أين هو العالم لكي يسمع ويرى ما نحن فيه،‍‍ يقول والد الطفل في محاولة لتغيير المزاج الذي وجدنا أنفسنا فيه: ها هو الثلج يهطل. يتوقف الأطفال عن الرقص، يحدقون من خلف الزجاج، ثم ينطلقون نحو الخارج فرحين.
نغادر البيت الصديق بعد أن اكتمل الاحتفال، نخرج إلى الطرقات التي يغمرها الثلج، نهبط إلى محطة المترو حيث الدفء والأضواء وهدير العربات، تواجهنا الملصقات التي تدعو إلى استقالة الحكومة من جديد، ولا ندري ما الذي يخبئه المستقبل لهذه المدينة التي نحبها.
نقطع المدينة من أقصاها إلى أقصاها، وعند آخر محطة للمترو نرى البنت تنتظر صديقها في انزعاج، وتقول إنه تأخر على غير عادته، والفيلم بدأ. نأسف للأمر، نغادرها وهي تتلفت في كل اتجاه.
نعود إلى بيتنا ونحن أكثر أسى مما كنا عليه في الصباح، نغوص في الطرقات التي يتراكم فيها الثلج، تواجهنا الملصقات مبثوثة في كل مكان، نقف خلف النافذة وقتاً ونحن نراقب البياض الكثيف الذي يغمر الساحات وأسطحة البيوت.
في الصباح التالي، تزورنا البنت، تقول: الحكومة استقالت تحت ضغط الشارع! وتقول إن صديقها جاءها بعد ساعتين من الانتظار، يخيم علينا صمت ثقيل، فلا ندري ما الذي نقوله، وهي لا تدري أنه سيخونها بعد عام!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج