الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمر الجزائر 13

أفنان القاسم

2018 / 4 / 30
الادب والفن


كان صلاح يحاسب الزبائن الأخيرين، فاقترب سعدي منه:
- هل انتهيت؟ سأل بلا صبر. إنه التقزز! أنا واهن العزم، متقزز. التقزز من الحياة لا شيء أكثر منه فظاعة!
- بعض دقائق، وأنا لك.
استدار صلاح نحو أبيه الذي يرافق سي بودراع حتى باب الدكان، وفي نقس اللحظة، دخل رجل ذو لحية قصيرة راح يهمس في أذن أبي صلاح وأبو صلاح يهز رأسه بسخطٍ يكشفُ عن إنكاره. فجأة، هب الرجل صائحًا:
- بنو مزاب لبعضهم البعض في مواجهة الشدائد، فلا تكن يهودي!
- اليهود أشرف منك، يا مسعود، أيها الجاهل! احتج أبو صلاح.
- الله أكبر! امرأتي تحتضر! أنا لا أطلب أكثر من ألف دينار خلال يومين أعيدها إليك، هذا وعد مني لك.
- في الماضي من الدنانير أدنتك، اليوم لن يكون لك دورو واحد، ولتنفق امرأتك! ليست هذه المرة الأولى التي تكون فيها على وشك الموت. في الوقت الحاضر، اغرب عن وجهي، مسعود الجاهل، عليّ إغلاق دكاني.
ذهب الرجل غاضبًا:
- الله أكبر عليك، يا كافر! دين الإسلام براء منك!
عندئذ، وصل الأستاذ الفلسطيني أمين، وتردد في الدخول، لكنَّ أبا صلاح ناداه. وفي الحال، ناول الأستاذ العجوز علبة زيت تحتوي على ثلاثة لترات لم يحلم بشرائها منذ أسابيع طويلة. في الواقع، العصابات المعروفة لسوق الفلاح، سوق الدولة، تستولي على البضائع أول ما تأتي –إن أتت البضائع- وتبيعها في السوق السوداء بضعف ثمنها. كان الأستاذ قد جاب العاصمة طولاً وعرضًا بحثًا عن لتر زيت واحد دون أن ينجح، وها هي ثلاثة لترات زيت تسقط عليه من سماء أبي صلاح دفعة واحدة. غالى في الشكر، وهو يلاحظ أن البقال قد فعل معه ما فعل ليريح ضميره إزاء مسعود الجاهل الذي طرده منذ قليل، وشتمه، وبدا كمن استراح على سماعه، وهو يلهج بآيات الشكر والعرفان.
- أرجوك، هذا لا شيء، سارع أبو صلاح إلى القول، فأنت تعلم، نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة!
أصر البقال الفيلسوف على ألا يدفع، فأصر الأستاذ العجوز بدوره على أن يدفع، وإلا لن يعود إلى شراء الزيت من عنده، والعوض على الباذنجان المقلي –إن وجد في السوق الباذنجان. في نهاية الأمر، حاسب أبا صلاح، وسأله:
- هل كلمت سي بودراع عن مسألتي؟
غالى البقال في الاعتذار، لأنه نسي، ووعد بأن يكلمه ابتداء من الغد.
- من يعمل خلال اثنين وعشرين عامًا في حقل التعليم من حقه مكافأة ترضيه وتقاعد يكفيه، قال أبو صلاح. للأجنبي نفس حقوق الجزائري، فما بالك إذا كان فلسطيني، الجزائر دومًا إلى جانبه إذا كان ظالمًا أو...
- ...مظلومًا، أكمل الأستاذ أمين.
أخرج الأستاذ العجوز رسالة من جيبه، وتمنى عليه أن يعطيها لسي بودراع. كان البقال بمثابة علبة رسائل موثوق بها، وبدوره، يسلمها سي بودراع، ذراع طويلة، طويلة، طويلة، طويلة جدًا، حتى أن لطولها الطويل جدًا يمكنها الوصول إلى كل الزوايا الإدارية... وبدوره، يسلمها سي بودراع إلى مسئول الأمانة الدائمة للجنة المركزية يدًا بيد. كان الأستاذ قد بعث رسائل عديدة إليه وإلى غيره من المتنفذين لم يستلم ردًا عليها إطلاقًا، فهل يتعلق بالأمل؟ وهل يعتقد بمسئول الأمانة أمينًا على حل أمور المواطنين؟
طلب السيد أمين من أبي صالح أن يقرأ الرسالة، فقرأها على مضض، لأنه لا يريد أن يعيقه أمر عن إغلاق الدكان لا ربح فيه ولا منفعة، أَمْرُ قراءة رسالة، فقط لأجل هذا الفلسطيني التعس، إن كان ظالمًا أو مظلومًا. الله يحمينا!
عندما أنهى أبو صلاح قراءتها، تلك الرسالة الهالكة، سمعه سعدي، وهو يَعِدُ الأستاذ خيرًا، وكل شيء سيجد حلاً، مرددًا بعض كلماتها مثل "فخرنا الكبير، أملنا الكبير، عطفكم الكبير، احترامنا الكبير... الكبير، الكبير، الكبير"، دون أن يبدو في صوته إذا كان ذلك تهكمًا أو اهتمامَا، غير أنه طلب منه الرجوع بعد يومين أو ثلاثة. نحن مع فلسطين ظالمة أو...
في نفس اللحظة التي غادره فيها شاكرًا داعيًا، ظهرت في مدخل الدكان مجموعة من النساء المحجبات الشبيهات بالسناجب البيضاء، جئن يستجدين أبا صلاح لترًا من الزيت أو كيلو من السميد، لكن سي بن ناصر منعها من الدخول، وجذب الستار الحديدي إلى منتصفه، فراحت النساء يضربن عليه:
- افتح، يا مزابي البراز!
ضرب أبو صلاح بدوره على الستار الحديدي:
- لا.
- افتح، واعطنا قليلاً من خيراتك!
- لا ولا ولا، لن أفتح.
- افتح، أنت يا أغلى بقال في الجزائر!
- ما عليكن سوى طلب ما تردن من واحد غيري.
- غيرك ليس عنده للبيع حتى الورق لبيت الماء!
- لأنكن الآن تغسلن مؤخراتكن؟
- الناس الذين هم من صنفك يحتكرون السوق دون أن يبالوا.
- ابعدن عني، يا كسولات، ولتعملن، يا كارهات الجد والعمل، لتملأن معدات الناقات الجائعة! نساء شرسات! متوحشات! طوال حياتي لم أر أبدًا أحقر منكن!
انبرت له امرأة، ظبية من الصحراء:
- لتعملن؟ قلتَ لتعملن؟
- قلتُ لتعملن، لتكددن، لِتُنْتَهَكْنَ!
- أين هو العمل، يا مبتز؟ يا خدام أسيادك الجدد؟
- أسيادي، قلتِ أسيادي الجدد؟
- لم يتبدل شيء منذ أكتوبر، لن يتبدل شيء! ومنكم كل هذه المصائب التي ما عرفناها أيام فرنسا!
- فرنسا، فرنسا، فرنسا... كفى تباكيًا! لم تعد فرنسا وطنكن الأم.
- ليرحمك الله، يا فرنسا! ليرحم الله أيامك! أعادت المرأة كما لو كانت تعيد لنفسها، وهي تترك يأسها المعتم يضيء.
- ليرحم الله كسلكن!
- أنت المسئول عن تعاساتنا السوداء، يا القدم البيضاء!
- قدم بيضاء أنا؟ سأحشوها في مؤخراتكن، قدمي البيضاء! وفي الوقت الحاضر، توقفن عن التناسل، يا جرذات باب الواد، فلا تضطررن لإطعام فئرانكن بالمئات!
- فئراننا، آه! يا فئراننا... غنت المرأة.
بقيت بعض النساء في منأى عن الأخريات لشعورهن بالعار، بالمهانة، بالضغينة، وربما بلامبالاتهن. وبعضهن الآخر، الأكثر حبًا للقتال، رمين بأنفسهن على الستار الحديدي، وهن يردن تحطيمه، وتحطيم سي بن ناصر معه. أشار إلى مخدوميه، فهرعوا إلى عونه على إكمال إغلاق الستار الحديدي. لكن، رَشَقَ طفلٌ حجرًا داخل دكان أغنى تاجر في البلد، طفلٌ صغير، طفيل، فار، فجرح الحجر رأس أحد صبيان البقالة. وعلى الفور، انهدم هرمٌ من علب البندورة المركزة التي بغلاء الذهب، وانبقر كيسُ قهوة من تلك القهوة المغشوشة بالحمص المحمص والمطحون الذي بعد الغلي بطعم البول.
خلال ذلك، خرج صلاح بصحبة سعدي من باب صغير في الستار الحديدي، ليس دون أن يأخذ من الصندوق ما يأخذ بادئ ذي بدء.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اين النشر العربي؟
نبيل عودة ( 2018 / 5 / 1 - 13:03 )

يبدو انك الوحيد الذي تناول العالم العربي برواياته ...فهل أخطئ اذا وصفتك بروائي عربي شامل.. وربما اشمل من العالم العربي لوحده فانت تناولت مختلف الدول ومختلف العقائد وهذا أمر نادر في الكتابة الروائية العربية على الأقل.
من المؤلم ان القيمين على الثقافة العربية لا ينشرون ابداعاتاك ودور النشر غائبة ولا تتعامل الا مع الأرباح، اتصلت بدار نشر معروفة طلبوا مني 1200 دولار لطباعة كتاب وحصتي 100 كتاب، اعلمتهم اني في اسرائيل اطبع كتاب من 150 صفحة باقل من الف دولار.
.. اعتقد ان سقوط الثقافة هي الخطوة الأولى للسقوط الشامل في العالم العربي وهذا ما نعيشه اليوم.لا اعرف ما الذي يشغلهم


2 - إسرائيل مملكة دينية أم جمهورية مدنية ديمقراطية
فاهمك زين ( 2018 / 5 / 1 - 13:03 )
هل إسرائيل في الواقع غير المعلن حتى ظهور المسيا المزعوم :
مملكة دينية أم جمهورية مدنية ديمقراطية


3 - تكرار
فاهمك زين ( 2018 / 5 / 1 - 13:09 )
هل إسرائيل في الواقع غير المعلن حتى ظهور المسيا المزعوم
مملكة دينية على غرار مملكة آل سعود الوهابية ؟!!
أو جمهورية مدنية ديمقراطية ؟؟!


4 - عمو نبيل 1200 دولار يا بلاش
فاهمك زين ( 2018 / 5 / 1 - 14:43 )
كم نسخة يطبعوا بهادا المبلغ


5 - العزيز ناصر: إسرائيل ليس لديها دستور
أفنان القاسم ( 2018 / 5 / 1 - 15:38 )
إذن من الممكن أن ينطبق عليها أي نظام كان، قرار من الكنيست يكفي أو قانون إنجليزي من عهد الاحتلال، لهذا تجمع إسرائيل على صدرها كافة المتناقضات، ولهذا تجد حزب الليكود الحزب الحاكم لا يتردد عن التحالف مع أقصى اليمين من المتدينين، وكله ماشي... في سعودية ابن سلمان سيكون نفس الشيء، لكن للسعوديين طموحات أعلى وأعظم، عبرت عنها في كثير من مقالاتي...


6 - عزيزي نبيل: بل هو السقوط الشامل
أفنان القاسم ( 2018 / 5 / 1 - 15:51 )
الأن في كل شوارع باريس هناك مأطورات دعائية تطالب بديمقراطية النحن، وبإرادة النحن، وإذا لم نتحرك نحن لن يكون هناك اقتصاد إنساني! فاين نحن يا نحن؟؟؟؟؟ في الواقع النحن العربية لا تتحرك لأنها غير موجودة في الأساس، لا من أجل اقتصاد إنساني، ولا من أجل ثقافة إنسانية، ولا من أجل أي شيء، حاوت معها بشتى السبل، لكني لست مؤسسة ولست قوة مؤثرة، ولست أي شيء، كتبي لا يقرأها من الناس سوى القليل، ومشاريعي تُلقى في سلال المهملات، وليس هذا منذ اليوم، هناك خوف من التغيير، من قوة النحن، ببينما قوة النحن في فرنسا والغرب قوة للنظام، يغذيها ليتغذى منها، فيبقى، ويدوم، فهو الكاسب الأول...


7 - كمان إلى العزيز نبيل: عن قمر الجزائر ونشر رواياتي
أفنان القاسم ( 2018 / 5 / 1 - 16:17 )
عندما صدرت قمر الجزائر بالفرنسية اتصلت بي المعارضة والمعارضة عساكر ضد عساكر، وأنا ضد الجميع! عندما قرأوا الرواية عرفوا من أنا وما هو خطي، أنا لا أطبل لأحد، فأهملوها والنظام عتم عليها، هذه مشكلتي الكبرى، مع الآنظمة أولاً وقبل كل شيء. وفي بيروت هناك مشكلة ناشري الذي هو الكيالي (المؤسسة العربية)، مشكلته القارئ، فلا يوجد قارئ -نعود إلى مسألة ثقافة النحن- يروج الكيالي لكاتب وحيد أوحد عبد الرحمن منيف، فيبيعه، ويستفيد منه، بينما أنا تجاوزت منيف ورب منيف أميال، لكن القارئ العربي -أقول العربي- لا يعرفني، ولا يعرف أنني تطرقت إلى كل مشاكله كما لم يتطرق أحد -أجرؤ على القول وأنت تؤيدني- لرؤيتي الجديدة وجرأة مواضيعي وحدسي الأدبي وبالتالي التاريخي... أما أن أنشر على حسابي فأنا أخجل من ذلك بعد كل هذا العمر الأدبي الطويل...


8 - ناصر الموقع الإسباني ما يعرفه الدكتور
محسن حبه ( 2018 / 5 / 1 - 16:48 )
نصوري
الدكتور ما يعرف الموقع الإسباني
وما قرأ مقالة عناد الأخيرة قبل يومين وإلي قال فيها لابد من دولة يهودية دينية كتابية توراتية تقاتل دولة دينية شيعية بمساعدة دولة دينية سنية عكس نبوءة رسول الإسلام آلي يعرفها حاخامات تل أبيب
لازم فهمت
والمتقاعد هو من سرب المعلومة قبل أسبوع بنفس الموقع


9 - إنت لن تتجاوز الرب
محسن حبه ( 2018 / 5 / 1 - 16:52 )
فراعنة التأريخ كله الدليل


10 - تعقيب
نبيل عودة ( 2018 / 5 / 1 - 17:22 )
ما زلت اعتقد ان روايتك ابو بكر الآشي هي من اجمل الروايات العربية وتضاهي اهم الروايات الأجنبية.. رواية تستحق ان تحول الى فلم سينمائي، فيها كل مركبات الحركة والفكرة والتسلسل
وتطور الدراما والمفاجئات واساليب بوليسية وثورية وسياسية ، جاءت كلها في بوتقة واحدة نادرة الا في اعمال كبار الروائيين. والله لو لم تكتب الا ابو بكر الاشي لكنت واحد من افضل كتاب الرواية


11 - يا محسن الحبيب: نعم، أنا أتجاوز الرب!
أفنان القاسم ( 2018 / 5 / 1 - 17:51 )
لأني علقته في الخزانة، وما تقولونه تقولات، هذا من اثر الإيديولوجيا عليكم، فاهربوا منها مئات آلاف الكيلومترات، ولا تنظروا إلى العالم من خلالها... الخطاب إياه هلوسات لا أكثر!


12 - نبيل: لكني كتبت أبو بكر الآشي وعشرات الرويات
أفنان القاسم ( 2018 / 5 / 1 - 18:02 )
وأنا حتى اليوم كاتب مغمور، لا يعرفني القارئ ولا الناقد ولا عزرائيل!!! منذ قليل وأنا أستلقي للقيلولة فكرت في وصفك لي ككاتب عربي شامل، وإذا بي كتبت عن كل البلدان العربية، من المحيط إلى الخليج، وأحيانًا أكثر من رواية وأكثر من قصة، وكتبت عن كل المراحل الفلسطينية، فلم يبال بي القارئ الفلسطيني الذي أعطيته نصف حياتي!!! لهذا أنا أكره كل ما كتبت عن فلسطين، ولا أعني هنا قيمة ما كتبت الإبداعية لأنها عصارة دمي، أكره كل رواياتي عن فلسطين، وأكره فلسطين، وأكره أفنان القاسم!!!

اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن