الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طقمٌ ليلي بثلاثِ قطع!..

يعقوب زامل الربيعي

2018 / 4 / 30
الادب والفن


قصة قصيرة
.................
على حافة السرير، كانت جالسة أمام المرآة، تطالع بفضول على ثلاثة ارباع جسدها العاري.. إلى هذا التلبد الأنثوي الذي ولد من غير أن تتوقعه. أو كأنها تراه الآن. يخيم عليها سكون مثقل بشتى الانفعالات. كانت تشعر بأن جسدها يحدق فيها من غير أن يفصح أحدهما للآخر عن شيء من تباين الأسى. لم يشرحا لبعضهما عن الاسباب التي تجعلهما مهجورين عن بعض.
ولشد ما كانت تحس قبل الآن بفرح طاغ وهي ترتدي طقم الثياب الداخلية التي جاهدت طويلا لشرائها، أحست أن النظرة التي تلقيها الآن وهي على أهبة البكاء، غدت باردة كالثلج أو كنصف ميتة. لم تكن هي تلك النظرة الشغوفة حينما أرتدت الطقم الشفاف والمثير في اظهار مفاتن نهديها والكتفين وما بين الفخذين.
بالرغم من الحاجة الماسة والملحة التي كانت تشدها شدا لاقتناء هذا الطقم وكيف ان ثمة تلك الرغبة تحولت الى استفحال لأن ترتدي تحت القميص القصير الناعم الذي يأخذ اللب، ذلك السوتيان الشفاف المطرز بالزهور الحمراء الصغيرة، والكيلوت المعمول بمهارة السلعة النادرة، لترى كيف سيبدو جسدها في ساعة من ساعات الاشتهاء للتعرف عليها وهي شبه عارية.
على أن ما يشبه العصرة في صدرها، والشيء الذي اخشوشن خاطرها، جعلها تفكر أنه ما من سبب يبرر أن تكون هي بداخل الطقم .
انفاسها كانت تتلاحق كما لو انها كانت تركض.
تذكرت أول مرة شاهدت الطقم الليلي، وكيف اندهشت حد المغالاة، وكيف ساعتها لم تستطع أن تنزع توهجها وهي تدخل المحل. كانت لاهثة وهي تسأل البائع عن ثمنه، وعندما اخبرها بالسعر، كيف أنها شهقت وكأنها تحت وهج شمس محرقة. وكان العرق يتصبب من وجهها ومن ابطيها وثنيات فخذيها.
لم يكن لديها ما يكفي لشرائه. لكن الحاجة إليه تشبه من يتمنى آخر وأعز أمنية قبل الموت. لهذا نقدت البائع ما يكفي شرط أن يحجزه لها حتى موعد تسديد المتبقي من راتبها الشهري.
في كل ليلة وتحت الحلم باقتناء القطع الثلاث، كانت تمارس التعرض لضجيج الغابة البهيجة. حيث ستندفع بما لها من قوة الرغبة لتندس داخل عروق تلك الغابة العارية، وستشعر بعد أيام بفرديتها المجهولة.
عندما نقدت البائع بقية ثمن تلك الغابة الملونة، رقصت كما طفلة نزقة بشيء عظيم امتلكته.
وها هي حين اندست بقطع الحلم الحرير الثلاث وتأملت جسدها، تملكها شعور أنها داخل صوت فخم لم يكن بمقدورها أن تعرف ما يقوله لها. كان للصوت كيان صعب تخيلته يتحسس نهديها واستدارة بطنها وبين فخذيها ولكنه لسبب لم تدركه أو لأنه غير واضح تماما كانت بحاجة لمن يساعدها على تفسير تلك الملامسات الغريبة.
ثمة شيء يشبه حالة طوارئ. أن ذلك الطقم الليلي الذي احتك بجسمها لم تعد تهفو لأن يلامس جسدها مرة أخرى وكأنه لم يعد يقوم اتجاهها بأبسط واجبات المجاملة. تلك الحواس الملتهبة التي كانت لأقصى مدى تجسدت لها كهياج من الألوان تارة باللون الازرق وثانية باللون الوردي وبالقرمزي ثالثة وبلون من أخذ يطلق العنان لغرائز متعطشة أكثر.
هذا الخليط من المشاعر البدائية الذي حل محل ما شعرت به للتو، هو من أمات بها تلك الرغبة الطاغية وكأنها تلوذ لعملية اجهاض.
" لمن سأرتديه "؟!
حبست دمعتين تحت رموش عينيها وهي تفكر " ليتني أفهم لماذا لم أحقق رغبة في روحي، وهي أن أرى في هذه اللحظة رجلا يتأملني بشغف "؟
حينها أحست أنها الآن أكثر مما هي عليه في كل ليلة، اعتقدت أنها ليست من نوع النساء اللواتي يقبعن تحت مظلة رجل يقيها من مطر الوحدة. وأن ما تتخيله أن العدد القليل من السنين المتبقية سوف لن يسعفها باللحاق على ما فات أمامها بعيدا.
لم تكن تحدق في الطقم الذي فقد سحره فجأة، إنما كانت تحدق بشبح لم يعد ذا قيمة.
" كيف عليَّ أن أكون فيه من غير أن يطلق رجل في حياتي صيحة الدهشة ويرتمي عليَّ معانقا "!
كل التأثر تحول إلى لحظة جفاء ولغة مفجعة.
" من يا تراه يطلب مني أن اتعقل وقلبي يمزقه الألم "؟!
فجأة لوحت لحياتها من بعيد. ومن جديد حل محل هذا البؤس المروع، يدينّ راحت تنزع الطقم الليلي الثلاثي قطعة قطعة.
كانت وهي تتذوق مكرهة طعم الهزيمة، تصارع ذئب جسدها:
" أرجوك .. أتركني أحاول ولو لأول مرة أن أتذوق هذا الألم. أن اهضمه بشجاعة ".
في الصباح، وبعد أن شطفت الطقم ثلاث مرات أو اربع، وتركته للهواء ليلة كاملة لتنزع عنه رائحة جسدها، وضبته كما جلبته أمس من معرض الفاترينا المختصة ببيع الملابس النسائية الليلية . وبعد أن أتمت وكأنها مهمة آخر العمر، حملت نفسها لتصل أختها. وبقليل من التصبر والمجالدة على السيطرة على دموعها ورعشات شفتيها أضافت بلون الدم الفاسد:
" خذيه. أنه لكِ. أنتِ أولى به"!
كل منهن وكأنهن انغمسن في ماء مفرط في اندفاعه، أما ما بينهما فهو جسر من العروق الخشبية العتيقة.
كل من الأختين تبدوان وكأنهما لا تحيان إلا من أجل عروقهما، حتى وهما يحيان من أجل الاطمئنان على بعضهما.
لم تكن الأخت وقد أخذت العلبة المزخرفة بورود واشرطة ملونة جميلة من يدي اختها، كانت بحاجة لأن تقول لها شيء يطيّب خاطرها أو لتجعلها تتماسك من غير أن تفقد صوابها.
كان الجو يشعرهما بكثير من الحميمية. مفرطتان بالتأنق الأخوي. توحي كل منها للأخرى بأن تلك العلبة بما فيها من شذروانات حريرية لسعادة الليل كانت تعني الكثير لكلتيهما. فهي مع ما فيها من ترف انثوي ستجعلهما داخل دائرة الشعور بالضيق الحراري، لكون أحداهن تنازلت عن حقها فيها للأخرى. ضيق لا يمكن دفعه أو معرفة كنهه.
وبمجرد أودعت أختها علبة الرغبة التي كانت حارة جدا قبل اقتنائها وبعد اكتفاء الرغبة منها، واعطتها ظهرها الكسير، سقطت دموعها أكثر حرارة على خديها
وبدون استخدام كلمة واحدة ، كانتا قد أخبرتا بعضهما البعض ما يمكن أن يقوله شخصان في الرواح والمجيء المستوطن. ذلك الميل المحسوب بمعيار الحب، كمثل روحين أدمنتا كحول الحميمية، لتتبادلان ما يعوزهما إلى عالم كل منهما.
تلك هي مهمة كل منهما ازاء الأخرى.
في تلك اللحظة وهن في طريق حياتهما، كانتا تعطيان فقط.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج