الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة (طيف ساندريلا)

عماد نوير

2018 / 5 / 1
الادب والفن


أقبل بلهفة يجرُّ خطاه بخفّة لا تناسب هزاله، كأنه يسابق الزمن، من بين تأفّفاته تشمّ رائحة العتب و اللّوم، و من نظراته تنطلق أمارات الضجر و السأم و الملل، من بعيد يرنو بناظريه إلى محلِ ذلك العجوز الذي تحيط به السّاعات من كل جانب، تحاول عقاربها أن تنطلق أكثر مما هو مقرّر لها، و لكن هيهات و هو يرمقها جميعا كل لحظة، يتوعّدها بعين جاحظة و أخرى اختفت تحت عدسة المحترفين في تصليح السّاعات!
صباح الخير يا سيدي، قالها و رمى نفسه على الكرسي المتواضع الوحيد في محل يعيش حالة صراع زمني عجيب مِن قِبل ماركات مختلفة، تتمنّى كل واحدة مِن هُنَّ لو أنها كانت مَن يُشار لها بالبنان، و يمتدحها المادحون و يتغنّى بها المغنّون، صباح النور، رد العجوز بثقة تمتزج باللامبالاة و عدم الاهتمام، أو ربما التّظاهر بذلك، لم ينتظر الهزيل أي إضافة على الردّ المقتضب، سارع
لإخراج ساعته و عرضها أمام طبيبها، و بدأ يسرد حالتها الصحية المتدهورة، و كيف انقلبت حياته إلى حالة لا تُطاق من أثر الألم الذي ألَمِّ بها، جاءه الصوت من خلف ساعة كانت لها الحظوة إذ تجرّدت أمام الطبيب لكشف علتها عليه((قل لي بدقَّة، ما الخطب الذي يعتريها؟)) ..
- جِئتكَ يا سيدي قبل سنة من الآن، و كانت ساعتي تتقدّم عند كل مساء ساعتين من الوقت الذي تنضبط عليه، و قد صارت تسلبني أمسياتي السعيدة و تحيلها إلى نكد و شقاء، صارت تتلاعب بأوقاتي المنتظمة، و التي بالكاد يصعب تحريكها، فهي يا سيدي رهن الوقت المنتظم و غير المضطرب و غير المتبدّل و غير المتخالف و غير المتعاقب و غير المرتبك، إنه بكل بساطة طوّعته ظروف خاصة ليبدو متوافقا، و لا يمكن بأي حال أن ينحرف قليلا عن الطّريقَ الذي رُسم له.
تطايرت نظرات الساعاتي تمتطي سّحبا تُنبِئ بغيث غزيز، و امتدّت أماني الهزيل للوقوف طويلا تحت وابل أمطاره، التقت ابتسامة ممتلئة بأخرى شاحبة!
ترك ما بيده من عمل يشبه عبث الأطفال بألعابهم الجديدة حينما تراودهم الأفكار لتحطيمها، تغيّرت سحنته، تفحّصه كثيرا.
- لقد تذكّرتُكَ، و عرفت ساعتك هذه، و عليك أن تهدأ و تطمئن، سأُعيدها لسالف عهدها، لن يختلف بعد اليوم عندك موعد، لن تختلط عليك رؤية، لن يبتعد عندك قريب، و لن تدور بفراغ أبدا!!!
- لا يجيد التعبير كثيرا عن دواخله، هكذا كان يعاني في كل الأمور الأكثر حرجا و الأكثر غبطة، اكتفى أنْ ابتسمَ و اغرورقت عيناه و صمتَ.
تناولها من يده و بدأ حالة التّصليح التي تشبه العبثية إلى حد كبير، و ألقى عليه سؤلا ورديا له أكمام من ذهب و أزرار من فِضَّة و عطر من أزهار الجنة:
- هل جِئْت لوحدكَ في المرّة السّابقة؟!!!
اصفرَّ وجهه الأسمر الذي خالطته صفرة آخر أيامه، فبدى أكثر شحوبا، كما لو أنه انبعث من الموت:
- لا يا سيدي كل معي شخص آخر...
لا يعلم ما الذي جعله يكتفي بهذا الردّ دون زيادة.
انتابه الفرح الشديد حين بدأ الساعاتي يعيد أجزاء ساعته لأماكنها، إيذانا بنهاية العملية التي ستعيده إلى العالم الذي يبتغي أن يعيش في وقته، نظر إلى السّاعات المعلّقة من حوله، ضبط الوقت على تأخير ساعتين بالضبط مما كان الوقت عندهن، ناوله ساعته، و همس له:
- دَفعَ شخص حسابك قبل ساعتين، جاءني لعلّة تشبه ما أنت فيه، سوى إنَّ ساعته تتأخّر من الوقت ساعتين.!
نظر الهزيل إلى جابنه و ابتسم مخاطبا أحدا ما:
- أنتِ هنا أيضاً؟؟؟ مجنونة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3


.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى




.. أنا كنت فاكر الصفار في البيض بس????...المعلم هزأ دياب بالأدب


.. شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً




.. عوام في بحر الكلام - الفن والتجارة .. أبنة الشاعر حسين السيد