الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألان باديو و دكتاتورية البروليتاريا أو لماذا يساوى نبذ - إطار الدولة-الحزب - نبذا للثورة

شادي الشماوي

2018 / 5 / 1
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ألان باديو و دكتاتورية البروليتاريا أو لماذا يساوى نبذ " إطار الدولة-الحزب " نبذا للثورة

الفصل الثالث من الكتاب 29 - دفاعا عن الشيوعية الثوريّة و تطويرها


ضد مايكل هاردت ، أنطونيو نغرى، ألان باديو، سلافوج تزتزاك و برنار دى مالو


الماويّة : نظريّة و ممارسة
عدد 29 / جانفى 2018
شادي الشماوي

دفاعا عن الشيوعية الثوريّة و تطويرها

ضد مايكل هاردت ، أنطونيو نغرى، ألان باديو، سلافوج تزتزاك و برنار دى مالو

-------------------------------
( ملاحظة : الكتاب متوفّر للتنزيل بنسخة بى دي أف من مكتبة الحوار المتمدّن)
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
المقدمّة :
في العالم الراهن و في أيّامنا هذه ، أكثر من أيّ زمن مضى ، ينبغي على الماركسيّين الحقيقيين و الماركسيّات الحقيقيّات أن لا يكونوا إشتراكيين و إشتراكيّات و إنّما شيوعيين و شيوعيّات فهدف الماركسيّة و غايتها الأسمى ليست إلاّ الشيوعيّة على النطاق العالمي . هدف الشيوعيين و الشيوعيات الحقيقيين و ليس المزيّفين ، متبنّي الشيوعية كعلم الساعين جهدهم لإستخدام هذا العلم لبلوغ الهدف الأسمى : تحقيق المجتمع الشيوعي العالمي الخالى من الطبقات و تحرير الإنسانيّة قاطبة من جميع أصناف الإستغلال و الإضطهاد القومي و الطبقي و الجندري على كوكب الأرض برمّته ؛ و ليس الإشتراكية مفهومة كغاية أسمى بالنسبة لأنواع من الإشتراكيين الديمقراطيين و محرّفى الشيوعيّة فيما هي لا تعدو أن تكون في الواقع رأسماليّة بمساحيق مزوّقة ببعض الإجراءات الإجتماعيّة .
الإشتراكيّة من وجهة النظر الماركسيّة مغايرة لذلك الفهم الإشتراكي الديمقراطي أو التحريفي ؛ إنّما ، وهي وليدة الثورة الإشتراكيّة ، هي مكوّنة من أضلع ثلاث متكاملة كالمثلّث أو الهرم و قاعدتها أنّها أوّلا و قبل كلّ شيء مرحلة إنتقاليّة بين الرأسماليّة و الشيوعيّة كما حدّدها ماركس و شدّد على إبراز ذلك التحديد لينين في " الدولة و الثورة " . و الإشتراكية ثانيا نمط إنتاج له ميزاته و يسعى إلى خدمة مصالح البروليتاريا و أوسع الجماهير الشعبيّة و تجاوز بقايا الرأسماليّة و إرساء أسس المجتمع الشيوعي في البنية الفوقيّة و البنية التحتيّة للمرور إلى تكريس من " كلّ حسب عمله " المميّز للمرحلة الإشتراكية إلى " كلّ حسب حاجياته " كشعار معبّر عن فحوى المجتمع الشيوعي و يسعى طبعا إلى مدّ يد المساعدة للثورة البروليتاريّة العالمية. و الإشتراكية فضلا عن ذلك دولة دكتاتوريّة البروليتاريا أي دولة تحت قيادة البروليتاريا و حزبها الشيوعي الثوري بالتحالف مع الطبقات و الفئات الشعبيّة وهي تمارس الديمقراطية البروليتاريّة أي الديمقراطية فى صفوف الشعب و الدكتاتوريّة ضد أعداء الشعب و الثورة الشيوعية .
ماركسيّا ، الإشتراكيّة إذن مجتمع طبقي إنتقالي بين الرأسماليّة و الشيوعيّة و الشيوعيون و الشيوعيّات الحقيقيّين ليس هدفهم الأسمى الإشتراكية كمجتمع طبقي و إنّما هو تجاوز حتّى هذه الإشتراكية وليدة الثورة الإشتراكية الضرورية و المرغوب فيها ، نحو الشيوعية على الصعيد العالمي . على طول المرحلة الإشراكية الإنتقاليّة ، تظلّ هناك طبقات و يظلّ هناك صراع طبقي يتّخذ شكل صراع بين الطريق الرأسمالي من جهة ( و له قاعدته الماديّة و الفكريّة في المجتمع الإشتراكي ليس هنا مجال الخوض فيها ، و من يرنو لدراسة المسألة فعليه / عليها بكتاب بوب أفاكيان" المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " ، لا سيما الفصل المتعلّق بنظريّة و ممارسة مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا ، وهو متوفّر بالعربيّة بمكتبة موقع الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي ) و الطريق الإشتراكي الساعى إلى تخطّى بقايا الرأسماليّة و ما يفرزه المجتمع الإنتقالي في قاعدته الماديّة و الفكرية و محاصرة " الحق البرجوازي " في التوزيع إلى أبعد حدّ ممكن في كلّ مرّة ، و إلى بناء نمط إنتاج بملكيّة و علاقات إنتاج و علاقات توزيع تعالج تدريجيّا لكن بلا هوادة أهمّ التناقضات المولّدة للطبقات و المجتمع الطبقي و نقصد تلك بين العمّال و الفلاّحين و بين الأرياف و المدن و بين العمل الفكري و العمل اليدوي و بين النساء و الرجال .
و بالتالى ، تحتمل الإشتراكية بما هي مرحلة إنتقاليّة مديدة كما تبيّن ذلك التجربة التاريخيّة للثورة البروليتاريّة العالميّة و المجتمعات الإشتراكية لا سيما في الإتّحاد السوفياتي بين 1917 و 1956 و في الصين بين 1949 و 1976 و كما لخّص ذلك ماو تسى تونغ ، إمكانيّتين : التقدّم نحو الشيوعيّة و نقيضها إعادة تركيز الرأسماليّة . لهذا و لما تقدّم أعلاه ولأنّ الإشتراكية دولة طبقيّة و مرحلة إنتقاليّة في حين أنّ الشيوعيّة الهدف الأسمى مجتمع تكون فيه الطبقات و الدول قد إضمحلّت و يطبّق فيه " كلّ حسب حاجياته " تماما و على نطاق عالمي ، ينبغي على الشيوعيين و الشيوعيات الحقيقيين أن لا يكونوا إشتراكيين و إشتراكيات و إنّما ينبغي عليهم أن يكونوا شيوعيين و شيوعيات .
منذ تأسيس علم الشيوعيّة ، في " بيان الحزب الشيوعي " ، نقد مؤسّسو هذا العلم نقدا لاذعا ضروبا مختلفة من " الإشتراكيّة الرجعيّة " ؛ من " الإشتراكيّة الإقطاعيّة " إلى " الإشتراكيّة المحافظة أو البرجوازيّة " مرورا ب " الإشتراكيّة البرجوازيّة الصغيرة ". و أعلنا بلا مراء و لا لفّ و دوران : " إنّ الثورة الشيوعيّة تقطع من الأساس كلّ رابطة مع علاقات الملكيّة التقليديّة ، فلا عجب إذن إن هي قطعت بحزم أيضا ، أثناء تطوّرها ، كلّ رابطة مع الأفكار و الآراء التقليديّة ." و لاحقا ، طوّر ماركس ما أضحى الماويّون منذ عقود عدّة يطلقون عليه " الكلّ الأربعة " كتجسيد واضح و جلي لما تعنيه الثورة الشيوعية :
" هذه الإشتراكية إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتورية الطبقية للبروليتاريا كنقطة ضروريّة للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقيّة ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعيّة التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه ".
( كارل ماركس : " صراع الطبقات فى فرنسا من 1848 إلى 1850" ، ذكر فى الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، المجلّد 2 ، الصفحة 282 ).
و من اليسير على من لا ينظر من ثقب إبرة ، من اليسير على العين الفاحصة الناقدة و التي تتحلّى بالصرامة العلمية في البحث لتشعل شمعا للحقيقة و تفضح ما تظلّله شجرة الكذب أن ترصد أنّه على الصعيد العربي ، عقب خسارة الصين الماويّة كقلعة للثورة البروليتارية العالمية منذ أواسط سبعينات القرن الماضي و خضوعا لضغط الهجوم الإمبريالي - الرجعي على الشيوعية خاصة منذ أواخر ثمانينات القرن العشرين و تذبذب البرجوازية الصغيرة و تراجع تألّق و توهّج النضالات الثوريّة بقيادة شيوعية و تنامى القوى الفاشيّة ذات المرجعيّة الأصوليّة الدينيّة ، بات الكثير من الشيوعيين سابقا أو الشيوعيين قولا فحسب يحدّدون هويّتهم و غايتهم الأسمى على أنّها الإشتراكية و يحدّدون مرجعيتّهم على أنّها الإشتراكية العلمية أو البلشفيّة . و نظرا لكون مجال هذه المقدّمة لا يسمح بالتوغّل في نقاش تفاصيل و مراجع كلاسيكيّة و غير كلاسيكيّة ، نحيل القرّاء على جدالات شيّقة لناظم الماوي بهذا الصدد على صفحات الحوار المتمدّن و بمكتبته ، لا سيما منها تلك التي وردت في كتابه " نقد ماركسية سلامة كيلة إنطلاقا من شيوعية اليوم، الخلاصة الجديدة للشيوعية " و تحديدا في النقطة السادسة من الفصل الأوّل و عنوانها " خطّان متعارضان في فهم الإشتراكيّة " .
و في نفس السياق ، ينبغي على الشيوعيّين الحقيقيّين و الشيوعيّات الحقيقيّات ألاّ يكونوا ديمقراطيين برجوازيين فيصيروا من خدم الرجعيّة ، إصلاحيين يساعفون في تأبيد الوضع السائد فالديمقراطية البرجوازية في أفضل تجلّياتها في البلدان الإمبريالية أفضت تاريخيّا إلى الفظائع التي إرتكبتها القوى الإمبريالية في بلدانها و عالميّا و لا نظنّ أنّنا في حاجة إلى أمثلة و قرائن لإثبات ذلك فهي متوفّرة للعيان يوميّا ، لا بل كلّ ساعة من كلّ يوم عبر العالم قاطبة . هكذا كانت و لا تزال الديمقراطية البرجوازية في البلدان الإمبريالية فما بالك بها في المستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات حيث تتّخذ شكل ما يسمّيه البعض ديمقراطية الإستعمار الجديد . و يكفى الإلتفات يمنة و يسرة للتأكّد من تبعاتها على الجماهير الشعبيّة ، هذا طبعا إن لم نكن كالأعمى بعيون أمريكيّة أو عيون برجوازيّة كمبرادوريّة أو حتّى عيون برجوازيّة صغيرة. و عليه من أوكد واجباتنا الشيوعيّة أن نضع حدّا للهراء الخيالي عن " الديمقراطيّة الخالصة " و الشكلانيّة البرجوازيّة.
و لا ينبغي على الشيوعيّين و الشيوعيات الحقيقيين أن يكونوا ديمقراطيين و لا حتّى ديمقراطيين بروليتاريين فالديمقراطية طبقيّة دائما وهي شكل للدولة الطبقيّة التي يرمى المشروع الشيوعي إلى تجاوزها ببلوغ المجتمع الشيوعي الخالى من الطبقات حيث تضمحلّ الدولة كجهاز قمع طبقة أو طبقات لطبقة أو طبقات أخرى و قد أجلى لينين المسألة في مؤلّفه الذى تعرّض لتحريفات و تشويهات جمّة ، " الدولة و الثورة " . و مسألة الدولة مركزيّة في الصراع بين الماركسية الحقيقيّة و الماركسيّة الزائفة ( و غيرها من التيّارات الرجعيّة ) أو التحريفيّة . الديمقراطيّة شأنها شأن الإشتراكية شكل إنتقالي للحكم الطبقي حتّى و إن كانت شعبية أو بروليتاريّة و هي بالتأكيد ليست الغاية الأسمى للشيوعيين و الشيوعيّات و لا يجب أن تحلّ محلّ غايتهم الأسمى ، المجتمع الشيوعي على الصعيد العالمي .
و لزاما على الشيوعيين و الشيوعيات الحقيقيين أن يتركوا الضفّة الإصلاحيّة و ثلّة المثقّفين المنبهرين و المفتونين ب " الديمقراطيّة الخالصة " و الذين ما إنفكّوا يكيلون المدائح المرسلة لها مضلّلين الجماهير الشعبيّة ، و يعبروا إلى الضفّة الأخرى ، ضفّة الشيوعيّة الثوريّة كي يورق و يزهر الشجر و يرسخ علم الشيوعية كسلاح يقود تمكين الشعوب و على رأسها البروليتاريا و حزبها الشيوعي الثوري من صنع التاريخ و كسر الحجر، حجر الإستغلال و الإضطهاد الجاثم على صدر الغالبيّة الغالبة للإنسانيّة و خانق أنفاسها . لا ينبغي أن يغيب الهدف الأسمى الشيوعي عن أنظار الشيوعيات و الشيوعيين و لا لحظة واحدة ، ينبغي أن يكون حاضرا في برنامجهم الأقصى و إستراتيجيّتهم و سياساتهم و أشكال نضالهم و تنظيمهم كما يجب أن تخدم التكتيكات المتوخّات في نهاية المطاف هذا الهدف الأسمى ؛ لا يجب أن يبتلع التكتيك الإستراتيجيا نهائيّا . هدفنا الأسمى الشيوعي هو البوصلة التي إن أضعناها أضعنا الطريق المؤدّية إلى تحرير الإنسانيّة و تدحرجنا عن وعي أو لا وعي إلى الإنخراط في مشاريع إصلاحيّة من هذا الطراز أو ذاك.
و في مقال سابق لنا نشر كمقدّمة لكتابنا الثاني أو للعدد الثاني من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " المعنون ب" عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن ، عالم شيوعي ... فلنناضل من أجله !!! "( مكتبة الحوار المتمدّن ) ، شرحنا بإقتضاب إعتمادا على أمثلة ملموسة ثمّ لخّصنا كيف أنّ :
" المشاريع القومية و السلفية لم تحدث و لا تحدث قطيعة جذرية مع النظام الإمبريالي العالمي بل هي بدائله ( الأصوليون السلفيون ) أو هي قوى تتحّول تحت الضغط الإمبريالي و تصاعد النضال الشعبي من قوى وطنية إلى قوى برجوازية كمبرادورية تصبح جزءا لا يتجزأ من دولة الإستعمار الجديد فى أشباه المستعمرات . و مرّة أخرى تسطع حقيقة شدّد عليها ماو تسى تونغ منذ 1939 هي أن " الثورة البرجوازية القديمة قد دخلت حقيبة التاريخ . " فقد قال في " حول الديمقراطيّة الجديدة " :
" هنالك نوعين من الثورة العالمية : النوع الأوّل ينتسب إلى الثورة العالمية من النمط البرجوازي أو الرأسمالي . و لقد إنقضى عهده منذ زمن طويل ، إذ إنتهى حين إندلعت الحرب الإمبريالية العالمية الأولى عام 1914 ، و على وجه الدقّة منذ ثورة أكتوبر الروسية 1917 و حينذاك بدأ النوع الثاني ، ألا وهو الثورة العالمية الإشتراكية البروليتارية " .
و بناء على ما تقدّم ، في طيّاته يحمل هذا الكتاب الجديد بمناسبة الذكرى 160( 1848- 2018 ) لصدور " بيان الحزب الشيوعي " عنوانا معبّرا هو " دفاعا عن الشيوعيّة ..." و ليس دفاعا عن الإشتراكيّة سواء كرأسماليّة مقنّعة أم كمرحلة إنتقاليّة بين الرأسماليّة و الشيوعيّة ( أو كإشتراكيّة علميّة في تناقض مع الإشتراكية الطوباويّة ) . و فضلا عن ذلك ، إنطلاقا من العنوان ، لا يتعلّق الأمر بالشيوعيّة كقناع يتقنّع به محرّفو علم الشيوعيّة ، التحريفيّون بشتّى مشاربهم ، في الوقت الذى يفرغونها من مضامينها و أساليبها الثوريّة ليحشوها حشوا بالفعل بأرهاط من الإصلاحيّة و الديمقراطية البرجوازية الإمبريالية أو الإستعماريّة و الشوفينيّة القوميّة.
الماركسيّة أو الشيوعيّة كعلم ثوريّة كما يتبيّن ذلك منذ " بيان الحزب الشيوعي " ذاته فهي مرّة أخرى " تقطع من الأساس كلّ رابطة مع علاقات الملكيّة التقليديّة ، فلا عجب إذن إن هي قطعت بحزم أيضا ، أثناء تطوّرها ، كلّ رابطة مع الأفكار و الآراء التقليديّة ."
و من هنا يفهم لماذا لم نكتف في العنوان بالدفاع فحسب عن الشيوعيّة التي تعرّضت لإفتراءات و تشويهات جمّة على يد الإمبرياليين و الرجعيين و التحريفيين عبر العالم قاطبة ، بل أضفنا إليها نعت الثوريّة . قبل سنوات و عند إلقاء نظرة على بعض صفحات شبكة التواصل الاجتماعي ، إستوقفتنا جملة خطّها على صورة حسابه الفيسبوكي ناشط على الفايسبوك آنذاك لا ننسى فضله في المساهمة في التعريف بمقالاتنا و كتبنا ، ألا وهي جملة " الماركسيّة ثوريّة أو لا تكون " ما يفيد قنصه لحقيقة عميقة غاية العمق ففعلا هي كذلك ؛ الشيوعيّة ثوريّة أو لا تكون ، ثوريّة أو تتحوّل إلى مسخ من الإيديولوجيا المشوّهة التي تنضاف إلى ترسانة الرجعيّة العالميّة في تأبيد النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي و تأبيد إضطهاد و إستغلال الطبقات الشعبيّة المشكّلة لغالبيّة الإنسانيّة و سحقها .
و لأنّ التحريفيّة نقيض للشيوعية الثوريّة وهي كإنحراف يميني بمعنى ما ملازمة للشيوعيّة كعلم ، يترتّب على الشيوعيين و الشيوعيات الحقيقيين مقاتلتها بلا هوادة و إلاّ سقطوا في أحابيلها و أمسوا عن وعي أو عن غير وعي من أعداء الشيوعيّة الثوريّة و خدما للإمبريالية و الرجعيّة بشكل من الأشكال . و يساوى عدم تولّى النهوض بواجب الدفاع عن الشيوعيّة الثوريّة و نقد التحريفيّة الإلتحاق آجلا أم عاجلا و أردنا ذلك أم أبينا ، بأعداء القيام بالثورة الشيوعيّة و تحرير الإنسانيّة و الهدف الأسمى الشيوعية على الصعيد العالمي .
و لم يقف العنوان عند الدفاع عن الشيوعيّة الثوريّة فحسب بل تعدّاه إلى الدفاع عن تطويرها . و هنا نسلّط الضوء على نقيض آخر ملازم أيضا للشيوعيّة كعلم ألا وهو الدغمائيّة أو الجمود العقائدي بما هي إنحراف يساري قد يتحوّل و قد تحوّل في أحيان كثيرة إلى تحريفية أو دغمائيّة تحريفيّة . فهي تنظر إلى الشيوعيّة على أنّها قالب جامد بينما علم الشيوعية ككلّ علم يتطوّر بنقد ذاته و بتطوّر ممارسته و تطبيقه و بالتفاعل مع المستجدّات في شتّى الحقول و بالإكتشافات في مختلف مجالات الإنسانيّة الأخرى . و لطالما صارع الماركسيّون – اللينينيّون – الماويّون في العقود الأخيرة الدغمائيّين من مدعى الشيوعيّة الذين جعلوا من ستالين أيقونة لا تقبل النقد و من تجربة البلاشفة نموذجا لا يطاله إعمال الفكر النقدي و بجرّة قلم ألغوا التجربة الإشتراكية في الصين الماويّة إلخ و كان على رأس هؤلاء الخوجيون بمختلف ألوانهم . و يحنّط الدغمائيّون التحريفيّون الخوجيّون تجربة البروليتاريا العالميّة في الإتّحاد السوفياتي فلا يجرون التقييم الضروري بالتحليل و التلخيص العلميين لإبراز المكاسب و الدفاع عنها دفاعا مبدئيّا و صلبا و مصمّما و كشف الأخطاء و نقدها و فهم منابعها و إنعكاساتها و طرح تجاوزها لإنجاز ما هو أفضل مستقبلا . و بهكذا سلوك يقف هؤلاء الدغمائيّين ضد لينين و ستالين ذاتهما و المنهج الجدلي و تطبيق التقييم العلمي كما يقفون صراحة ضد ما نادى به ماركس عندما صرّح بأنّ الثورات الإشتراكيّة " تنتقد ذاتها على الدوام ، و تقاطع نفسها بصورة متواصلة أثناء سيرها ، و تعود ثانية إلى ما بدا أنّها أنجزته لتبدأ فيه من جديد ، و تسخر من نواقص محاولاتها الأولى و نقاط ضعفها و تفاهاتها بإستقصاء لا رحمة فيه ، و يبدو أنّها تطرح عدوّها أرضا لا لشيء إلاّ ليتمكّن من أن يستمدّ قوّة جديدة من الأرض و ينهض ثانية أمامها وهو أشدّ عتوّا ، و تنكص المرّة تلو المرّة أمام ما تتصف به أهدافها من ضخامة غير واضحة المعالم ، و ذلك إلى أن ينشأ وضع جديد يجعل أي رجوع إلى الوراء مستحيلا و تصرخ الحياة نفسها قائلة بصرامة : هنا الوردة ، فلترقص هنا ! "
( كارل ماركس ، " الثامن عشر من برومير لويس بونابرت " )
و غالبا ما يرفع الدغمائيّون ( و التحريفيّون ) الأخطاء المقترفة لنقص في فهم و تطبيق المنهج المادي الجدلي أو في التجربة أو لظروف تاريخيّة ، إلى مبادئ مناهضة لأهمّ المكاسب التاريخيّة و القطيعة مع الأخطاء و الإضافات والتطويرات الحاسمة للشيوعيّة الثوريّة التي ليس بوسعها كعلم و ككلّ علم إلاّ أن تتطوّر و إلاّ سيتهدّدها الموت و ستعاجلها المنيّة . و في الواقع الموضوعي للصراع الطبقي ، شاهدنا تحوّل الكثير من هؤلا الدغمائيّين إيديولوجيّا من الإنحراف اليساري إلى الإنحراف اليميني أي إلى التحريفيّة و سياسيّا إلى الإصلاحيّة متبنّين بدلا من الشيوعيّة الثوريّة و عمليّا مكرّسين أشخاصا و منظّمات و أحزاب الديمقراطيّة البرجوازيّة و منافحين بشكل أو آخر عن الإمبرياليّة و الرجعيّة و تأبيد الوضع السائد الساحق للطبقات الشعبيّة و مثل هؤلاء مبثوثون في الأقطار العربيّة و عبر العالم بأسره و يمثّلون الخطّ السائد صلب الحركة الشيوعيّة العالميّة .
و لسوء الحظّ ، نخر مرض الدغمائيّة المناهضة لتطوير علم الثورة البروليتارية العالميّة ، الماركسية – اللينينية – الماويّة ، صفوف حتّى الماويين عالميّا إذ إنبرى منذ سنوات الآن قسم منهم ليوقف تطوّر هذا العلم عند التجربة الماويّة في الصين و يناهض إضافات الشيوعيين الثوريين عبر العالم منذ أواسط السبعينات ، عقب وفاة ماو و حدوث الإنقلاب التحريفي و إستيلاء البرجوازيّة الجديدة على مقاليد الحكم هناك بصعود التحريفيّة إلى السلطة و مضيّها في إعادة تركيز الرأسماليّة هناك . و الأدهى أنّهم لم ينجزوا التقييم العلمي المطلوب ، من منظور شيوعي ثوري ، لتلك التجربة و طفقوا يعلون راية حتّى ما تبيّن بحكم تطوّر الأحداث و الواقع أو بالتحليل العلمي و المبدئي أنّها أخطاء و رفعوها هم أيضا إلى مصاف المبادئ فألحقوا ضررا ما بعده ضرر بالشيوعية الثوريّة ذاتها .
و قد أفرز إنقسام الماويّة على إثنين بروز أشخاص و منظّمات و أحزاب تكتّلت حول الخلاصة الجديدة للشيوعيّة التي صارت معروفة كذلك بالشيوعيّة الجديدة و بوب أفاكيان رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة مهندسها . و بإعتبار نشرنا سابقا لعديد الوثائق المتّصلة بهذه الشيوعية الجديدة و بالصراعات حولها ، نكتفى هنا بالدعوة بإلحاح للإنكباب على دراسة هذه الخلاصة الجديدة للشيوعيّة و الصراع حولها دراسة جدّية فنحن ندرك و نلمس فعلا حقيقة موضوعيّة هي أنّ الشيوعية في مفترق طرق و أنّ الرهان ليس أقلّ من مستقبل الشيوعيّة الثوريّة عالميّا .
و ما نخطّه هنا ليس البتّة مجرد كلام على كلام و قول يحاذى القول و إنّما هو قبل كلّ شيء سواه صدى لحقائق كشف النقاب عنها و أمسك بها كما يمسك بالجمر معلّمو البروليتاريا العالمية منذ عقود و من واجب الشيوعيين و الشيوعيّات إدراكها و إستيعابها و النضال إنطلاقا منها و على أساسها في سبيل تغيير العالم تغييرا شيوعيّا ثوريّا . و حسبنا هنا أن نذكّر بأنّ ماركس بعدُ في " الثامن عشر من برومير لويس بونابرت " قد أعلن أنّه على الثورات القادمة - القرن التاسع عشر قال ، و نحن الآن في القرن الواحد و العشرين ! - أن ترفع النظر و لا تخفضه ، أن ترفعه و تستلهم ليس من الماضي الذى يجب أن تقضي على كلّ " إحترام خرافي " له و إنّما من " المستقبل فحسب ". و في عصرنا هذا ، عصر الإمبرياليّة و الثورة الإشتراكية ، مفاد ذلك ليس تخلّى الشيوعيين و الشيوعيّات عن تراث الحركة الشيوعية العالمية الذى يمثّل المستقبل الذى مني بالهزيمة المؤقّتة في صراعه المرير و حربه المديدة مع الماضى كما ألمح إلى ذلك ماركس في إستشهاد من الإستشهادات أعلاه ، و هذا التراث البروليتاري الثوري ينبغي أن يدرس و أن تستخلص منه الدروس و العبر لإنجاز ما أفضل في قادم الثورات الشيوعية ؛ مفاده هو كما قال ماو تسى تونغ في ما مرّ بنا أنّ الثورات البرجوازيّة القديمة فات أوانها ( الديمقراطية الإشتراكية و الديمقراطيّة البرجوازيّة فات أوانهما فما بالك بالقوميّة و الأصوليّة ! ) و أنّ المستقبل تجسّده الثورة الديمقراطية الجديدة بقيادة البروليتاريا و حزبها الشيوعي الثوري في المستعمرات و المستعمرات الجدية و أشباه المستعمرات كتيّار من تيّاري الثورة البروليتاريّة العالمية و التيّار الآخر هو الثورات الإشتراكية في البلدان الرأسماليّة – الإمبرياليّة .
جاء على لسان ماركس منذ 1852 ، في مؤلَّفه الآنف الذكر ( الصفحة 155 من ، ماركس و إنجلس " مختارات في أربعة أجزاء "، الجزء الأوّل ، الطبعة العربيّة دار التقدّم ، موسكو ) :
" إنّ ثورة القرن التاسع عشر الإجتماعيّة لا يسعها أن تستمدّ أشعارها من الماضي بل من المستقبل فحسب . إنّها لا تستطيع أن تبدأ بتنفيذ مهمّتها قبل أن تقضي على كلّ إحترام خرافي للماضي . لقد كانت الثورات السابقة في حاجة إلى إستعادة ذكريات ما مضى من حوادث تاريخ العالم لكي تخدع نفسها بشأن محتواها هي بالذات ، أمّا ثورة القرن التاسع عشر فيترتّب عليها لكي تستوضح لنفسها محتواها الخاص أن تدع الموتى يدفنون موتاهم ".
و كرّس إنجلز و لينين و ستالين هذا التوجّه الماركسي الشيوعي الثوري الذى أعطى أكله تقدّما لا بل منعرجا عاصفا في تاريخ الإنسانيّة بمكاسبه العظيمة وهي جانبه الرئيسي و بنقائصه و هناته و أخطائه وهي جانبه الثانوي . و صدح ماوتسى تونغ مواصلا السير على خطاهم المبدئيّة بحقيقة ساطعة حمل وزرها على أكتافه و سعى طاقته و رفاقه و رفيقاته من جميع أصقاع العالم ، و ما فتأ يدعو و ما فتئوا يدعون ، إلى تكريسها عمليّا ألا وهي " الماركسية لا بدّ أن تتقدّم ، و لا بدّ أن تتطوّر مع تطوّر التطبيق العملى و لا يمكنها أن تكفّ عن التقدّم . فإذا توقّفت عن التقدّم و ظلّت كما هي فى مكانها جامدة لا تتطوّر فقدت حياتها " .
( ماو تسي تونغ ، " خطاب فى المؤتمر الوطنى للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية " 12 مارس/ أذار 1957 " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، ص21-22 )
و ينطوى العنوان الفرعي لكتابنا هذا على تحديد دقيق لمن يتمّ الجدال ضدّهم و هم مفكّرون جلّهم أكاديميّون يزعم بعضهم صراحة مناهضة الرأسماليّة و حتّى أحيانا تبنّى الشيوعية و منهم من ناضل في ماضي الأيّام في صفوف الماويين ( مثلا ، ألان باديو الفرنسيّ ) فيما هم يعرضون على القرّاء منظومات أفكار ضارة في جوهرها معادية للشيوعيّة الثوريّة كما يكشف ذلك النقاش العميق و الحيوي لأمّهات أطروحاتهم .
و في مناسبات متفرّقة ، قد تولّى مسؤوليّة خوض هذا الحانب من المعركة الإيديولوجيّة الضروريّة و فضح لبّ هذه الأطروحات المشوّهة للشيوعيّة الثوريّة ، الأطروحات " الشيوعيّة دون ثورة " و الموضوعات الخافضة للنظر و التي لا تمثّل أصلا بديلا للرأسماليّة و لا تستهدف " إلغاء نظام العمل المأجور " و المشوّهة لجوهر الماويّة و المتنكّرة لتطوير علم الشيوعيّة إلخ ، تولّى هذه المسؤوليّة الجسيمة أساسا ( بمعيّة نايى دنيا في الكتاب المفرد لنقد أفكار ألان باديو ) منظّران شيوعيّان معروفان في الأوساط الماوية العالميّة من أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية أو الشيوعيّة الجديدة و هما كلّ من ك. ج. أ. و ريموند لوتا . و الأوّل ، ك. ج. أ، حسب موقع مجلّة " تمايزات " ، مجلّة الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة و رابطها على الأنترنت تعثرون عليه في ثنايا هذا الكتاب ، كاتب يساهم بمقالات عميقة و طويلة نسبيّا بمفرده أو بالتعاون مع غيره في أعداد المجلّة ( ساهم في العدد الأوّل و الثاني و الرابع بمقالات قيّمة ) و قد ترجمنا له و نشرنا مقال خطّه بمعيّة إشاك باران هو " آجيث – صورة لبقايا الماضي " ضمن كتابنا " من ردود أنصر الخلاصة الجديدة للشيوعية على مقال " ضد الأفاكيانيّة " لآجيث ".
أمّا ريموند لوتا فقد أنف لنا ترجمة أعمال له و نشرها و جاء فى التعريف المقتضب به في مقدّمة كتاب " عن بوب أفاكيان و أهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعية تحدّث قادة من الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة " :
" أمّا ريموند لوتا فلا شكّ فى أنّ المطّلعين على ما أصدرنا من كتب قد عرفوه لا سيما و قد إنطوى الكتاب 23 على حواره الصحفي المعنون " لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم " تعرفون " ... الثورة الشيوعية و الطريق الحقيقي للتحرير : تاريخها و مستقبلنا ". و ريموند لوتا عالم إقتصاد ألّف المقالات فى هذا المجال منذ سبعينات القرن العشرين و مثال ذلك مقال " حول الرؤية المنشفيّة للأزمة : الرأسمالية تعمل فى النهاية " المتوفّر على الرابط التالي :
http://bannedthought.net/USA/RCP/TheCommunist/TheCommunist-RCP-04-Summer-Fall1978.pdf
و ساهم بمقالات فى مجلّة الحركة الأممية الثوريّة " عالم نربحه " منها مثلا :
- " عن ديناميكيّة الإمبريالية و عرقلة التطوّر الإجتماعي "
http://bannedthought.net/International/RIM/AWTW/1985-2/index.htm
- " التمرّد فى الصين : أزمة التحريفية ...أو لماذا كان ماو تسى تونغ على صواب "
http://bannedthought.net/International/RIM/AWTW/1989-14/AWTW-14-ChinaCrisis-
وهو صاحب كتاب " إنهيار أمريكا " ألّفه بمعيّة فرانك شانون و كتاب " و خامسهم ماو " و له مقالات لا تحصى و لا تعدّ عن الإشتراكية والتخطيط و العولمة إلخ و من أهمّ نصوص محاضراته التى نشرنا نصّ محاضرة " الإشتراكية أفضل من الرأسمالية و الشيوعية ستكون أفضل حتى ! " ( " الماوية : نظريّة و ممارسة " عدد 2 - عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن ، عالم شيوعي ... فلنناضل من أجله !!! ) . و لأكثر من عقد من الزمن الآن ، صار مشرفا أيضا على مشروع " وضع الأمور فى نصابها " أي الدفاع عن الشيوعية فى وجه الهجمات الرجعيّة والإمبريالية و توضيح الحقائق و المكاسب التاريخية – وهي الرئيسيّة – فى تراث البروليتاريا العالمي و تجاربها الإشتراكية السابقة و نقد بعض الأخطاء متّبعا فى ذلك كما يقول هو نفسه قيادة بوب أفاكيان و مطبّقا ما توصّلت إليه الخلاصة الجديدة للشيوعية . و موقع إنترنت " هذه هي الشيوعية " يشهد بذلك :
www.thisiscommunism.org " .
و متّبعين في عرض النصوص المستقاة من مجلّة " عالم نربحه " مجلّة الحركة الأممية الثوريّة كمنظّمة عالميّة وحّدت إلى 2006 أهمّ الأحزاب و المنظّمات الماويّة في العالم ، أو من مجلّة الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة " تمايزات " أو من جريدة هذا الحزب عينه " العامل الثوري " التي صارت منذ 2005 تحمل إسم " الثورة " ، ترتيبا تاريخيّا . و مهّدنا لجدالات هذا المصنّف الجديد الدسمة بفصل أوّل يعاد فيه التذكير بقصّة " بيان الحزب الشيوعي" و نقاطه المحوريّة التي لا تزال تشكّل منارات لمن يتطلّع لإدراك أوجه من جوهر المشروع الشيوعي الثوريّ . و قد شملت النقاشات التي تستدعى لا محالة القراءة و التفحّص بتؤدة و تمعّن و التأملّ مليّا و التحلّى بالفكر النقديّ قضايا إيديولوجيّة منها و سياسيّة عدّة في غاية الأهمّية تتعلّق بالتغيّرات التي طرأت على الواقع الموضوعي و بالتجربة التاريخيّة للحركة الشيوعيّة العالميّة و بماهيّة الماويّة و إنقسامها إلى إثنين و نحو ذلك مثلما يمكن للقرّاء تبيّن هذا حتّى من نظرة أولى على محتويات هذا المصنّف .
و محتويات هذا الكتاب 29 ، أو العدد 29 من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " إضافة إلى هذه المقدّمة :
1- الفصل الأوّل : لا يزال " بيان الحزب الشيوعي " صحيحا و خطيرا و أمل الذين لا أمل لهم
-1- قصّة " بيان الحزب الشيوعي "
- منظّمة شيوعيّة جديدة ، بيان شيوعي جديد
سلاح لخوض النضال -
بيان من أجل حركة عالميّة جديدة -
-2- " بيان الحزب الشيوعي " اليوم لا يزال صحيحا و لا يزال خطيرا و لا يزال أمل الذين لا أمل لهم
- وثيقة تغيّر التاريخ
- ماركس بشأن صعود البرجوازية و مهمّتها
- الرأسماليّة اليوم
- عالم مغاير ممكن
- النظرة الشيوعية
- معالم ثلاث لقضيّتنا
- الثورة الثقافيّة تكتسح أرضا جديدة
- إمتلاك أفق تاريخي
2- الفصل الثاني : حول " الإمبراطوريّة " : الشيوعية الثوريّة أم " الشيوعية " دون ثورة ؟
I- الإمبريالية أم " الإمبراطوريّة " ؟
II ـ ما هي الرأسماليّة ؟
- ما الذى يدفع الإمبريالية إلى الأمام ؟
- قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج
- ما الذى يدفع ماذا ؟
- إعادة إحياء نظريّة روزا لكسمبورغ
- سيادة وحيدة ؟
III- التحرّر الوطني و الدولة
- الإمبرياليّة و أنماط الإنتاج ما قبل الرأسماليّة
- التحرّر الوطني ـ لا يزال مهمّة من مهام البروليتاريا
- تواصل أهمّية الفلاّحين و المسألة الزراعيّة
– قانون القيمة و " العمل غير المادي " IV
- تحليل طبقي مضطرب
- أجر مضمون إجتماعيّا
V – الديمقراطية و الفوضويّة و الشيوعيّة
- الديمقراطية و الحكم الطبقي
- إضمحلال الدولة ... في ظلّ الرأسماليّة !
3- الفصل الثالث : ألان باديو و دكتاتورية البروليتاريا أو لماذا يساوى نبذ " إطار الدولة - الحزب " نبذا للثورة
- لماذا تصلح الدولة الإشتراكية وكيف ستضمحلّ و لماذا ينتهى ألان باديو إلى جانب الدولة البرجوازية I
1- ملاحظة سريعة عن الفلسفة
2- ألان باديو لاطبقية الدولة و الشكلانية
- الحزب فى المجتمع الإشتراكي : " غير ملائم " أم وسيلة للتحرير ؟II
1- مرّة أخرى عن روسو و التمثيليّة
2- " الخضوع البيروقراطي اللاطبقي " أم مرّة أخرى ، هل الخطّ هو الحاسم ؟
3- القيادة الشيوعية المؤسساتيّة و تناقض القادة – المقادين و رأي الخلاصة الجديدة بهذا الصدد
4- الفصل الرابع : القدح في الشيوعية و التزلّف للإمبريالية - تزييف سلافوج تزتزاك للحقائق و جلبه العار لنفسه
- تحدّيات حقيقيّة و بدائل حقيقيّة و مسؤوليّات حقيقيّة I
II- يرفض الخوض في الخلاصة الجديدة للشيوعية لبوب أفاكيان بينما يهاجمها هجوما غير مسؤول
III – مناهضة مسعورة للشيوعيّة تلبس قناع التفكير الجديد
IV – موقف تزتزاك المعادي لمناهضة الإمبرياليّة
- خاتمة : تصفية حساب و دعوة إلى نقاش جريئ و صريح V
- ملحق : سلافوج تزتزاك أحمق متعجرف يتسبّب في ضرر كبير
5- الفصل الخامس: فهم الماويّة فهما علميّا و الدفاع عنها بصلابة و تطويرها ، بهدف بلوغ مرحلة جديدة من الشيوعية : أفكار جداليّة حول مقال برنار دى مالو " ما هي الماويّة ؟ "
مفهوم دى مالو للماويّة :
نهاية مرحلة و بداية مرحلة جديدة :
الديمقراطيّة الراديكاليّة أم الشيوعيّة العلميّة :
المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ :
الصراع من أجل الدفاع عن ماو تسى تونغ و إرساء أرضيّة مزيد التقدّم :
ماو ( و ماركس ) ك " ديمقراطيّين راديكاليّين " :
الخلط بين الشيوعيّة و الديمقراطيّة :
تجاهل دروس الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى :
الثورة الوطنيّة الديمقراطيّة :
ما معنى القيادة البروليتاريّة ؟
ماركسيّة العالم الثالث ؟
الخطّ الجماهيري :
" الممارسة معيار الحقيقة " :
ملاحظات نهائيّة :
-+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++-

الفصل الثالث :
ألان باديو و دكتاتورية البروليتاريا أو لماذا يساوى نبذ " إطار الدولة – الحزب " نبذا للثورة
---------------------------------------------------------------------------------------------
ألان باديو و دكتاتورية البروليتاريا أو لماذا يساوى نبذ " إطار الدولة – الحزب " نبذا للثورة :
الفصل الثالث من :
" سياسة التحرير " لألان باديو شيوعية أسيرة حدود العالم البرجوازي
بقلم : ريموند لوتا ، نايي دونيا و ك. ج . أي
(مجلّة " تمايزات " عدد 1 ، نهاية صائفة 2009 ؛ مجلة الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية )
www.demarcations-journal.org
محتويات البحث :
مقدمة :
1- لحظة تاريخية
2- مشروع باديو السياسي
3- الأطروحات الجوهرية
الفصل الأوّل : لماذا ألان باديو من أتباع روسو و لماذا لا يجب أن نكون كذلك :
- مقدّمة : إطاران مختلفان و مشروعان مختلفانI
- البقاء ضمن إطار المساواة أم تجاوز الأفق الضّق للحق البرجوازي ؟ II
1- روسو كمفكّر للثورة البرجوازية
أ- العقد الإجتماعي أم التركيبة الإجتماعية البرجوازية ؟
ب- تحسين المساواة أم تجاوزها ؟
2- ألان باديو يقدّم قراءة تشوّه الثورة الفرنسيّة
3- ألان باديو يجعل المساواة ذاتيّة
4- كيف تتخطّى الشيوعيّة المساواة و لماذا يجب أن تفعل ذلك
ملاحظة أخيرة : كلمات مقتضبة عن منهج باديو و الشيوعيّة ك " فكرة تعديل " كانطية
الفصل الثاني : سياسة ما بعد ماركسيّة تبحث عن موضوع ، عن طبقة :
- التخلّى عن التحليل الطبقي يعنى التخلّى عن الجماهير لصالح البرجوازية I
- باديو و " الموضوع الثوري " بالنسبة لماركس : II
1- الموضوع الثوري : الخصوصية و العمومية / الشمولية
- تغيّر العالم لكن نحتاج أكثر و ليس أقلّ إلى الثورة البروليتارية :III
1- " هو النزاع النهائي ..." أم " هو التوافق النهائي " ؟
الفصل الثالث : ألان باديو و دكتاتورية البروليتاريا أو لماذا يساوى نبذ " إطار الدولة – الحزب " نبذا للثورة :
مقدّمة :
- لماذا تصلح الدولة الإشتراكية وكيف ستضمحلّ و لماذا ينتهى ألان باديو إلى جانب الدولة البرجوازية I
1- ملاحظة سريعة عن الفلسفة
2- ألان باديو لاطبقية الدولة و الشكلانية
- الحزب فى المجتمع الإشتراكي : " غير ملائم " أم وسيلة للتحرير ؟II
1- مرّة أخرى عن روسو و التمثيليّة
2- " الخضوع البيروقراطي اللاطبقي " أم مرّة أخرى ، هل الخطّ هو الحاسم ؟
3- القيادة الشيوعية المؤسساتيّة و تناقض القادة – المقادين و رأي الخلاصة الجديدة بهذا الصدد
الفصل الرابع : إعادة قراءة الثورة الثقافيّة من أجل قبر الثورة الثقافيّة :
مقدمة :
- ألان باديو يريد ثورة ثقافية مختلفة... ضد الحزب الشيوعي :I
1- لمحة مقتضبة عن ستالين : مثالية باديو مقابل التقييم العلمي لماو
2- الدكتاتورية الطبقيّة أم إحتكار الحزب
3- خاتمة .
- كمونة شنغاي سنة 1967 :II
1- بعض الخلفيّة التاريخيّة
2- كمونة شنغاي : ظهورها و مبادؤها
3- نقد ماو الثوري لكمونة شنغاي ؛ تشويهات باديو و مثاليّته
4- " مَثَل المساواة " لدي باديو يوفّق بين التناقضات الطبقيّة و لا يستطيع أن يتخطّى المصلحة الخاصة
5- تلخيص : تغيير العالم أم التكتّل على الهوامش
الفصل الخامس : سياسة تحرير خاطئة : التصالح مع الدولة بينما يتمّ إنتظار " الحدث " بسلبية :
- " السياسة على مسافة من الدولة " أم القبول بإملاءات السلطة البرجوازية ؟I
1- مرّة أخرى ، بالنسبة لباديو الخطّ لا يهمّ ، و أي نوع من " الإستقلاليّة " و الحكم الذاتي " ؟
2- مناطق الإرتكاز الماويّة والسوفياتات : " على مسافة من الدولة " أم موجّهة نحو سلطة دولة جديدة ؟
3- مسار إصلاحيّة و إشتراكيّة – شوفينيّة
- ألان باديو و " الحدث " – قطيعة راديكالية أم تذيّل ( ليس جدّ ) راديكالي للعفويّة ؟ II
1- حدث باديو كفرصة خالصة
2- السلبيّة و العفويّة مقابل التسريع بينما يتمّ الإنتظار : العومل الموضوعيّة و الذاتيّة
3- ماي 1968 : ماذا كان و ماذا كان يمكن أن يكون
4- أكتوبر 1917 و ماي 1968 : الدور الحيوي للقيادة
ملاحظة أخيرة عن الفلسفة
خاتمة .

المقدّمة [ مقدّمة البحث ] :
يجلب ألان باديو قدرا كبيرا من الإنتباه لدي بعض الأوساط التقدّمية والراديكاليّة ، الأكاديميّة و أبعد منها . و كفيلسوف و منظّر إجتماعي ، يعتبر " سياسيّا واضح الرؤية و مجادلا جسورا " يضع " مفاهيم الحقيقة و العمومية من جديد على الأجندا " .(1)
و تنبع الفلسفة السياسيّة لباديو من تلخيصه للثورات و المحاولات الماضية للتغيير الجذري الذى ركّز الثورة الثقافيّة فى الصين . و قد ألهمه التمرّد الجماهيري فى ماي 1968 فى موطنه فرنسا ، و هو لا يزال وفيّا لروحه ، يواصل باديو فضح الإنتخابات والبرلمانات . فى لحظة خفض الأفاق الحاد فى ما يتّصل بإمكانيّة و مرغوبيّة تغيير جذري ، يأتى باديو كشخص ينقذ " الشيوعيّة " بالحطّ من تجارب و نظريّات الثورات الماضية و الدول الإشتراكيّة و الأحزاب [ الشيوعية ] و عوض ذلك يصوغ " سياسة تحرير " تنعت بالراديكاليّة وبالجديدة راديكاليّا .
فى هذا الجدال ، سنتفحّص المشروع السياسي لباديو . ونسأل طواله ، " هل سيؤدّى هذا إلى التحرير ؟ ". و جوابنا هو لن يؤدّي و لا يمكنه أن يؤدّي إلى التحرير. و فيما يلى تحليل و محاججة توضّح لماذا ذلك كذلك .
اللحظة التاريخيّة :
أفاق ألان باديو وموقفه جزء من مسار إيديولوجي و سياسي لزمننا – إجابة على لحظة تاريخية .
الشيوعية والمشروع الشيوعي فى مفترق طرق .
مع إعادة تركيز الرأسماليّة فى الصين فى 1976 ، بلغت الموجة الأولى من الثورات و المجتمعات الإشتراكية التى بدأت مع كمونة باريس التى لم تعمّر طويلا فى 1871 و الثورة الروسية فى 1917 ، بلغت نهايتها . نهاية المرحلة الأولى من الثورات الإشتراكية التى نجم عنها ما يمكن وصفه ب 30 سنة من الثورة المضادة ، إلى جانب تغيّرات واسعة النطاق فى العالم ، يثير مسائلا و يطرح مهاما ضخمة بحجم الجبال . إنّه يطرح تحدّيات عالميّة – تاريخيّة أمام الحركة الشيوعيّة و غيرها ممّن يعتبرون أنفسهم مساندين بصورة كبيرة لمشروع تحرير الإنسانيّة هذا .
ما هي الدروس الصحيحة والخاطئة التى يجب إستخلاصها من التجربة الغنيّة للموجة الأولى من الثورات الإشتراكيّة ؟ ما هو الإطار النظري للمرحلة الجديدة للشيوعيّة للمُضي قُدما بهذا المشروع لتحرير الإنسانيّة ؟ هل ان ّ الماركسية – الشيوعية – لا تزال صالحة كعلم ؟ بالمعنى الأكثر جوهريّة تتلخّص المسألة فى : هل يمكن أن نقوم بثورة فى عالم اليوم ، ثورة شيوعيّة تحريريّة أصيلة – أم هل أنّ ذلك ما عاد ممكنا أو حتّى مرغوبا فيه ؟
مثلما جرى وصف ذلك فى " الشيوعية : بداية مرحلة جديد ، بيان للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " ، هناك أجوبة ثلاثة أساسيّة عن هذه اللحظة [ التاريخية ](2) :
أوّلا ، هناك الذين لا يملكون مقاربة نقديّة لتجربة و نظريّة الموجة الأولى من الثورات الإشتراكيّة للقرن العشرين ، لكلّ من الخطوات المتقدّمة و المشاكل و النواقص ، لكنّهم يغلقون الأبواب و لا يمضون إلى الأمام . و يصف بيان الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة الخطّ ضمن هؤلاء ، " من الشائع وجود ظاهرة التأكيد على " الحقيقة الطبقية "(3) و تحويل الشيء الداخل فى الذهن إلى شيء خارج الذهن بالنسبة للبروليتاريا المرتبطة بها وعموما نظرة للنظريّة و المبادئ الشيوعيّة كنوع من الدوغما ، قريب من التعاليم الدينيّة ، و جوهريّا " نعرف كلّ ما نحتاج إليه ، لدينا جميع المبادئ المطلوبة ويتعلّق الأمر فقط بتنفيذ الحكمة الموروثة ".
ثانيا ، هناك الذين يرفضون التحليل العلمي لتناقضات المرحلة الإنتقاليّة الإشتراكيّة و ينأون بأنفسهم عن الإختراقات التى لم يسبق لها نظير فى تحرير الإنسانيّة و التى تمثّلها الثورتان البلشفيّة و الصينيّة . إنّهم يوجّهون نظرهم للإستلهام و التوجّه حتّى إلى الوراء أكثر – إلى القرن 18 و المدعاة مثلا ديمقراطية و مساواة و النماذج الإجتماعيّة للحقبة البرجوازيّة ، إلى فلاسفة مثل جون جاك روسو و إيمانويل كانط و إلى المنظّرين السياسيّين مثل توماس جيفرسون . فى بعض الحالات ، يستبعدون حتّى مصطلح الشيوعيّة ، و فى حالات أخرى ، يلصقون نعت " الشيوعيّة " بمشروع سياسيّ يضع نفسه بصلابة ضمن حدود مبادئ الديمقراطية البرجوازية .
ثالثا ، هناك ما قام و يقوم به بوب أفاكيان . إنّه ليس قائد الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ، الذى يضع عينيه على الإفتكاك الثوري للسلطة والتغيير الجذري للمجتمع و حسب ، بل هو أيضا منظرّ ذو رؤية ثاقبة . فمنذ هزيمة الثورة الصينية سنة 1976 ، كرّس نفسه لتحدّيات القيام بالثورة فى عالم اليوم ، منطلقا من فهم أنّ الثورة الشيوعية هي الطريق الوحيد للتقدّم و الخروج من جنون النظام الإجتماعي القائم على هذا الكوكب و فظائعه . لقد كان بوب أفاكيان " يتعلّم من التجربة التاريخيّة الثريّة منذ زمن ماركس ، مدافعا عن الأهداف و المبادئ الجوهريّة للشيوعيّة ، التى ثبت أنّها صحيحة أساسا ، وناقدا ونابذا المظاهر التى ثبت أنّها خاطئة أو لم تعد قابلة للتطبيق ومؤسّسا شيوعيّة على أساس علمي أتمّ و أصلب . " (4) و قد تصدّى للهجوم الرجعيّ و رفع راية الإختراقات الخارقة للعادة للثورة الروسية ( 1917-1956) و الثورة الصينيّة ( 1949-1976) . بالنسبة لأفاكيان ، بينما هناك رئيسيّا إستمرار فى علاقة بالموجة الأولى من الثورات الإشتراكية فى القرن 20 ، التى كانت أعلى قمّة ميّزتها هي الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى فى الصين ، هناك أيضا قطيعة مع المفاهيم و المنهج الخاطئين .
على أساس هذه المقاربة ، صاغ بوب أفاكيان خلاصة جديدة تشمل تطوّرات رائدة فى مجالات الفلسفة و المنهج و الأمميّة و طبيعة الإنتقال الإشتراكي نحو الشيوعيّة ، و فى المقاربة الإستراتيجيّة للثورة . و كتطوّر نوعيّ فى علم الشيوعيّة ، هذه الخلاصة : " تجسّد مواصلة لقطع ماو مع ستالين لكن أيضا فى بعض جوانبه قطيعة أبعد بما تأثّر به ماو ذاته ، حتى وإن ثانويّا ، من ما صار نمط التفكير فى الحركة الشيوعية فى ظلّ قيادة ستالين ." (5)
مشروع باديو السياسي :
لم نعد فى وضع يوجد فيه تمايز واضح بين توجّهين سياسيّين متعارضين – مثلما كان الحال فى القرن العشرين . لا يتّفق الجميع حول وجود تعارض بين السياسات الديمقراطية البرجوازية الكلاسيكية و توجّه آخر ، ثوري ... اليوم ، لا إتّفاق بشأن وجود تعارض جوهريّ من هذا القبيل و بالنتيجة صارت الصلة بين الفلسفة و السياسة أعقد و أكثر غموضا – (6) ألان باديو 2007.
إن البرنامج السياسي لألان باديو تعبير مركّز عن القطب الثاني المشخّص هنا : العودة إلى القرن الثامن عشر . على النقيض من الخلاصة الجديدة الماديّة الجدليّة التى تقدّم بها بوب أفاكيان ، تمثّل مقاربة باديو إجابة مثاليّة و غير جدليّة على الظاهرة الموضوعيّة لنهاية مرحلة . يبحث باديو عن إستحضار " خلاصة جديدة " و فى نفس الوقت مزيد التقدّم ليس إنطلاقا من الشيوعيّة كعلم مثلما تطوّرت منذ ماركس ، فخرج علينا ب " فكرة " مختلفة عن " الشيوعيّة " .
ونقطة محوريّة فى النظرة و المشروع السياسيّين لألان باديو هي تلخيصه السلبيّ و غير العلميّ للموجة الأولى من الثورات الإشتراكية . و يذهب هذا ضد واقع هذه الثورات و مكاسبها الإيجابيّة الغالبة . أجل ، يجب توجيه نقد جدّي لهذه التجارب لكن على أيّ أساس و بأيّ منهج : التعمّق و من كافة الجوانب فى هذه التجارب لأجل إنجاز الثورة الشيوعيّة فى الوضع الجديد أم إتّخاذ موقف ديمقراطي برجوازي ؟
يدافع ألان باديو عن أنّ القدرة التحريرية للثورات فى الإتّحاد السوفياتي و الصين تعطّلت وفى النهاية حطّمها إطار الدولة - الحزب و الدور القيادي المؤسساتيّ للحزب الطليعيّ ، و ممارسة سلطة الدولة الإشتراكيّة . فى رأيه ، تطوّرت الدولة - الحزب إلى شكل جديد من " التسلّط " المتميّز ب " القمع البوليسيّ " و " الجمود البيروقراطيّ الداخليّ " ، و الثورة الثقافيّة تمثّل و أكثر من ذلك تبيّن " نهاية الدولة – الحزب كإنتاج مركزيّ للنشاط السياسيّ الثوريّ " .
لإستنتاجه جانبان : لم يعد بوسع " سياسة التحرير" أن تكون موضوعا لنموذج الثورة و لا أن تظلّ سجينة شكل الدولة – الحزب و " عصر الثورات " قد إنتهى .
فى تأطير هذا الجدال و تطوير حججه ، إستقينا الكثير من الخلاصة الجديدة لبوب أفاكيان (7) ، لا سيما من التقدّم فى فهم الدولة الإشتراكيّة كدولة مختلفة جذريّا فى المرحلة الإنتقاليّة إلى الشيوعيّة ، و فهم أكثر ماديّة و تحرّرية للقيادة الشيوعيّة ، و فهم إستراتيجيّ جديد للقيام بالثورة فى البلدان الإمبرياليّة المتقدّمة .
وكجزء من هذه الخلاصة الجديدة ، نقّب أفاكيان عن المفاهيم غير العلميّة للديمقراطيّة الخالصة و غير الطبقيّة و القابلة للتحسين أبدا . و هذا مفيد للغاية للحظة التاريخيّة و لجدالنا ضد ألان باديو . فى أعماله النقديّة الكبرى للنظريّة الديمقراطيّة الليبراليّة ، تفحّص أفاكيان نظريّات روسو و لوك و جيفرسون ، ضمن نظريّات أخرى ، بما فى ذلك نظريات منظّرين معاصرين " مناهضين للشمولية " مثل هانا آراند . و فى نفس الوقت ، شخّص مشاكلا ، ثانويّة و إن كانت أحيانا بارزة تماما ، فى صفوف الحركة الشيوعيّة العالميّة منذ بداياتها ، فى عدم رسم خطوط تمايز واضحة بما فيه الكفاية بين المبادئ الشيوعيّة و الديمقراطيّة البرجوازيّة .
الأطروحات الجوهرية :
فى هذا الجدال ، نناقش الفلسفة السياسيّة لألان باديو و نظريّته . و هذا يعنى مجموعة من ثلاث مواضيع و حجج محورية مترابطة .
أوّلا ، السياسة التحريريّة لباديو " سياسة مساواة جذريّة " . وتمتدّ جذورها إلى " مُثُل مساواة " روسو و المُثُل العليا للثورة الفرنسية كما هي مركّزة فى البرنامج الديمقراطي الراديكالي لروبسبيار و سان جوست و جاكوبسون . و تقف هذه السياسات المساواتيّة فى تعارض مثاليّ تام مع ما أشار إليه ماركس ك " الكلّ الأربعة " : إلغاء كلّ الإختلافات الطبقيّة و كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها هذه الإختلافات الطبقيّة و كلّ العلاقات الإجتماعيّة التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و تثوير كلّ الأفكار التى تتناسب مع هذه العلاقات الإجتماعيّة .
لا يمكن للسياسات الراديكالية لباديو أن تتجاوز اللامساواة الإجتماعية و لا أن تتخطّى ما أسماه ماركس بالأفق الضيّق ل " الحقّ البرجوازي " ( العلاقات السلعية واللامساواة فى المجتمع الإشتراكيّ الباقية من المجتمع القديم و إنعكاساتها فى القوانين و السياسة و الإيديولوجيا ).
ثانيا ، تعنى " فكرة الشيوعيّة " لدى باديو نبذ دكتاتورية البروليتاريا : الدور القيادي للحزب الطليعيّ ، وإفتكاك سلطة الدولة ، و إشاء نوع مختلف جذريّا من الدولة . و يحاجج بأنّ إطار " الدولة – الحزب " لبناء كسب السلطة و ضمان الإنتصار على الإمبريالية مشبع . و ب " الإشباع " يقصد أنّ هذا الإطار لم يعد يفرز حلولا و نتائجا مثمرة أو " بحوث حيويّة بحدّ ذاتها " ، وإنّما هو ينتج التسلّطية البيروقراطيّة لذا يجب نبذه . و ينهض هذا على مقدّمات التنكّر للمفهوم العلمي وعلى نظرة شكليّة للديمقراطيّة والدولة ، و عدم القدرة على الإعتراف بالأسس الماديّة لضرورة القيادة الشيوعيّة ، و الدور اللازم الذى يمكن و يجب أن تلعبه ، و القاعدة الفعليّة لتجاوز التناقض بين القيادة و المقادين .
و بينما إشتهر بتعاطفه مع الثورة الثقافية وإلتزامه بها ، فى الواقع يرسّخ ألان باديو نزعة منهجيّة مشخّصة فى بيان " الشيوعية : بداية مرحلة جديدة " : " عدم الإضطلاع أو عدم الإنخراط مطلقا بأي طريقة منهجيّة ، فى تلخيص علمي للمرحلة الأولى من الحركة الشيوعيّة وبوجه الخصوص للتحليل الثاقب لماوتسى تونغ لخطر وقاعدة إعادة تركيز الرأسماليّة فى المجتمع الإشتراكيّ . وهكذا ، بينما قد تدافع أو قد كانت تدافع فى الماضي عن الثورة الثقافيّة فى الصين ، تفتقر إلى أيّ فهم حقيقيّ وعميق للماذا كانت هذه الثورة الثقافية ضروريّة و لماذا وبأيّة مبادئ و أهداف أطلقها ماو و قادها ." ( 8)
ثالثا ، يدافع ألان باديو عن موقف أنّ تغييرا راديكاليّا حقيقيّا ينجم عن " حدث " غير منتظر تماما ل " محض صدفة " . و فى المجال السياسي ، يجرّ هذا الموقف فى النهاية إلى الإنتظار السلبيّ للحظة قطيعة أو ما يسمّى " الحدث " . و ما " يقدّمه وصفة " فى إنتظار الحدث هو سياسة الوقوف " على مسافة من الدولة " ، ب " النضالات المحلّية " و جعل " وصفات الدولة " ( مفهوم سنكتشفه فى الأقسام التالية من هذا الجدال ) . إنّه فى النهاية وصفة للإصلاحية المعلّقة غير الفعّالة على الهامش ، فى تعارض مع الإطاحة الثوريّة بالنظام القائم كأوّل قفزة ضروريّة فى سيرورة ولادة تحرير فعليّ، و فى النهاية تحريرالإنسانيّة ككلّ ، من كافة علاقات الإستغلال و الإضطهاد ، عبر العالم بأسره .
فى صياغة هذا الجدال ، سعينا إلى تحديد و نقاش لبّ الحجج و " أفضلها " ، لكن يجب أن نقرّ بأنّ نظريّات باديو تأتي مغلّفة بطبقات من التعمية التى تخفى طابعها غير الثوري والمعادي للثورة بينما يبدو أنّها تكسو مشروعه بقامة [ شامخة ].
و الغاية من هذا الجدال هي كشف ما تمثّله فعلا " سياسة التحرير " لألان باديو . و بإنجازنا هذا نرسم خطّا حادا من التمايز بين هذا الخطّ و خطّ التحرير الحقيقيّ : العلم و الحركة السياسيّة الثوريّة و هدف الشيوعيّة .
ويتوجّه هذا الجدال إلى المعنيّين بمستقبل الإنسانيّة و الذين يتوقون إلى مستقبل مغاير جذريّا – و الذين يبحثون عن نظرية مناسبة لتحدّيات زمننا . إنّه يستهدف تمكين الناس من عقد مقارنة بين الخطّين المتعارضين ، و فهم لماذا خطّ باديو مهما كانت نوايا صاحبه ، يظلّ سجينا موضوعيّا منغلقا فى إطار العالم كما هو ، بينما يوفّر الخطّ الآخر[ خطّ التحرير الحقيقيّ] طريقا إلى الأمام لتخطّى هذا الجنون .

=======================================================
ألان باديو و دكتاتورية البروليتاريا أو لماذا يساوي نبذ إطار " الدولة-الحزب " نبذا للثورة
مقدّمة :
مثلما عرّجنا على ذلك فى مقدّمة هذا الجدال ، المشروع الشيوعي فى مفترق طرق . فقد بلغت الموجة الأولى من الثورات الإشتراكيّة نهايتها مع الإطاحة بالسلطة البروليتاريّة فى الصين سنة 1976 . و فى نفس الوقت ، حدثت تغيّرات كبرى فى النظام الإمبريالي العالميّ ، مأثّرة فى الحياة الإقتصاديّة و الإجتماعيّة . و كلّ هذا يثير مسائلا كبرى بشأن التجربة التاريخيّة للثورة البروليتاريّة و بشأن ما يعنيه القيام بالثورة – أو ما إذا كان القيام بالثورة ممكنا أو مرغوبا فيه – و قضية دكتاتورية البروليتاريا نقطة مركزيّة مفتاح فى القضايا و التحدّيات المطروحة فى هذه اللحظة من مفترق الطرق . هناك معركة حامية الوطيس من أجل تلخيص : إرث الثورة الإشتراكية للقرن العشرين و دروسها ؛ و فهم صحيح للحاجة إلى قيادة حزبيّة و نوع جديد من الدولة فى ظلّ الإشتراكية و التناقضات ذات الصلة .
يقدّم " الشيوعية : بداية مرحلة جديدة ، بيان للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " هذا الإطار لتقييم و تلخيص التجربة التاريخية :
" المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية مضت بعيدا ، وحقّقت أشياء ملهمة لا تصدّق ، القتال من أجل تجاوز العراقيل الواقعيّة حقّا التى واجهتها وفى التقدّم صوب عالم حيث سيتمّ فى النهاية القضاء على العلاقات الإستغلاليّة والإضطهاديّة وسيتمتّع الناس ببعد جديد من الحرّية وسيأخذون على عاتقهم وسينجزون تنظيم ومواصلة تغيير المجتمع فى كافة أنحاء العالم ، بمبادرة واعية وطوعيّة غير مسبوقة فى تاريخ البشرية . لكن ليس بالأمر الغريب أن وُجدت أيضا نواقص هامة وأخطاء حقيقيّة وأحيانا أخطاء جدّية للغاية ، فى كلّ من الخطوات العمليّة التى إتّخذها قادة تلك الثورات والمجتمعات الجديدة التى وُلدت وفى مفاهيمهم ومناهجهم . وهذه النواقص والأخطاء ليست سبب هزائم المحاولات الأولى للثورة الشيوعيّة لكنّها ساهمت وإن كان بصورة ثانويّة فى تلك الهزائم وأبعد من ذلك كلّ هذه التجربة للمرحلة الأولى بكلّ من إنجازاتها الملهمة حقّا وأخطائها ونواقصها الحقيقيّة جدّا وأحيانا الجدّية جدّا، حتّى وإن كانت عموما ثانويّة ، ينبغى التعلّم منها بعمق من كلّ الجوانب لأجل إنجاز الثورة الشيوعيّة فى الوضع الجديد الذى ينبغى أن نواجهه والقيام بما هو أفضل هذه المرّة. " ( 48)
و بطبيعة الحال للبرجوازية تقييمها : كانت الإشتراكيّة كارثة مطلقة ، طوباويّة خاطئة تحوّلت إلى كابوس . و هذا لا يشوّه من جميع النواحي أهداف هذه الثورات و مناهجها و " حقيقتها المعيشيّة " فحسب ، بل يحجب كذلك بصورة تلائم الغرض كيف أنّ الإمبرياليين و القوى الرجعيّة الأخرى سعوا إلى خنق هذه الثورات - سواء عبر المحاصرة و الهجوم العسكريّين، و الضغط الإقتصادي بلا هوادة أو القصف الإيديولوجي .
كانت الثورات البلشفيّة و الصينيّة تضطلعان بأمر بقدر ما هو جريء هو غير مسبوق – بناء مجتمعات حرّة من الإستغلال و الإضطهاد – و القيام بذلك فى ظروف ليست من إختيارهما . و قد جعلتا من تغيير الواقع و الظروف المادية للجماهير أولويّاتهما و بذلك فتحتا أفاقا جديدة تماما لمئات ملايين الناس الذين كانوا ، قبل تلك الثورات ، بالفعل مضطرّين إلى العيش فى ظلّ إستغلال فاحش و بؤس و موت قبل الأوان . لذا التلخيص الجدّي لكلّ من المكاسب و النواقص ، التلخيص الذى نادي به و إضطلع به البيان المذكور أعلاه – مستندا إلى فهم ما أنجزته فعلا هذه الثورات ، ما الذى كانت تخطّط لإنجازه والوسائل المنهجية و الفرضيات التى طبقتها لتحقيق هذه التغييرات – مطلق الضرورة .
لكن ألان باديو لا يقدّم مثل هذا التلخيص . فى الأعمال الحديثة مثل " جدالات ، القرن ، و منطق العوالم " يستعرض باديو التمرّدات الهائلة للقرن العشرين ، لا سيما الثورتان البلشفيّة و الصينيّة . و يقرّ بالدفع التحرّري الحقيقيّ الذى قاد هذه الإنفجارات ؛ و يقرّ بأنّ المشروع الثوريّ الحقيقيّ كان على أجندتها . إلاّ أنّ – و هذا هو تلخيصه الشامل – هذه الثورات أثبتت فى النهاية أنّها فاشلة . و أهّم من ذلك حتّى ، كانت هذه الثورات محكوم عليها بالفشل .
لماذا ؟ لأنّها ، حسب باديو ، كانت " سجينة " إطار الدولة – الحزب " أي نظريّة و ممارسة إفتكاك سلطة الدولة عبر سياسة إنتفاضية و بناء سلطة دولة جديدة ، فى ظلّ قيادة حزب شيوعي طليعي .
و ستالين ، حسب باديو ، أعطى ل " إطار الدولة – الحزب " تعبيره الأكثر تهويلا ، البيروقراطي – التسلطي . و كان ماو مختلفا ... لكن ليس مختلفا جدّا . على حدّ رأي باديو ، ماو إجتهد ضمن حدود و" منطق " الدولة – الحزب . لقد شنّ الثورة الثقافية التى تتضمّن إمكانية القطع مع قبضة جهاز " الدولة – الحزب " الإضطهادي . إلاّ أن ماو تراجع وفى النهاية بات حاميا لهذا الجهاز.
و ينظّر باديو لسياساته المناهضة للدولة وفق مسارين . مسار يبقى على بعض المصطلحات والمفاهيم الماركسية و يحاجج بالإحالة إلى بعض نصوص ماركس ( و سلطة ماركس ) . و يجرّ هذا المسار حجّة أنّه بعد الإنتصار ، كان يتعيّن على الثورتين الروسيّة والصينيّة أن تتحرّكا على الفور للإطاحة و التفكيك السريعين لجهاز الدولة القمعي و الحاكم . و عوض ذلك ، عزّزتا جهاز الدولة و نتيجة لذلك وقع كبح الحياة السياسيّة و خنقها .
و المسار الثاني ، وهو الأساسيّ الذى من خلاله نقل باديو فكره إلى السنوات الأخيرة ، هو أنّ ذات فكرة إفتكاك السلطة إشكالية : سلطة الدولة ليست ممكنة ( لا يمكن أن توجد سياسة إنتفاضيّة فى عالم اليوم ) و لا هي مرغوب فيها ( الدولة – أية دولة – إضطهاديّة صميميّا ).
بداية من ماركس ، و بالإعتماد على التلخيص الرصين و الصارم لتجربة المحاولات الحقيقية للثورة ، إستخلص الشيوعيّون الإستنتاج العلميّ بأنّ هناك علاقة وثيقة بين سلطة الدولة و الثورة . و يمكن للمرء أن يتحدّث عن سياسة جذريّة و حتّى أن يسمّيها " تحريريّة " مثلما دأب على ذلك باديو غير أنّه فى غياب إفتكاك سلطة الدولة - أي ثورة حقيقيّة تحطّم السلطة الإقتصاديّة و السياسيّة و العسكريّة للطبقة المستغِلّة الحاكمة - لا يمكن أن يوجد تغيير جوهريّ و ثوريّ للمجتمع . هذا المبدأ – دكتاتورية البروليتاريا – كان و يظلّ خطّ تمايز بين الشيوعية الثورية و الإصلاحية .
و اليوم ، مع الشيوعية فى بداية مرحلة جديدة ، و مع إثارة مسألة دكتاتورية البروليتاريا من جديد ، يتوصّل ألان باديو إلى التالي :
" الماركسية ، الحركة العمّالية والديمقراطية الجماهيرية و اللينينية و الحزب البروليتاري و الدولة الإشتراكية – كلّ هذه الإختراعات المتميّزة للقرن العشرين – لم تعد ذات فائدة عمليّة ". (49)
و مثلما وضع ذلك سنة 2006 :
" لمصلحة جميع ثوريّي العالم إكتشفت الثورة الثقافيّة فعلا حدود اللينينيّة . لقد علّمتنا أن سياسة التحرير لم تعد تستطيع أن تكون فعّالة فى ظلّ نموذج الثورة و لا أن تبقى سجينة شكل – الحزب " (50) [ التسطير مضاف ] .
وصارت الآن من عادات باديو أن يحيل على الإنتفاضات الثوريّة للقرن العشرين كمؤسسة لدلو مجتمعات تحوّلت إلى " فظائع " . و هكذا يلتحق ألان باديو بالكورال الليبرالي المناهض للشيوعيّة فى تلخيصه للشيوعيّة فى السلطة ( موضوع الفصل الخامس من هذا الجدال ) .
فى هذا الفصل ، نسلّط الأضواء على نظرة باديو القائلة بأنّ الدولة الإشتراكية يجب أن تبتدأ فى الإضمحلال على الفور و بأنّ أي تعزيز لهذه الدولة يتنافى و مكاسب الشيوعيّة ؛ و نظرة باديو بأنّ الأحزاب الشيوعيّة التى نظّمت الثورات لإفتكاك السلطة أثبتت أنّها لا تتناسب مع التحوّل إلى أحزاب فى السلطة . سنبيّن النقص الفادح فى الجدليّة و الماديّة و الحقيقة التاريخيّة الذى يقف وراء لبّ حجج باديو حول دكتاتورية البروليتاريا و الحزب الطليعي الذى يجب أن يقودها . و فى الفصل التالي ، سنتطرّق مباشرة إلى تحليله للثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى .
لماذا تصلح الدولة الإشتراكية ، كيف ستضمحلّ و لماذا ينتهى ألان باديو إلى جانب الدولة البرجوازية :
لقد دشّن كارل ماركس فهما علميّا جديدا للإشتراكية كشكل للدولة و كمرحلة إنتقاليّة ثوريّة :
" بين المجتمع الرأسمالي و المجتمع الشيوعي تقع مرحلة تحوّل المجتمع الرأسمالي تحوّلا ثوريّا إلى المجتمع الشيوعي . و تناسبها مرحلة إنتقال سياسية أيضا ، لا يمكن أن تكون الدولة فيها سوى الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا ..." ( 51) [ التشديد فى النصّ الأصلي ]
جوهر المرحلة الإشتراكيّة كما كتب ماركس هو كذلك أنّها " إنتقال إلى إلغاء كلّ الطبقات و إلى مجتمع لاطبقي " (52) . الإشتراكية مرحلة تاريخية و سيرورة تاريخية هدفها و غايتها إلغاء أساس إنقسام المجتمع إلى طبقات : فى علاقات الإنتاج الأساسيّة و فى العلاقات الإجتماعيّة و فى البنية الفوقيّة السياسيّة و فى الثقافة و الأفكار ( ما أمسى الشيوعيّون الصينيّون يسمّونه " الكلّ الأربعة " ). هذا ما تخدمه دكتاتورية البروليتاريا . و من خلال هذه السيرورة من الصراع و التغيير الثوريين ، ضرورة و أسس هذه الدكتاتوريّة الطبقيّة ، و بالنسبة إلى الجهاز المنظّم للقمع الذى بواسطته تهيمن مجموعة على مجموعة أخرى فى المجتمع ، يتمّ تجاوزه أيضا .
لقد وفّرت الممارسة التاريخية للثورة البروليتاريّة تجربة لا تقدّر بثمن لفهم طبيعة هذا الإنتقال و تحديّاته . و قد تطوّرت النظرية الشيوعيّة نوعيّا . و بالإعتماد على تحليل شامل لكلّ من الثورتين السوفياتيّة و الصينيّة ، حلّل ماو أنّه أثناء المرحلة الإشتراكيّة ستبقى الظروف الماديّة التى يَنجم عنها خطر هزيمة الثورة الإشتراكيّة ؛ و قد إكتشف وسائل خوض الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكيّة : مواصلة الثورة ضد القوى البرجوازيّة القديمة والجديدة و إنجاز التغيير الشامل للمجتمع و الناس . و بوب أفاكيان مرسّخا عمله على دراسة عميقة لماو و باحثا بعمق فى التناقضات الكامنة فى المجتمع الإشتراكي كمرحلة تغيير ثوري نحو الشيوعيّة ، تقدّم بنموذج من المجتمع الإشتراكيّ فيه سيرورة أغنى و أكثر ديناميكيّة للإحتجاج و المعارضة و التجريب فى إطار و فى خدمة التقدّم الثوري العالميّ نحو الشيوعيّة .
لكن لكلّ هذه الإختراقات فى تجربة الثورة البروليتاريّة و فى النظريّة الشيوعيّة ، ما يظلّ محوريّا بشأن دكتاتورية البروليتاريا يتأتّى من الأفكار العلميّة الأصليّة اللامعة لماركس : المرحلة الإشتراكيّة مرحلة إنتقال و تغيير ثوريين إلى مجتمع لاطبقي ما يتطلّب نوعا جديدا من الدولة .
بعد التذكير بسلطة ماركس ، يقدّم ألان باديو هذه الحجّة بخصوص الدولة :
" لقد كان الحزب أداة مناسبة للإطاحة بالأنظمة الرجعية الضعيفة غير أنّه أثبت أنّه غير ملائم لبناء " دكتاتورية البروليتاريا " بالمعنى الذى قد حاوله ماركس - أي دولة مؤقتة تنظّم الإنتقال إلى اللادولة : إضمحلالها الجدلي"( 53). [ التشديد مضاف ]
وصف باديو للدولة الإشتراكيّة مفصليّ فى كلّ من قراءته للموجة الأولى للثورة الإشتراكيّة و إلى مفهومه ما بعد الماركسيّ و بالفعل المناهض للماركسيّة صراحة ، عن جذريّة " السياسة على مسافة من الدولة " ( وهو مفهوم سنعالجه فى الفصل الخامس) .
أوّلا ، الشيء الأساسي بالنسبة لباديو ، بصيغته " دولة مؤقتة تنظّم الإنتقال إلى اللادولة " هو أنّه ينبغى أن توجّه محاصرة فوريّة نسبية ، نوع من " التقليص " الخطّي لسلطة الدولة الإشتراكيّة و سيرها – سيرورة ينبغى الشروع فيها عقب إفتكاك السلطة .
ثانيا ، يدافع باديو عن أنّ أي تعزيز و تقوية لدكتاتورية البروليتاريا يحول بالضرورة دون السيرورة التى من خلالها ستضمحلّ الدولة ويفضى حتما إلى التسلّطية البيروقراطيّة .
لباديو الحقّ فى أمر واحد هو أنّ ماركس إرتأى مرحلة الإشتراكيّة كمرحلة قصيرة نسبيّا .
فمن جهة ، كان ماركس يتوقّع إنتشارا سريعا نسبيّا للثورة البروليتارية ، لا سيما فى البلدان الرأسماليّة المتقدّمة . بيد أنّ الرأسماليّة تطوّرت إلى إمبرياليّة ما زاد بشكل كبير فى تعقيد السيرورة الثوريّة – خاصة ، مؤجّلا تطوّر الثورة فى البلدان الرأسماليّة المتقدّمة فى نفس الوقت الذى تحوّلت فيه الحلقة الرئيسيّة للنهوض الثوريّ إلى مناط الأمم المضطهَدة حيث القوى المنتجة أقلّ تطوّرا .
و من جهة أخرى ، تنبّأ ماركس بأنّه مع إفتكاك البروليتاريا للسلطة ، ستوجد سيرورة متداخلة نسبيّا من تجاوز الإنتاج و التبادل السلعيين عبر المال ( و كان من المتوقّع أن تكون هذه نقاط بداية الإنتقال ) . لكن هذا أيضا قد تأكّد أنّه سيرورة أعقد من التغيير المادي والإيديولوجي العميقين .
ما تمّ تعلّمه – و ماو قطع أرضيّة مفهوميّة جديدة للشيوعيّة – هو أنّ البون الذى لا يزال قائما بين العمل اليدوي و العمل الفكريّ ، و بين المدينة و الريف ، و الإختلافات و اللامساواة الإجتماعيّة الأخرى هي أرض تنبت إمتيازات جديدة وقوى برجوازيّة فى المجتمع الإشتراكيّ . هذه اللامساواة و ظهور القوى البرجوازية الجديدة فى المجتمع الإشتراكي تتفاعل مع موقع الإمبرياليّة الذى لا يزال مهيمنا على النطاق العالمي .
و الآن نفهم على نحو لم يكن متوفّرا لماركس و إنجلز ( و حتّى للينين كقائد للدولة الإشتراكيّة الأولى ، أنّ سيرورة بلوغ الإشتراكيّة على النطاق العالمي ستكون معقّدة و طويلة الأمد ، و تعنى :
• تطوير إقتصاد إشتراكيّ مخطّط و مستديم لتلبية الحاجيات الإجتماعيّة و تجاوز الإنتاج السلعي إلى الإنتاج من أجل الإستعمال الإجتماعي المباشر ، و للمرور إلى ضمان الوفرة المادية العامة خدمة لحاجيات الإنسانيّة عالميّا .
• إجتثاث كافة بقايا و لامساواة المجتمع الطبقيّ التى ورثها المجتمع الإشتراكيّ مثل الإنقسام بين العمل الفكري و العمل اليدوي ، و بين المدينة و الريف و الرجال و النساء – إلى جانب إنعكاسات و تعزيزات كلّ هذا فى مجال الأفكار والقيم وقوّة العادة .
• مقاتلة إعادة تركيز الرأسمالية و منها ؛
• التقدّم بالثورة العالميّة وإلحاق الهزيمة بالإمبرياليّة العالميّة .
إنّ مادة إختبار ألان باديو ل " الدولة المؤقتة تنظّم الإنتقال إلى اللادولة " تخلو من فهم تعقيدات العالم الحقيقيّ و تناقضاته و المهام الهائلة للإنتقال العالميّ إلى الشيوعيّة .
و لهذا فائدة خاصة بالنسبة إلى علاقة الجيش القائم فى المجتمع الإشتراكي . و قد تحدّث ألان باديو كذلك عن " هوس بالإنتصار " ميّز الثورات الإشتراكيّة للقرن العشرين و إخفاق فريد للدول الإشتراكيّة فى تقليص الجهاز القمعيّ . و عنصر محوريّ فى هذا النقد لتوجيه ماو للثورة الثقافية هو أن ماو لم يتحرّك لحلّ و بوضوح عارض حلّ الجيش النظامي ( نقطة سنعود إليها بالتفصيل فى الفصل الرابع ) .
صحيح أنّ الدولة تتكثّف فى إحتكار شرعيّة القوّة المسلّحة ( و إضمحلال الدولة ، ما يسمّيه باديو " لادولة " متميّز بإضمحلال مثل هذه الأجهزة ). لذا المسألة المطروحة هي : هل يمكن ، فى وقت قصير بعد إفتكاك السلطة ، أن يقع حلّ الجيش القائم النظامي و توزيع وظائفه ؟ هذا غير ممكن لسببين جوهريين :
أوّلا ، تدلّل التجربة التاريخية على أنّ أيّة دولة ثوريّة ستكون بإستمرار عرضة للغزو الإمبرياليّ . و لا يمكن أن نعتقد بأنّ باديو غير واعي للطرق التى مرّ بها هذا : غزو الإتّحاد السوفياتي من قبل أكثر من 12 جيشا إمبرياليّا خلال الحرب الأهليّة المريرة عقب إفتكاك السلطة ؛ و الهجوم الوحشيّ لألمانيا النازيّة أثناء الحرب العالميّة الثانية ؛ و المساعي الأمريكيّة لغزو الصين فى المراحل الأولى من الحرب الكوريّة بما فى ذلك تفكيرهم فى إستخدام الأسلحة النوويّة إلخ . وفى إرتباط وثيق بالإمبرياليّة وجدت البرجوازية المطاح بها و الطبقات الإستغلاليّة الأخرى ضمن البلدان الإشتراكيّة ذاتها ، وهو شيء بينما تعرّض ل " دكتاتورية البروليتاريا " و منع من تنظيم نشاطات معادية للثورة ، قد عزّزته مع ذلك الإمبرياليّة العالميّة و التجربة السابقة لحكم المجتمع و علاقاتهم بالطبقات الحاكمة القويّة فى مناطق أخرى من العالم ، و مواصلة تواجد بقايا هامة من المجتمع القديم فى كلّ من القاعدة الإقتصاديّة و البنية الفوقية للمجتمع الإشتراكي الجديد ، و كذلك من قبل قوّة العادة و التقاليد و عوامل أخرى . و للحفاظ على المجتمع الجديد و تغييراته و للحفاظ عليه كمنطقة إرتكاز لمزيد التقدّم الثوري ، و الوقوف فى وجه هذه القوى الرجعيّة التى تحاول أن تخنقه فى المهد – دلّل هذا أنّه يستدعي جيشا قارا بدرجة هامة من التخصّص و الحرفيّة . ثانيا ، تواصل القوى الطبقيّة البرجوازيّة التواجد وتتوالد العناصر البرجوازيّة الجديدة بإستمرار فى المجتمع الإشتراكي . و محاولة " تسليح كافة الشعب " – بدلا من جسم عسكري مختصّ ، جيش قائم ، فى ظلّ قيادة الطليعة الشيوعيّة – سيؤدّى بالفعل بمختلف الجيوش إلى التشكّل تحت قيادة قوى طبقيّة مختلفة ، منها البرجوازيّة . و العديد من هذه القوى ستبحث هي نفسها عن تحالفات مع القوى الإمبريالية الأجنبيّة و الدول الرجعيّة الأخرى .
لقد تحدّث بوب أفاكيان عن هذا بشيء من العمق فى " الديمقراطية : أكثر من أي زمن مضى بوسعنا و يجب علينا أن ننجز ما هو أفضل " ، جدال ضد ماوي سابق ،ك. فينو الذى بنى عدّة حجج مشابهة لحجج باديو . فى هذا الجدال ، مناقشا دور كلّ من الجيش و المليشيا فى المجتمع الإشتراكي ، كتب أفاكيان :
" و لا يعنى هذا طبعا أنه من غير الهام تسليح الجماهير الواسعة فى ظل الإشتراكية و أن بالإمكان التعويل على الجيش القائم وحده لصيانة حكم البروليتاريا . و بالفعل ، فى كل من وجهة نظر مكافحة الهجمات المسلحة للمعادين للثورة ( و العدوان الإمبريالي ) و وجهة نظر إنجاز التحويل الثوري نحو إلغاء الإنقسامات الطبقية (و معها الدولة ) ، من الضروري و الحيوي إيجاد وضع تكون فيه الجماهير الواسعة " مسلحة " و أكثر من ذلك ، منظمة و مدربة فى مليشيات شعبية واسعة ، إلى جانب جيش دولة البروليتاريا القائم ( إلى حد الوقت الذى يمكن للجيش القائم أن يُلغى ) .
لكن المسألة المصيرية فى ما يتعلق بالجيش القائم و أيضا فى ما يتعلق بالمليشيا الشعبية هي ما إذا كانت البنادق بأيدى الجماهير فى الواقع الفعلي و ليس فقط شكليا . و تتوقف هذه المسألة على طبيعة القيادة التى تمارس فى الجيش القائم و المليشيا . و تبعا لذلك ، تجد طبيعة القيادة هذه تعبيرها المكثف فى الخط ّ ، فى كل من الخط الإيديولوجي و السياسي فى تعبيره العام و كذلك فى تعبيره السياسي الملموس . و يتضمن هذا العلاقات بين القوات المسلحة ( و من ضمنها المليشيا ) و العلاقات بين هذه القوات المسلحة و مبادئ القتال و العقيدة و سواها مماّ ينجرّ عن ذلك . " (54) .
المسألة هي أن سلطة الدولة الإشتراكية كانت وهي ضرورية أ- للدفاع عن المجتمع الإشتراكي الإنتقالي و ب- لجعل التغييرات الثورية ممكنة نفى علاقة بتوسيع و تعميق الثورة البروليتارية على النطاق العالمي و فى تشجيع على تقدّم الثورة العالمية ، ما سيخلق ظروف إلغاء الحاجة للدولة و أساسها . تعزيز الدولة الإشتراكية هوتعزيز للأداة المطلوبة فعلا لإنجاز الإنتقال إلى المجتمع اللاطبقي . بيد أنّ باديو يرفض معالجة كلّ هذا وعوض ذلك يبدو أنّه يأمل أن يعتبر ذلك من الماضي بمجرّد نعت المفاهيم و المبادئ المستخلصة بألم من التجربة التاريخية الواقعية بأنّها " مشبعة " .
حتى نكون واضحين ، يجب أنتكون الدولة الإشتراكية و يجب أن تغدو بصفة متصاعدة نوعا مغايرا راديكاليّا من الدولة . لم يشدّد على هذا ماركس فقط ، بل شدّد عليه لينين ثمّ بصفة خاصة ماو ، حتى وهم يواجهون المشاكل الغاية فى التعقيد لبناء عالم جديد عندما كان العالم القديم بعيدا عن أن يكون قد قُبر. و يشكّل هذا نقطة جوهرية لمنطلق الخلاصة الجديدة لأفاكيان . و فيما وجدت أحيانا نزعات ، بوجه خاص بارزة لدى ستالين ، لرؤية إضمحلال الدولة على أنّه تقريبا مندمج نتيجة التطوّر المستمرّ للمجتمع الإشتراكي ، لن يصلح بالنسبة لباديو أن يُغمض عينيه على المعالجة الفعلية لهذه المسألة ومنها الابحث الفعلي للأشكال العملية من قبل الذين ركّزوا أنفسهم على و فعليّا صاغوا الأفكار العلمية الحقيقية اللامعة حول الدولة المصاغة بداية من قبل ماركس و إنجلز .
كيف نفهم إذن هذه السيرورة من إضمحلال الدولة إذا لم تكن كما يقترح باديو " دولة مؤقتة تنظّم الإنتقال إلى اللادولة " ؟ لقد قبض بوب أفاكيان على الجدلية الحقيقية لهذه السيرورة فى " الديمقراطية : أليس بوسعنا أن ننجز أفضل من ذلك ؟ " :
" ...إضمحلال الدولة ، بدروه ، يجب أن يُنظر إليه ليس ك " تبخّر " أو " حلّ " لجهاز الدولة فى يوم ما فجأة أو مرّة واحدة من لا مكان ، بل كنتيجة لسيرورة جدلية و نضال محدّد – عبره تشهد علاقات الناس فى المجتمع تغييرا ثوريّا . و مثلما قد شدّد ماركس ، فى تلخيص التجربة التاريخية للدولة البروليتارية الأولى ( التى لم تعمّر طويلا ) ، كمونة باريس لسنة 1871 ، البروليتاريون " من أجل تحقيق تحرّرهم الخاص ، و إلى جانبه الشكل الأرقى الذى ينزع إليه بصفة لا تقاوم المجتمع الحالي بفعل عوامله الإقتصادية الخاصة ... سيتعيّن عليهم المرور عبر ضراعات طويلة ن عبر سلسلة من السيرورات التاريخية ، مغيّرة الظروف و البشر ". هذه السيرورة – هذا الصراع ، جدلي بمعنيين : يشمل العلاقة الجدلية بين الدكتاتورية و الديمقراطية فى المجتمع الإشتراكي ... و يشمل العلاقة الجدلية - الوحدة و التضاد - بين تعزيز دكتاتورية البروليتاريا و فى نفس الوقت ، بذات الوسائل ، خطوة خطوة خلق و لكن أيضا عبر سلسلة من القفزات الثورية ، الظروف حيث لن تعود دكتاتورية البروليتاريا ضرورية ...أو ممكنة . والسيرورة – الصراع – التى تشمل إلغاء اللامساواة و التناقضات الباقية من الرأسمالية و العصر البرجوازي والمميزة لهما ، هي الطريق الذى من خلاله ستتحقّق فى النهاية الشيوعية عالميّا ، و الدولة – و إلى جانبها الديمقراطية – فى النهاية سيضمحلاّن : تغيير الظروف و الناس لبلوغ إلغاء " الحقّ البرجوازي" وتقسيم العمل الملازم للمجتمع المقسّم إلى طبقات ، فى كافة مظاهرها؛ و إلغاء الإنتاج و التبادل السلعي و تعويضهما بالتخطيط الواعي للإنتاج و التبادل – شاملة كلاّ من الوحدة و التنوّع ، كلاّ من الخطوط العامة المركزية و المبادرة الواسعة – و كلّ هذا فى إنسجام مع المبدأ الأساسي " لكلّ حسب قدراته إلى كلّ حسب حاجياته " ، و تجاوز اللامساواة العدائية بين النساء والرجال و بين مختلف القوميات و المناطق ... و تجاوز الإنقسامات القومية و كذلك الطبقية وإنشاء مجتمع إنساني عالمي حقيقي ، موحدين عن وعي- و مصارعين – لتحقيق التطوّر العام للمجتمع الإنساني و البشر الذين يكوّنونه " (55)[ التسطير مضاف ].
بهذا الفهم ، شدّد أفاكيان على المهمّة النقدية للتغيير الواعي للدولة الإشتراكية ذاتها : " مطوّرين عمليّا الأشكال و المؤسسات الملموسة التى تقود فى إتجاه الإضمحلال العملي للدولة ".
وبعض بذور هذا يمكن ان تشاهد فى أشكال السلطة من المستوى القاعدي التى أنشأت أثناء الثورة الثقافية ؛ مزج النشاط الإقتصادي و الإداري و العسكري ضمن الكمونات الشعبية ؛ وبعض الهياكل غير المركزية ل " تخطيط المناطق " التى فيها تتحمّل المناطق المحلّية المسؤولية المباشرة فى تنسيق التطوّر ضمن الإطار الموحّد للإقتصاد الثوري الصيني المخطّط.
لكن مهما كانت أهمّية هذه الأشياء ، فإنّها كانت بذورا ؛ و الخلاصة الجديدة لأفاكيان ترتئي تعديلات مؤسساتية ( و تجريب ) تذهب أبعد منها و تتطلّب توجّها و صراعا أكثر وعيا حول موضوع إضمحلال الدولة. والشكل ( الأشكال ) الدقيقة لهذا المفهوم الذى سيظهر فى المجتمعات الإشتراكية المستقبلية ستكون بلا أدنى شكّ متنوّعة . والأساس ، مع ذلك، هو أنّه يجب أن يوجد تغيير للمؤسسات السياسية و الإجتماعية للحكم البروليتاري بإتجاه " توزيع " وظائف تسيير المجتمع كي تتولّى الجماهير " مسؤولية مختلف مجالات المجتمع و تكون العامل الأهمّ فى بلوغ وضع فيه الدولة و معها الديمقراطية تصبحا هيكلا شكليّا و يمكن أن تضمحلاّ ".
على ضوء هذا الفهم ، محاولة باديو الإحادية الجانب و الميكانيكية تقلّص الدولة الإشتراكية إلى الإنتقال المنظّم إلى اللادولة و ببساطة ستجهض سيرورة بلوغ الشيوعية – بإعادة السلطة إلى البرجوازية . فى عالم منقسم إلى طبقات ، البرجوازية لن تتراخى و لو للحظة .
ملاحظة مقتضبة عن الفلسفة :
بالرغم من إستعماله لكلمة " الجدلية " لوصف فهم ماركس لدكتاتورية البروليتاريا، فإنّ ألان باديو قد نبذ نظرية التناقض :
" أثناء مرحلة سياسة الحزب ، النموذج المنطقي كان الجدلية الهيغلية ؛ كان نظرية التناقض . أثناء كامل تطوّر الماركسية و اللينينية و الماوية ، كانت نظرية التناقض لبّ الإطار المنطقي . و قناعتى أنّ هذا أيضا قد إنتهى " . ( 56)
هنا ليس بوسعنا الدخول فى نقاش خلط باديو بين التناقض الهيغلي و المادية الجدلية ،و لا الحكم بالموت الذى أصدره على المادية الجدلية . إلاّ أنذ ما هو بارز فى هذا النقاش هو أنّ ألان باديو يرى تناقضات ظاهرية ، أو تناقضات لا تحلّ و يعيد تأويل تناقضات العالم – الواقعي عبر هذه النظّارات . عوض رؤية كلّ من الوحدة و التضاد فى التناقض المتجسّد فى وجود الدولة الإشتراكية ، وإستيعاب مقاربة جدلية حقيقية لهذا التناقض ، لا يرى باديو سوى التضاد بين مختلف المظاهر، تناقض ظاهريلا يحلّ : تعزيز دولة يجب ألاّ يكون دائما . و على ضوء هذا ، من السليم أن ننظر فى المقطع التالي من " فى التناقض " لماو و فيه يتحدّث عنكلّ من المسائل موضوع النقاش و مسائل الجدلية و المنهج :
" إنّ توطيد دكتاتورية البروليتاريا أو دكتاتورية الشعب يعنى بالضبط تهيئة الظروف لتصفية هذه الدكتاتورية و التقدم إلى مرحلة أعلى ، مرحلة يتمّ فيها القضاء على جميع أنظمة الدولة . و إنّ تـأسيس الحزب الشيوعي و تطويره يعنى بالضبط تهيئة الظروف للقضاء على الحزب الشيوعي و جميع الأحزاب السياسية . و إنّ تأسيس الجيش الثوري بقيادة الحزب الشيوعي و القيام بالحرب الثورية يعنى بالضبط تهيئة الظروف للقضاء على الحرب إلى الأبد . إنّ هذه الأشياء متناقضة لكنها يكمل بعضها بعضا فى الوقت ذاته ." ( 57 )
لقد إكتسبت الشيوعية فهما أعمق لطبيعة هذه التناقضات ذاتها و الحاجة إلى العمل بوعي بإتجاه معالجتها خدمة لمصالح الإنسانية العالمية و بلوغ الشيوعية العالمية . لكن النقطة المنهجية و النظرية تظلّ :الدولة الإشتراكية فى ظلّ القيادة الشيوعية هي " إعداد للظروف " نحو حلّها – و تنجز ذلك ، و لا يمكنها أن تنجز إلاّ بالتعاطي مع تناقضات العالم الواقعي ، التناقضات العميقة جدّا التى يجب أن تواجهها و تحوّلها لأجل التقدّم عبر حقبة كاملة من الصراع ، جوهريّا على نطاق عالمي ، لبلوغ القاعدة الفعلية لإضمحلال الدولة – فى تعارض مع مجرّد تصوّر هذا الإضمحلال [ على طريقة باديو ] الذى مرّة أخرى لن يساهم سوى فى إنتصار الدولة البرجوازية و تأبيدها .
ألان باديو يزوّر المكاسب التاريخية للمجتمعات الإشتراكية :
لتقسيم باديو للتجربة الإشتراكية معنيين . من جهة ، يتحدّث عن " طغيان " الحزب و " فظاعة " تجربة الشيوعية فى السلطة ، و " المواجهات البيرقراطية العنيفة " للثورة الثقافية ؛ ومن جهة أخرى ، و هذا فى صلة بذاك ، يقرأ مكاسب هذه الثورات و المجتمعات عبر نظّارات صلاح المعيشة .
و إليكم توصيفه المستعجل الذى يرمي جانبا بالتغييرات فى هذه المجتمعات :
" قطعت بعض هذه الأنظمة أشواطا واقعية فى التعليم و الصحّة العمومية و تثمين العمل و ما إلى ذلك ؛ و وفّرت حاجزا عالميّا أمام عجرفة القوى الإمبريالية . و مع ذلك ، مبدأ الدولة فى حدّ ذاته أثبت أنّه فاسد و على المدى البعيد غير فعّال (58) ".
يفرز الحقد الشديد لباديو على دكتاتورية البروليتاريا هذا التزوير المذهل أو بالأحرى التزوير الجامح للحوافز و المكاسب التحريرية للموجة الأولى من الثورة الإشتراكية . و مدحه " للأشواط الواقعية فى التعليم و الصحّة العمومية ..." يمكن أن ينطبق أيضا على إسكندينافيا .
لا معنى للإتحاد السوفياتي الثوري – و حتى أكثر للصين الإشتراكية – كأصناف مختلفة راديكاليّا من الدول ، حيث " قطعت " أشواطا واقعية فى التعليم و الصحّة العمومية و تثمين العمل" على قاعدة سلطة دولة ثورية فى خدمة الجماهير، مارستها الجماهير بصورة متصاعدة ؛ و إقتصاديات لا يحرّكها حافز الإستغلال و الربح لكن تتوجه نحو تلبية حاجيات الناس و تغيير المجتمع ، و فى النهاية العالم ككلّ ، نحو الشيوعية ؛ و جهود تطوير جماعية ثورية جديدة شعبية و علاقات و أفكار تعاون ؛ و المجتمعات الساعية إلى تشجيع الثورة العالمية – لكن أجل ، كذلك متميّزة بنواقص و نواقص جدّية تماما فى حال الإتحاد السوفياتي .
كانت المكاسب غير مسبوقة . كانت مجتمعات متوجّهة و مقادة نحو تغيير العلاقات الإقتصادية و تثوير العلاقات و التفكير الإجتماعيين . و يخفق ألان باديو فى الإشارة إلى التغييرات فى العلاقات بين النساء و الرجال التى ميّزت الإتحاد السوفياتي الإشتراكي و الصين الإشتراكية – و إجتثاث الدعارة ، أو التغييرات الراديكالية فى مكانة النساء فى الصين الثورية مقارنة بربط الأرجل و الخليلة الإقطاعية للصين ما قبل الثورة . يفشل باديو فى أفشارة إلى إختراقات الدولة السوفياتية ، لا سيما فى عقديها الأولين ، فى مهاجمة اللامساواة بين الأمم و القوميات التى شكّلت فى روسيا ما قبل الثورة " سجن الأمم ". و يخفق باديو فى الإشارة إلى مكسب الصين فى الإكتفاء الذاتي فى الغذاء و تلبية الحاجيات الأساسية دون التعويل على علاقات إستغلالية ، داخل البلد أو فى علاقة ببلدان أخرى .
و يخفق ألان باديو فى الإشارة إلى أنّ " الأشواط فى التعليم " كانت موجّهة نحو التقليص فى التقسيم الإجتماعي بإتجاه فتح أبواب الجامعات إلى أبناء الفلاحين و العمّال فى الصين ، لا سيما أثناء الثورة الثقافية . إنّه يخفق فى الإشارة إلى الإختراقات فى إيجاد ثقافة ثورية نمثل تغيير الأوبرا الصينية و بثّ صورة قويّة عنالنساء الثوريّات . و يخفق فى الإشارة إلى صياغة نظرة مجتمعية ل " خدمة الشعب " عوض " أنا أوّلا " خدمة للفردية الأنانية الرأسمالية . و يخفق ألان باديو فى الإشارة إلى ألممية الثورية للإتحاد السوفياتي فى تشجيع و دعم النضالات الثورية حول العالم ، حتى مع بعض الأخطاء التى إقترفت فى خضمّ هذا ، و خاصة فى إطار التهديد و ثمّ الواقع المدمّر للغزو الألماني النازي الضخم فى 1941 . و يخفق فى افشارة إلى مساعدة الصين للنضالات الوطنية المناهضة للإمبريالية فى كوريا و فيتنام ، حتى مع وجود مشاكل كبرى فى معالجة العلاقة بين الدفاع عن الدولة الإشتراكية و تشجيع الثورة العالمية . ( 59)
هذه ليست سوى لمحة عن التغييرات الكاسحة ،الجوهرية و المتعدّدة الوجة – فى العلاقات الإنتاجية و الإجتماعية و فى العلاقات السياسية فى كلّ من داخل البلاد و عالميّا و فى عالم الإيديولوجيا و الثقافية – التى ميّزت جذريّا المجتمعات الإشتراكية عن المجتمعات الإستغلالية التى وجدت قبلها .
أجل ، تحققت هذه المكاسب الملهمة فى علاقة جدلية بنواقص واقعية و أحيانا ( و إن كانت ثانوية ) جدّية لدي الدول الإشتراكية الأولى . بيد أنّ تلخيص باديو لا يمكن أن يشمل ما كانرائدا بشأن هذه الثورات و لا المشاكل العملية فى الفهم و المنهج اللذان أدّيا إلى الأخطاء و النواقص – و التى و إن كانت ثانوية كانت مهمّة . ( هنا ليس بمستطاعنا سوى ملامسته ، و نشجّع القرّاء على الغوص فى الكتب المذكورة ، لا سيما منها " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ( 60 )
المكتسبات الكبرى لهذه الموجة الأولى للثورة الإشتراكية ، لا سيما ا تحقّق عبر الثورة الثقافية فى الصين ( موضوع الفصل الرابع ) ، هي أعلى القمم التى بلغتها الإنسانية إلى اليوم . لا يمكننا لا البقاء عندها و لا وضعها وراءنا : الإختراقات الكبرى للموجة الأولى يجب أن تعاد صياغتها بمفهوم أكثر تقدّما .
هل كانت سلطة الدولة تستحقّ ذلك العناء ؟ نعم ، قطعا .
هل تستحقّ سلطة الدولة مجدّدا العناء ؟ نعم ، مطلقا .
هل يجب علينا و هل بوسعنا إنجاز ما هو أفضل و المضي إلى أبعد من ذلك ؟ نعم ، مرّة أخرى .
نظرة باديو اللاطبقيّة و الشكليّة للدولة :
محى باديو إفتكاك السلطة و التغيير الثوري للمجتمع بواسطة دولة جديدة فى ظلّ قيادة البروليتاريا و مراقبتها على أنّه غير ممكن و غير مرغوب فيه أيضا . و نتابع الآن ألان باديو وهو يسافر على مساره النظري الآخر . لا يتعلّق المر بباديو الذى يحيل على و حتى يبدو أنّه يحدّد حجته بجملة لماركس أو بمفهوم ماركسي ، بل بألان باديو الذى يعتبر أنّ الماركسية " لم تعد ذات إستعمال عملي" و الذى يعتبر أنّ الدولة كدولة ( الدولة فى حدّ ذاتها ) مشكل . لقد كتب فى " القرن " : " بينما كانت الدولة دائما جوهر النظرة الفاشية للسياسة – كدولة يدفعها الوجود المفترض لجمعيات كبرى مغلقة – فى تاريخ اللينينية و لاحقا الماوية ، لم يوجد أبدا شيء سوى عائق أمام مقدار عنف عمليّات السلطة يعارض الحركية السياسية اللامتناهية "( 61).
عن باديو يصدر إدعاءان شاملان . الأوّل هو أنّ التجربة التاريخية لدكتاتورية البروليتاريا قد بيّنت أنّ هذه الدولة تشكّل "حاجزا " لسياسة مشاغل ( مضمون يبدو ضبابيّا لدي باديو ) . و الثاني هو ،وفى إرتباط وثيق بالأوّل ، إدّعاء أنّ الدولة البروليتارية عرضة لبعض المنطق اللاطبقي المفترض من " عمليّات السلطة " عنف مقدر له هيكلة و هدف ( " عنف " بالمعنى الحرفي و المجازي فى آن معا ) يقف ضد السياسة التى تدفع نحو النهاية المفتوحة ( مرة أخرى ، بلا مضمون طبقي ، أو واقعيّا بلا الكثير من المضمون المحدّد أبدا ). هذا الإنفصام ليس إنقساما طبقيّا و عداءا طبقيّا يشقّ المجتمع كلّه و يشكّله ، بل هو هيكل كنهيّ و منطقي لدولة مقابل مجتمع .
الآن ، فى المجتمع الإشتراكي هناك فعلا تناقض بين الدولة و الفرد . هذه الدولة ، حتى كنوع جديد راديكاليّا من الدول ، مؤسسة مختصّة فى تركيز السلطة – تحديدا لخدمة هدف قمع الثورة المضادة ، مسندة الجماهير فى النضال من أجل تغيير العالم ، و التقدّم بالثورة العالمية . لكن هذا التركيز للسلطة المتفاعل مع قوّة العادة فى المجتمع الإشتراكي ( الناس يعوّلون على آخرين فى الإعتناء بالأشياء ، الذهاب مع الموجة ، الإنحناء للسلطة إلخ) يحمل معه بعض التناقضات الهامة.
فى المجتمع الإشتراكي ، آليّات الدولة يمكن أن تستخدم ضد الأفراد و المجموعات فى المجتمع . لقد لفت ماو الإنتباه إلى التناقض بين الفرد و الدولة فى المجتمع الإشتراكي ، و أنجز أفاكيان مزيدا من التقدّم فى فهم هذا المشكل و حلوله ، بما فى ذلك حاجة المجتمع الإشتراكي إلى إرساء " قواعد اللعبة " لسير الدولة فى شكل دستورو قوانين قائمة على ذلك الدستور تنصّ على الحقوق والإجراءات و تصون حقوق الفرد.
و يصبح التناقض حادا بصفة خاصة فى لحظات إستيلاء القوى التحريفية الرأسمالية و سيطرتها على أقساط من سلطة الدولة ، حتى حينما يظلّ المجتمع عامة إشتراكيّا و تظلّ الدولة ، فى مظهرها الرئيسي ، تعكس و تخدم الطابع الإشتراكي للمجتمع . لكن لكلّ هذا مضمون طبقي موضوعي . المسألة الأساسية هي : دولة لمن ، دولة لماذا ، دولة بصورة متصاعدة تتحكّم فيها الجماهير و تثوّر عبر الصراع الطبقي المستمرّ ، صراع فيه التناقضات يعترف بها على نحو متصاعد و وسائل و طرق حلّها تكتشف و يتمّ التحكّم فيها لمصلحة الجماهير و بإتجاه الشيوعية – أم لا ؟
منهج ألان باديو ، من جهة أخرى ، منهج شكلاني : الدولة كهيكل فى حدّ ذاتها . إنّها نظرة لاطبقية للدولة ؛ و حسب معاييره الإختلافات بين الدول الإشتراكية و الرأسمالية ثانوية نسبة لما هو مشترك بينهما. فى " الوجود و الحدث " ، يطوّر هذا الموقف ( و فى ما يلي يستعمل " دولة " فى كلّ من معناها السياسي و معناها الفلسفي ) :
" و ذلك لأنّه حتى إن كان طريق التغيير السياسي – و أقصد طريق التوزيع الجذري للعدالة – على الدوام تحدده الدولة ، لا يمكنه بأية طريقة أن يدع الدولة تقوده ، لأنّ الدولة تحديدا لاسياسية ، فى ما يتصل بأنّه لا يمكنها أن تغيّر و تنقذ الأيادي و من المعلوم جيدا أنّ هناك القليل من الإستراتيجيا الهامة فى مثل هذا التغيير ... لا شكّ فى أنّ السياسة ذاتها يجب أن تنشأ فى ذات المكان الذى تنشأ فيه الدولة : فى تلك الجدلية . لكن هذا بالتأكيد ليس لأجل إفتكاك الدولة و ليس من أجل مضاعفة تأثير الدولة . ( 62) [ التسطير مضاف ] .
بالنسبة إلى باديو ، الدولة أداة إضطهاد فى حدّ ذاتها تثقل كاهل الجماهير ، بغضّ النظر عن الأيدي التى تمسكها ، و لا يمكن غستعمالها للتحرير- مجدّدا ، مثلما وضع ذلك باديو ، " بالتأكيد ليس لأجل إفتكاك الدولة و ليس من أجل مضاعفة تأثير الدولة ".
ما يحجبه باديو فى فهمه أنّه لا وجود " لأهمّية إستراتيجية " فى " تغيير الأيادي " الماسكة بالدولة هو واقع أنّه ثمّة مضمون طبقي للدولة ، أنّها أداة و شكل من الحكم الطبقي فى خدمة علاقات الإنتاج الكامنة و تعزيزها . و مثلما صرّح لينين بجلاء " إنّ الدولة ليست إلاّ جهازا لقمع طبقة من قبل طبقة أخرى " [ التسطير مضاف ](63).
لقد تطوّرت الدولة تاريخيّا و ظهرت على أنّها تقف فوق الطبقات غير أنّها جوهريّا نتيجة و تعبيرا عن التناقضات الطبقية العدائية التى لا يمكن التوفيق بينها و وظيفتها هي الإبقاء على النزاع ضمن حدود " النظام " لفائدة الحفاظ على الهيمنة الطبقية . و دكتاتورية البروليتاريا نوع مختلف جذريّا من الدولة ، منجز للإنتقال الإشتراكي – لكنّها لا تزال أداةهيمنة طبقية ، حتى و إن كانت تهدف إلى وضع حدّ لكافة الهيمنة الطبقية ، لكافة الإختلافات الطبقية و لكافة الدول .
فى كتاباته ، يعترف باديو بأن مختلف الدول تعطي ميزة لتجمعات مختلفة او " شرائح " – و هذا يقدّم طلاء خارجيّا ماركسيّا مستمرّا لتحليله السياسي . لكن بما أنّ التجمعات يمكن أو لا يمكن أن تكون طبقية لا يرى طبيعة الدولة بمعناها الجوهري و المحدّد : معناها الطبقي و التناقضات العدائية الطبقية . أقليل هو هذا التغيير بالمعنى الإستراتيجي؟ ماذا عن دولة و مجتمع عوض تعزيز خطّ إستغلال العمل و مراكمة رأس المال يمنعان ذلك ؟
بنبذ مفهوم الطبقة ، يمحى ألان باديو الإختلاف الجوهري بين الدولة الرأسمالية و الدولة الإشتراكية ، راسما وجوه شبه شكلية صارمة بين الإثنين . لكن الإنعكاس الأكبر لحجته حول الدولة هو أنّه يغطّى الحاجة إلى سلطة الدولة و العلاقات الإقتصادية الجديدة . إنّه يرسى أرضية حججه السياسية و الإستنتاج الصريح بأنّنا نحتاج إلى " سياسة لا تكون فيها سلطة الدولة لا موضوعية و لا قادة " .
و فى الواقع ، سلطة الدولة الإشتراكية ، دكتاتورية البروليتاريا ، شيء جيّد جدّا – و نعم ، له " معنى إستراتيجي " هائل فى " تغيير الأيدي " – ومثلما وضع ذلك بوب أفاكيان :
" من الصحيح أن نسعى وراء سلطة الدولة . من الضروري أن نسعى وراء سلطة الدولة. سلطة الدولة شيء حسن – سلطة الدولة شيء عظيم – بأيدي الناس الحقّ ، و الطبقة الحق ، فى خدمة الأشياء الصحيحة : التوصّل إلى القضاء على الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة و إيجاد عالم ، عالم شيوعي ، فيه بمقدور البشر أن يزدهروا بطرق جديدة و أعظم من ذى قبل أبدا " (64).


الحزب فى المجتمع الإشتراكي : " غير ملائم" أم أداة للتحرير :
يُعدّ آلان باديو عمله جزءا من مشروع أشمل لبعث " الفرضية الشيوعية إلى الوجود بكيفية مختلفة عن سابقتها " ( 65). والكيفية السابقة التى يحيل عليها باديو هي إفتكاك السلطة ( سياسة الإنتفاضة الثورية ) و بناء سلطة دولة جديدة بقيادة حزب شيوعي ( " إطار الدولة – الحزب " ) .
هنا نسائل أطروحات باديو عن الحزب الشيوعي كحزب فى السلطة . و نقارن ذلك بالفهم الشيوعي ل- أ- الحاجة إلى دور قيادي مؤسساتي للطليعة فى ظلّ الإشتراكية و- ب- التناقضات المرتبطة بهذا و - ت – كيف و عبر أية وسائل يجب على المجتمع الإشتراكي أن يتقدّم بإتجاه الأغاء القيادة الشيوعية المؤسساتية فى النهاية – كجزء من توفير الظروف الضرورية للمجتمع الشيوعي العالمي .
و لنعد إلى التأكيد الجوهري لباديو بخصوص الحزب الطليعي : " كان الحزب أداة مناسبة للإطاحة بالأنظمة الرجعية الضعيفة ، لكنّه أثبت أنّه غير ملائم لبناء " دكتاتورية البروليتاريا " بالمعنى الذى سعى إليه ماركس – أي دولة مؤقتة تنظّم الإنتقال إلى اللادولة : " إضمحلالها " الجدلي " (66) .
و المعلّقون الديمقراطيون–الإشتراكيون و المناهضون للشيوعية عادة ما حاججوا ب "عدم الملاءمة " : حزب شيوعي كان يخوض نضالا فى ظلّ ظروف صعبة من القمع ،واضعا أولوية للإنضباط لإستنهاض الإنتفاضة ضد الأنظمة التسلّطية و محدود بالإنفتاح المغشوش يصبح متصلّبا ومتخشّبا كحزب حاكم . إنّ تنويع باديو الطفيف فى هذا النحت هو أن مثل الحزب المنشغل بإستمرار بالتمسّك بالسلطة ، يجد نفسه يوسّع قمع سلطة الدولة – الحزب عندما يجب أن يقلّص وظيفة الدولة .
تلخيص باديو هو أنّه عقب هزيمة كمونة باريس المسألة المهيمنة بالنسبة للحركة الشيوعية كانت : " كيفية الصمود – على خلاف كمونة باريس – فى وجه الرجعية المسلّحة للطبقات المالكة ؛ كيفية تنظيم السلطة الجديدة لحمايتها من هجمات أعدائها ؟ الهوس بالإنتصار المركّز حول مسائل التنظيم ، وجد تعبيره الرئيسي فى " الإنضباط الحديدي" للحزب الشيوعي – البناء المميّز للتتابع " ( 67) [ و يقصد ألان باديو رئيسيّا الثورتان فى الإتحاد السوفياتي و الصين ] .
هذا مقطع متميّز . على الفور يجبر المرء على طرح سؤال أوّلي على ألان باديو : فى عامل فيه الفظائع تلو الفظائع تكدّس على كاهل الإنسانية ، فى عالم فيه تمرّد المضطهَدون و المستغَلون و إحتجّوا فيقع إخضاعهم ، عادة بالعنف الأشدّ فظاعة ، فى عالم فيه كومونيو باريس وقع ذبحهم و إلحاق الهزيمة بهم ، فى جزء كبير لعدم إمتلاكهم لقيادة و تنظيم وإيديولوجيا ترشد النضال من أجل تحريرشامل – ما الخطّا فى الرغبة فى الإنتصار و الرغبة فى الحفاظ على الإنتصار لبلوغ هدف لا أقلّ من تحريرالإنسانية ؟ هل وجدت مشاكل و أخطاء فى الحفاظ على المجتمعات الإشتراكية " ضد هجمات أعدائها " ؟ أجل ، وجدت و وجدت حتى مشاكل و أخطاء جدّية . لكن الإجابة ليست إعادة السلطة للعدوّ ، أو التخلّي عن النضال من أجل السلطة . المسألة هي كيف يمكن أن ننجز ما أفضل – بالكسب بكلّ من المعنى المباشر و بطريقة متسقة مع الأهداف و القيم البعيدة المدى لمجتمع شيوعي حقيقي .
و إلى مزيد تحليل تشويه باديو لجوهر الطليعة الشيوعية . يرفع باديو الإنضباط و التنظيم فوق اللبّ الإيديولوجي الذى يشكّل حزبا ...حزبا شيوعيّا . يتحدّد الحزب الطليعي بإيديولوجيته و بالمصالح الطبقية التى تتكثّف فيه . و طريقة أخرى لطرح المسألة : يتحدّث الحزب الطليعي بخطّه ( نظرته للعالم و منهجه و السياسات و التوجّه النابعين من ذلك ). و التنظيم و الإنضباط و يخدمان و يعكسان تلك الإيديولوجيا – الشيوعية – وهما يسترشدان بهذه الإيديولوجيا ؛ إنّهم يخدمون الصراع الطبقي ؛ إنهم يخدمون جدلية النظرية و الممارسة ، لولب المعرفة لدي حزب شيوعي ، حتى يستطيع أن يقودالجماهير فى فهم العالم وتغييره ، فى القيام بالثورة فى مجتمع منقسم إلى طبقات .
لكن الخطّ يساوي لا شيء فى الإطار الشكلاني الذى يتبنّاه باديو . (68) فالحزب الشيوعي الصيني فى ظلّ قيادة ماو كان عالي التنظيم و الإنضباط إلاّ أنّ ماو شدّد على أنّ الخطّ السياسي و الإيديولوجي هو المحدّد . هل ثمّة فرق بين كون دنك سياو بينغ قاتل صلب ذلك الحزب من أجل خطّ تطوّر رأسمالي و بين ماو الذى قاتل من أجل خطّ آخر - خطّ مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ، تجاه هدف الشيوعية ؟ هل كان هناك إختلاف و هل هناك إختلاف فى المجتمع الصيني بين 1949 و 1976... و المجتمع الصيني اليوم ؟ أم هل أنّ ماو و دنك أقرباء فى الحزب البيروقراطي ؟
يوجد إنضباط الطليعة فى وحدة جدلية مع الصراع حول الخطّ صلب الحزب . و المبادئ التنظيمية التى طوّرها أوّلا لينين تعنى بكلمات قرار الحزب الشيوعي الثوري " حول القادة و القيادة " :
" درجة عالية من الإلتزام و المبادرة الفرديين ( من الأفراد و وحدات الحزب على جميع المستويات ) مع درجة عالية من وحدة الإرادة و العمل و يخوّل لنا قتال العدوّ بطريقة منظّمة و منضبطة. و يمكّننا هذا من عمل سلسلة المعرفة الحزبية و سلسلة القيادة الحزبية التي تربط الحزب بالجماهير لقيادتها فى النضال من أجل مصالحها الثورية ." (69)
و بكلمات القانون الأساسي الجديد (2008) :
" الحزب بكاملة ملتحم فى سلسلة معرفة و سلسلة قيادة على قاعدة المركزية الديمقراطية .
تعرض قيادة الحزب المبادئ و التحليلات الأساسية و تركّز الإنتباه على المسائل الرئيسية أمام الثورة ، و توجّه الحزب عبر البحث الصارم و النقاش الحيوي لكلّ هذا. و هكذا تمكّن من إيجاد سيرورة غنية من النقاش و الجدال فى صفوف الحزب على أساس علمي . و عندما يحدّد الخطّ ، بحماس يمارسه كلّ شخص عمليا . َمظهَرا المركزية الديمقراطية كلاهما- الجدال حول الخط و تطبيقه الموحّد- ضروريان للسيرورة الشاملة لمعرفة العالم و تغييره على أكثر الأسس الممكنة صحّة و عمقا . و المركزية الديمقراطية لا تخوّل للحزب جماعيا فقط أن يستخلص ، على قاعدة علمية ، أفكار الرفاق فى الحزب و توليفها / تلخيصها ...لكن أيضا التعلّم من تفكير الجماهير الشعبية خارج الحزب ، و تطوير و تعزيز روابطه معها ، كجزء هام من تكريس العملية الجدلية لتعميق فهمه للواقع فى علاقة متبادلة مع قدرته على قيادة الجماهير الشعبية لتغيير الواقع ثوريا بإتجاه هدف الشيوعية. " (70)
فى المجتمع الرأسمالي ، يجب على حزب شيوعي أن يعدّ الأرضية للثورة من أجل إفتكاك السلطة . و كعنصر حيوي فى عمله ، يجب عليه أن يرفع الوعي السياسي و الإيديولوجي للجماهير المتعرّضة للقذف المستمرّ بقنابل الأفكار البرجوازية . إنّه يجلب الإيديولوجيا إلى الجماهير . مقاتلا تأثيرات الإيديولوجيا البرجوازية صلب البروليتاريا و القطاعات الأوسع من المجتمع ، و الدفع نحوالعفوية وقوّة العادة . إنّه يقدم للجماهير رؤية للإشتراكية و الشيوعية و يدرّبها على الفهم العلمي لسير الواقع و خاصة المجتمع و ترابط مختلف الطبقات و الشرائح الإجتماعية .
فى إطار مجتمع تتحكّم فيه الطبقات المستغِلة و عبر السيرالعادي الجاري لمثل هذا المجتمع ، تحرم الجماهير من هذا الفهم . فى المجتمع الطبقي ، فقط قالّة قليلة ( المثقفون ) هم المدرّبون و الذين يطوّرون بيسر الإشتغال فى مجال الأفكار . و هذا يعنى : الحاجة إلى أن يبرز حزب شيوعي التناقضات الطبقية لمجتمع رأسمالي غارق فى الإنقسام بين العمل الفكري والعمل اليدوي . و دون مثل هذا الحزب ، لا توجد مطلقا أية إمكانية للإطاحة بالحكم الطبقي و بالإستغلال الطبقي اللذان يأبّدان مثل هذا التقسيم الإضطهادي .
لكن ماذا عن المجتمع الإشتراكي ؟ لماذا هناك حاجة فى مجتمع لا تعود فيه الجماهير مخضعة ومحرومة من المشاركة بصورة دالة فى المجالات الجوهرية لصناعة القرار والنشاط الفكري ؟ بالتأكيد، سيرورة القيام بالثورة و إفتكاك السلطة تحدث تغييرات هائلة . و القوّة القمعية و ثقل إضطهاد الدولة البرجوازية قد وقع تفكيكه . و تسند دولة جديدة بأهداف جديدة الجماهير فى إعادة صياغتها للعالم . و إضافة إلى ذلك ، فى أثناء القيام بالثورة و إفتكاك السلطة ، يعرف الناس تغييرا كبيرا – تخطّى الإنقسامات و العثور على قوّة جديدة فى الجماعية وتبنّى أفكار راديكالية و شيوعية جديدة .
لكن بالمعنى الجوهري ، بالكاد إبتدأت سيرورة التغيير الثوري بإفتكاك السلطة . لهذا هناك حاجة للقيام بالثورة : و فقط بإفتكاك السلطة و على أساس ذلك ، يغدو من الممكن أن نغيّر جذريّا المجتمع و تفكير الناس . و بالفعل ، مهام التقدّم بالثورة هي الآن حتى أعقد و أكثر تحدّيا ممّا كانت عليه مع إفتكاك سلطة الدولة فى البداية . و هذه المهام لن تنجز ذاتها بذاتها ، لن تتمّ معالجتها بتوافق شعبي دون واسطة .
لماذا ؟ هنا علينا أن نأخذ بعين الإعتبار مكوّنات المجتمع الإشتراكي . مع كافة التغيرات الكبرى التى تحدثها الثورة ، الغالبية العظمى من الناس فى المجتمع الإشتراكي ، حتى لفترة زمنية عقب إفتكاك السلطة ، لن يكونوا شيوعيين ثوريين . فى المراحل الأولى من الإشتراكية ، سيوجد لبّ صغير نسبيّا ملتزم تمام الإلتزام بغايات الشيوعية وأهدافها و مناهجها . وعلاوة على ذلك ، فإنّ البون بين العمل الفكري و العمل اليدوي – بما فى ذلك البون بين الذين كانوا تدرّبوا فى عديد مجالات العلم و الإدارة و كذلك فى حقول مثل الهندسة و ميادين تقنية أخرى ، إلخ و الذين حرموا مثل هذا التدريب- سيظلّ إلى " فترة ما بعد الثورة ". و حتى مع إتخاذ خطوات مباشرة بإتجاه تجاوز ذلك البون ، مع شروع المضطهَدين و المستغَلين سابقا فى دخول مجال الإشتغال بالأفكار بطرق غير متصوّرة فى ظلّ الرأسمالية ، سيكون هذا نضالا طويل الأمد عبر المرحلة الإشتراكية.
و يعود هذا إلى الواقع الراسخ لكون المجتمع الإشتراكي لا يزال مجتمعا منقسما إلى طبقات . و ستظهر قوى برجوازية جديدة من ذات الظروف المادية و الإيديولوجية التى يجب تغييرها فى ظلّ الإشتراكية و تدين بالذات للتناقضات و الديناميكية المميزة و الدافعة للمجتمع الإشتراكي ، فإنّ هذه القوى ستجد تعبيرتها المركّزة فى الصفوف العليا للحزب و الدولة و ستبحث عن أن تجعل المجتمع يسلك طريقا آخر، يعيد تركيز الرأسمالية . و هذه البرامج و النظرات متعارضة مع التغيير الثوري للمجتمع لن تكون برجوازية " صراحة " و من المفيد أن نذكّر بأن فى الصين الثورية ، " أتباع الطريق الرأسمالي " خلال المرحلة الإشتراكية لم يعلنوا عن أنفسهم على أنّهم مدافعين عن الرأسمالية بل وقفوا بالأخرى على أرضيات مزيد من " الفعالية " و مزيد من " العقلانية " و " مستويات عيش أساسية " إشتراكية .
ما يجعل الأمر فى منتهى التعقّد و الحدّة هو أنّ التناقضات الكبرى للمجتمع الإشتراكي تتركّز فى الحزب عينه – بما أنّ الحزب فى السلطة يملك سلطة و مسؤولية غير محدودتين لقيادة سيرورة حلّ تناقضات المجتمع الإشتراكي بإتجاه الشيوعية . علاقة الحزب بالمجتمع تتغيّر عندما يقع تركيز دولة إشتراكية جديدة يقودها الحزب الشيوعي . كحزب فى السلطة ، يمكن أن يتحوّل إلى نقيضه . الحزب و معه إطار الدولة يمكن أن تستولي عليهما البرجوازية الجديدة ، و مجدّدا – لأسباب متصلة بذات طبيعة المجتمع الإشتراكي كمرحلة إنتقالية ، لكن ليست بعدُ شيوعية ، إلى الشيوعية ، مجتمع لا يزال يتميّز بالإنقسام الطبقي القائم فى عالم لا يزال تهيمن عليه لفترة طويلة من الزمن دول إمبريالية قوية – و هذه البرجوازية ستجد تعبيرها الأكثر تركيزا ضمن الحزب الشيوعي ذاته ، فى صفوف قادة الحزب الذين يتبنّون نظرة برجوازية للعالم و " يتبعون الطريق الرأسمالي " ، مثلما لخّص ذلك بنفاذ فكر و علميّا ماو تسى تونغ .
لا وجود لحلّ بسيط للمشكل . إنّه مشكل و خطر نابع من الواقع المادي و الإجتماعي ؛ إنّه لا " يعزى " إلى الشيوعيين " المهووسين بالسلطة " . هذه هي " جدلية " المادة فى الحياة – الواقع ، التى لا يستطيع ألان باديو إستيعابها .
الخطر فى ظلّ الإشتراكية – و هذا ما سنتطرّق له بصفة مباشرة أكثر فى نقاش الثورة الثقافية – هو أنّ السلطة البرجوازية ( أتباع الطريق الرأسمالي ) ضمن الهياكل القيادية يمكن أن تفتكّ السلطة و تحوّل هذه الهياكل إلى أدوات برجوازية تسلّطية لإعادة تركيز الرأٍمالية – حتى بإسم الجماهير و الشيوعية . لهذا يجب على الثورة أن تستمرّ فى ظلّ الإشتراكية لمقارعة هذه المحاولات وكذلك لمزيد تغيير هياكل الدولة و المجتمع . و هذا الفهم و النضال النابع منه ، بلغا أعلى قممهما إلى حدّ الآن فى الثورة الثقافية فى الصين ، و يمثّلان تطوّرا نوعيّا فى نظرية و ممارسة نموذج " الدولة – الحزب " .
و عادة ما يذكر ألان باديو " قدرة بلوغ الحقيقة " لدى الجماهير فى " سياساته دون حزب " . و فى هذا تناقض . ينبغى على المجتمع الإشتراكي أن يعوّل على الجماهير . و ينبغى أن يكون التقدّم نحو الشيوعية إنجازا واعيا للجماهير الشعبية المكوّنة للغالبية العظمى من المجتمع ، و نوع مختلف جذريّا من الدولة يمكّن الجماهير من ممارسة السلطة . لكن تجربة النضال الثوري عبر العالم و المجتمع الإشتراكي قد بيّنت كذلك أنّه من غير الممكن التعويل على عفوية الجماهير ببساطة بالذهاب " مع التيّار" حيث توجد الجماهير ، ببساطة " الثقة " فى الجماهير " كما هي ". تدفع الجماهير فى إتجاهات متناقضة ، حتى فى مجتمع إشتراكي . و التعويل عليها مسألة مبدأ جوهري و توجه إستراتيجي بيد أنّ هذا يحتاج إلى عمل و نضال إيديولوجي ؛ إنّه يتعلّق بتعبئة نشاطها الواعي ( 72) .
و نظرا لهذه المكوّنات الإجتماعية و نظرا لتواصل مثل هذه الأشياء كالعلاقات السلعية و البون بين العمل الفكري و العمل اليدوي و نظرا للتأثير المتجذّر بعدُ بعمق للأفكار و القيم التقليدية فى المجتمع الإشتراكي ، لا تزال هناك حاجة إلى طليعة – و بالفعل لزاما على الجماهير أن تتابع المضي على طريق التحرّر ، صوب الهدف النهائي للشيوعية . و يظلّ من واجب الطليعة أن تقدّم فهما علميّا للجماهير و تدرّبها على النظرة العلمية الشيوعية ؛ و تواصل رفع نظرة الناس للمشاكل الكبرى للمجتمع و العالم . ينبغى على الطليعة فى السلطة أن تتعلّم بينما تقود . على وجه التحديد لتعميق قهمها للعالم و التناقضات الحيوية المأثّرة فى تطوّر الأمور ، ليس فى بلد معيّن فحسب بل فى العالم ككلّ ، و قدرتها على تمكين الجماهير أكثر فأكثر من الإنجاز الواعي للتغيير الجذري للعلاقات الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية و للمؤسسات و طرق تفكيرها الخاصة . مثل هذه القيادة لازمة لتشخيص أكثر المشاكل الحيوية التى تواجه المجتمع و لتقود الكلّ فى تركيز أفضل الظروف الممكنة للنقاش و الصراع ، فى كافة المخاض و الصراع الذين سيميّزان المجتمع الإشتراكي .
خلاصة القول ، فى المجتمع الإشتراكي ستظلّ هناك لفترة زمنية طويلة ، مجموعات أناس صغيرة نسبيّا تمثّل مصالحا طبقية مختلفة و متعارضة تمارس تأثيرا غير متناسب . المسألة ليست ما إذا كانت ستوجد أم لا قيادة فى المجتمع الإشتراكي – أمر وجود نوع أو آخر من القيادة أكيد و متجذّر فى الواقع الموضوعي ، فى التناقضات الواقعية التى لا زالت تميّز المجتمع - لكن بالأحرى هي مسألة نوع القيادة ، فى خدمة أية غايات و أهداف ، تقودها أية مبادئ ؟ و يتركّز هذا فى النزاع الحيوي فى ظلّ الإشتراكية فى : سيتقدّم المجتمع على الطريق الرأسمالي نحو الشيوعية أم يعود إلى الطريق الرأسمالي . و لجميع هذه الأسباب ، بعيدا عن أن يكون " غير ملائم " لقيادة المجتمع الإشتراكي ، فإنّ الحزب هو التنظيم الأهمّ طوال كامل المرحلة الإنتقالية . و دوره يجب أن يكون مؤسساتيّا على نحو يعكس ذلك و يخدم التقدّم المستمرّ صوب الشيوعية .
ولنكن واضحين : كيف نحافظ على الحزب كحزب ثوري كحزب شيوعي حقّا ، مسألة كبرى ، مسألة عالجها ماو بعمق بشكل خاص ، مثلما سنرى فى الفصل المتعلّق بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، و مسألة تحرّك الكثير من الخلاصة الجديدة التى تقدّم بها بوب أفاكيان . ألان باديو – و فى هذا بالكاد هو فريد أو مبتكر – يمكن بالتأكيد أن يشير إلى المشاكل والصعوبات فى المرحلة الإنتقالية الإشتراكية ، بما فى ذلك التناقضات المتعلّقة بالمسؤوليات الخاصة بالقيادة . هناك أخطاء و نواقص ، بعضها جدّي جدّا ، فى الموجة الأولى من الثورة الإشتراكية . لكن دون حزب ، لا فرصة للتشحيص الصحيح لهذه المشاكل و التأثير فيها . أفاكيان إنكبّ على معالجة هذا التناقض بالذات و زاد فى تعميق مفهوم دور الحزب فى المجتمع الإشتراكي .
" يجب على الحزب فى المجتمع الإشتراكي أن يتحرّك كطليعة ليس فقط بمعنى كونه حزب فى السلطة بل أيضا بمعنى المشاركة النشيطة فى وقيادة – عمليّا مطلقا العنان و كاسبا قيادة – الصراع الطبقي فى تعارض مع هذه المظاهر من الوضع السائد التى تصبح فى أي وقت عوائقا أمام مزيد تثوير المجتمع ، ما يقف فى تعارض مع القوى الثورية الجديدة التى يقع التقدّم بها . بإختصار ، يجب أن يكون حزبا فى السلطة و أيضا طليعة الصراع الثوري ضد أي جزء من أجزاء السلطة يقف سدّا فى طريق التحرير التام "(73) [ التسطير مضاف ].
مرّة أخرى حول روسو و التمثيليّة :
نظرة ألان باديو للدولة و الحزب و نموذج الدولة – الحزب تجد جذورها فى نظرة روسو ل " الإرادة العامة " التى لا يمكن أن تقبل وساطة أو تمثيلية ، و يجب أن يتمّ التعبير عنها مباشرة . قال باديو بصدد وساطة روسو :
"... يبيّن روسو بصرامة أنّ الإرادة العامة لا يمكن أن يقع تمثيلها ، ليس حتى من قبل الدولة : ... إنّها تحرّر السياسة من الدولة ... و تكمن كلّيا فى " الوجود الجماعي " لمواطنيها – مناضليها ...
... عدائية روسو تجاه الأحزاب و الكتل – و هكذا تجاه أي شكل من التمثيل البرلماني – تنبع من الطابع الأصلي لأسقاط أن السياسة تتحقّق فى إنتخاب الممثلين بما أنّ " الإرادة لا تقبل التمثيلية " ( 74).
و فى مكان آخر ، يأكّد باديو :
" ... سياسة التحرير لم يعد بوسعها أن تعمل فى ظلّ نموذج الثورة [ سلطة – الدولة ] و لا أن تبقى سجينة شكل- الحزب . و بالتوازي لا يمكن أن تنخرط فى الجهاز البرلماني و الإنتخابي " ( 75).
لن نسرد هنا الحجج حول " الإرادة العامة ". ما هو قار فى هذه المواقف هو أنّ باديو يقوم بحركة شكلية أخرى : مساواة " الجهاز البرلماني و الإنتخاب" للديمقراطية – البرجوازية فى شكل " دولة – حزب " ثوري ، و معياره إدعاء " تمثيلية " الإرادة . مجدّدا ، تخفى هذه الشكلانية الإختلافات الجذرية فى المضمون الطبقي الأساسي بين الدولة الإشتراكية و الدولة الرأسمالية . و علاوة على ذلك ، فى ما يتصل بحزب شيوعي وعلاقته بالجماهير ، يخفق فى المسك بجوهر ما تكثفه طليعة و تمثله فى خطّها .
فى مجتمع طبقي ، السياسة دون واسطة و دون تمثيلية ، دون دول أو أحزاب ، هي فعلا غير ممكنة . فى أرض – روسو المثالية للبناءات الشكلية ، يمكن للمرء أن يتخيّل على هذا النحو – لكن فى العالم الواقعي ، المجتمع الطبقي ليس حرّا أصلا ، أو دون واسطة من الدول و الأحزاب : المسألة مسألة مضمون مثل هذه الدول و الأحزاب : هل تخدم الحفاظ على علاقات الإنتاج الإستغلالية و العلاقات الإجتماعية الإستغلالية و الأفكار التقليدية و تعزّزها – و نعم ، إلى جانب ذلك ، الطبقات و الدول و الأحزاب - أم هي تخدم إطلاق العنان للجماهير لتغيّر المجتمع بإتجاه تجاوز كل الطبقات و الإنقسامات الإجتماعية و نعم ، إلى جانب ذلك ، الدول و الأحزاب ؟
يعيب باديو على السيرورة البرجوازية للإنتخاب – الحزب محاولتها القيام بالمستحيل : أن تمثّل " الإرادة العامة " فى حين أنّه ، فى الواقع ، حسب روسو لا يمكن أنتوجد تمثيلية لمثل هذه الإرادة . و يتفق باديو مع روسو بشأن أنّ الوساطة و التمثيلية تشوّه الإرادات الفردية التى تشكّل" الإرادة العامة ". على هذا الأساس من تشويه تأثيرات الوساطة ، يجد ألان باديو أن " الأحزاب البرلمانية " قد فسدت على نحو قاتل . لكن الواقع مختلف . بينما تدّعى الأحزاب البرجوازية أنّها تمثّل أوتستجيب للإرادات الفردية لخيارات الأفراد الناخبين ( و كتل مثل هؤلاء الناخبين) إلخ، فإنّها واقعيّا تمثّل مصالح طبقة ( البرجوازية ) التى تقف فى تعارض عدائي جوهري مع طبقة أخرى ( البروليتاريا ).
ماذا عن القيادة الشيوعية ؟ بداية ، ليست مسالة تمثيل الإرادة العامة للمجتمع – هذا لا يمكن أن يحصل فى مجتمع منقسم إلى طبقات . لكن القيادة الشيوعية ليست كذلك مسألة " تمثيل " " إرادة الجماهير " مثلما تعبّر عن نفسها عفويّا فى أي وقت معطى . جوهر القيادة الشيوعية هو الخطّ الإيديولوجي و السياسي . و الدور الطليعي للحزب الشيوعي هو " تمثيل " أعلى مصالح الجماهير وحاجياتها الجوهرية – بلوغ الشيوعية – ليس المزاج أو النزعات المؤقتة لهذا القطاع أو ذاك من العمّال أو الفئات الأخرى فى المجتمع ( رغم أن حزبا يتحمّل مسؤولية قيادة المجتمع بإتجاه الشيوعية يجب أن يكون لديه فهم عميق ل " الهيكلة الإجتماعية " و التشكّل الطبقي للمجتمع و أمزجة شتى فئات الجماهير فى أي زمن معيّن ، و سياسات الحزب الخاصّة فى أي زمن معيّن يجب أن تأخذ كلّ هذا بعين الإعتبار ).
دون حزب ، لن تكون أعلى مصالح البروليتاريا مثلما تتركّز فى الخطّ الإيديولوجي و السياسي و تعكس العلم والحركة السياسية الثورية وهدف الشيوعية ، " ممثّلة " أي لن تصبح قوّة مادية و إيديولوجية فى العالم . دون حزب ، ستتمّ فى الواقع التضحية بأعلى مصالح البروليتاريا . و هذه المصالح يجب و لا يمكنها إّلا أن تجد تعبيرا عنها فى الخطّ الإيديولوجي و السياسي للحزب عاكسة و معبّرة عن العلم و الحركة السياسية الثورية و هدف الشيوعية .
لكلّ طبقة أخرى عدا البروليتاريا عفوية – فكر و أفكار تقليدية و ثقل العلاقات الإقتصادية و الإجتماعية فى المجتمع – إلى جانبها . و مقارنة بذلك ،مصالح البروليتاريا الثورية لا يمكن أن تتحقّق بالتعويل على العفوية. لكن للردّ على العفوية ليس بوسع القيادة الشيوعية أن تعوّل على الفرض بإسم قتال العفوية .لا ، التوجه يجب أن يكون إطلاق العنان لسيرورة حول التناقضات غير المعالجة للإشتراكية كقوّة دفع فى المجتمع الإشتراكي - و أجل ، تقديم قيادة هذا - ملخّصين و موضّحين الإتجاه و متعلمين بينما يقودون ، و عاملين على الإطاحة بالتقسيم بين قادة و مقادين .
هناك منطق محدّد – ومرّة أخرى خاصة بالنسبة لفئة معيّنة فى المجتمع ، لا سيما قطاعات متجذّرة من البرجوازية الصغيرة ، هناك بعض الإغواء – بالنسبة لهجوم ألان باديو على الحزب الطليعي ( إنّه " لم يعد مفيدا عمليّا لنا " ) . سياسة المساواة حتى فى تجسيداتها الأكثر " راديكالية " و التى يعدّها هو " تحريرية " ، يمكن أن تجد و تجد تعبيرا عفويّا فى المجال – القوة التى تنجذب إلى المجتمع الديمقراطي – البرجوازي . والسبب هو أنّ الديمقراطية البرجوازية متشكّلة حول مبادئ المساواة الشكلية . و هذا بدوره يتناسب مع و يتعزّز بتأثير الإنتاج السلعي لإقتصاد المجتمع البرجوازي المحكوم بتبادل السلع المتساوية ( تبادل السلع حسب قيمتها ) . لكن حجج باديو لا علاقة لها - أو بأكثر دقّة ، تنأى عن – التغيير الراديكالي للمجتمع ، تخليص العالم من علاقات الإستغلال و الإضطهاد ، و جميع تبعاتها الفظيعة ، و تحقيق تحرير إنساني حقيقي .
" الخضوع البيروقراطي اللاطبقيّ " أم مجدّدا الخطّ هو الحيوي ؟
فى " ما وراء السياسة " ، يطرح ألان باديو سؤاله الضخم : "... يجب أن نثير دون شكّ سؤالا يمثّل اللغز الكبير لهذا القرن : لماذا تندرج السياسة ، سواء عبر شكل الإستعباد الفوري ( للجماهير ) أو إستعباد الوسيط ( الحزب ) فى النهاية فى إفراز الخضوع البيروقراطي و عبادة الدولة ؟ " ( 76) .
توجد مغلّفة فى هذا السؤال أو بالأحرى هذه الأطروحة عديدالمبادئ الجوهرية ل " نظرية مناهضة الكليانية " ( و هذا بالرغم من التنصّل المتكرّر منها ) . فهناك سلسلة من الفرضيات السارية المفعول : أنّ تولى مسؤولية قيادة دولة بروليتارية و تسييرها – و فى هذا الإطار إطلاق العنان للجماهير فى ظلّ قيادة حزب – يؤدى إلى حكم بيروقراطي ( لاطبقي ) و إلى فرض بالقوّة لإرادة هذا الحكم . ولنكشف بعض هذا منطلقين من موضوع البيروقراطية .
فكرة أنّه بوسع الجماهير أن تمارس مباشرة سلطتها السياسية دون قيادة طليعية شيوعية ، دون " دولة - حزب " ( أو بصفة أدقّ دون دولة إشتراكية ينهض فى إطارها الحزب بدور قيادي مؤسساتي ) ، تذهب ضد التناقضات الفعلية و التطوّر الإجتماعي – الإيديولوجي للمجتمعات الإشتراكية التى قد وجدت و ما سيتمّ مواجهته فى المجتمعات الإشتراكية التى ستولد مستقبلا .
إنّ ذات تعقد المجتمع الرأسمالي و كذلك المجتمع الإشتراكي يملى تقسيما عاليا للعمل . فثمّة مسؤوليات إدارة – قيادة مختصّة فى المجتمع الإشتراكي تضع سلطة متفاوتة بأيدي القادة السياسيين . و العلم و التقنية و حقول أخرى تتطلّب درجة عالية من التخصّص و المعرفة المتقدّمة . هنا نجد تعابيرا عن مجتمع منقسم – طبقيّا حيث لا تزال قائمة الإختلافات بين العمل الفكري و العمل اليدوي ، بين المدينة و الريف ، بين العمال و الفلاحين ، بين الرجال و النساء إلخ وتواصل تشيلها لأساس التمييز الطبقي .
فى المجتمع الشيوعي ، سيوجد تمييز فى المهام لكن لن يظلّ هذا محدّدا و رمزيّا إجتماعيّا و لن يعني تبعية عبودية للفرد لأي تقسيم للعمل ، بالأحرى سيوجد تقسيم واعي فى المهام المتعدّدة ، ما سيكون هو ذاته مرنا للغاية .
وفى المجتمع الإشتراكي ، المسألة ليست جوهريّا ما إذا كان سيوجد كوادر و قادة و إداريين إلخ . هذا واقع يرثه المجتمع الإشتراكي . ولنفترض أنكم طردتم كلّ الموظّفين و الإداريين؟ سيكون من الضروري بسرعة أن تترجّوهم للعودة أو أن تجدوا من يعوّضهم ، لاعبين ذات الدور الجوهري لأنّ إقتصادا و مجتمعا إشتراكيين معقدين و مترابطين يتطلّبان قيادة و تنسيقا و مستويات متنوّعة من التخصّص.
لذا هل أنّ المجتمع الإشتراكي سيتأقلم ببساطة مع التقسيم الإجتماعي للعمل السائد ؟ لا . يجب أن يعمل بنشاط و جذريّا ليغيّر التقسيم الإجتماعي للعمل .
والمسألة الحاسمة هي الخطّ – أي خطّ يقود على كافة أصعدة المجتمع ، لا سيما على أرقي الأصعدة . هل أنّ الإدارة فى التخطيط ، هل أنّ القيادة فى التعاليم و فى المجالات الأخرى و فى الوحدات الفردية تخدم التغيير الشامل للمجتمع صوب الشيوعية أم هي طرق تنمّ عن مجتمع طبقي و حتى إضطهاد طبقي يُلجأ إليها و يعوّل عليها ؟ هذا ليس أمرا معطى ؛ ينبغى أن يكون موضوع نقاش و صراع جماهيريين ، و تساؤل إجتماعي مستمرّ .
و فى نفس الوقت ، هناك مسألة حيوية هي مسألة إعادة صياغة الفئة الإدارية و خوض الصراع الإيديولوجي بهدف كسبها لتبقى على الطريق الإشتراكي عامة و بوجه خاص فى دورها ضمن جهاز الدولة ، بينما فى نفس الوقت ، يجرى قتال للحيلولة دون تغيير هذا الجهاز عينه إلى جهاز يخدم دكتاتورية البرجوازية الجديدة . لهذا فيما كانت تستهدف حفنة نسبية من أتباع الطريق الرأسمالي ، كانت الثورة الثقافية أيضا مدرسة عظيمة للتربية و كذلك للصراع الطبقي ، إختبارا شرسا ليس للجماهير فقط لكن بخاصة للحزب و الإداريين فى كافة المستويات .
و مع ذلك ، فإنّ التقسيم الإجتماعي للعمل لا يمكن تجميده . و على قاعدة خطّ ثوري ينبغى أيضا على المجتمع الإشتراكي أن يتقدّم فى تقليص الإختلافات بين القادة و المقادين ، بين العمل الفكري و العمل اليدوي ، بين المحترفين و غير المحترفين و تناقضات أخرى مشابهة ، إلى أكبر درجة ممكنة فى كلّ مرحلة معطاة من التطوّر الإقتصادي – الإجتماعي.
هناك فى أي وقت معطى ضغوطات مادية و إيديولوجية للمدى الذى يمكن أنتذهب إليه فى تقليص البون فى الخبرات و الوظيفة . بيد أنّه علينا أن ندفع هذه الحدود . و سيشمل هذا أشكالا جماعية جديدة ، و سيعنى التجريب مع تعديلات جديدة إجتماعية – مؤسساتية بإتجاه الإطاحة بتراتبية التخصّص الوظيفي و الإداري المعيقة [ لمزيد التطوّر ]. كان هذا احد أبرز بصمات الثورة الثقافية ، توجّه له إمتدادات حقيقية – عالمية و لباديو القليل يقوله بهذا المضمار . و قد بيّنت أيضا الثورة الثقافية أنّ هذه مسألة صراع طبقي . حدثت تغييرات كبرى فى المجتمع الصيني نتيجة الصراع ضد أتباع الطريق الرأسمالي على المستويات العليا من الحزب ( ليس بمقدور باديو إلاّ إستحضار مرجع برّاق و من غير إهتمام لسياسة مزج القيادة السياسية ، بما فى ذلك ضمن الجماهير ، مع الأخصّائيين – أو ما كان يسمى " أحمر و أخصّائي " و " غير المحترفين يقودون المحترفين " ).
فى المجتمع الشيوعي ، صارت مهام إدارة المجتمع والتحكّم فيه و القدرة على فعل ذلك جزءا من المسؤولية و القدرة الجماعية للأفراد على تشكيل مجتمع . مهام الإدارة لن تجسّد بعدُ تناقضا طبقيا عدائيّا أو لامساواة إجتماعية للتخصّص . فى المرحلة الإنتقالية الإشتراكية دور و تحدّى القيادة الطليعية هو إيجاد وسائل عبر تطوير السياسة و تقديم التوجه الشامل للنضال الثوري – نقود بينما نتعلّم ، و نتعلّم و نحن نقود – لمواصلة التقدّم صوب إلغاء مثل هذا العداء الطبقي واللامساواة الإجتماعية من خلال سيرورة طويلة الأمد من النضال الذى سيتطلبه تغيير الظروف المادية و الإيديولوجية مبعث هذه التناقضات العدائية و اللامساواة و التى ستنزع طالما أنّ هذه الظروف ستبقى و لم يقع إجتثاثها إلى إعادة ولادة هذه التناقضات العدائية و اللامساواة .
القيادة الشيوعيّة المؤسساتيّة و تناقض القيادة – المقادين و خلاصة جديدة للمسألة :
لقد كنّا نظريّا نحاجج و نبيّن بالأمثلة التاريخية الدور الحاسم و بالفعل لا بدّمنه الذى ينهض به و يجب أن ينهض حزب طليعي. عندما يقوده خطّ شيوعي ثوري ، الحزب و الدولة الإشتراكية أدوات ثمينة للتحرير و فعلا وسائل ضرورية لدفع المجتمع إلى أبعد من " الكلّ الأربعة " إلى حيث لن توجد بعدئذ ضرورة بقاء مثل هذه القيادة المؤسساتية . جوهريّا مثل هذا الحزب أداة تحريرية طوال هذه السيرورة بكلّ الإلتواءات والمنعرجات التى ستظهر حتما .
و مع ذلك ،ثمّة تناقض عالمي – تاريخي مركّز هنا ، تناقض يخفق باديو فى الإعتراف به و قد رفض " نموذج الدولة – الحزب " و التناقضات الواقعية المتعلّقة بالإنتقال الإشتراكي و وسائل تجاوز " الكلّ الأربعة " .
يخفق باديو فى رؤية الوحدة بين ما يسمّى " الدولة – الحزب " – دكتاتورية البروليتاريا بقيادة الحزب الشيوعي الطليعي – و السيرورة التحريرية التى تطلقها . إنّه يرى سلطة الحزب المتفاوتة على أنّها تتعارض مطلقا مع مبادرة الجماهير ،عوض فهم العلاقة الجدلية الفعلية المعنية و الطريقة التى بها – على أساس خطّ صحيح و طالما أنّه متميّز بمثل هذا الخطّ الصحيح – الحزب سيخدم أكثر إطلاق مبادرة الجماهير من قمعها .
ونحتاج إلى أن نعود خطوة إلى الوراء . إنّها حالة كافة الدول بما فيها الدولة البروليتارية أنّه منذ ظهورها التاريخي ، كانت تقودها مجموعة صغيرة نسبة للسكّان ككلّ ( و حتى نسبة للطبقة التى تخدم الدولة جوهريّا مصالحها ) . كافة أنظمة الدول فى مجتمع طبقي إستغلالي قد خدمت مصالح طبقة مهيمنة مثّلت الأقلية فى المجتمع . و كافة الأنظمة السياسية فى المجتمع الطبقي تمأسس قيادة الطبقة الحاكمة بشكل أو آخر .
و الإختلاف فى ظلّ الإشتراكية هو أنّ الأقلّية التى تقود دكتاتورية البروليتاريا تقف فى علاقة مختلفة نوعيّا مع المجتمع . بخلاف وضع جميع الأشكال السابقة للدولة ، هذه القيادة تركّز و تدافع عن مصالح ليس أقلّية مستغِلّة بل مصالح الغالبية الغالبة للإنسانية فى العالم . إنّها تبحث عن قيادة الجماهير و إطلاق العنان لها لتسيّر هذه الدولة و تتحكّم فى المجتمع – و لخوض الصراعات و إنجاز التغييرات لذا فهذه الدولة فعلا نوع مغاير جذريّا من الدولة . و هذه " الكيفية " من القيادة تهدف إلى تجاوز الظروف المادية والإيديولوجية التى تقتضى كلاّ من دولة و حاجة إلى قيادة شيوعية مؤسّساتية .
لكن هناك هذا التناقض فى المجتمع الإشتراكي : ليست الدولة بأي معنى مباشر أو " غير وسيط " بأيدى غالبية المجتمع . إذ تمارس الجماهير السلطة فى المجتمع الإشتراكي فى آن معا بصفة غير مباشرة ، عبر القادة و الممثلين من منظمات جماهيرية متنوّعة ؛ و بصفة متصاعدة عبر الحركة و التطوّر المتقدّمين للمجتمع الإشتراكي ، مباشرة ، بكسب القدرة على تولّي مسؤولية حتى أكبر أبدا فى قيادة المجتمع و فى إدارة المجتمع على جميع الصعد .
بيد أنّ التناقض بين القيادة و المقادين يظلّ عميقا فى المجتمع الإشتراكي . و هذا التناقض التاريخي العالمي يتطلّب ، مثلما ناقشنا سابقا فى ما يتصل بالدولة الإشتراكية و " إضمحلالها " ، مقاربة جدلية لحلّه . إنّه يقتضى مزيد البحث العلمي و التلخيص لأجل مزيد تطوير أفضل الوسائل للتعاطي مع هذا التناقض و معالجته – لتجاوز التناقض بين الطليعة و أوسع الجماهير ، خطوة خطوة و فى شكل أمواج .
و قد واجه أفاكيان هذا التحدّي و تقدّم مثلما ناقشنا سابقا بالحاجة إلى الحزب فى المجتمع الإشتراكي ليمارس السلطة وأيضا ليكون " طليعة الصراع الثوري ضد أي جزء من أجزاء السلطة يقف سدّا فى طريق التحرير التام ".
و قد طوّر أفاكيان مفاهيم نوع من المقاربة . أوّلا ، يجب أن يتوفّر لبّ صلب من القيادة . و هذا اللبّ الصلب يجب أن يستوعب بصلابة الهدف الجوهري و النهائي للثورة ، بلوغ الشيوعية عبر العالم ، و يجب أن يتمسّك بصلابة بزمام السلطة ضد الضغط الإمبريالي و العناصر الرأسمالية التى تظهر فى المجتمع الإشتراكي – و منها فى الحزب ذاته حيث ستبحث هذه العناصر عن تشكيل قيادات عامة و تصارع من أجل السلطة فى المستويات القيادية – ويجب أن يحافظ على سلطة الدولة الجديدة كسلطة دولة إشتراكية فى مرحلة إنتقالية إلى المجتمع الشيوعي . ثانيا ، ينبغى أن توسّع هذه القيادة اللبّ الصلب إلى أقصى درجة ممكنة فى أي زمن معطى . ثالثا ، يجب أن تعمل بصراحة بإتجاه إيجاد ظروف حيث لن يكون مثل هذا اللبّ بعدُ ضروريّا . و رابعا ، ينبغى أن تعبّر إلى أقصى درجة عن المرونة فى أي وقت معطى . " (77)
و النقطة الأخيرة ( المرونة إلى أقصى درجة ممكنة فى أي وقت معطى ) تشدّد من جديد على أنّه يتمّ رؤيتها ليس كمزيد من النقاش و المعارضة على قاعدة " خطّية " تقريبا فحسب – كإمتداد تقريبا مباشر لخطّ الحزب و سياساته فى أية نقطة معينة- بل كسيرورة أعقد بكثير متضمّنة مبادرة أكبر بكثير من جهة الأعداد المتنامية من الجماهير ، و فى علاقة بها يتعيّن على الحزب أن يجتهد لينهض بدوره الطليعي ويكسب أعدادا متنامية من الجماهير لتصبح أوعي للحاجة إلى أهداف الثورة الشيوعية ولتناضل من أجلها بصورة أوعي . بالتأكيد أنّ الإشتراكية لا يمكنها أن تتبع " خطّ مسار " واحد إلى الأمام لكن يجب أن تشمل أناسا يذهبون و يشعرون بأنّ بإمكانهم الذهاب فى كلّ أنواع الإتجاهات الخلاّقة و المتنوّعة ، يجب أنتشمل المعارضة و الصراع المخاض حول القضايا الكبرى للمجتمع و العالم ؛ ينبغى أن تشمل التعميق المتواصلّ لغايات الثورة الشيوعية و مناهجها ، و المساءلة المستمرّة للمجتمع و قيادته فى كافة المجالات و كافة المؤسسات و الهياكل .
مهمّة القيادة ليست " إدارة " هذا بل تقديم التوجّه العام وفق نظرتها و أهدافها الشيوعيين . و عبر تطوير هذه السيرورة العامة ، سيتسع اللبّ الصلب . و بقدر ما تكون هذه السيرورة أبعد مدى و تفحّصا و تجريبا ، بقدر ما تكون أكبر مخاطر فقدان السلطة . غير أنّه دون البحث بنشاط عن الذهاب إلى " الشدّ و السحب إلى حدود التمزّق " ، كما وضع ذلك بوب أفاكيان ، لن نغيّر المجتمع بالطرق التى يجب أن يتغيّر بها و لن تكسب الجماهير المعرفة و الفهم اللذان يجب أن تكسب و لن تستطيع أن تطوّر بصورة متصاعدة القدرة على الحكم و تغيير المجتمع بإتجاه الشيوعية – و فى النهاية تجاوز التناقضات و الظروف التى تقف وراءها و إبراز الحاجة إلى القيادة الطليعية المؤسساتية .
هذا التوجّه ليس للقيادة فحسب. إنّه مقاربة يجب أن تخوض فيها الجماهير الشعبية فى المجتمع الإشتراكي ، و حتى قبله – فى مسار تطوير الصراع الجماهيري الثوري الذى سيقود إلى الإطاحة بالرأسمالية – يجب على أعداد متنامية من الناس أن تخوض فى هذا كجزء حيوي من الإستعداد للحكم و تثوير المجتمع ، عندما تكون السلطة قد وقع إفتكاكها.
على عكس حجج ألان باديو ، إطار " الدولة - الحزب " – دكتاتورية البروليتاريا بقيادة حزبها الطليعي – أداة أساسية لتحرير الجماهير المستغَلّة و المضطهَدة ، و فى النهاية لتحرير الإنسانية ككلّ من علاقات الإستغلال و الإضطهاد . و تلخيص علمي – مادي وجدلي ، فى تعارض مع مثالي و لاتاريخي – للتجربة التاريخية بما فيها التجربة التاريخية للمجتمع الإشتراكي ذاته تأكّد بعمق هذه الحقيقة الجوهرية . لكن إطار العمل هذا يشهد هوالآخر تطوّرا نوعيّا وهو ما تتطلّبه مرحلة جديدة من الثورة الشيوعية .
=================
الهوامش :
هوامش المقدّمة : 1-8 :

1. Terry Eagleton, Figures of Dissent (London: Verso, 2005), p. 253.
2. Communism: The Beginning of a New Stage, A Manifesto from the Revolutionary Communist Party, USA (Chicago: RCP Publications, 2008), pp. 30-33. Hereafter cited as Communism: The Beginning of a New Stage. Online at revcom.us.
3. "Class truth" refers to the view, which has had considerable currency in the international communist movement, that truth—especially in the realm of the social sciences—is not objective but rather specific and relative to different classes, i.e., the bourgeoisie has its truth and the proletariat has its truth. But what is true is objectively true: it either corresponds to´-or-does not correspond to reality in its motion and development. "Class truth" overlaps with the erroneous idea that people of proletarian background have a special purchase on the truth by virtue of their social position. But truth is truth no matter who articulates it and getting at the truth, for proletarians as well as people of other social and class origins, requires the grasp and application of a scientific approach to society and the world.
4. Communism: The Beginning of a New Stage, p. 24.
5. Communism: The Beginning of a New Stage, p. 25.
6. Filippo Del Lucchese and Jason Smith, "We Need a Popular Discipline: Contemporary Politics and the Crisis of the Negative," Interview with Alain Badiou, Los Angeles, 2/07/07 Critical Inquiry, Vol. 34, No. 4, Summer 2008, p. 646.
7. Avakian s critical explorations of bourgeois-democratic theory and his theorization of the need for communism to more fully and deeply rupture with democracy are addressed in pivotal works that include Conquer the World? The International Proletariat Must and Will (Chicago: RCP Publications, 1981) the polemic "Democracy: More Than Ever We Can and Must Do Better Than That," which appears as an appendix to Avakian s Phony Communism Is Dead...Long Live Real Communism! 2nd edition (Chicago: RCP Publications, 2004), online at revcom.us Democracy: Can t We Do Better Than That? (Chicago: Banner Press, 1985) Communism and Jeffersonian Democracy (Chicago: RCP Publications, 2008), (revcom.us) The Basis, The Goals, and the Methods of Communist Revolution (revcom.us) and Views on Socialism and Communism: A Radically New Kind of State, A Radically Different and Far Greater Vision of Freedom (revcom.us).
In writings on the international communist movement, including Conquer the World? The International Proletariat Must and Will, Bob Avakian has pointed to tendencies in the international communist movement to view the communist revolution as the true upholder of democracy, which was especially pronounced during the Stalin period with political orientations such as the "united front against fascism."
8. Communism: The Beginning of a New Stage, p.32. [back]
هوامش الفصل الثالث : 48- 77 :

48. Communism: The Beginning of a New Stage, p. 22. [back]
49. Alain Badiou, The Meaning of Sarkozy (London: Verso, 2008), p. 113.
50. Badiou, Logics of Worlds, p. 518.
51. Marx, "Critique of the Gotha Programme," p. 538.
52. In 1852, Marx wrote to Weydemeyer, "As to myself, no credit is due to me for discovering the existence of classes in modern society, nor yet the struggle between them. Long before me, bourgeois historians had described the historical development of this struggle of the classes, and bourgeois economists the economic anatomy of the classes. What I did that was new was to prove: 1) that the existence of classes is only bound up with particular historical phases in the development of production 2) that the class struggle necessarily leads to the dictatorship of the proletariat 3) that this dictatorship itself only constitutes the transition to the abolition of all classes and to a classless society." The Marx-Engels Reader, p. 220. [emphasis in original]
53. Badiou, "The Communist Hypothesis," p. 36.
54. Avakian, "Democracy: More Than Ever We Can and Must Do Better Than That," pp. 196-97.
55. Avakian, Democracy: Can t We Do Better Than That?, pp. 253-54.
56. Badiou, University of Washington Interview.
57. Mao Tsetung, "On Contradiction," Selected Works, Vol. I, p. 339.
58. Badiou, "The Communist Hypothesis," p. 11.
59. Avakian has criticized the error of Stalin—an error which persisted with Mao, though to a lesser degree—to equate the defense of the socialist state with the advance of the world revolution, rather than recognizing that there is in fact a contradiction between the defense of the socialist state and the advance of the world revolution. To correctly handle this contradiction, Avakian has emphasized the need for the socialist state to put the advance of the world revolution above everything, including the advance of the revolution in the particular country. Avakian has developed the orientation of building the socialist state as, above all, a base area for the world revolution. See Conquer the World? The International Proletariat Must and Will, published as issue No. 50 of Revolution magazine, December 1981, and "Advancing the World Revolution: Questions of Strategic Orientation," originally published in Revolution magazine, Spring 1984, both available online at revcom.us.
60. Bob Avakian, "Making Revolution and Emancipating Humanity," Revolution and Communism: A Foundation and Strategic Orientation, revcom.us.
In "Making Revolution And Emancipating Humanity," Part One, Avakian notes several main areas of shortcomings, including:
• A tendency towards positivism and reductionism—towards flattening out contradictions and applying a mechanical approach, including in the manner of treating the superstructure as too closely linked to the goal of economic transformation at any given time, linking things in the superstructure too closely to the immediate tasks at hand, particularly with regard to the economic base.
• A tendency towards the reification of the proletariat, as already discussed in the chapter on class, and towards viewing things in such a way that whether´-or-not someone is a proletarian is a crucial factor in determining whether´-or-not that someone has truth in their hands, so to speak.
• A reification of socialism itself in a certain sense—viewing socialism as a static thing and more´-or-less an end in itself, rather than its being understood as a very dynamic process and a transition to communism, leading to some mishandling of the relation between goal and process, so that whatever was happening at a given time became´-or-tended to be identified with the goal itself, rather than being understood as part of a process toward a larger goal. Along with this was a constriction of the relation between the necessary main -dir-ection, in fundamental terms, and what were objectively "detours"´-or-departures from that main -dir-ection but which were seen and treated as dangerous deviations from—that main -dir-ection. This led, to a certain degree, and sometimes to a considerable degree, to a stifling of creativity, individual initiative, and individual rights in the overall process.
61. Badiou, The Century, p. 103.
62. Badiou, Being and Event, p. 110.
63. V.I. Lenin, "Proletarian Revolution and the Renegade Kautsky," p. 260.
64. Avakian, Views on Socialism and Communism: A Radically New Kind of State, A Radically Different and Far Greater Vision of Freedom, revcom.us.
65. Badiou, The Meaning of Sarkozy, p. 115.
66. Badiou, "The Communist Hypothesis," p. 36.
67. Ibid.
68. It is revealing (and frankly astonishing for someone who lays claim to have been a Maoist at one time) that in his essay "The Communist Hypothesis," Badiou matter-of-factly blends and homogenizes the Soviet -union- and China, when they were genuinely socialist societies, with Czechoslovakia, Cuba, and North Vietnam, which never were socialist societies. In Cuba, Fidel Castro put commodity relations in command of planning, organizing economic development around the sugar economy and its international linkages. But in the formalist mind-set none of this matters—all of these societies are sub-species of the "party-state paradigm."
69. "Resolution: On Leaders and Leadership," RCP, USA, revcom.us.
70. Constitution of the Revolutionary Communist Party (Chicago: RCP Publications, 2008), p. 17.
71. Badiou, Infinite Thought, p. 54.
72. See Bob Avakian, Ruminations and Wranglings: On the Importance of Marxist Materialism, Communism as a Science, Meaningful Revolutionary Work, and a Life with Meaning (revcom.us) and particularly the section "Relying on the masses, but not on spontaneity, even in socialist society" for more discussion of this point
73. Bob Avakian, "The End of A Stage—The Beginning of New Stage," "A Final Note," Revolution, Fall 1990, p. 46.
74. Badiou, Being and Event, pp. 347-48.
75. Badiou, Logics of Worlds, p. 518.
76. Badiou, Metapolitics,, p. 70.
77. See Avakian, "Making Revolution and Emancipating Humanity," p. 36.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري