الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة السأم الوجودي ومعالجتها بالتكاثر الاقتصادي!؟

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)

2018 / 5 / 1
العولمة وتطورات العالم المعاصر


عن ظاهرة السأم والملل والقلق المصاحبة للحضارة المادية ومحاولة البشر معالجتها بالملاهي الإلكترونية والعوالم الافتراضية والآلات الذكية!؟
**********************************
تحدّث الكاتب الوجودي البريطاني (كولن ولسون) - صاحب كتاب اللامنتمي! - في كل كتبه ومذكراته كثيرًا عن ظاهرة (السأم والملل) المصاحبة للحضارة!، تحدث عنها بعمق في اطارها الفلسفي والنفسي (السيكولوجي) واعتبرها من أمراض التمدن وأسباب سقوط الحضارات وأن لها ارتباط بظاهرة (القلق)، فالسأم آفة تتآكلنا أو تأكلنا من الداخل بالفعل وتنخر في أعصابنا وأنفسنا بل وأخلاقنا وتوازننا النفسي وفي أغلب الأحيان بدون أن نشعر بهذا التآكل الباطني لنفوسنا أو حتى لحضارتنا المادية!... ويرى (ولسون) أن انتشار حالة السأم والقلق بين الناس تدفع بالكثير منهم إما للإدمان على الخمور والمخدرات أو الإدمان على (الجنس) أو الإدمان على الخرافات أو ربما الانتحار!!، كنوع من الفرار من كل هذا الملل الرهيب والسأم الكئيب!... وهي ظاهرة تصيب البشر الاغنياء أو الميسورين أكثر من غيرهم وقد تصيب الفقراء أيضًا فكما قد يسأم الثري المرفه (الملياردير) من حياته الناعمة والرتيبة ويشبع من كل أصناف المتع فالفقير أيضًا قد يسأم من فقره وذله وذل عياله!.... فهذا يسأم ويمل من حياته المرفهة الناعمة وذاك يسأم ويمل من حياته الشقية الخشنة!!، وفي الحالتين قد ينتحر هذا وينتحر ذاك كما نلاحظ ونسمع!، والسبب هو الملل والسأم والقلق والقرف من الحياة!!!؟؟... ولاحظ (ولسون) أنه كلما زادت المجتمعات في التمدن والحضارة المادية والعمرانية زادت فيها ظاهرة السأم ثم القلق!... ولو تأملتْ الكثير من حالات المرضى النفسيين لوجدت لعامل الملل والسأم وبالتالي القلق الغامض دور في تحطيم قواهم النفسية!... في مجتمعاتنا أحياناً يشكو الناس من (كثرة وفائض الوقت)!!، فتجد من يقول لك : (دعنا نضيّع الوقت!!) بل وأحيانًا يصل الأمر للتفكير في قتل الوقت مع سبق اصرار وترصد!، فيقول لك أحدهم ( دعنا نبحث عن شيء نقتل به الوقت!)، ولكنهم لا يدركون أنهم في أثناء قتلهم للوقت فإن الوقت يسرق أعمارهم ويقتلهم من دون أن يشعرون!، هكذا هي احدى مآسي البشر!!.. وهكذا فإن مسألة الملل والسأم لها علاقة بالاحساس بمرور الوقت فإذا شعرنا بأنه طويل ويمر ببطء سنصاب بالسأم والملل من حياتنا!، وإذا شعرنا بأنه يمر سريعًا بدأنا نشعر بالقلق على حياتنا وعيالنا واقتراب أفول شمس الشباب وحلول الموت!!... ألاحظ في زماننا العجيب هذا ومن مراقبتي للناس أن الانسان بذكائه المتنامي بدأ يجد بعض الحلول الفعّالة لتمضية أوقات الفراغ أو لقتل الوقت كحل عملي لظاهرة السأم المصاحبة لحالة التمدن والحضارة المادية!!، أقصد اختراع بعض الحلول العملية الذكية بما يخفف من مشكلة الملل والسأم وما يصاحبها من قلق يحطم أعصاب ونفسية الناس!، والحل كان عن طريق الإلهاء بالتكاثر!، نعم التكاثر الذي يُلهي الانسان عن الشعور بالملل والسأم والوقت، وأقصد بالتكاثر، تكاثر المقتنيات المسلية الناتجة عن ذكاء البشر وقدرتهم على الاختراع!!.. ففي هذا العصر نحن نشهد موجة تكاثر غير عادية في المخترعات التقنية والآت الذكية المسلية للانسان، القنوات الفضائية الناتجة عن الأقمار الصناعية، ثم لحقتها موجة الكومبيوتر والهواتف الذكية!... أغلب الناس اليوم عاكفون ومشغلون جدًا في العالم الافتراضي ويستهلكون الكثير من الوقت هناك في ذلك العالم الإلكتروني العجيب بين الألعاب والقراءة والمشاهدة والتواصل الاجتماعي!!... وجدوا بين أيديهم (الآلة السحرية) التي تسليهم وتحول بينهم وبين شبح السأم والملل والقلق الرهيب والمدمر!!... ولهذا انخفض عدد المرضى النفسيين بل وعدد الممسوسين ممن تستحوذ عليهم قراصنة شياطين الجن بسبب تهالك قواهم النفسية والعقلية تحت تأثير السأم والقلق والخوف من المجهول والوسواس القهري!!... اليوم مع تكاثر رأس المال العالمي تتكاثر المخترعات والمقتنيات بشكل مذهل!... تشتري اليوم هاتفًا ذكيًا لتتفاجأ في اليوم التالي أنه بات (موديل قديم)!!... شيء غير مسبوق لم نراه بهذا الايقاع الجنوني السريع في القرنين الماضيين!، ففي ذلك الزمن حينما تشترى أحد المخترعات الذكية المسلية كآلة السينما أو التلفزيون أو جهاز التسجيل والراديو يعيش معك طول العمر إذ ليس هناك سرعة في الاختراع ولا في الانتاج، أما اليوم فنحن في عصر ثورة الاختراعات والاتصالات والمعلومات وثورة الآت الذكية التي ربما اليوم تسلينا ، وغدًا ستيطر علينا وتحولنا إلى مجرد خدم لديها وعبيد لها لنجد أنفسنا فيما يشبه فيلم المصفوفة (ماتريكس The Matrix)(*) ، حيث ربما نصبح مجرد (بطاريات طبيعية فسيولوجية) لمد هذه الآلات الذكية المهيمنة بالكهرباء، حينما تعاني الأرض من نضوب مخيف لمصادر الطاقة يهدد حياة هذه الآلات بالموت فتنقلب علينا وتحولنا إلى مجرد بطاريات بشرية نائمة تعيش حياة افتراضية في الاحلام!!... هل يمكن أن يصل بنا مسلسل (التكاثر)(**) إلى هذا الحد من الخيال العلمي كما في فيلم المصفوفة!؟؟.. أترك الأمر لخيالكم!!.
سليم الرقعي 2018
(*) ماتريكس، فيلم خيال علمي من 3 أجزاء يحكي قصة سيطرة الالات الذكية (الروبوتات) على عالم البشر حيث تقوم الآلات بتنويم البشر وحجزهم في صناديق زجاجية وتستعملهم كبطاريات تستمد منها الطاقة!، ثم يستيقظ البطل من هذه النوم الاصطناعي ويخوض معركة التحرر ضد الآلات المسيطرة على الحضارة ويقود ثورة البشر من أجل الاستيقاض من النوم الاصطناعي والخروج من العالم الافتراضي والعودة للحياة الطبيعية!... الجزء الثالث فيه اسقاطات دينية مسيحية واضحة لمن يحاول قراءة المشهد بشكل تحليلي حاله حال فيلم سوبرمان الأخير!!، ولكنني اختلفت أنا وابني (نصر) عن الرسالة الخفية في الجزء الثالث، بينما أنا رأيت أنها دعاية لعقيدة المسيح الفادي والمخلص كما عند المسيحيين رأي ابني (نصر) بانجليزيته التي تفوق انجليزيتي بكثير أن الرسالة بالعكس هي رسالة الحادية ترفض الدين وهي ضد المسيحية!.
(**) جاء في القرآن الكريم : (الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر!)، التكاثر تعبير قرآني عجيب يصف حال النمو الاقتصادي للثروة البشرية فوق الأرض الناتج عن التقدم العلمي والتقني، فهو ظاهرة ملفتة للنظر لا يمكن تفسيرها إلا بعبارة (التكاثر) ولم يصفها القرآن بـ(الكثرة) أو (التكثير)!، فالتكاثر على صيغة (التفاعل!) كما لو أن هذا النمو التكاثري للعلم والتقنية ثم تكاثر الثروة العامة للبشر تقود خطاه قوى أو قوانين ذاتية خفية (جدلية) وسنن الهية كونية لا تخضع لوعينا وارادتنا كأفراد!!، نمو مضطرد للعلم والتقنية يؤثر في أنظمتنا الاجتماعية والسياسية والقانونية ويُنمّي الاقتصاد والثروة على مستوى الكوكب، ولكن طبعًا - للأسف الشديد - بدون رشد وترشيد في الاستهلاك وبدون عدالة وتوازن واحسان في التوزيع بين الأمم وبين الأفراد!، فضلًا عن اجحاف كبير وتعدٍ على حقوق وسلامة أمنّا الطبيعة (الأرض والبيئة!).










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة