الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة جديدة في القضية الفلسطينية (8) فلسطين تستنهض الامة

فتحي علي رشيد

2018 / 5 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


النهضة لغة تعني الحركة نحو الأمام , أو "وثبة " وبمعنى أخر قفزة نحو الأعلى . أما في المعنى الحضاري الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والروحي فتعني التوجه والتحرك لعمل الافضل والأحسن في كل المجالات .
ومن المؤكد أن الإنسان العاقل لا يمكن أن يرفض أو أن يقف ضد كل ما يمكن أن يؤدي إلى نهضة وتقدم أسرته أو قبيلته أو مجتمعه أو أمته أو شعبه ,ولا ضد تقدمهما وتحسين وضعهما .باعتبار أنها لابد أن تنعكس هذه النهضة ـ إن عاجلا أو آجلا ـ على حياته الخاصة وتساهم في تحسين وضعه على المستويات كافة .
وبغض النظر عما إذا كنا نميل للتقدم نحو الأمام أو للصعود نحو العلا أم لا . فمن المؤكد أننا إذا كان لدينا حياء فلابد من أن نتحرك لمواجهة أي خطر يمكن أن يواجهنا . فأي كائن حي ( حتى الحيوان الاميبي ) عندما يتعرض للاعتداء , أو عندما يتحسس أي خطر , لابد أن يقوم برد فعل أو حركة ما يبعد فيها عنه ذلك العدوان أو الخطر .
لهذا نقول لكل من لا يشعر بخطر قيام كيان غريب على أرض بلاده , مثل ما تسمى دولة "إسرائيل" . ولكل من لا يرى أو لا يؤمن بأنها تشكل خطرا عليه أو على شعبه أو على أمته , ولا يريد أن يتعاون أو يتضامن مع أخوته أو رفاقه أو أبناء شعبه , بأنك على الأقل ـ لتبقى حيا عليك أن تتحرك , أي أن تستيقظ وتحس وتشعر بما يدور حولك وتنهض .
ومن المؤكدأن الحكومات العربية لو تحركت عندما بزغ الخطر عام 1947 أو لو كانت متضامنة , أو على الأقل ـ متفقة فعلا على عدم قيامها ( الاتفاق يلزمه حركة أو قفزة ) أو مدركة لخطرها ,لما قامت تلك الدولة ولما استمرت ولما توسعت . ونحن اليوم إذ ندعو للنهضة فليس لتجنب الأخطار التي تتهدد أمتنا من إسرائيل وغيرها فحسب ، بل من أجل الصعود والارتقاء والتقدم والعلاء والرفعة والسمو والحياة الحرة . وبدون مثاليات ـ لكي نكون كبقية البشر لنعش على أرضنا بعزة وكرامة .أو كما قال الطيب نزيني ل"إعادة تأكيد ذاتنا في العالم المعاصر" .
ومن المفيد لنا أن نذكر من لا يذكر أن بداية عملية النهضة العربية الحديثة بدأت كرد فعل على غزو نابليون بونابرت مصر ليتخذ منها قاعدة لاحتلال فلسطين ونقل اليهود إليها ( وهذا ما يؤكده كثير من المؤرخين وفي مقدمتهم " فيليب حتي " المؤرخ الأمريكي من أصل لبناني ) .وكخلفية لهذا التوجه يشير المؤرخين الأموضوعيين إلى أن المصرفيين والحاخامات اليهود ,كرد فعل على دعوة الثورة الفرنسية لليهود للاندماج في الحياة العامة لفرنسا والشعب الفرنسي والأوربي , وليحافظوا على بقاء اليهود الفقراء تحت أمرتهم وليبقوهم خاضعين لسيطرتهم وكيلا يذوبوا . قاموا في عام 1795 بإنشاء ما يسمى مجلس السنهدرين ( المجلس اليهودي العالمي ـ المكون من حكماء بني صهيون ) , بماأن غالبية اليهود كانوا ميالين للاندماج فكان لابد لمنعهم من ذلك من خلق أو إيجاد بديل آخر مقنع أكثر لهم فوجدوا في الدعوة للعودة إلى أرض الميعاد التي بشرهم بها الرب في التوراة ـ بديلا مقنعا أكثر . وهم لم يكتفوا لتلك الدعوة بالكلام فقط, بل قاموا فورا بدعم مجلس المديرين ( الذي تشكل بعد الفوضى التي حلت بفرنسا بعد الثورة) وهو المجلس الذي جعل من نابليون بونابرت (المؤمن بالتوراة باعتبارها تمثل العهد القديم ) إمبراطورا لفرنسا ,وعام 1798 قاموا بدعمه ماليا ليقوم بغزو مصر, وليتخذ منها قاعدة للانطلاق نحو فلسطين واحتلالها ليتمكن اليهود من العودة إليها وهو ما اتضح علنا في خطابه لكل يهود العالم لدعمه . وهناك دلائل كثيرة تشير إلى أن المصرفيين والحاخامات اليهود (لما كانوا يمثلونه من قوة مالية ومن نفوذ سياسي في العالم ) .كانوا منذ ذلك الوقت يخططون لما هو أبعد من فلسطين ,أي لحكم المنطقة الممتدة من الفرات إلى النيل . باعتبار أن معالم انهيار وإنهاء الدولة العثمانية بدأت يومها واضحة للعيان ـ خاصة ـ بعد هزيمتها على يد النمساويين والروس عام 1776 . وبما أن جميع الدول الأوروبية راحت من ذلك اليوم تتنافس على احتلال المناطق الخاضعة للدولة العثمانية .لذلك قرر مجلس السنهدرين أن المنطقة الممتدة من الفرات إلى النيل يجب أن تكون لهم , وبأن الأفضلية يجب أن تكون لهم فيها , باعتبار أن الرب وعدهم بها كما يعتقدون بالتوراة و التي بات جميع المسيحيين الغربيين يؤمنون بها بعد الثورة اللوثرية .
بما يفهم منه أن غزو مصر كان مجرد خطوة ليتخذوا منها قاعدة لاحتلال فلسطين ( وهذا ما تجلى فورا بحصار نابليون لعكا عام 1800) لإعادة بناء الدولة التي دمرها الرومان . لتكون المنطلق لإقامة الدولة التي وعدهم بها الرب ( من الفرات إلى النيل ). ونشير هنا إلى أن هذه النية كانت واضحة للعثمانيين كما للعرب الموجودين في مجلس المبعوثان وفي فرنسا . من هنا كانت بداية يقظة الأمة العربية الغافلة ( التي أشار لها كلا من ابن القدس جورج انطونيوس في كتابه يقظة الأمة العربية , ونجيب عازوري الفلسطيني في كتابه يقظة العرب ) ومن ثم نهضتها . فغزوة نابليون بونابرت لمصر لم توقظ الأمة من غفوتها , بل جعلها تدرك الأخطار المحيقة بها أو التي تتهددها بل ودفعتها للتحرك لإبعادها . ومن محاسن الصدف أن التاجر الألباني "محمد علي " الذي لقب فيما بعد بالباشا كونه وحد المصريين وهزم الإنكليز سعى لتوحيد الأمة العربية لمواجهة هذا الخطر والأخطار الداهمة , فعمل منذ توليه حكم مصر عام 1805 لتقوية الجيش المصري , وبناء على ذلك أرسل عام 1826 بعثة علمية من المصريين الشباب إلى فرنسا لينهلوا منها العلوم العسكرية وعين لها "رفاعة رافع الطهطاوي " ليكون شيخا عليهم . ومن محاسن الصدف أن هذا الشيخ الجليل وجد كما قال " وجدت الإسلام في فرنسا ,لكنني لم أجد مسلمين " .ولما عاد راح يدعوا الأمة إلى التحرك والنهضة والبناء والتقدم والتعلم من الغرب .مستندا على ما قاله الرسول العظيم " خذوا العلم ولو من الصين " . وهكذا أوجد لأول مرة في الوطن العربي الدافع والمبرر المقنع للتعلم مما وصل إليه الغرب من خلال الترجمة وتأليف الكتب الداعية لليقظة والنهضة ,(وهوما فعله هارون الرشيد والمأمون قبل ألف عام , وهوما فعله ابن القدس البار "أكرم زعيتر" بعد مئة عام حيث قام بترجمة أغلب مؤلفات فولتير وروسو ومونتسكيو وغوستاف لوبون , ترجمة تكاد تكان تأليفا من قبله فساهم أكثر من غيره في نهضة الأمة العربية ) وهكذا أحدث محمد علي من خلال مدرسة الطهطاوي نهضة علمية وثقافية وعسكرية عظيمة , فبنى جيشا وأسطولا بحريا قويا , مكنه من توحيد كلا من مصر والسودان والحجاز وبلاد الشام (1832 ) وسعى لأن يجعل منها أإمبراطورية عربية موحدة . لكنه أغتر بقوته فتوجه لاحتلال اليونان , ولم يقدر على مواجهة تحالف القوى الأوربية في نفارين عام 1840 التي دمرت اسطوله وأجبرته على القبول بحكم مصر والسودان فقط . وكانت هذه بداية انتكاسة لأول نهضة سعى العرب إليها . واستمرت بتولي الخديوي "اسماعيل باشا " الذ ي بعد أن أوقف نشاط مدرسة الطهطاوي راح يبذخ بعد فتح قناة السويس , مما أدخل مصر في ديون وجد المصرفيين اليهود بزعامة روتشيلد ( الذي كان يمتلك 75% من أسهم شركة القنال ) في عدم سدادها دافعا لتحريك بريطانيا لاحتلال مصر عام 1882 . ومع ذلك لم تتوقف الحركة المنادية بالنهضة في كل من مصر وسوريا وجبل لبنان والعراق , بل استمرت بخطوات وئيدة . من خلال شخصيات فذة , أمثال محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي .وعبد الحميد الزهراوي . ونجيب عازوري وابراهيم اليازجي ,, إلخ فساهمت في يقظة العرب وثورتهم على الاتراك أدت عام 1917 إلى تحرر وتحرير العرب من الاستبداد التركي .
ونحن هنا إذ نشير إلى النتائج الإيجابية التي احدثتها يقظة ونهضة الأمة في القرن التاسع عشر وبداية العشرين , والتي لا يمكن ولا يجوز إنكارها والتغافل عن الايجابيات التي أحدثتها , لا يمكننا إلا أن نشير إلى وجود سلبيات كثيرة ( تبعية بعضها للقوى الخارجية ) كما رافقتها معارضة واسعة من قبل أغلب رجال الدين والعملاء والمنتفعين . مما كان له دور كبير في تمكين الإنكليز من توسيع دائرة احتلالهم للوطن العربي , ومن ثم تقسيمه بعد هزيمة الدولة العثمانية .
ونشير هنا إلى ان هذا الاحتلال لم يفل من أرادة العرب ونخبهم الحية واليقظة . بل على العكس كان دافعا لنهضة ثانية قادتها كوكبة من كبار المفكرين والشعراء والقادة العرب نذكر منهم .مي زيادة وخليل السكاكيني وميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران , وأحمد رامي وأحمد شوقي ويعقوب صروف ويوسف نمر ونجيب الريحاني وأكرم زعيتر وساطع الحصري ,وأحمد عرابي وسعد زغلول و, و ,إلخ أدت إلى استنهاض الهمم والثورة على الاستعمار انتهت بتحرير البلدان العربية من الاستعمار الغربي بعد الحرب العالمية الثانية وإنجاز كثير من التحولات الاجتماعية والاقتصادية الهامة . وهنا أيضا للأسف ( كما حصل في النهضة الأولى ) رافقت الانجازات الايجابية للثورة والنهضة الثانية سلبيات قاتلة ( سنتناولها في البحث القادم ) أدت إلى احتلال فلسطين وهيمنة الأمريكان على الوطن العربي من خلال انقلابات عسكرية , وإقامة نظم استبدادية أشد وطأة من الاستبداد التركي والاستعماري القديم . ومع ذلك فلقد كان لنكبة فلسطين أثر كبير محرك ومحفز للنخب العربية للثورة على الاستبداد والأنظمة العسكرية كما على الرجعية والتخلف فظهرت كوكبة عظيمة من المفكرين والمناضلين الأشاوس أمثال حناحنا وحنا بطاطو , وقسطنطين زريق و لويس عوض , محمود أمين العالم , وإدوارد سعيد وصادق العظم ومهدي عامل وحسين مروة ومحمد عابد الجابري ومحمد أركون والطيب تزيني وفؤاد زكريا وزكريا ابراهيم , وسمير أمين ,و, وإلخ أحدثت نهضة فكرية وسياسية ثالثة واسعة النطاق , نهضة كان لها دور كبير في إحداث الثورة الحالية , أو ماسميت بالربيع العربي ـ على النظم الاستبدادية والتابعة . وهنا أيضا كما جرى للنهضات والثورات السابقة تدخل الغرب وأمريكا والصهاينة وأدواتهم مستغلين الثغرات والهنات والأمراض الكثيرة ,التي ابتلينا فيها من قبل (التخلف ) , ولما أضيف لها من أمراض جديدة ( مثل الفساد والتعصب الحزبي والصراع بين , النظم المسماة رجعية والتي تسمي نفسها تقدمية , وبين القوميين والاسلامين والشيوعيين , والصراع داخل كل التوجهات السابقة ,إلخ ) وهنات مدمرة أحدثها الانتكاسات والثورات المضادة السابقة( مثل الخوف والانتهازية والخنوع ,إلخ ) فركبت جميع تلك القوى عليها وحرفوها عن اتجاهها الصحيح ,ومن ثم أفشلوها كما حصل في سابقاتها . لكن هذا لن يكون النهاية بل لابد أن يكون بداية ليقظة جديدة ونهضة جديدة وثورة جديدة أوسع وأشمل للتمكن من مواجهة الخطر الحقيقي المحيق بالأمة وهو الخطر الاسرائيلي والقضاء عليه . وهذا ما يتطلب بحثا معمقا وموسعا , سأنشره في كتاب موضوعه "محنة الأمة العربية " .
فتحي رشيد30 /4 / 2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا - مالي: علاقات على صفيح ساخن؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. المغرب - إسبانيا: لماذا أعيد فتح التحقيق في قضية بيغاسوس للت




.. قطر تؤكد بقاء حماس في الدوحة | #غرفة_الأخبار


.. إسرائيل تكثف القصف بعد 200 يوم من الحرب | #غرفة_الأخبار




.. العرب الأميركيون مستاؤون من إقرار مجلس النواب حزمة مساعدات ج