الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية.. بين الهيمنة السياسية والتسقيط

عبد الحسين العطواني

2018 / 5 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


الديمقراطية .. بين الهيمنة السياسية والتسقيط

د. عبد الحسين العطواني
شهد العراق خلال الفترة الماضية انفراجا ملحوظا في عملية التحديث والتنمية , تخللته حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي , باعتبار ان الحدث الديمقراطي الذي يشهده العراق حالة لا تجري بمعزل عن محدداته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية , ففهم مسار التغيير والوقوف على ملامح النظام السياسي القادم في ظل تجاذبات سياسية لا ينفصل عن دراسة موقف المجتمع العراقي , كما ان موقف الشعب من التغيير السياسي يظل مرهونا بمدى حدوث تغير قيمي عميق يتضمن تغير السلوك السياسي في ظل ما تعرضت له البنى الاجتماعية من اهتزازات خلال الفترة الماضية لكون التجربة الديمقراطية لم تنجح في صنع أنموذج أو مشروع تنموي مرموق ولم تكن تطبيقا لتجربة حقيقية ومتكاملة لتلمس حلول الشعب ومشكلاته , بل كونت أفكارها ومواقفها المتوخاة من الهيمنة السياسية , ولهذا يبقى الشعب مترسبا في قاع التاريخ وهو يعاني حالة من انعدام الجاذبية الإيديولوجية وذوبان شخصيته وهويته وأنموذجه السياسي , ومن فقدان الفاعلية الحضارية لتوجيه مجهوداتها نحو بناء الذات وتكوين الطاقات الإستراتيجية وصناعة مشروع نهضتها .
ومع الهشاشة الأيديولوجية فأن بعض السياسيين لم يتورعوا في الاستحواذ على السلطة وهدر المال العام , وان هذه الخلفيات والتداعيات مزيجا مريرا من الفرح والدهشة والخوف , فأما الفرح فلان النظام السياسي الجديد بعد 2003 يثير في قلوب الشعب مشاعر الأمل في لون المستقبل , وان كان فرحا مع وقف التنفيذ لأنه لم يستكمل بعد شرط التغيير , وإما الدهشة فلان الآليات التي شهدها النظام الجديد ما تزال تتضمن الكثير من انعدام التناغم , بسبب عجز قادة تلك الاحزاب والتيارات ورموزها من وضع أنموذج للطروحات والحلول التي يمكن ان تنقذ الشعب من أزماته وويلاته .
وهذا الأنموذج سيستمد نجاحه وقابليته للاستمرار من قدرته على بناء عقلية سياسية على درجة عالية من الوعي والفهم , أو ابتكار أنموذج سياسي واجتماعي جديد , وهنا ليس مهما ان يكون الواصلون إلى مقاعد الحكم مفكرين وعلماء , بل من المهم ان تتوافر فيهم نضوج الفكرة والرغبة الكاملة والإرادة الجازمة في تبني المشروع وتحويل الفكرة الأنموذج إلى واقع , إما خلاف ذلك ستظل عملية الديمقراطية عملية إعادة مملة واستبدادية لشريط الدورات الانتخابية السابقة , ولكن بوجوه وأحداث مختلفة .
لا ريب في ان الإسلام يملك معجزة المواكبة ومحركات التجدد والتواؤم مع المتغيرات الزمانية والمكانية , وان زيادة الشرعية والقبول السياسي يشمل جميع القوى السياسية والوطنية من دون استثناء بغية الاتفاق على تحول ديمقراطي كبير , وإجراء الانتخابات وتطوير النظام الانتخابي وضمان حيادية المال والإعلام والوظيفة العامة في المراحل الانتخابية وتمكين المرأة وزيادة مساهمتها في العملية السياسية , ومع ذلك فان المحك الحقيقي سيكون في مقدار مصداقية الإرادة لإنهاض الشعب وإعادة أعمار ما دمره الإفلاس الأخلاقي والقيمي بالنكوص ضد الشخوص وافتعال الكبوات في سبيل إقصاء الأخر , لا بالرأي المؤيد بالأدلة والحقائق , ولا المهارة المعرفية , ولا بالجدارة المنهجية والموضوعية , ولكن بهدر الإمكانية في انتحال الأكاذيب وتجريح المنطلقات العقيدية والفكرية , لتكون أزمنة الانحطاط جعلت من البعض مزودين بكل معاول الجرأة والمصادمة في مواجهة الهيكل الثابت الممنوع من التغيير , مزودين بكل أدوات التردد والانهزامية في مواجهة التفاصيل المتغيرة الخاضعة للتغير , بل ان أزمنة الانحطاط تمادت إلى ماهو ابعد من ذلك فأصبح يتبنى أفكار أو منتجات لا تتناسب والبيئة الاسلامية العربية , وذلك من خلال الانضواء في اطر حزبية بتشويه منهجي مقصود من مواقع التواصل الاجتماعي كما حدث لبعض المرشحات للانتخابات بقصد تدشين فكر الحداثة والتنوير والتغريب والانحراف الفكري وتدمير القيم وهدم الموروث بخيره وشره , هؤلاء الذين لم يجدوا وسيلة أكثر تعبيرا عن التسقيط بفضح الآخرين اثروا فضيحتهم بطريقة مؤلمة وغير إنسانية دون ان تتحرك في ضمائرهم أي بوادر المشاعر الإنسانية , ودون ان تستيقظ فيهم أي وازع من ضمير إلا ان هذه الوصفة وهذه اللعبة لم تنجح لان الجميع يعرف ان المزاج الشخصي أصبح معيارا للالتزام والانحلال متخذين الرذيلة والإباحة نشاطا بعيدا عن القيم والأخلاق والمبادئ والجذور العربية التي امتهنت حق النساء في ممارسة المواطنة , وامتهنت كرامة حقها في إثبات الوجود , وامتهنت كرامة حقها في تنفس الحرية , فما هو سبيل خلاصها من اضطهاد الوصاية , ليلجأ أولئك في إفلاس واضح إلى استدرار ذلك الإقصاء بتشويه سمعة البعض من المرشحات بداع أو بغير داع بهدف تسقيطها ومن ثم إجبارها إلى التنحي من المواجهة السياسية والإدارية والى الركوع تعظيما لطواغيت الديمقراطية .
أليس العمل بأبداع وتميز واستقلالية ذهنية وفكرية كاملة بعيدا عن الأجندات المرسومة والبرامج المفخخة والتسقيط المقصود , وبعيدا عن الانسياق نحو التقليد الأعمى والاقتباس العشوائي , وبعيدا عن استيراد الأفكار المعلبة التي لم تخضع للتقويم والمراجعة والتجريب طريقنا لإرساء مبادئ الديمقراطية التي ينشدها الشعب العراقي بجميع مكوناته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات