الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضوء نقدي (( ايزيس حارسة الاقمار )) الشاعرة المصرية : منية الحسين

منير الكلداني

2018 / 5 / 3
الادب والفن


النص : أيزيس حارسة الاقمار



الشاعرة المصرية : منية الحسين



ضوء نقدي : منير الكلداني



النص :





وأنتِ أيّتها الطّالعة مِنْ حجرِ الصّمت


المُباغِتة كشرارةِالإنْسِجام بين قَلبين أصابهما سهمُ الفناء في عشق

اقتربي وابتكري البريقَ في عيني؛ كي أراكِ بلا رتوش،

وربّما ياحبيبتي أجهشنا معا بالحياة،

حدثيني عَن شفرةِ اغترابٍ تُحزّ صمودَ الخاصرة..

عن زلزلة الحواسِ حين يَصْطكّ الألم بالألم

عن هدوئكِ العاصف، حين تبْتلعين أنْفاسي كلّها..،

وأبحثُ عنكِ فلا أجدُك

حدّثيني عن الكلمات التي تعزف شفتيك بلا إيقاع

وكيف يايمامة الأيْكِ سيتكلم بكاء أوتارك،

كيفَ ستخُوضين حروبكِ الدّامية مع هذا العالم المُستوحش

كم قلباً سيسعفكِ لتغزلينَ أمومتكِ الرؤُوم

في عيونِ الطّفولة الدّامِعة

لتهنْدِمين مِنْ عظامك الباردة معطفاً يأْوي عَرايا الأرواح

كم كتفاً ستطاوعكِ في حملِ المُدن الغارقة في بِركِ الدّماء..؟

وانتشال الأحلام المُبللة بذاكرةِ الأعيادِ البعيدة ..

يازيزفونة العِطر المُهاجر في طللِ الفصول

أعيدي لي صرخة الإلتحام

طيبة الألوانِ في قوسِ المطر

أعيدي لي وجه قلبي النّابِت في توابيتِ الغبار

وحين تنبضِين بي ، تفْركين عن كاهلك موت الحياة فينا

أخبريني عنِ القمحِ والعصافير وأشجار الرّنَد العاطرة

عن جلالِ النيل وفتنة اللوتس وهيبة إيزيس حَارسة الأقمار

صافحيني بالوطنِ المُنْدلع في أقاصي رمادك

بالمحرابِ المُضاء بتباتيلك

ثمَّ ضمّيني إليكِ ولو لليلةٍ واحدة،

تتنزّلين فيها حنونة كتراتيلِ السّلام، وتُلامِسين

الوهجَ السّاكِن في الأعماق

فيكتمل ضوءُ الحنين كاكتمالِ ملامح البدرِ فوق قبّة الغيم

وتَشْتدّ سواعدُ العودِ التي تهدّلتْ من لسعةِ الزمن

هي ليلةٌ تختال فيها الطرقات بسندسِ الأمان

فتختبئُ الثعابين في جحورها وتلفظُ الذّئابُ أنيابها

يعودُ فيها الجنود متوّجِين بأكاليلِ النّصر

..

تفشّي فِيّ أيّتها الحكمة التي تجلتْ بالسّحرِ الأعْلى

وتعالي ننزع لعنةَ الرّصاصِ الضّرير من الأجسادِ البريئة

نمسح أنّةَ الثّكالى، ونربتُ على حيرةِ المُشرّدين

نفضُّ غصةَ المُرّ مِن حلوق الجِياع ونَحُوط مدينتنا

بالسدْرِ المَخضُود

تعالي نُعمد الفجرِ الوليد بتعاويذ الخلُود





دالة النص :



يعتبر المورث الحضاري شعاعا يلهم الفرد بربط حاضره بذلك المورث وكلما كان ذلك عتيدا كان توليفه شيئا ساميا لانه يحمل في طياته الحنين الى ذلك التاريخ ، واي فرد يفتخر بحضارته فاعلم انه قد فقدها فلو كان الحاضر مراة للماضي لما احتاج الفرد لان يستعين بشيء مضى عليه زمن بعيد ولعلنا نلمس عذرا في ذلك الفخر لكونه يجعل من تحفيز الامل شيئا واردا ورسالة لجيل تميز بخموله واتكاله عسى ان تنفعه تلك النفخة الروحية لاحياءه ، وهذا ما نجده جليا في نص الشاعرة (( منية الحسين )) في قصيدتها الرمزية (( ايزيس حارسة الاقمار )) حيث العنوان يعطيك بدءا دلاليا للرجوع الى ماضي الالهة في عصر الفراعنة وهي الهة (( الامومة والقمر )) ولعل حكايتها تعطينا عمقا للولوج الى النص الذي امتلا بالرمز التكثيفي وهو من الانواع التي تعتبر قراءته صعبة للمتلقي لاحتوائه على دوائر غير متسلسلة من الصور العمودية والتي يصعب فهمها ولكن الشاعرة استطاعت بما تمتلكه من ادوات ان تجعل من التوكيدات مفاتح للفهم ...

ف ايزيس باختصار تلك الام التي فقدت عزيزا عليها فصقلت روحها وصنعت المستحيل لتعيده حيا وهذه الرمزية تبدا بوضوح انطلاقا من قولها :



كم قلباً سيسعفكِ لتغزلينَ أمومتكِ الرؤُوم



تساؤل ياخذنا الى تعدد القلوب وما حاجته وهو دالة الاستيعاب الشمولي فهي اشارة الى تعدد في الرؤى والمشاعر والام في تجسدها الملكوتي هي التي تحمل كل ذلك فتستطيع ان تستوعب اولادها مهما كانت امزجتهم ومشاعرهم وكم يكون هو صبرها خاصة اذا علمنا عمق الم الفقد الذي تعرضت له ايزيس من هنا تتجلى صورة الشاعرة وايزيس و

وأنتِ أيّتها الطّالعة مِنْ حجرِ الصّمت

لتتكون ثلاث صور بعضها تشخيصي وبعضها واقعي خيالي يلمس الواقع وهو بحد ذاته من التجليات النصية واعتقد بان الوسط التشخيصي هو الذي تركز عليه الكاتبة (( تكوينا )) وكانه نداء لشيء يخصها هي (( ذكرياتها – فكرها – موقفها – ترددها )) دلالة قولها (( حجر الصمت )) والحجر بمفهومه (( التراثي )) يمثل قصة الخروج سواءا بتشقق الانهار او تفجر الماء ربطا بحضارة الفراعنة متمثلة في ايزيس فالشاعرة تنادي ذلك المشخص الخيالي لتقول له

وربّما ياحبيبتي أجهشنا معا بالحياة

وهو وضوح في مدى الضياع الذي تواجهه الشاعرة وبه يتفتق فهم (( المرآة )) فكانها تنادي نفسها (( حبيبتي – فهما اوليا ليس كليا )) في تضاد البكاء مع الحياة وهو تضاد اعتبره من ارقى تضادات المضمون الذي يمزج الالم الهائل بالحياة فعادة ما يكون الفرح مرتبطا بالحياة ولكن ايزيس هنا ترى ان حياة حبيبيها المفقود ناقصة رغم ايمانها بالعالم الاخر فهي ارادت حياة توازي احلامها وما تصبو اليه وهي مشتعلة بذلك الغضب الذي اخذ (( الصمت )) كليته فباتت حبيسة (( نفسها ))

حيث تقول :



عن هدوئكِ العاصف، حين تبْتلعين أنْفاسي كلّها



فالمراة هي من تقوم بذلك انها ظل منية الظل المسيطر في (( قوة ايزيس )) وهي اشارة الى تضحية مؤلمة لم تتجاوزها الكاتبة الا بمزيد من الشجن والالم (( حين يصطك الالم بالالم )) فالاثنين عبارة عن (( الم )) صورة حركية مفسرة بعمق الشعور الانساني بحيث يصل الوصف قمته (( توابيت الغار )) وهو يكاد يكون محللا ببكاء الحياة حيث يكون الموت هو الشبح الساكن في هذه الصور (( اعيدي وجه قلبي )) دالة ضياع الهوية التامة وبه نفهم عمق التاثير الموازي للحركة النصية في تدوير صورها بحسب المضامين الكلية ، وفي اطار الوضع المتازم الذي تعيشه الشاعرة داخليا تحاول ان تلقي الضوء بوضوح على العالم الذي اوصل هذا الجزع الى ابعده وكيف كان لهذا العالم ان يطمس الانسانة وان يمحو ايزيس تلك الام الحانية تلك الحضارة التي فقدت بريقها وما جلبه الزمن عليها من انحطاط وضعي لجميع المقدرات ، انها (( أي منية )) تستنهض الضمير الانساني عبر تلك النداءات التي اخذت طابعا توكيدا شديدا في منحدرات العمق ونعجب من قدرة الكاتبة على توظيف دالة الموت باكثر من وجه بما يعطي الزخم المضموني مراده فتارة نجده حياة وحسب وتارة بعث واخرى



تفْركين عن كاهلك موت الحياة فينا



حيث تجعل من الحياة هذه (( موتا )) وهو موت دلالي يربط ماضيب الشاعرة بحاضرها وماضي بلدها بحاضره في ثالوث الجمال الابداعي الذي اعتبره هيمنة على الرؤيا الانبثاقية لحظة التكوين وكانها تسطر من صورها اتزانا يصعب ان يجيده كاتب ، نعم انها رحلة الالم في منية الانسانة منية الام ووطنها منية الفقد ووطنها الذي تنهشه الظلمات بشعور الانسان انها تصرخ

عن جلالِ النيل وفتنة اللوتس وهيبة إيزيس حَارسة الأقمار

وما اجمل تلك الكلمات حيث تحمل (( الجلال )) للبلد للانتماء للحضن الاول لحضن (( ايزيس – منية )) الام التي لا تزال تحرس (( اقماراها – اولادها )) لان (( منية – ايزيس )) هي الوطن الاسري والاجتماعي وعند نقطة التضاد ان (( منية – ايزيس )) عجزت عن صد الاخطار التي سارت بيد القدر وهذا غاية في رصف توازيات المنظورات باتجاهاتها المتقاطعة والمتعاكسة وتظهر قوة الاتحاد في قولها :

صافحيني بالوطنِ المُنْدلع في أقاصي رمادك

نداء (( خفي )) للمشخص (( الثالث – ما داخل منية )) والثاني (( ايزيس – منية الظل والقوة )) في تصوير مؤلم لما وصل اليه البلد بعد ان احترق وهو نداء (( مضمن اخر )) للنار التي اشتعلت عند (( منية الانسانة الام – ايزيس الفاقدة )) ، ولا يفهم النص الا من خلال ذلك ففيه مساران قريبان ولكنهما بعيدين (( الام بمعناها الضيق والام بمعناها العام )) (( الاسرة والوطن )) وكلاهما تجسدا في صوت واحد (( منية – ايزيس – المشخص )) (( الثالوث الواحد ))

وياتي باقي النص ليكون رسالة لكل من كان انسانا لكل من يفهم (( تراتيل السلام )) وهي اشارات يفهمها المتلقي بكل يسر بعد ما تم ذكره من معرفة الاغلاق المحكم لهذا النص المحكم

دالة اللغة

1 – جاءت الالفاظ بسيطة متيسرة الفهم ولا وجود لالفاظ نابية او شاذة باستثناء بعض الالفاظ التي قد لا يفهمها المتلقي ليس لغرابتها بل لقلة تداولها حاضرا مث (( الرؤوم )) وتعني (( الحنون او العطوف )) و (( السدر المخضود )) وهو لفظ قراني وقد قالوا عنه ((عبارة عن شجر ينبت في الجبال والرمال ويستنبت فيكون اعظم ورقا وثمرا واقل شوكا وهو لا ينثر اوراقه ويقيم نحو مائة عام ))

2 – التركيب اللغوي جاء في اعلى مستوياته من التراكيب بجميع اشكالها الاولية والثانوية والجملية مما اعطى بعدا صوريا متعدد الرؤى ومختلفا في التفسير ونتيجة لهذا كان النص بمثابة خطوط غير محدودة في النص واذا اخذنا مثالا رياضيا عن احتمالية التعدد الصوري سنجد ما يلي



وأنتِ = 1



أيّتها الطّالعة = 2

مِنْ حجرِ الصّمت = 3


المُباغِتة = 4

كشرارةِالإنْسِجام = 5

بين قَلبين = 6

أصابهما سهمُ الفناء في عشق = 7

هنا نجد 7 صور وبتجزئتها المضمونية تصل الى 14 والى 21 وهذه تعطيك مثالا واضحا لتلك الخطوط المكثفة في مسار اللغة وهي رسالة لكل من ينادي بعجز هذه اللغة عن خلق الصور بمجراها البلاغي الاصيل فالشاعرة (( ايزيس – منية )) اتت بالبلاغة على اصولها من غير (( هجين او تفجر غير محسوب )) واستطاعت ببراعتها ان تجسد تلك المضامين العالية في حدود اللغة لان اللغة العربية ليس كما يفهمها البعض بل هي لم يفهموها

3 – كان لفعل الامر تجليا واضحا وهو من اساليب الطلب وكان له دور في ايضاح كثير من المعلومات المتعلقة بالنص وفهم دلالة الطلب يعود من المنادي الى المنادى اليه (( الطالب والمطلوب )) بما يشمل التساوي والتعالي والمفهوم من تلك هي (( المساواة )) بمقارنة تتبع الحركة الصورية في المقاطع

دالة خارجية

نستطيع ان نقول ان النص يوضح (( حزنا نفسيا )) عميقا اثناء التكوين وهذا يعطي شعاعا من النص ان تلك الحالة تجلت في اغلب المقاطع الم نقل بكلها بجمع المتفرقات وحالة الحزن هذه نستطيع اختصارها (( بالفقد )) بجمع عدد من المعطيات النصية ومن هنا وجدنا كل هذا الالم في سلسلة لا حدود لها

واخيرا

تعالي نُعمد الفجرِ الوليد بتعاويذ الخلُود

ايتها الشاعرة المبدعة لنجعل من قسمات مجدك يراعا يخط الامل لامة الادب

لك المجد مرفلا

منير الكلداني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه