الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ستتعافى مصر بوصفة صندوق النقد الدولي؟

كاظم حبيب
(Kadhim Habib)

2018 / 5 / 3
الادارة و الاقتصاد


اعتمد الزميل الدكتور ناجح العبيدي على تقرير لـ "وكالة فيتش للتصنيف الائتماني" حيث نشرت في "أحدث تقرير لها عن تقييمها الإيجابي لأداء الاقتصاد المصري وأكدت تحقيق المزيد من التقدم في استعادة استقرار ميزان المعاملات الخارجية"، دون أن يعود للدراسات المهمة الصادرة عن المعاهد البحثية والأحزاب السياسية المصرية لمعرفة وجهة نظرها بما يجري في مصر في مجال الاقتصاد، إضافة إلى الوضع السياسي والاجتماعي والسياسات غير الديمقراطية والفردية المتفاقمة بمصر. ورأي إن مصر "بعد فترة عصيبة بدت فيها وكأنها ستصاب بجلطة اقتصادية قاتلة نتيجة التراجع الحاد في احتياطيات النقد الأجنبي واتساع العجز في ميزان المدفوعات والموازنة العامة للدولة. غير أن مصر لم ترفع راية الإفلاس ولجأت إلى الطريق الصعب لحل المشاكل وهو الشروع بإصلاحات جذرية كان يُفترض أن تُنفذ قبل عقود"، جاء ذلك في مقال تحت عنوان "أطلبوا الإصلاح ولو في مصر" نشر موقع الحوار المتمدن بتاريخ 02/03/2018 ثم نشر في جريدة الزوراء العراقية ومؤرخ في 4 مارس 2017، علماً بأني اطلعت عليه بتاريخ 28/04/2018. فما هي الإجراءات التي اتخذتها القيادة المصرية ورآها الزميل العبيدي الطريق لحل مشكلات الاقتصاد المصري؟ يقول الدكتور العبيدي ما يلي: " ورغم أهمية المنح العربية والقروض الدولية إلاّ أن السيسي اختار التركيز على الطريق الثاني. ولهذا بدأ بإجراءات تقشفية غير مسبوقة ومنها مراجعة جذرية لسياسة دعم الوقود والمواد الغذائية وفرض ضرائب جديدة وترشيد الإنفاق العام وتعويم الجنيه المصري وغيرها. وجاءت هذه الخطوات بالتزامن مع نجاح الحكومة المصرية في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي وافق في نهاية عام 2016 على منح مصر قرضا إجماليا بقيمة 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات." ويشير إلى وجود ردود فعل مختلفة ولكنه لم يشر إليها في هذا المقال.
لقد اختار النظام المصري السياسات والإجراءات التي يقترحها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى جميع الدول النامية، ومنها مصر والعراق وغيرها، والتي تتوجه بالأساس ضد مصالح ومستوى معيشة والخدمات الأساسية للغالبية العظمى من سكان هذه البلدان، والتي تخدم بالأساس مصالح الرأسماليين والمضاربين بسوق الأوراق المالية والفئة البيروقراطية الحاكمة، إنها الطامة الحقيقية على كادحي مصر. فماذا تقول وصفة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من أجل منح هذه الدول القروض المالية بما يجعلها تابعة وخاضعة لمشيئة وإرادة ومصالح المؤسسات المالية الدولية، تلك الوصفة التي تقدم تحت عنوان "سياسة التثبيت والتكيف الهيكلي للاقتصاد".
يراد بالتثبيت الاقتصادي، من وجهة نظر اللبراليين واللبراليين الجدد، تجاوز العجز الدائم في ميزان المدفوعات للاقتصاد المصري بسبب وجود فائض في الطلب يزيد عن قدرة الموارد الذاتية لمصر مما يدفع بها إلى الاستدانة، والتي ترتبط بدفع فوائد الديون التي غالباً ما تقصم ظهر الناتج المحلي الإجمالي وتدفع بالبلاد إلى الاستدانة المستمرة. وتقترح هذه الوصفة أربعة إجراءات في مجال التثبيت الاقتصادي تذكر في جميع الأدبيات الاقتصادية وهي: "1. خفض فجوة الموارد المحلية. 2. تخفيض نسبة عجز الموازنة العامة للدولة إلى الناتج المحلي الإجمالي. 3. امتصاص السيولة المحلية لتخفيض معدل التضخم. 4. تخفيض القيمة الخارجية للعمل." (أنظر: د. عباس الفياض، الخصخصة وتأثيرها على الاقتصاد العراقي، صفحات للدراسات النشر، دمشق، سوريا، ط1، 2012، ص 157".
والهدف من وراء ذلك الوصول إلى استعاده التوازن الكلي للاقتصاد من خلال مجموعة من الإجراءات هي تصحيح لعجز في الموازنة العامة للدولة وتحرير سعر الفائدة وتوحيد سعر الصرف)"، (انظر: عبد المجيد راشد، سياسة التثبيت والتكيف الهيكلي، موقع الركن الأخضر، 12/01/2008).
أما الجانب الآخر من الوصفة والتي يطلق عليها بالتكيف الهيكلي للاقتصاد فهي بالأساس تسعى إلى:
1. تصفية فعلية وكاملة لقطاع الدولة الاقتصادي وخصخصة جميع مشاريعه القائمة.
2. إعطاء القطاع الخاص الدور الأول والرئيس في الحياة الاقتصادية.
3. الكف عن تقديم أي حماية للصناعة الوطنية.
4. إطلاق الحرية التامة لآليات السوق.
5. تقليص الضرائب المباشرة وفرض الضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات.
6. "تخفيض سعر الصرف للعملة المحلية وإلغاء القيود على المدفوعات الخارجية (تحرير الحساب الجاري، وفي مرحلة تالية تحرير حساب رأس المال.
7. إحلال الرسوم الجمركية مكان القيود الكمية.
8. خفض الرسوم على الواردات.
9. إلغاء المؤسسات الحكومية لتسويق الصادرات.
10. التخلي عن حماية الصناعات المحلية.
11. إلغاء اتفاقيات الدفع والتجارة الثنائية.
12. السماح بتمثيل الوكالات الأجنبية." (قارن: عبد المجيد راشد، المصدر السابق).
إن النتائج الفعلية لمثل هذا النهج الاقتصادي، بخلفيته السياسية الصارخة، كارثية حقاً على الاقتصاد الوطني والمجتمع وعلى استقلال القرار الاقتصادي لمصر وعلى الغالبية العظمى من سكان مصر، أي لأكثر من 80% من سكان مصر.
وعلينا هنا أن نتذكر السياسة غير الوطنية لحكام مصر الجدد الذين تنازلوا عن جزيرتين مصريتين هما تيران وصنافير للسعودية التي ستستفيد منها إسرائيل أولاً وقبل كل شيء.
علينا أن نستمع إلى رأي أحد الأحزاب السياسية الوطنية بمصر حول سياسة مصر الاقتصادية والميزانية الجديدة: "رغم كل الإجراءات الاقتصادية التي وصفها كل ممثلي النظام بالقاسية ورغم صدور عشرات التشريعات المنحازة للاستثمار الأجنبي والقطاع الخاص المحلي وفرض المزيد من الاعباء على الكادحين ومحدودي الدخل والمزيد من الديون، ارتفع العجز الكلي من 279 مليار جنيه عام 2014/2015 الي 438.6 مليار جنيه عام 2018/2019، وزادت فوائد الديون من 193 مليار كانت تمثل 27% من مصروفات الموازنة إلي 541.3 مليار جنيه تمثل 38% من مصروفات الموازنة الجديدة، ولم تترك الكثير للإنفاق علي الأجور والتعليم والصحة وباقي الخدمات الحيوية، بل ولم تتحقق الاستحقاقات الدستورية في نسب الانفاق علي التعليم والصحة للدخل القومي وتم الاكتفاء بمعدلات الزيادة المعتادة.
ارتفعت مخصصات الأجور في الموازنة الجديدة إلى 266 مليار جنيه وبمعدل زيادة بلغ 11% فقط عن العام الماضي في الوقت الذي تقر فيه المالية بأن معدل التضخم وصل إلى 13% بما يعني تخفيض فعلي لقيمة الأجور الحقيقية، لكن تزيد مرتبات الوزراء والسلك الدبلوماسي بما يعكس الانحيازات الاجتماعية الواضحة." (التحالف الاشتراكي: موازنه عامه جديده بنفس السياسات القديمة.. مزيد من الافقار ومزيد من التبعية، موقع الخبر، بتاريخ 21 نيسان/أبريل 2018).
كما يشير البيان إلى النتائج السلبية لاستمرار تنفيذ الحكومة المصرية لتوصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بما يلي:
أولاً: "تستمر الحكومة في خصخصة قطاعات اقتصادية حيوية مثل قطاع الغاز والذي يقر المشروع انه فتح لمشاركة القطاع الخاص في أنشطة التداول والتوزيع بعد ان تم رفع الدعم عنه بالكامل، وكذلك قطاع التشييد وقطاع السياحة بل وتمتد لقطاع النقل والمواصلات من النقل العام الي السكك الحديدية الي الموانئ وبغض النظر عن الاعباء التي يتحملها المواطنون وانعكاسات ذلك على تكلفة النقل والانتاج في مختلف القطاعات".
ثانياً: لقد أدت هذه السياسات لمزيد من الافقار وتدهور مستوي معيشة معظم المصريين وبدلا من حمايتهم تقلص المخصص لقطاع الحماية الاجتماعية 2 مليار جنيه عن العام الماضي وانخفض الانفاق على قطاع الاسكان والمرافق المجتمعية بقيمة 3 مليار جنيه عن العام السابق"، رغم الارتفاع المعروف بعدد السكان.
ثالثاً: حافظ دعم المزارعين ودعم الأدوية وألبان الأطفال ودعم المياه ثابت بنفس قيمة العام الماضي والتي تعني التخفيض لو تم ربطها بمعدل التضخم وسعر الصرف. كذلك ظل دعم الصعيد كما هو 200 مليون جنيه وسط دعم يتجاوز 332 مليار جنيه. وتم تخفيض دعم الكهرباء من 30 مليار جنيه العام الماضي إلي 16 مليار جنيه في الموازنة الجديدة بنسبة تخفيض 47% عن العام الماضي وهو ما يعني المزيد من ارتفاع أسعار الكهرباء. وخفض دعم المواد البترولية من 110مليار جنيه العام الماضي إلى 89 مليار جنيه في الموازنة الجديدة بنسبة تخفيض 19% وهو ما ينعكس بالارتفاع على مجمل تكلفة المواصلات والنقل.
رابعاً. الاستمرار في إهمال الزراعة والصناعة مفتاح النهوض الاقتصادي وتجاوز الأزمة.
خامساً: قفزت الديون المحلية والخارجية من 1.7 تريليون جنيه سنة 2014 إلى 3.7 تريليون جنيه في فبراير 2018.
سادساً: ولا بد هنا من الإشارة إلى أن الأزمة الاقتصادية بمصر قد دفعت الرئيس المصري إلى التنازل عن جزيرتين مصريتين هما (تيران وصنافير) إلى المملكة السعودية التي ستستفيد منها إسرائيل أولاً وقبل كل شيء، في مقابل حفنة من المال، وجهت بما لا يخدم مصالح الشعب المصري وفي مواقع غير مناسبة.
إن القناعة بصواب برنامج صندوق النقد الدولي وشروطه السيئة لاقتصاد مصر، أو لبقية الدول النامية بشكل عام، لن تخدم الاقتصاد المصري ولا تحسين أوضاع الشعب المصري عموماً، بل ستسيئ للفئات الكادحة والفقيرة والعاطلة عن العمل، وهي نسبة عالية حقاً بمصر، وتصب مباشرة في مصلحة كبار الرأسماليين المصريين والشركات الأجنبية وتعيق عملية التنمية الاقتصادية الإنتاجية، ولاسيما لقطاعي الصناعة والزراعة.
وفي مجال حقوق الإنسان فتقرير منظمة العفو الدولية عن حالة حقوق الإنسان بمصر في عامي 2017/2018 يشير إلى الحصيلة التالية:
"استمرت أزمة حقوق الإنسان في مصر بلا هوادة. فقد تعرض مئات الأشخاص للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والاختفاء القسري على أيدي السلطات، وأُعدِمَ العشرات خارج نطاق القضاء بمنأى عن أي عقاب. وتصاعدت الحملة على المجتمع المدني مع تعرض العاملين في بعض المنظمات غير الحكومية لمزيد من الاستجواب، والمنع من السفر، والتحفظ على الأموال. وكان من الأمور المعتادة تَعَرُّض منتقدي الحكومة، والمتظاهرين السلميين، والصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان للقبض والاحتجاز التعسفيين اللذين تعقبهما محاكمات جائرة. واستمرت المحاكمات الجماعية الجائرة أمام محاكم مدنية وعسكرية، مع الحكم على العشرات بالإعدام. وظلت المرأة عرضة للعنف الجنسي، والعنف بسبب النوع الاجتماعي، كما استمر تعرضها للتمييز في القانون والواقع الفعلي. ووجهت السلطات إلى بعض الأشخاص تهماً جنائية تتعلق بالإساءة إلى الدين، كما وجهت إلى آخرين تهمة "الاعتياد على ممارسة الفجور" بسبب ميولهم الجنسية الحقيقية أو المفترضة." (مصر 2017/2018، موقع منظمة العفو الدولية، أخذ المقطع بتاريخ 30/04/2018).
اما تقرير هيومن رايتس وتش لعام 2017 فيشير إلى وقائع كثيرة تجسد حالة القمع بمصر واليكم الفقرة التالية من التقرير:
"استمرت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي في رفضها المطلق لأية معارضة، فشرّعت قوانين قمعية، لا سيما قانون الجمعيات الأهلية الذي قد يقضي على المنظمات المستقلة، وأعادت حالة الطوارئ، في ظل استمرار شبه مطلق للإفلات من العقاب على انتهاكات قوات الأمن، بدعوى مكافحة "الإرهاب".، وفي مكان آخر من التقرير يشير إلى أحكام الإعدام المتزايدة بمصر "منذ يوليو/تموز 2013، حكمت محاكم جنايات مصرية على أكثر من 800 شخص بالإعدام. ألغت محكمة النقض – أرفع محاكم الاستئناف في مصر – العديد من هذه الأحكام وأمرت بإعادة المحاكمات. في 2017، أيدت محكمة النقض 22 حكما بالإعدام على الأقل، وظل هؤلاء الـ 22 شخصا على ذمة تنفيذ العقوبة، وحتى كتابة هذا الملخص، كانت 103 أحكام إعدام أخرى تنتظر الحكم النهائي من المحكمة. أصدرت المحاكم العسكرية أكثر من 60 حكما بالإعدام على مدنيين منذ يوليو/تموز 2013، وفي 2017 أيدت محكمة الاستئناف العسكرية العليا 19 حكما إضافيا بالإعدام تم تنفيذهم لاحقا ليرتفع عدد المدنيين الذين أعدموا بعد محاكمات عسكرية إلى 25." (أنظر: مصر أحداث عام 2017، التقرير العالمي عن حالة حقوق الإنسان، موقع هيومن رايتس وتش، Human Rights Watch).
هذا هو واقع مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فهل ما يزال يرى زميلنا الدكتور ناجح العبيدي، الذي يحرص حقاً وتماماً على موضوع حقوق الإنسان وحياة ومعيشة كادحي مصر، ولاسيما الفقراء منهم، إن السياسة الاقتصادية المصرية الجارية سياسة صائبة وتخدم مصالح الشعب المصري، علماً بأن النظام يمارس الاستبداد الفردي والقسوة في التعامل مع الكادحين ومع منتقدي النظام من القوى الديمقراطية أيضاً، كما أن الشعب نتيجة كل ذلك يتجه أكثر فأكثر للغوص في مستنقع الخرافات والغيبيات والسحر بسبب تعاونه الفاضح مع السلفيين من الإسلام السياسي المتخلف، بما يعمق ويشدد من أزمة المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية المتفاقمة بمصر، ويفتح أفاقاً جديدة للشعوذة الدينية بمصر. ويعتقد النظام بأن التعاون مع الإسلاميين السلفيين يسهم في محاربة جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، في حين أنه يمارس بالضبط ما حذَّرت منه الحكمة القائلة: كالمُستَجيرِ مِن الرَّمضاءِ بالنارِ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنك الدولي وصندوق النقد يحذران من تداعيات الصراع في الشرق


.. المستشار الألماني يلتقي الرئيس الصيني لـ-تعزيز العلاقات الاق




.. مصمم لإنتاج البلوتونيوم.. لماذا تخشى إيران قصف إسرائيل لمفاع


.. لماذا يشتري الصينيون الذهب بقوة؟




.. أحد أبرز المباني التاريخية في كوبنهاغن.. اندلاع حريق كبير با