الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية تحرير الفكر الإنساني من الزمان والمكان

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 5 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من مشكلات الفكر البشري والتي عرقلت تطوره عوامل موضوعية وذاتية حالت دون سيرورته المتسارعة بنفس التعجيل الذي تتطور به الموضوعات الطبيعية، هي الأنتماء لذات الفكر ومقدماته وأساليبه والتخندق الأعمى الغير واعي لهذا الأنتماء المحدد والمقيد, الفرض العقلي يقول أن الفكر الإنساني وليد عوامل ومعطيات صاغها الوجود الإنساني فهو مرتبط بنفس تلك القوانين التي يصوغها الزمن وبفرضها على الوجود, بالتالي فليس هناك خلود لفكرة معينة وليس هناك أنتماء حقيقي لزمن مضى وانتهى, الأنتماء الحقيقي هو الأنتماء لقانون التطور والترقي والتحول الجوهري في المضمون والوظيفة، لا بد أن يكون في محصلة الفهم الوعي الإنساني حقيقة أننا في قطار لا يتوقف أبدا إلا لتجديد السكة بأسرع منها, السلفية العقلية الفكرية هي العصا التي توضع في عجلات التطور الفكري نحو الغد، ومهما كانت متينة لا بد أننا سنشهد تكسرها وتشظي مكوناتها عندئذ نكون قد خسرنا كثيرا من الزمن.
الفكر الحداثوي والحامل لروح التجدد قادر وبحسب طبيعة تكوينه والعوامل التي ولدته وهي المستخزنة من التجربة البشرية الطويله تأريخيا وواقعيا، أن يفهم بصورة أكثر عمقا ويستعلم عن مشاكل عصره من عمق الرؤية ومن عدة زوايا ومسارات للواقع والمأموا تنطيريا وأفتراضيا، والبحث عن الإشكاليات التي تنتاب المجتمعات نتيجة أستحقاقات التطور, هذا بالطبع ليس قولا نظيريا أفتراضا خياليا من حجة أو أثر حقيقي, ولكنه من صميم طبيعة الفكر الخارج من ربقة الزمان والمكان والمتحرر من التخندق الشخصي أو الأنتماء لمحدد أخر غير العقل والزمن وعلاقتهما الديالكتيكية.
عندما تحرر لإنسان من علاقته بالمكان كهوية وأنتماء وأصبح على جرأة أن يكتشف الأفق الممتد من حوله، تعرف على مساحة من واقع جديد لم يألفها من قبل، حملت له الكثير من المعطيات الفكرية وساهمت في جعله يتحرك بحرية أكثر في دوائر فلكية تزداد في توسعها يوما بعد يوم, وأتضحت له جملة من الحقائق منها أن الكون الوجودي بحقيقته أكبر من حدوده التي رسمها بوعيه أو بعقله الواعي أو كصورة ذهنيه في خياله العقلي, حتى جاءت المحاولة الثانية أن يسحب هذا الأكتشاف على كل وعيه الجديد فاتسعت الرؤية لديه وتنوعت ونقلته إلى ما هو أوسع من حدود التفكير السالف.
على حاملي الفكر والمبشرين بما هو آت أن يدركوا حقيقة أن الفكر وإن كان صالحا ليكون علامة لمرحلة أو محل تقدير وتفهم في فترة ما، فهذا ليس دليلا على أنتمائه للحضارة الفكرية بقدر ما هو محتاج لوقت كي يكشف التفصيلات الصالحة منه للتطور، ويختبر قدراته على المعايشة الزمنية لمرحلة ما, كما أن هذه الفترة تمثل له فترة حضانة للفكر القادم الذي سيطيح به كما أطاح هو بقواعد الفكرة التي سبقته, هذا هو مفهوم التداولية الفكرية فبعض الأفكار تحتاج لوقت كي تتغلغل في المجتمعات، لأنها تحمل أصالة ومعاصرة وقدرة على التفريع والتفريخ والامتداد وبعض الأفكار القلقة كلما ولدت بسرعة سنشهد لها إنحسار أسرع يطيح بكل مقوماتها وعللها الضرورية.
أذا الفكر القلق والطاغي بقوة دون أن تمهد له المعطيات الحقيقية الأرضية المناسبة والمقدمات التي تضمن له البقاء والتأثير الفعلي وبما يتناسب مع حالية الواقع، مقارنة بتطور مفهوم الزمن وتأثيرات هذا التطور على العلاقات الفكرية بين أفراد المجتمع وما ينتج من هذه العلاقات من معرفة متجددة بعيدا عن التقليدية والسلفية، يمكن أن لا يستمر فاعلا ومحركا ناجحا أو أنه يتخلى عن أسلحة الصراع الفكري على الساحة، وسنشهد له إنزواءه وتقهقر ونكوص قوي قد تتحول إلى ردة فكرية تعزز الأنحياز للماضي وشروطه، مما يسبب نكسة حقيقية للمعرفة الإنسانية بمجملها، لأنه أعطى مفهوم خاطئ ومضلل عن أثر الزمن في تطوير الكمال البشري.
ومن المعطيات التي ترتقي بالإنسان من مرحلة التلقي والتماس مع مفردات الفكر لتكون أداة للسيرورة الاعتيادية، هو التحول من الإيجابية المطلقة بالتعامل مع الواقع إلى مرحلة الإنتاج والإبداع القائم على التمرد الإيجابي، وليس التمرد الخارج عن النظام العقلي المسير لوجهة الفكر, هذا التحول يمنح العقل حرية الانفلات من طواف التقليد المرغم على تتبعه بما نشأ عليه أصلا، لأن المتمرد يضع كل شيء موضع الفحص قبل الأقتراب منه وليس التعاطي, هنا تكمن خاصية التمرد الإيجابي أنه ناقد للفكرة ونافذ لجوهرها المتحرك، فالنقد يتطلب منك ليس فقط الرفض اللا مبرر بل الفحص الدقيق ثم الفرز والتقرير, فنحن أمام عمليات هدم وبناء تفكيك وأعادة تركيب وقراءة وإعادة صياغة, هذا التمرد الإيجابي يقود إلى متواليات ومتابعات تنطلق من الظاهر للجوهر دون أن تترك المسبقات والمقدمات هي الحاكمة, لذا فأن العقل المتمرد إيجابيا هو العقل القائد والقادر على التمسك بالريادة وسبق الزمن بخطوة.
ليست وظيفة الفكر الإنساني اليوم هي إيجاد التوافقيات والحلول للإشكاليات المتعلقة بالوجود البشري كأولوية أولى، والمتمثلة بالتناسق بين الضروريات ونظام الكون بما يخدم السيرورة الإنسانية فقط, قد تكون لهذه الوظيفة وأمام تضخم المشكل الإنساني مجرد بديهية لوجود العقل المتمرد, الفكر اليوم مطالب بإعادة صياغة القانون الكوني من جديد وفق مفاهيم خارجة عن إيمان الإنسان أنه مجرد زائر محدود الإقامة, الفكر اليوم عليه أن يثبت أن مراحل تداول الفكرة بانتظار تبدل الأجيال وتعاقب الحوادث المؤثرة لم يعد ملائما لهذا العصر, الإنسان كائن مقيم أبدي متواصل ومتصل بالوجود عليه أن يطوع هذا الوجود ليرغمه أن يكون من ضمن المسخرات التي تخدم فكرة البقاء والخلود, وعلى الفكر أن يفتش عن ولادات جديدة لأجيال جديدة من طرائق التفكير التي تتيح له التحكم بما بعد الغد، أو بما بعد الملموس العقلي أو حتى الخيال، عليه أن يحول الخيال لمفردة من مفردات الواقع الأقتراضي ويصيغ منه حلول للأبدية الكونية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي