الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السينما المصرية وتأثيراها على المراهقين

حيدر ناشي آل دبس

2018 / 5 / 5
الادب والفن


اتجهت السينما المصرية في السنوات الاخيرة الى طرح مواضيع العنف، والخيانة الزوجية، والاغتصاب، والشذوذ الجنسي، والمخدرات، وغيرها من الحالات السلبية، بحجة عرض الاخطاء لتصحيحها، إلا ان الملاحظ بالامر حجم المبالغة في عرضها، حيث عمد القائمون على انتاج هذه الافلام توضيح إن ما يعالجونه هي ظواهر مستشرية في المجتمع المصري وليس حالات منفردة تعبّر عن من يمارسها، وهذا غبن بيّن لطبيعة المصريين، فأفلام مثل (حين ميسرة، عبده موتة، كلمني شكراً، جمهورية امبابه، قلب الاسد، اولاد رزق... الخ) اعتمدت على (البلطجة) فحاول العاملون في هذه الاعمال اظهار فكرة شيوعها في المجتمع المصري.
نعم هناك حالات لكنها لم ترتقي لمستوى الظاهرة، بحيث تكرّس السينما المصرية جلّ اعمالها لهذه المواضيع، مما ادى الى توجه كثير من شركات الانتاج الى الدراما التلفزيونية بعد الخسائر المالية التي تعرضوا لها، لينتج هبوطاً في الانتاج السينمائي كماً ونوعاً. وسبب هذه الخسائر، القطيعة التي حصلت بين جمهور السينما المعروف بثقافته الفنية ودور السينما، رافضين الابتذال بالمواضيع حسب وجهة نظرهم، فضلاً عن ذلك إن اغلب الفنانين لم يرتضوا تقديم هكذا اعمال مسيئة، إلا انهم مرتبطون بالمؤسسات الانتاجية فلم يكن من بد إلا التوجه الى التلفزيون، تاركين الشاشة الكبيرة تتخبط بمواضيعها الضعيفة وتقهقرها المستمر.
الملاحظ في هذا الامر إن أفلام البلطجة لديها جمهور من فئة عمرية واحدة وهم المراهقون، حيث جذبت هذه الاعمال هؤلاء الشباب، واخذوا بتقليد من يعتبرونه مثلهم الاعلى من الفنانين الذين أدوا هذه الادوار، فتجد الشباب متأثرين في تصرفاتهم وطريقة حديثهم وملبسهم وتعاملهم مع الاخرين، وحينما تسألهم عن اسباب افعالهم وسلوكياتهم، تكون اجابتهم أن هذه جزء من تركيبتهم الطبيعية المعتمدة على قيم الرجولة العربية، متأثرون بهذه الافلام ومواضيعها التي أعادتنا الى عرب الصحراء في تصوراتهم للفحولة، كأستخدام العنف، الصوت العالي، ازدراء المرأة، وغيرها من السلوكيات التي ذكرها التاريخ بحوادثه وحكاياته الهزيلة.
المراهق يتأثر بأي شيء يحيط به، وهذه المرحلة من حياته تكوّن شخصيته، وتحدد مساراته المستقبلية حسب رغباته التي تفاعل معها، ومن اكثر المؤثرات في زمننا الحالي السينما والتلفزيون والسوشال ميديا، وقد وجد ضالته في السينما التي عبّرت عن نزعاته النفسية المتكونة اساساً من البيئة التي يعيش فيها، حيث رداءة التعليم، والفقر، والكبت المنبثق من الاعراف والتقاليد التي عفى عليها الزمن، وكذلك الخطاب الديني الذي حرّم اغلب مفردات الحياة مما خلق له حاجزاً يحاول تخطيه في التنفيس عن ما يعتمل بداخله، ليتجه نحو الطبائع المعتمدة على العنف، او حتى ممارسة الرذائل، وقد رأى مسوغاً لذلك من خلال الاعمال السينمائية.
إن معالجة سلبيات المجتمع لا يمكن ان تكون بهذه الطريقة البائسة، لإن سبل استيعاب المشاهدين مختلفة، وتحليلاتهم للمواقف غير متشابهة بين فرد وآخر، وهذا نابع من الوعي الذي يتحلى به المتلقي والظرف الاقتصادي الذي يعيشه فينعكس بدوره على طبيعة الفرد الاجتماعية.
إذا غفل من يقدم هكذا اعمال عن المسؤولية الاخلاقية للفن يجب عليه استيعاب إن ما يقدمه يزيد من انحطاط المجتمع وتردي طبائعة، خصوصاً إن الخطاب موجه الى الشباب وهم النسبة الاكبر مقارنة بعدد سكان البلدان العربية، وبهذا يعطي مسوغاً وشرعية للقيام بتسلكات مشينة تنعكس عاجلاً او آجلاً على من يطرحها.
إن الفن معتمد على علمٍ فلسفيّ رئيسي وهو علم الجمال، يا ترى كيف يتم تجسيد الجمال بطرائق يكون القتل والسرقة والاغتصاب والسلب اعمدتها؟ كيف يمكن أن يحّول الفنان الحالة السلبية الى ظاهرة يلطخ بها سمعة بلده؟ هل اصبحت الشهرة والمال اغلى من تراب الوطن؟
لابد من تذكير الذي نسى او تناسى إن السينما ذاكرة الشعوب، ومن المعيب أن تكون ذاكرة الشعب المصري بهذه الرداءة في الطرح، وعلى القائمين بالانتاج السينمائي معرفة الاعمال التي ينتجوها لها مردود سلبي على المراهقين مما تجعلهم يتأثرون فيما يطرحون ليجسدوه في حياتهم اليومية، والدليل عدد الجرائم المتزايدة، ولو تتم مراجعة حيثياتها نجد ان هناك جرائم لم تحصل مثيلاتها سابقاً إلا في أفلام مرحلتنا المعاشة ومنفذيها مراهقون تلبستهم الشخصيات اللوائي حاولوا تقليدها.
جدير بالذكر ان سينما البلطجة استشرت بعد انتفاضة يناير الشعبية عام 2011، ويبدو إن من قدمها لم يعرف طبيعة الاختلالات السياسية في انعكاساتها بشكل او بآخر على المجتمع، فما يحصل من ارباك وعدم توازن لا يمكن ان يكون بحال من الاحوال مقياساً للشعوب في نزعاتهم، فهي مثل ما تسمى بالمفهوم السياسي مرحلة انتقالية يجب المرور بها للوصول الى الاستقرار المجتمعي.
وقبل أن ننهي حديثنا هذا لابد من الاشارة الى إن عدد من الفنانيين اتجهوا مؤخراً الى السينما من اجل انقاذها من واقعها الحالي، وقدموا وسيقدمون اعمالاً جيدة في مواضيعها وذلك حسب متابعتي لآخر الاخبار الفنية، حيث شعر البعض منهم بجسامة الوضع وتأثيراته على مستقبل الاجيال القادمة اذا استمرت السينما المصرية بأنتاج قيم التقهقر الاخلاقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا