الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليمين الأوروبي الصهيوني المتطرف, مبرراته وتداعياته والرؤى في مجابهتها

هيثم الحلي الحسيني

2018 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


اليمين الأوروبي الصهيوني المتطرف, مبرراته وتداعياته والرؤى في مجابهتها
دهيثم الحلي الحسيني, الباحث في الدراسات الإستراتيجية.
لقد أفضت مخرجات الحلقات السابقة من هذه السلسلة, أن الممارسات السلوكية, المتطرفة أو غير السوية, سواء المقصودة أو غيرها, للناشطين العرب والمسلمين في الساحة الأور,بية, وخاصة غير المعتدلين منهم, قد ساهمت بشكل كبير, الى ظهور الأصوات اليمينية التقليدية, الداعية لنشاط أوروبي وغربي ودولي, بهدف مقارعة رمزيات "الإسلاموفوبيا", وفق دلالات الريبة والفزع من متبنيات الإسلام السياسي, والتي يقصد منها عموما, الدعوات للحذر والعدّة, من المتطرفين “الإسلامويين”, وهي قد تكون ضمن المنطق المقبول والحذر الطبيعي.
غير ان دخول الفئات الأوروبية المتمثلة باليمين المتشدد, الى منطقة التأثير, والتي انسجمت طروحاتها المنغلقة, مع المصالح التأريخية للصهيونية فكرا, ولإسرائيل الدولة سياسة, في ظل الإستراتيجية القائمة فيها, بتقديم نظرية الأمن, على كل الإعتبارات, وفي إلغاء الآخر وإضعافه والتفوق عليه, وتسويقه بالإرهابي الشرير, وبنزع أبسط سمات الآدمية عنه, وبالغاء حقوقه ومصادرتها, ليس في أرضه ووطنه, وانما حقه في الحياة عموما, أسهمت في إذكاء جذوة الدعوات للعنف والتشدد اليميني المتطرف, وفق عنوان الرفض للثقافات الأخرى, أو صراع الحضارات, وتحديدا الإسلام, فكرا وثقافة وحضارة, ومعها دعوات رفض الهجرة ومناهضة حقوق الأقليات واللاجئين عموما.
فكان من مخرجات هذا الحلف ونتائجه, أن جرى إعادة النظر بمفهوم "معاداة السامية", التي كانت الصهيوينية العالمية تقليديا, توصف به تنظيمات اليمين الأوروبي, بإعتبارها موروث للنازية, فهي معادية لها, ولا تقبل متبنياتها, القائمة على الظلم التأريخي لليهود, وترفض مسؤوليتها في سوقهم المزعزم للمحرقة, "أو الهولوكوست في إستعارتها عن التأريخ الأوروبي القديم", وبالتالي جرى تبرئة اليمين من تهمة "معاداة السامية", وتحويلها بإتجاه العرب والمسلمين, الذين يطالبون بحقهم المشروع في أرضهم ومقدساتهم, مع إن المصطلح, لا ينطبق حرفيا عليهم, ويحمل الخلل في شكله ومضمونه, كونه في الأصل لا يقصدهم, فالعرب أنفسهم, هم من الأقوام السامية, فلا يعقل أن يعادوا أنفسهم.
لكن الصهيونية وإسرائيل, انما تحقق النجاح بذلك, من خلال التقدمة المجانية, التي توفرها "الإسلاموية" والتيار المتطرف فيها, الذي فقد إتجاهه وهدفه, في تثبيت بوصلته الى خارج القضية المركزية, المتمثلة بالحقوق التأريخية لفلسطين وشعبها, وبحقيقة التأثير الحضاري الإنساني, للشعوب المؤسسة للتأريخ, خاصة في ضفاف النهرين والنيل, ولنتاج الفكر العربي الإسلامي, وبالتالي فقد أنتج هذا التيار, أعداءً جددا, لا مبرر لمعاداتهم, في شتى الأرض.
وعليه فان الصورة الأخرى, التي أفتقد ضوءها وبريقها, في الإعلام الغربي والأوروبي والدولي, هي التي يحتاج الإعلام العربي للتأكيد عليها, في هذه المنازلة العادلة, وبالذات في ضوء جرائم يرتكبها اليمين المتطرف في وضح النهار, كنموذج جريمة "أوسلو" أو جرائم الإساءة للرموز التأريخية الإسلامية, والتي تشكل فرصة سانحة, للتعبير عن فضحها, وتسويقها للعالم في هذه اللحظات الحرجة, التي من المعتقد, ان العالم الغربي مهيئا لقبولها, نفسا وعقلا وقلبا.
إن الدعوات المتشددة, لأستعداء العرب والمسلمين عموما, وتصويرهم بدعاة عنف وإرهاب, وأعداء لقيم التحضر, دون مراعاة في ذلك, لثقل مكوناتهم التاريخية والفكرية والعقدية, مرورا بالثقافة والتقاليد, وانتهاءً بالسلوك والعمل, والبناء الحضاري والدور الإنساني, كمثل تصوير القران الكريم, وكأنه خطاب داع للعنف والقتل, ورفع السيف بوجه الأخر المخالف, وذلك بالتركيز على عبارات مستلة منه, ومنتقاة بقصد, قاصرة التفسير والتأويل, وتسويقها بما ينسجم, والصورة المشوهة, التي يحاولون إظهارها.
ومن ثم التصوير المشوّه لشخصية الرسول الأكرم, من خلال تسويق أحاديث ملفقة, يمكن بسهولة خرقها, ويشمل ذلك وفق تقعيد علوم الحديث, الأقوال والأعمال والتقريرات, المرتبطة بشخصه الكريم, ويملك التراث الإسلامي المترهل, والمختلف فيه, في الفكر الإسلامي وعقائده, إمكانية كبيرة للخرق فيه, من خلال تطوع جامعي الحديث تاريخيا, بإضافة مايسمّى بالضعاف أو أحادية الإسناد, وهي منهجية معقّدة لا يفهمها الغرب, والفرد في المجتمع الأوروبي, الذي يغلب عليه طابع الإنغلاق العقلي والتحدد الفكري, وتفرد الإهتمام بمشاغل الحياة المجتمعية واليومية, المعيشية حصرا, لكنه ينصرف لقراءتها, لكونها تمس أمنه وحياته, وبالتالي تكوينه الصورة النمطية المشوهة, عن الإسلام والعرب من خلالها.
هذا ما يؤكده الإعلام الغربي اليميني الإتجاهي, في تقديمه الى المتلقي الأوروبي, شكل نمطي من الأفكار الإنتقائية المتشددة, التي تتقاطع والإنسانية وحق الحياة, وأحيانا تقديم صورة التطرف, في الإسلام السياسي عموما, في طروحاته المناوئة للدولة المدنية, والبناء الديمقراطي, وفي فلسفته في الحياة, موثقة بنصوص بالية, يجري تقديسها وتأويلها, وطرحها بأنها أمثلة للمتبنيات الدينية, وهي مقدمة بأطباق ذهبية, في سلة ما يعرف بالإسلام السياسي, المتطرف والمتصلب, والبعيد عن أصول الإسلام وحقيقته وقيمه الإنسانية, فهي مسؤولية تأريخية, تتعلق بالوجود والمستقبل للأمة, تلقى على أعباء المؤسسات الدينية والفكرية والسياسية, العربية والإسلامية.
وبالتالي فان الصورة التي يسوّقها للعالم, كل من الغرب اليميني المتشدد, وحليفته العقيدة الصهيونية, والسياسة الإسرائيلية, لا تشكل بكافة الأحوال, سوى هامش من الحقيقة, ويحاول كلاهما تكبيره, والمبالغة في تصوير الرعب أو "الفوبيا" منه, بما يتفق وتوجهات اليمين المتطرف الضيقة, وعقائده المرتبكة, التي تدعو هي نفسها للكراهية والعنف, والإستجابة لنزوع إسرائيل, في تسويق ضحاياها, وكأنهم يشكلون تهديدا للحضارة الغربية ومستقبلها, ونمط الحياة فيها, وبذلك تضمن, حشد المعاداة العالمية لهم, وملاحقتهم نيابة عنها, فضلا عن التغاضي عن جرائمها بحق الإنسانية.
والحقيقة ان هذه الدعوات الغربية اليمينية والصهيونية, تمارس عمليا في دعم الصلف الإسرائيلي, وتجعل من إسرائيل دولة فوق القانون, وقد إستطاعت أن تنهي ولاية الرئيس الأمريكي "أوباما", الذي أنتخب على أساس دعم الحق والعدالة الإنسانية, وما يعرف بالقيم الأمريكية, قبل إنتهاء العام الأول من ولايته, وقد أعلن عنها في منحه الجائزة الدولية للسلام, إيذانا له بوقف جهوده في هذا المضمار.
وقد فهم الرجل الرسالة, وإستجاب اليها مرغما, وبات لا يتوانى, أن يتراجع عن طروحاته, قبل أن يجفّ حبر مسوداتها, كما حصل بدعواته لايقاف الإستيطان, وتأييد قيام الدولة الفلسطينية على الحدود المعترف بها دوليا, رغم أنها تشكل فقط الثلث, من المساحة المقررة في قرار التقسيم الدولي في العام 1947, والتي قبرت في مهدها, ومن ثم جئ بالرئيس المثير للجدل "ترامب", لييجهز على ما بقي فيها, حتى بات خيار ما يعرف بحل الدولتين, في مهب الريح, فضلا إن خيار الدولة الواحدة, هو أكثر ما يرعب إسرائيل, ولا يمكن أن تقبل به, كونه سيهدد وجودها ومستقبلها.
فهذه الدعوات والممارسات, على المستوى الفكري والسياسي والإعلامي والدولي, تشكل خطرا كبيرا, ليس على مستقبل وأمن الشعوب العربية والإسلامية, في الوطن العربي والعالم الإسلامي, وإنما تشكل خطرا ماثلا وكائنا ودائما, على مستقبل العالم والإنسانية عموما, فهي تسهم في إشاعة الكراهية وروح الثأر, لدى الشباب المتحمس العربي والاسلامي, وخاصة في الأجيال القادمة, في ظل الأسلحة المستقبلية الميسرّة دوليا, من خلال تطوير المعلوماتية وتقانتها, فضلا عن إمكانية التيسير مستقبلا, للسلاح النووي في السوق المفتوحة, وهو الذي قد يتمكن الغرب والأمريكي من منعه, في المستقبل القريب, لكنه حتما سوف لا يملك هذه القدرات في المستقبل البعيد, في ظل تسارع وتيرة التطور العلمي, وإمكانية إباحته للجميع مستقبلا, وبذلك سيكون العالم, رهينا بالتطرف والنزق والتهور واللاعقلانية.
أما في الجانب الأخر المرئي, والذي أفصحت عنه الكثير من الوقائع الإرهابية, كما حصل في النروج مثلا, فيتمثل في انتاج طبقة من المتطرفين النزقين, الذين يحملون الحقد والكراهية, والنزوع الى الثأر والشر, والذين لا يرعوون في الحديث عن جرائمهم, وتسويقهم اياها, بالمبررة وغير المدانة, فكرا وممارسة وعدوانية.
ان هذه الجرائم, لا ينبغي أن ينظر لها من زاوية التشفّي والشعور بالغبطة, كما يصورها بعض قصار النظر والرؤى, في الوسط العربي والإسلامي, وانما هي بمثابة جرس الإنذار, الذي على الهيئات الإعلامية والسياسية, فضلا عن مؤسسات الدول ومكوناتها, ودوائرها الدبلوماسية, أن تعي خطورتها, وان لا تصمّ أذانها وعقولها, عن النتيجة المنطقية في مقاربتها, والصورة والفكرة النهائية, التي تخلص اليها, تحليلا منهجيا.
ان اللعب بالنار, سوف يحرق ذراع اللاعب فيه أيضا, وهذا هو الإرهاب اليميني, يضرب في أرقى المجتمعات الاوربية, في الرفاهية والحرية والإنتعاش الإقتصادي والازدهار المجتمعي, كما حصل في الكثير العواصم الأوروبية المتحضرة, فهل ستفضي الدراسات والتحليل المنهجي, لأمثال تلك الوقائع الرهيبة, الى ما تحمله حقيقة من رؤى خطيرة, ومخاوف جدية, لمستقبل العالم والانسانية, أم إن توجيهات النجمة الزرقاء مهيئة, لتكون القراءة المسبقة في الحكم عليها, بأن منفذ الجريمة, إنما هو "مختل عقليا".
فالقضية غاية في الخطورة, ونوافذها مشرعة على مختلف الإحتمالات, مما يتطلب تبيان المسؤوليات والمهام, على جميع الأصعدة العربية والإسلامية, السياسية والفكرية والدينية والمجتمعية والعلمية, وتتحمل مسؤولياتها أيضا, المنظومة الغربية, ذات الثقل الحضاري والقيمي الإنساني, كون القضية تحمل في طياتها من المقدمات والأسباب, ما هو يحسب على اليمين المتطرف وحليفته القادمة, وبين طياتها أيضا ما هو يعد علينا.
في قراءته لطروحات اليمين الأوروبي المتطرف, وخاصة من إطلالة الإعلام الروسي, الذي قد يمثل الساتر الأمامي لتمدد هذا اليمين, يقول الإعلامي "سلام مسافر", أن "الإسلام هو الحل, هي منطلقات يعتمدها اليمين الأوروبي المتطرف, كوسيلة لتحقيق أهدافه", وقد صعد اليمين في الكثير من البلدان الأوروبية, فكان أولا صعود حزب الجبهة الوطنية بقيادة اليمينية الفرنسية لوبين, لتحل ثانية في الإنتخابات الرئاسية في فرنسا, ثم في المانيا وفي الدانيمارك, واليمين المتطرف "الشعبوبي" في النمسا, يخطف المجلس النيابي والحكومة فيها.
ويقول الباحث الروسي "قسطنطين ترويتسوف", المتخصص في الشؤون العربية, أن "التوليرنس أو التسامح", هو شئ جديد على أوروبا, بينما يعود التعايش الإسلامي المسيحي في روسيا الى ألف عام, والمعروف أو الثابت تأريخيا, أن كلا الديانتين المسيحية والإسلامية, قد دخلتا روسيا في مرحلة زمنية متقاربة, وقد أثبتا مؤخرا في روسيا كيومين وطنيين, يحتفا بهما بالديانتين, لإستذكار وإحياء, مناسبة دخولهما الى روسيا.
فضلا أن التأريخ الأوروبي يحدثنا, أن الحملات الصليبية, لم تكن موجهة الى المسلمين حصرا, كما يجري تداولها إشتباها, بل أن شعب روسيا وسائر الشعوب السلافية, والمسيحيين في شرق أوروبا عموما, أو الذين يتسمون بالمؤمنين الحقيقيين, "الأرثدوكس أو البراسلافياني", فضلا عن الوثنيين أو غير المتدينين في اوروبا, كانوا أهادفا مباشرة لتلك الحملات الدموية القمعية, قبل أن تتحول لإستهداف المسلمين, في أوطانهم ومجتمعاتهم.
وهذه المقاربة تؤكد, أن فكرة الصراع المحموم والمزعزم, بين المجتمعات المسيحية والمسلمة في الساحة الأوروبية وإمتداداتها, الذي تحاول تأجيجه, مؤسسات اليمين الأوروبي المتطرف, وحليفته الصهيونية العالمية, هو في حقيقته ليس دينيا أو عقديا, ولا تعد الايدلوجيات أو الفكر الديني, من ضمن منطلقاته وغاياته وأهدافه, بل هو توجه سياسي أو عنصري, يعبر عن مصالح الفئات المتنفذه في مؤسساته, ويعتمد خطاب الخلاف الفكري الديني, غطاء لتبرير توجهاته, ومصالحه الشعبوية والشوفينية الضيقة, بدلالة القمع والتنكيل, الذي تواجهه كنائس الأراضي الفلسطينية المحتلة, من قبل العدو الإسرائيلي بشكل منهجي ومستمر, دون أن تتحرك المؤسسات المسيحية العالمية, لرفضه أو إيقافه أو حتى إستنكاره.
ولأهمية موضوع البحث, وصلته الوثيقة بقضية العصر, أو ما يجري تسويقه دوليا تحت مسمى مبادرة العصر, التي يجري التحضير لها بعناية, في دوائر صنع القرار الأمريكي الإسرائيلي, وبتنفيذ مباشر من قبل الزعامات العربية الجدد, التي باتت تتولى قيادة العمل العربي, في ظل إنكفاء الزعامات العربية التأريخية, المتمثلة بالقطبين العربيين الكبيرين, مصر والعراق, الذين جرى إشغالهما بقضايا الأمن الوطني الداخلي وترميم إقتصاداتهما, تاركين قيادة الساحة العربية للبديل المحافظ أو المروض.
وعليه ترى هذه الورقة, أن مخرجات هذا الحراك المشترك, الأمريكي الأوروبي اليميني الصهيوني, ستفضي حتما الى موت ما يطلق عليه بحل الدولتين, في إنهاء قسري للصراع العربي الإسرائيلي, وفق رؤى المثلث الراسم للسياسة العليا في الساحة العربية, المتمثل بالولايات المتحدة وإسرائل والدول العربية الرجعية, فستكون الحلقة القادمة من هذه السلسلة, مكرسة لدراسة المشروع الجريئ والتأريخي, البديل لسيناريو موت حل الدولتين, في ظل الواقع القائم على الأرض, المعبر عن إستحالة قيام الدولة الثانية.
دهيثم الحلي الحسيني.. الباحث في الدراسات الإستراتيجية.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة