الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مطربة ورسالة وبتر ثقافي

عادل صوما

2018 / 5 / 5
الادب والفن


احتفلت بعض وسائل الاعلام في شهر شباط/فبراير الفائت بمئوية المطربة المصرية ليلى مراد، التي تُعتبر من ايقونات الغناء والأفلام الغنائية في مصر والعالم العربي، وهي المطربة الوحيدة، ربما في العالم، التي أطلقوا اسمها على فساتين، وكانت النساء في اربعينيات وبداية خمسينيات القرن الماضي يشترين "فستان ليلى" و"تنورة ليلى" ويطلبن تسريحة ليلى من حلاقهن، كما أجبر نجاحها ونجوميتها كبار المخرجين على إطلاق اسمها على الأفلام لجذب المشاهدين، ومن هذه الأفلام "ليلى بنت الفقراء" و"ليلى بنت الأغنياء" و"ليلى بنت مدارس" و"ليلى في الظلام" و"ليلى".
وُلدت ليليان موردخاي أو حسب اسمها الفني ليلى مراد سنة 1918 وتوفت سنة 1995، ولم تُكرّم رسمياً في حياتها سوى بشهادتي تقدير من الأديب يوسف السباعى حين كان وزيرا للثقافة، وكمال الملاخ مؤسس مهرجان القاهرة السينمائى عام 1977، عما قدمته فى عالم الفن، فى أول ظهور لها آنذاك بعد ثلاث وعشرين سنة من التغييب الرسمي.
ثم رأت إدارة مهرجان القاهرة السينمائى ان تكرمها عن مشوارها الفنى، بعد رحيلها بثلاث سنوات في 1998، وتسلمت شهادة تكريمها ليلى علوى، ثم كُرمت فى الدورة التاسعة من مهرجان الأغنية عام 2012، وتسلمت التكريم الفنانة لبلبة، وقرر مهرجان الإسكندرية الدولى لسينما دول البحر المتوسط، تكريم اسمها بمناسبة مئوية ميلادها، في دورته الرابعة والثلاثين التي ستقام في تشرين الاول/أكتوبر المقبل.
حياة ليلى مراد مليئة بالمجد والمفارقات وحياكة الاكاذيب والتلفيقات عنها من البعيدين وأقرب المقربين على السواء، ومن أغرب المفارقات عدم ذهاب احد من اسرتها لتسلّم شهادات التقدير بدلا من ليلى علوي أو لبلبة، وعدم تكريم الرئيس أنور السادات لها، رغم انه زار إسرائيل وكرّم فنانين حتى من الصف الثاني في مصر، وحصلت أحداهن على "معاش السادات" لأنها كانت بدون عائل أو وظيفة.
تكريم ليلى مراد الخالد هو اختيار الجمهور والنقاد لفيلم "غزل البنات" على قائمة أفضل مائة فيلم عربي، وخمس أغاني لها على قائمة أفضل مائة أغنية عربية، منها الاغنية الأكثر رومانسية في تاريخ الغناء المصري والعربي "ماليش أمل".
***
سطع نجم ليلى مراد منذ بدايات تأسيس السينما كصناعة في مصر، ثم بدأت تنزوي بعد ثورة تموز/يوليو سنة 1952، إلى أن اختفت فجأة من خريطة الغناء، بعد تعرضها لوشاية سياسية حقيرة هي زيارتها سرا وتبرعها لدولة إسرائيل بالمال، وتم التحقيق معها سنة 1956 وثبُتت برائتها لعدم وجود قرائن مصرفية، كما لم يظهر أي دليل ملموس على انها زارت إسرائيل، وكانت الوشاية ضمن حملة ضد وجود الجاليات الاجنبية التي تمصرت بقرار من آخر ملوك مصر فاروق الاول، وكان اليهود المصريين المستهدفين الاوائل في مصر بعد الثورة، رغم أن ليلى مراد تركت يهوديتها وتحولت إلى الإسلام سنة 1946، ثم كان استهداف الثورة لبقية الجاليات الاوروبية المتمصرة وحتى الشوام (هكذا كانوا يقولون في مصر على اللبناني والسوري) لدرجة أن التضييق طال اعلاما فنية مثل فريد الاطرش وصباح اللذين اتخذا مصر وطنا نهائيا لهما، ثم أصبحا زائريّن في المناسبات.
من المثير للدهشة ان الثورة، بعد عزل الرئيس محمد نجيب في تشرين الثاني/نوفمبر 1954، ساعدت إسرائيل بشكل غير مباشر، على تجميع الشتات اليهودي الذي كانت تسعى إليه الدولة العبرية سراً في كل دول العالم بعد تأسيسها سنة 1948، وجعلته الثورة المصرية علناً بعدما ضيّقت على يهود مصر فسافروا إلى إسرائيل، وكان عددهم ما بين 450 ألفا إلى خمس مائة ألف، ومن ثمة اتخذت إسرائيل ذلك الامر كدعاية هائلة في حث اليهود في الشتات على العودة لإسرائيل أينما كانوا، حتى لا يواجهوا المصير نفسه في دولة اخرى.
بشكل عام حاول الرئيس عبد الناصر طمس تاريخ مصر قبل سنة 1952، وشرع في تدمير دولة محمد علي المنفتحة المتسامحة، بدون أدني تفكير في إصلاح ما فسد منها حسب ما كانوا يقولون، فعزلت أول رئيس جمهوري منتحب لمصر وهو محمد نجيب، لأن أعضاء مجلس قيادة الثورة اتخذوه وسيلة فقط لأنه كان محبوبا داخل الجيش وكانوا يعتبرون أن افكاره لا تنتمي إليهم، وأخطرها عليهم كانت فكرة عودة الجيش إلى الثكنات بعد نجاح الثورة وتسليم البلد للسياسيين ليحكموا لأن الجيوش لا تفهم في السياسة، ثم تخلص الرئيس عبد الناصر الذي حكم بعده من كل رموز مصر السياسيين قبل سنة 1952، ولكي يبدأ تاريخ مصر الحديثة به، أمر بهدم معظم تماثيل رموز مصرية في حدائق وأماكن عامة لأنهم ينتمون إلى العهد الملكي، كما أمر بوضع هالات سوداء على صور الملك فؤاد أو الملك فاروق في الافلام التي انتجت قبل الثورة.
بدا واضحا أن رجال الثورة بعد الرئيس محمد نجيب لم يفهموا معنى الإنتماء إلى وطن سوى بالمفهوم الضيق، ولم يفهموا قيمة علمانية دستور مصر سنة 1923، فضيّقوا وهجرّوا وبتروا ثقافيا مصريين من الجاليات المتمصرة، أصبحوا مصريين كيانيا ولهجة وثقافة وليس بمجرد هوية وباسبور، ومنهم من أسس صناعة السينما والمسرح والاعلام والاستيراد والتصدير والمصارف.
وكاد البتر أن يطال أم كلثوم المصرية اباً عن جد باعتبارها رمزا من رموز "العهد البائد"، لكن محبة الرئيس عبد الناصر الشخصية لها انقذتها من حبائل تزمت بعض ضباط الثورة أمثال حسين الشافعي، وهوس الاخوين سالم في أذى رموز "العهد البائد"، وقابلها عبد الناصر ليقول بدون مواربة انها في حمايته.
***
انزوت ليلى مراد في بيتها بعد ان كانت في دائرة الضوء والشهرة لسنوات طويلة، ورغم ذلك كانت بين المطربات التي تذيع محطات الراديو والتلفزيون اغانيهن، لأن جمهورها كبير جدا في كل الدول العربية ويستحيل تجاهله، علاوة على افلامها المحبوبة.
وفي ثمانينات القرن العشرين عرض منتج على ليلى مراد المنسية في أرشيف الفنانين الاحياء أن تغني أغنية المقدمة والنهاية لمسلسل تلفزيوني، لأن الأجواء الرمادية حولها قد نُسيت، ووافقت ليلى مراد رغم سنوات عمرها الذي اقترب من السبعين، ورغم شهرتها ومكانتها في تاريخ الغناء تعرضت لموقف بيروقراطي غريب هو انها لا تملك ترخيصا للغناء في تلفزيون مصر أو إذاعتها، وقالوا لها ان عليها ان تؤدي امتحان غناء وتنجح فيه لتحصل على الترخيص، وتناول جميع النقاد الفنيين هذا الموقف البيروقراطي بهجوم حاد بلغ حد السخرية واتهام القائمين على التلفزيون المصري بالأمية الثقافية والجهل بتاريخ السينما، وتمنوا على ليلى مراد رفض دخول هذا الامتحان، لأنه إهانة لتاريخها وتاريخ مصر السينمائي والغنائي في الوقت نفسه.
تجاوزت ليلى مراد هذا الامر بصبر المتمرسين على نكد الظروف والناس، وأدت الامتحان الغنائي وسخرت عناوين الصفحات الفنية مما حدث وكتب أحد النقاد الفنيين "نجحت ليلى مراد ورسب التلفزيون". وكتب ناقد آخر "نجحت ليلى مراد لأنها رشت لجنة الامتحان ".
ذهبت ليلى مراد إلى ستوديو التلفزيون لبدء بروفات على الاغنيتين المتفق عليهما مع منتج المسلسل، ووقف أعضاء الفرقة الموسيقية تحية لها بمجرد أن دخلت وصفقوا لها بطريقة غير مسبوقة، إذ دقوا على ظهور آلاتهم الموسيقية لأكثر من دقيقتين بدلا من التصفيق العادي، وكان ما فعله العازفون تحية لليلى مراد واستنكارا لما حدث لها في الوقت نفسه، وبكت ليلى مراد من التأثر وذهبت إلى غرفة الملابس لتستعيد قوتها وعادت لتؤدي أول بروفة.
***
سبق محمد علي باشا بقرنيّن إلا قليلا البابا يوحنا بولس الثاني، الذي وصف لبنان بأنه رسالة وليس مجرد وطن، وجعل محمد علي باشا مصر "وطن/رسالة" قبل لبنان الكبير بمائة وعشرين سنة، يعيش فيه المسيحي المصري والمسلم المصري واليهودي المصري وجاليات أوروبا التي تمصرت جنبا إلى جنب بسبب الاجواء المتسامحة وعصر التنوير الذي بدأه في مصر.
ثم جاء مجلس قيادة ثورة يوليو/ تموز بعقيدة تهشيم أي ثقافة مغايرة على ارض الوطن، واعتبارها شرا على مصر يجب التخلص منه، وإنتشرت هذه العقيدة في الدول المتحدثة بالعربية، ومنذ ذلك التاريخ بدأ مرض التوحد يصيب شخصيتها "المتوسطية" الكوزموبوليتية الغنية، وتدهورت حالة التوحد لما نراه اليوم، فأصبح ماضي الناس مستقبلهم والموت السريري أو الفعلي أسمى اماني معظمهم، والاستفادة من وسائل وتقنيات الحداثة هدفهم، ورجم الحداثة بالشرك عقيدتهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج