الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من وحى أحد تعقيبات الرئيس السيسى

زاهر زمان

2018 / 5 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عند الدقيقة السادسة والثانية الرابعة والعشرين ، فى كلمته التى ألقاها الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى ، فى الندوة التثقيفية الثامنة والعشرين ، للقوات المسلحة المصرية ، تعقيباً على كلمة السيد أحمد أبوالغيط أمين عام الجامعة العربية ، بدأ فى الحديث عن التحديات التى تواجه الشعب المصرى ومؤسسات دولته ، وقد نوه الرجل إلى أن التحدى الأخطر ، الذى يهدد الشعب المصرى ، هو التحدى الداخلى ، والمتمثل فى الانزلاق الى الاقتتال الداخلى بين المصريين وبعضهم البعض !
رابط تعقيب السيسى على يوتيوب
https://youtu.be/Qt2KqJuu34A

الرئيس يعلم بالطبع أن هناك تحديات خارجية ، لكنه أيضاً يحذر بأنها ليست على نفس الخطورة ، التى تتهدد مصير الشعب والدولة المصرية ، اذا ماانزلق المصريون للاقتتال الداخلى بينهم وبين بعضهم البعض ! وأنا هنا لن أتحدث عن الجبهة الداخلية لمصر نيابة عن الرئيس ، ولكننى سأتحدث عما يجرى من واقع دراساتى وأبحاثى فى شأن الاسلام السياسى ، وكذلك معايشتى ومتابعاتى لتوجهات الرأى العام فى داخل مصر بصفة خاصة ، وفى بعض دول الشرق الاوسط بصفة عامة ، وخاصة الدول ذات الأغلبيات المسلمة .
دعونا نلقى نظرة سريعة على تاريخ مصر ، حتى نفهم السر فى تكالب القوى الخارجية على غزو مصر والسيطرة على مقدرات شعبها ، والذى كان هو الهدف الأهم والأوحد ، لكل القوى الخارجية التى قامت بغزو ذلك البلد الآمن المستقر ، المحب شعبه للأمن والسلام والتعايش مع الآخر ، لصناعة الحضارة وصناعة الحياة ، شأنه فى ذلك شأن كل الشعوب التى كانت قبل عصر الثورة الصناعية ، تعيش على الزراعة بصفة رئيسية ، فى وديان الأنهار . لقد تعرضت أرض مصر عبر تاريخها القديم كله لكل أنواع الغزاة ، وخاصة من جهة الشرق والشمال ، بسبب أراضيها الزراعية الشاسعة على جانبى النيل ، والتى كانت تنتج كل أنواع الحبوب والثمار ، حتى ان الامبراطورية الرومانية كانت تعتبر مصر ، سلة الغلال التى ترفد روما بكل أنواع الحبوب والثمار . كل أنواع الغزاة ، وكل المستعمرين لم يفلحوا فى القضاء على الهوية المستقلة للشخصية المصرية على مدار تاريخها ، الا الغزو العربى الذى كان متسلحاً بأيديولوجية دينية تدرك مدى أهمية وفاعلية تعلق البشر بوجه عام وليس المصريين فقط ، بعبادة الآلهة وتوقيرهم لها ، وخضوعهم لتلك القوى الغيبية التى كانوا يعتقدون أنها تتحكم فى كل صغيرة وكبيرة فى كل شئون حياتهم الآنية ، وأنها حتى سوف تبعثهم وتعيدهم الى حياة أخرى خالدة ، بعد موتهم ، بعدما تحاسبهم على أعمالهم التى عملوها أثناء حياتهم على ظهر تلك الارض ، وذلك فى اليوم الآخر ، الذى أطلقوا عليه فى أدبياتهم الدينية ( يوم الحساب ) أو ( يوم الدينونة ) ! كانت تلك هى الأيديولوجيات الدينية المنتشرة بين المصريين وغيرهم من شعوب الارض فى تلك الأزمنة .
ولأن الغزاة العرب كانوا يدركون مدى فعالية الممارسة القولية والممارسة السلوكية لطقوس ذلك الدين الجديد الذى أسسه محمد بن عبدالله ، فى سحق الهوية الأصلية للقبائل والشعوب التى تمت لهم السيطرة عليها بحد السيف ، فى جزيرة العرب أولاً ، فلقد عمدوا الى إنشاء المساجد فى كل مكان كانت تطاله سيوفهم ورماحهم ، وخيروا الناس بين الانضواء تحت لواء الدين الجديد وممارسة طقوسه وشعائره أو أن يظلوا على دياناتهم التى كانوا عليها ، شريطة أن يدفعوا الجزية التى يقررها الدين الجديد أو أن يقاتلوا عن أنفسهم وأعراضهم وأموالهم ، اذا مارفضوا الاستسلام والخضوع لتعاليم وأحكام وتشريعات وطقوس الدين الجديد ، ورفضوا كذلك دفع الجزية التى يريدها منهم السادة والحكام الجدد للبلاد . لم يكن ذلك حال المصريين فقط عندما اجتاحتهم الجيوش المحمدية ، وانما كان ذلك هو حال كل الأقوام التى طالتها سيوف ورماح العرب المحمديين ، سواء فى الشام أو العراق أو بلاد فارس أو فى الشمال الافريقى . كان الأمر يبدأ بالإطاحة بكل من يحاول التصدى للغزاة العرب من أبناء الشعوب التى طالتها سيوفهم ورماحهم ، ثم يبدأون فى اقامة المساجد ، تمهيداً لاعادة تشكيل هويات أبناء تلك الشعوب ، بدءً بالعقيدة الدينية كتنظيرات فكرية وكممارسات طقوسية طوال أوقات النهار ومايستطيعه الناس - المصدقين لهم - تطوعاً بالليل ، ويتبع ذلك بطبيعة الحال تعلم لغة العرب - التى يقولون أنها لغة أهل الجنة - لممارسة العبادات والتضرعات بواسطتها ، ثم تنسحب تلك اللغة العربية على باقى شئون الحياة خارج المساجد ، حتى تصبح مع مرور الأجيال لغة الحياة اليومية نطقاً وكتابة ً ، وخاصة بعدما قام بعض الخلفاء بفرض اللغة العربية كلغة رسمية فى جميع الدواوين التابعة للخلافة . لكن لماذا كان ومازال تركيز العرب على مصر بالذات ؟! كانت النجوع والقرى والمدن التى تقع على ضفاف نهر النيل فى تلك الأزمنة ، مطمعاً لكل غازى ، حتى ولو كانت بلاد ذلك الغازى ، لديها من الخيرات والثروات مايفوق مالدى مصر ، كالغزاة الروم والبيزنطيين والفرس ، فمابالك بجيوش قدمت من صحارى الجدب والفقر والحرمان الأزلى من أبسط مقومات الحياة ، وكانت قبل توحيدها على يد مؤسس الاسلام ، قبائل شتى متناحرة متصارعة ، تغزو بعضها بعضاً ، من أجل الكلأ والماء ، وماينجم عن تلك الغزوات من غنائم وأسلاب تشمل حتى نساء وفتيات وغلمان القبيلة المهزومة ! جيوش يسوق قادتها وعساكرها الطمع فى ثروات البلاد المستهدفة ، وتسبق سيوفهم ورماحهم ، التى تجز رؤوس ورقاب كل من يتصدى لهم ، دعاواهم الزائفة بأنهم انما خرجوا بهدف نشر الدين ؛ ذلك الهدف الذى لم يكن – فى حقيقة الأمر - الا أداة لقهر ارادة الشعوب ونهب ثرواتها وإذلال ساداتها ، تماماً كما هى دعاوى التنظيمات الارهابية الاسلامية ، التى تخدم أجندات ومصالح دول بعينها فى الشرق الأوسط فى أيامنا هذه ! نعم لم تكن دعاوى نشر الاسلام وتحكيم مايزعمون أنه الشريعة الحقة للإله فى شئون البلاد والعباد التى كانت تطالها رماحهم وسيوفهم ، سوى وسيلة لقهر ارادة الشعوب ونهب ثرواتها ، حتى أن عمر بن الخطاب عنف عمرو بن العاص والى مصر عندما أبطأ عليه فى ارسال الخراج ، وكان من ضمن ماقاله له فى رسائله اليه : (أخرب الله مصر في عمران المدينة وصلاحها ) ـ ذلك وقت مجاعة الرمادة ! وذلك كما ورد فى كتاب تاريخ الطبرى . وهذا هو الرابط لمن يريد الرجوع اليه .
https://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=1&cad=rja&uact=8&ved=0ahUKEwiZ4PqG-u7aAhXPMewKHWo7ClcQFgglMAA&url=http%3A%2F%2Fwww.islamweb.net%2Ffatwa%2Findex.php%3Fpage%3Dshowfatwa%26Option%3DFatwaId%26Id%3D198027&usg=AOvVaw3F-jl6EBnEbsHATItPGpz5
ورغم ذلك التبرير المدلس والغير مقنع لذلك القول الذى قاله الخليفة الملقب بالفاروق عمر بن الخطاب فى حق مصر والمصريين ، والذى برر به المسئولون عن موقع اسلام ويب ، تصرف الفاروق عمر ، الا أنه أثبت صحة وصدق مارواه الطبرى فى ذلك الشأن !
نعود الى كيفية وصول الحال فى مصر ، الى ماوصل اليه من انتاج أجيال خاضعة ومستعبدة للمشىروع السياسى المحمدى ، لدرجة التنكر لهويتهم وهوية أجدادهم المصرية الفرعونية ، والانضواء تحت دعاوى وأباطيل أعداء الدولة المصرية ، وقتالها على كل الأصعدة الاعلامية والاقتصادية والسياسية وبالمليشيات العسكرية ، بزعم نصرة الله ونصرة رسوله على الدولة المصرية الفاسدة الفاجرة الكافرة - حسب زعمهم المريض - ونلقى نظرة فاحصة على الجذور . كما سبق وأشرنا قبل ذلك ، كان الغزاة العرب بقيادة خلفاء محمد بعد مماته ، قد استوعبوا الدرس جيداً ، فى كيفية تغيير هويات وانتماءات العوام والبسطاء ، من أبناء القبائل فى جزيرة العرب ، فى حياة محمد ، وذلك بإقامة المساجد فى الأماكن التى كانت تطالها جيوشهم وتفرض سلطانها عليها . ومن المساجد تبدأ عمليات تعريب وأسلمة العوام والبسطاء ، وذلك ماحدث فى مصر فى بدايات الغزو العربى الاسلامى لها . ولما كان عوام المصريين وبسطائهم كغيرهم من الشعوب الأخرى فى ذلك الزمان يعتقدون فى وجود آلهة غيبية تتحكم فى مصائر البشر ، فإنهم لم يجدوا غضاضة فى التحول الى المنهج الدينى الذى أتى به الغزاة العرب ، خاصة وأن المنافقين من كبرائهم وسادتهم فى ذلك الزمان ، بادروا بالانخراط فى المشروع الدينى الجديد الذى أتى به الغزاة العرب ، وذلك حفاظاً على مصالحهم وامتيازاتهم الطبقية ، التى كانوا يتمتعون بها ، قبل انهزام الولاة الرومانيين وجيوشهم ، على يد الغزاة العرب ! أولئك الانتهازيون النفعيون لم يكن لديهم مشكلة فى التحول من التخديم على المستعمر الرومانى أو البيزنطى أو الفارسى ، الى التخديم على المستعمر الجديد ، وتقديم كل فروض الطاعة والولاء له ولقادته ، مقابل التفضل عليهم بالسماح لهم بالاحتفاظ بامتيازاتهم التى كانوا يتمتعون بها أيام المحتل المهزوم . ولما كانت أعداد السكان فى النجوع والقرى فى تلك الأزمنة ، ليست كما هى عليه الآن ، فقد سهَّل ذلك مهمة من ينوبون عن الولاة والحكام فى مراقبة الناس ومعرفة القلة القليلة التى تتراخى عن ممارسة طقوس الدين الجديد وبخاصة من يتخلفون عن آداء الصلوات الخمس فى جماعة ، ومن يتخلف عن الجماعة ثلاثة أيام متواصلة ، يتم اقامة حد تارك الصلاة عليه ، طبقاً للفتوى التى يصدرها القاضى - وهو غالباً فقيه عربى مسلم - المنوط به تولى القضاء فى هذه القرية أو تلك . لم تكن الأمور كما هى فى زماننا هذا ؛ يمر الناس بالمساجد فى أوقات الصلاة ، ولا يدخلونها ! هكذا كانت تدار الأمور الدينية طوال قرون طويلة من الاحتلال العربى لمصر وغيرها من البلدان كالعراق والشام والشمال الافريقى . أما من كانوا يجدون فيهم الاستكانة الكاملة والخضوع التام ، فى ممارسة الطقوس التعبدية والشعائر الدينية ، من أهل الأمصار المحتلة ، فكان القادة والولاة والقضاة ، يجزلون لهم العطاء ويقدمونهم الصفوف ويقطعونهم الاراضى والبساتين الغناء ، ويهبونهم العبيد والجوارى ، وخاصة لو صار أمثال هؤلاء من الضالعين فى الأمور الفقهية ومن حفظة القرءآن ! وشيئاً فشيئاً ، وجيلاً بعد جيل بدأت تتسع رقعة تغيرر الهويات الأصلية لأبناء الشعوب التى حكمها الخلفاء والولاة العرب فى البلاد التى احتلوها ، حتى نشأت أجيال لا تعلم أى شىء عن هواياتها الحقيقية ، وصار كل مايعرفونه أنهم مسلمين وعرب ! ورغم أن ذلك كان الحال فى مصر والعراق وبلاد الشام والشمال الافريقى ، الا أن هناك شعوباً تقبلت الاسلام كديانة لها مع احتفاظها بهوياتها اللغوية كما هى ، كبلاد فارس والأكراد والأتراك . حتى بعد سقوط آخر خلافة اسلامية عربية ، جاءت الخلافة العثمانية ، واستخدمت الدين الاسلامى أيضاً كوسيلة ناجعة لحكم الشعوب التى ورثتها عن الولاة والأمراء الذين كانوا يحكمونها قبل وقوعها تحت الاحتلال التركى . لذلك أنا شخصياً أرى أن العرب لم تنجب فى تاريخها كله قائداً قومياً وسياسياً فذاً قبل ولا بعد محمد بن عبدالله مؤسس الديانة الاسلامية ، والدليل على ذلك أن أكثر من مليار انسان على ظهر الارض ، لا يزالون يعتقدون أن مشروعه السياسى هو مشروع سماوى هبط عليه من قوى غيبية خارج كوكب الارض ! ولذلك لا أندهش كثيراً عندما أرى الكثير من التنظيمات الاسلامية الارهابية ، يفجر أفرادها أنفسهم ويقتلون كل من ينكر نبوة محمد أو يعارض حكماً من أحكامه أو تشريعاً من تشريعاته ، فالتراث الاسلامى زاخر بالخرافات والخزعبلات الأسطورية التى ينسبها مدونوه الى محمد مؤسس الاسلام ، وليس ذلك فقط بل الى خلفائه من بعده والى فقهاء وعلماء الاسلام ، الذين نسبوا القول فيهم أنهم ( ورثة الأنبياء ) الى محمد ذاته . الصراع الحقيقى الآن فى مصر وغيرها هو بين عصرنة الدين الاسلامى بكل طقوسه وأحكامه وتشريعاته ، وبين الالتزام بالنهج الكلاسيكى الذى سارت عليه الأنظمة الحاكمة فى البلاد ذات الأغلبيات المسلمة ؛ ذلك النهج الذى أفرز جماعة الهالك حسن البنا وتنظيم القاعدة وداعش وطالبان ، وسوف يفرز ماهو أشد وأخطر من كل تلك التنظيمات مستقبلاً ، لو اقتصرت المقاربات والمعالجات على نفس النهج الكلاسيكى ، الذى يسير عليه الازهر والمؤسسات الاسلامية الأخرى فى الدول ذات الأغلبيات المسلمة ! ذلك النهج الكلاسيكى فى المقاربة لن يفرز الا تنظيمات ارهابية تأكل الأخضر واليابس ، مالم يتم فتح المجال أمام القوى التنويرية المناوئة لأى استخدام سياسى للاسلام أو غيره من الديانات الأخرى . ذلك النهج الكلاسيكى فى المقاربة الاصلاحية لتجديد الخطاب الدينى ، لن يفرز لنا الا تنظيمات ارهابية متعطشة للحكم والسلطة ولو على جثث وأشلاء الملايين من أبناء الشعوب المبتلاة بذلك السرطان الخبيث ، مالم يتم تفعيل دستور الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة ، والذى من أهم مواده : حرية التفكير والتعبير والاعتقاد ، والتى يبطلها ويقوضها تلك المادة القانونية المطاطة التى تعتبر أى معارضة لأحكام أو تشريعات أى دين هو ( ازدراء للدين ) ! تلك المادة سيئة السمعة التى يحاكم بموجبها كل من يقوم بتوجيه النقد لأية رموز دينية ، هو غير مقتنع بقدسيتها كحال أتباعها ! تلك المادة التى تكرس السلطة السياسية فى أيدى رجال الدين ومحاميى الحسبة دون وجه حق ، فى دولة يقطع دستورها بأنها دولة مدنية ديمقراطية حديثة ، من المفترض ألا يكون بها أية سلطات غير السلطات الثلاث التى نص عليها الدستور !
بقلم / زاهر زمان









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - و عليه
ركاش يناه ( 2018 / 5 / 6 - 20:39 )

و عليه
___

سقطت الجملة الأخيرة سهوا من مقالك استاذنا :

و عليه ، فأن الرئيس السيسى كان يقصد ( فلان و علان ، كذا و كذا ، متى و أين ، قبل و بعد .. الخ ) عندما قال محذرا : (( أن التحدى الأخطر ، الذى يهدد الشعب المصرى ، هو التحدى الداخلى ، والمتمثل فى الانزلاق الى الاقتتال الداخلى بين المصريين وبعضهم البعض ! ))

شكرا استاذنا

....

اخر الافلام

.. #shorts - 14-Al-Baqarah


.. #shorts -15- AL-Baqarah




.. #shorts -2- Al-Baqarah


.. #shorts -20-Al-Baqarah




.. #shorts - 7- Al-Baqarah