الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى صديقة ... هزم التّواري ملامحها.

هشام برجاوي

2018 / 5 / 6
الادب والفن


التقينا خلال لحظات تنبذ الرصد بقدر ما تعشق الصدفة التي لم يكن أريجها إلا إحدى معجزات هذا الوجود.

لا تنطوي، في تقديري الشخصي، تحضيرات اللقاء وسياقاته على قيمة فضلى، كل ما أستطيع قوله إن الله أتقن الإعداد لذلك اليوم البعيد.

كلما سافرت عبر تقاسيم صور الملكات المسجونات داخل تلافيف كتب التاريخ العتيقة، يتهاطل اسم "لطيفة" على مزاجي. هذا ما علق على حيطان الذاكرة، اسم بلا جسد، لكنه روح من النقاء تحلق بسعادة، ولامبالاة، في خيالي الشاسع. أحاول، عبثا، لملمة كل الأوصاف المقتبسة من روعة الاعتناق المؤقت للماضي المسرور، غير أن الصورة الأخيرة اسم يهمس بكل الإحتمالات.

ما أروع الهجرة إلى أغوار الأيام الخوالي لأنها تنتصر، بحفنة من الوقت، على قتامة الإيمان الناضج بأن خرافاتنا وأشياءنا الصغيرة لن تبقى على ما هي عليه.

تفاصيل اللقاء تلاشت، وما بقي صامدا علاقة انسانية تقاوم سدل الستار. في كل قطرة لامعة من قطرات روحين مزجهما القدر، تنبثق عزيمة الإستمرار.

اختارت صحبتنا المدرسة، و فدت الشمل بالنفيس طيلة ست سنوات متواصلة، تخللها اكتشاف الإنتماء و بناء الهوية واللمس الطفولي لمعاني الإطمئنان التي استشرى في كل موقع من المجتمع أنها مهام مخصصة للكبار فقط، هذا تقييم فاشل طبعا، ذلك أن اليافعين يملكون الوعي الكافي لفهم فذلكات الإجتماع البشري المستمدة من التطبيق اليومي المكرور، و مهما تكن النتائج، فأنا أعتقد أن الذرية تُجسّد المساحة المشتركة بين الزواج والتزاوج.

هكذا يرتسم فحوى نقاشاتنا في ذاكرتي. اجتماعات التأمل في الحياة كانت كثيرة ، فقد ارتشفنا رونق نسيان موعد التعارف البسيط ، منذ الأيام الأولى . لقد أكدت لي أن سرعة النسيان مقياس لتوقع مصير العلاقة الإنسانية، وخاصة نسيان وقت التعارف، فعلاوة على إشارته الواضحة إلى تقدم العلاقة، فإنه يتحكم في اكتمالها أو اخفاقها.

لنا رؤيتان بريئتان ألفت بينهما أفكار مشتركة ، فقد بدأ الله والكون بالتسرب إلى امتداد التساؤلات. رغبة الإدراك لا يحتكرها الإكتساب العلمي، بل إنه قد يساهم في وأدها أو إجهاض تطورها في أفضل انجازاته.
كما سيطر على تفكيري مبكرا، انبرت لطيفة للنضال ، رفضت لقب : " المتعلمين " بانطوائه المتعمد على انتقاص جسيم من كرامة الإنسان، وقاومت شيوع الإكتساب : " لسنا أكياسا بلاستيكية يستعملها الزبائن لمدد زمنية قصيرة، ثم يلقون بها إلى سلة المهملات أو يوجهونها لإعادة التصنيع. "
السؤال الذي لا يزال يراودني : هل كانت تسعى إلى عالم مثالي يرتكز على صحة سلوك الفرد؟ قد أبالغ، و ربما تكون انطباعاتي متولدة عن التحاقي القسري بالكبار.

لحظة حميمية استوطنت ذاكرتي، مجرد قبلة، لا أدري متى حدثت، لكن المهم أنها حدثت. من عاداتنا الخالدة الإجتهاد في شرح الأحداث المؤلمة، أما ما نعتبره "رصيدا مبهجا" فإننا نكتفي، و يجدر بنا، أن نستمتع به قبل أن ينفذ. هذا ما نستطيع أن نعامل به البهجة، الإستمتاع بها، خاصة و أننا في أغلب الأحيان لا نتحكم فيها، فلطالما ارتبطت بالصدفة.

كأي باحث مبتدىء في متاهة الحب المثيرة، تطلعت إلى قبلات أخرى، و لم أتصور أن عنق حلمي سيتكسر عند قبلتين: الفاتحة التي نقشتها بأحرف وامضة ساقية الماء قرب مكتب المديرة في المدرسة، و قبلة الخفوت التي أقرها رحيل لطيفة مع أسرتها إلى مدينة أخرى. لدى استلامي للخبر، لم أتفاجأ، لكنني حاولت ابداء رفض أباده اصرار والدها على تغيير مكان اقامتها.

أتذكر أنها زارت منزلنا للمرة الأخيرة، و علمت من خلال شقيقي أننا شاركت في رحلة مع جماعة من الأصدقاء إلى الحقول المتاخمة للوسط الحضري. غادرت بهو المنزل بسرعة، لنلتقي أمام بوابة المدرسة… ورحلت.

من الصعب أن أعيد خلق ملامحها، بيد أن هذا الإخفاق المتقادم يخسر دوما أمام اقتناع شخصي مفاده أن لطيفة فتاة تبنت تقييما عاما للأشياء ... اكتنفه ما يُمكنُ أن يُبْنَى عليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته


.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع




.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202