الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وسكتت شهرزاد، لكن الشاعر حبيب السامر لم يسكت !! /ديوان(شهرزاد تخرج من عزلتها) أنموذجا

وجدان عبدالعزيز

2018 / 5 / 6
الادب والفن


استثمر الشاعر حبيب السامر اسم شهرزاد، فجعل اسمها عنونة لديوانه (شهرزاد تخرج من عزلتها)، ولاشك فان الوجهة الرؤيوية الحديثة اقتضت المتح من التراث والتناص معه، وهذا ان دلّ على شيءٍ، فانما يدل على ثقافة الشاعر وسعة اطلاعه، ثم قدرته على استثمار هذا في بلورة رؤيته الخاصة، فشهرزاد كقصة الهمت الكثير من الفنانين والمبدعين، كما كانت مصدراً لإلهام الكثير من المؤلفين وصناع السينما والتليفزيون، فهي اسم جارية شهريار الملك في حكايات ألف ليلة وليلة الشهيرة، وكانت هذه الجارية الأخيرة في حياة شهريار، الذي تعود أن يتزوج عذراء كل ليلة، ثم يقتلها لمعاقبة بنات حواء جزاء خيانة زوجته التي أحبها، وهذه الجارية الاخيرة امتازت بالذكاء الشديد والبراعة المطلقة في تأليف القصص، وكانت تروي لشهريار الملك حكايات مسلسلة، حتى ينتهي الليل، كما يأتي في نهاية كل ليلة: "أدركت شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح". وكانت شهرزاد تروي القصص على أجزاء مترابطة، حتى تضمن عدم قتلها، والشاعر السامر عاش حالات تردد وقلق، فجعل من عنونة ديوانه خروجا من ذلك التردد والقلق، فاتخذ قرارا لمعالجة موضوعات عديدة وما صاحبها من الضغوطات النفسية التي تفرزها، مستخدما اسلوبا شعريا هادئا، وكأني به يهمسها همسا، وقد نستل معاني ديوانه من خلال دراستها سيمائيا، والسيميائية تكون على قسمين : الاول التواصل، والثاني الدلالة، وكانت خطوات هذا المنهج تأخذ علم الدوال اللغوية وغيرها، حيث تدرس العلامات والاشارات والرموز والأيقونات البصرية، فنحن امام لعبة تفكيك وتركيب، اي نلج الى داخل النص نفككه، ثم نعالج الاحالات النصية، لكن هناك سؤال خطير، قد يُنسف جهدنا النقدي هنا، وهو محاولة تحييد المؤلف واقصاؤه، ومن ثم التخلي عن البحث في مقاصده، كذات منتجة لهذا النص، وانا اعتقد علينا الذهاب الى مسك العصا من المنتصف، متوخين الوصول الى الهدف، وهو البحث عن المعنى والدلالة واستخلاص البنية المولدة للنصوص منطقيا ودلاليا. يقول الشاعر السامر :
(يبدو أن..
يبدو أنــَّك لا تجيدُ الدورانَ إلا حولَ نفسِكَ
وكلما حاولتَ أنْ تمد يدَك لتقطفَ وردةَ المعنى
وجدتَها موغلة في الفراغ )
فعبارة : يبدو ان .. تحمل دلالة التردد والقلق، لولا انه اردفها عبارة نفي، ثم الدوران حول الذات، فالشاعر باحث نابه في ملاذات اللغة عن الطريق السالك، والا لماذا شهرزاد تخرج من عزلتها؟ المعلومة المتوفرة لدينا ان شهرزاد، قد خرجت في حينها بشجاعة وذكاء، وكسرت الغول المجرم داخل شهريار، ونجت فـ "أدركت شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح"، لكن الشاعر السامر لم يسكت، وطرح عدة امور معقدة، وتركها دون حلول، فهو دخل في مشروع الشعر، ومشروع الشعر وتيه وعدم اكتمال، بدلالة قوله :
(ايّها السادُر في ألانكساراتِ
يبدو أنــَّك تستيقظُ كعادتكَ مذهولاً
تلملمُ بقايا نهار متكرر
وأغنيِة خضراء
لتمنح قلبك قليلا من كتاب الضوءِ
وتفـتش ُ مراراً عنك .)
فرغم منح قلبه من كتاب الضوء، اي هناك معرفة ويقين، الا انه بقي معلقا في طريق التفتيش والبحث عن الذات، مستخدما صوته هو وصداه، اي صوت صوته، ثم موجها خطابه لنفسه في موضع اخر : (يُطالعونَ الصباحَ في وجهك/والضُحى/في وجوهِهم بقايا نعاس وذبول/ أصابعُهم بوصلة لا تعرفُ الهدوءَ/عيونهمُ سهام/لا يأبهون بالقادم من الوقت)، وهنا قد حاول علاج حالة ما، الا انه يواجه عتاة طواغيت، فهم (شفاهُهم زرق/ وفي آذانهم وقرٌ/لاموسيقى تطهُّر روحهم/لا يحلمُونَ بالماءِ والخضراءِ/مثلَ صفصافةِ مقبرةٍ زائلة/لا يؤنسُ خطواتهم إلا نثار غبار/ خريفيون/مثل انحسار الغروب.)، فالاشارات تؤكد انه واقع في امر جلل، قد لاينفع معه خروج شهرزاد من عزلتها، وحتى صمتها، بل ان الشاعر السامر يعيش متاهات متعددة، متاهة الحرب، ومتاهة التردد والقلق، ومتاهة تعدد الارواح العاتية التي لاتطهرها الموسيقى ولا الاحلام، يقول الناقد بلوافي مَحمد : (إن معرفة السيميائية، تساهم في فتح أفاق جديدة في البحث أمام الفكر، وتنمية حسه النقدي، وتوسيع دائرة اهتماماته، بصورة تجعله ينظر إلى الظاهرة الأدبية، أو الاجتماعية بعمق، فلا يقنع بما هو سطحي، ولا يقتصر على الأحكام المجانية التي تعودنا عليها، لأنها لا تسد الرغبة الملحة في المعرفة، ولا يكتفي بنتيجة علمية، إلا بعد التحقيق من سلامة فرضيتها، وصحة التفكير الذي أفضى إليها.)، اذن نحن امام حس السامر الشعري، وحسه النقدي ايضا، وهنا ولجنا في مقاصد الشاعر وهو يتوه بين الوجود واللاوجود .. لو افترضنا تماشيا مع المنهج العلمي ان المادة لاتفنى، اذن هي تتحول من شكل الى اخر، فالحركة هي عدم لصورة ما سابقة .. و ظهور لصورة اخري جديدة في انتظار العدم هي الاخري ! اي ان العدم واحدا وثابت لا يتغير وهدف وغاية كل الموجودات ..... بالنسبة لكل ما في الكون ..... "من مادة و طاقة" وغيرها ان وجدت ..... يقول الشاعر السامر في قصيدته محور الديوان وقلبه النابض (شهرزاد تخرج من عزلتها) :
(الزنابقُ سلمُ الماء
والماءُ نضحُ الجبل من صخورِ السطح تضيقُ المساحة
تستطيلُ مثلَ غبارٍ ينحتُ على الشاطئ بلاهات هلامية
تأخذُنا بيدٍ قلقةٍ نحو الوقتِ لتتصاغرَ بنعومةٍ .
أمهلني فراقُك وخذ الحجر.
أمهلني صمتُك وخذ الأقنعةَ والريحَ وتقلباتِ الموجِ
واحصرْ قابَ قوسين هذا النداء
ودعْ خلوتك تمسكُ بالزنابق ِ
لمْ تكنْ يقظتُكَ باذخة ً في انقباض ِ الرقصات
المكانُ واسعٌ والروحُ لطيفةٌ وشهرزادُ تخرجُ من عزلتِها
لتسردَ موتَها المؤجل
ثمةَ سعادةٌ بمواسمَ من ضوءٍ
أتذكرُ كلَّ شيء
أمحو كلَّ شيء
إلا الألفةَ في كثافةِ اللونِ المنسكبِ على عشبنا
القفصُ أوسعُ من زحاماتِ الدقائقِ
وهي تبّددُ التلويحةَ الأخيرةَ بين خفق ريح وافتراش سنوات
أصابُعك مرتعشةٌ ، ترسمُ فجوةََ َفي الفراغ)
فهنا تحدث عن الوجود كالزنابق والماء والجبل، وحتى الروح، لكنه اردفها بالمحو والموت المؤجل والفراغ، حيث اخذ الصراع مداه مقارنة بصراع شهرزاد والموت الماثل امامها شهريار، فـ(القفص أوسع من زحامات الدقائق)، بمعنى ان شهرزاد دخلت قفص الموت، لكنها انتبهت الى استعمال الاسلحة، وجعل ذلك الموت مؤجلا، فـ(ثمةَ سعادة بمواسم من ضوء)، وهكذا تبدو روح النص متجلية في التمسك بالحياة وجمال الطبيعة والضوء، وهي رؤية جمالية تختلس الظهور وسط العتمة، التي عاشها الشاعر وشهرزاد معا.. وتجلت ذات النص واخذت تشرق كذات الشاعر نفسه، متمثلة بقول الشاعر : (لا تطيلي النظرَ إليَّ أيتها القديسةُ/خوفي علي أن أضيع فيك وأنا أتلمس طريقي إليك/آه... قريبة ٌ منّي جداً/بعيدةٌ عنيّ جداً/وأنا الدليلُ نحوَ خطاي .)، فهنا تجلى الصراع واضحا، فبرغم انه بدى قلقا، الا انه كان شجاعا في اثبات الذات، (وأنا الدليلُ نحوَ خطاي)، فالمعنى المتحصّل من هذا هي ارادة الوجود .. و(منْ فضاءاتِ الروح/خطوها خجولٌ نحوي،/ كمْ انتظرت اللحظة َ المفاجئة !/لا مكان يسعُ بهجتي،/أحنـّط ُ الوقت ،/لا أدع اللحظاتِ تتسربُ من بين أصابعي/ رحيمة بي تمنحني عطرها)، وهكذا بقي المتلقي يعيش حالة الانتظار وخروج شهرزاد من موتها الى الحياة، وخروج الشاعر حبيب السامر من العتمة الى الضوء، بيد انه يعيش متاهة وحالات الاحتمال، كونه صاحب مشروع شعري .. ويبقى الشاعر، اي شاعر يشعر بالحيرة والتيه، لذا لن يكتفي بقصيدة، ولا ديوان واحد، وهكذا يبقى يحاكي الكلمات ويتوسلها في انتاج المعاني، قد تكون قريبة او لاازالت بعيدة عن رؤية الشاعر المنتج لنصوصه المتوالدة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/