الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلِينا ... Eleena.

هشام برجاوي

2018 / 5 / 8
الادب والفن


كالتي مات رضيعها الذي أطلقت عليه اسم حبيبها تخليدا لذكراه ...

كالتي أخبروها بعد انتظار سحيق أن الرجل الذي تزوجت به منذ أيام ضئيلة، هوى صريعا إثر حادث سير مرعب...

لإلينا ألم عميق، فقد لازمها الشعور بالذنب لأنها تركته يتوارى و هو لا يعلم أنه مقبل على ممارسة الأبوّة.

بمقدور الخيال الشاحب أن يرسم منظر الموت الذي باغت الرجل القاطن في أعماق قلبها، لقد غادر هذا الوجود مسكونا بانطباعات مكفهرة لأنه لن يراها مجددا، تماما، مثلما وصف لها اعتمالات التراقي أحدهم ... أحد أولئك الغرثى الجالسين بخشوع يشبه الحفلات التنكرية ... عند مدخل غرفتها القاحلة.

لقد رحل ظانا أن شخصا واحدا فقط هو الذي سيفتقده.

- على الأقل، لقد أنقذته من وجع إدراك أن شخصين سيحرقهما الحنين إليه ... لكن جدتي قالت لي إن الأموات يتابعوننا ... هل سيعلم أنني تعمدت ...

لم تستطع استئناف حديثها الجاف، امتقع وجهها قليلا .. قبل أن ترتشف تنهيدة مسهبة.

تحلق حولها المواسون. ملامحهم تصنع لدى المُشَاهِد صورة موظف مخلص، أُحيل إلى التقاعد الإجباري بسبب مؤامرة قاطنة في اعتقاده الشخصي فحسب، أو صورة إنسان مشهور بالنزاهة يحاول أن يثبت للعالمين أنه لم يسرق محفظة نقود بورجوازي قاتم الطباع كما خلقه "إله الواقعية الملبدة بالواقع" ... إن كان للواقعية الملبدة بالواقع إله يتحدث باسمه مثقف متشرنق .. شغوف بالفصل بين الأفعال اللازمة و الأفعال المتعدية كلما "اقترف" السّرد.

- جميعهم هنا على كل حال ...

وجود أقرب إلى البلاهة يسيطر على الأمزجة.

إنهم هنا، "مهطعو الرؤوس"، كي يؤكدوا لها أن القدر أقوى منهم و منها، بيد أنها آثرت قراءة عبارات العزاء ... مقلوبة :

- لقد رحل إلى الأبد، لن تلمسي عينيه الناعستين و هو يسرد لك تفاصيل يومه، و يَقِيس مستمتعا بأنفاسِك توتر تطلعاته، و يفصح لك عن شعوره العارم بالحبور لأنك برفقته ... لأنّكِ الوردة العصية على الاستخراف .. التي غرست الإشراق في حديقة أحلامه.

ابتسمت، مثيرة دهشة الحاضرين، ثم وجهت إليهم أنظارها الجهيدة كي تقول لهم ... متقمصة نبرة قائد لاذ جنوده بالإنتحار الجماعي خوفا من العدو :

- ما أقسى القراءة المقلوبة لعبارات العزاء، لكنها القراءة المتطابقة مع الواقع.

اعتدل شيخ في اللجب .. بعد أن قال للعجوز الجالسة إلى جانبه :

- أ لم أقل لكِ إن عذاب الضمير سيحيق بهذه المُسجاة الملعونة ؟

سمعت تحاورهما، ثم تناولت غير آبهة مجلة أنثوية كي تقرأ صفحتها المعتادة، رفعت صوتها كي يتمكن معجبوها، أصحاب العزاء، من سماعها بوضوح فاقئ للأعين :

- ذكر أحدهم، مازحا، لعشيقته أنه يحبها كما هي. وحينما تلمظ الإطراء في ما حدثته به، دنا منها بهدوء مبالغ فيه، و تأمل عينيها بانتباه لافت كي يعثر فيهما على سؤال بهيج "لماذا؟". همس على إثره : "أنا أحبك كما أنتِ لأنه لأن جمالا يفوق جمالك .. غير قابل للتصور". ارتدى ذلك المساء البعيد روعة استثنائية إذ أخبرها أنه حارس ابتسامتها ... الأمين.

أصغى الجمع إليها مازجا، بإنصاف، بين الامتعاض و التبسم المخاتل.

استطردت قائلة :

- في صفحة "نصائح امرأة لامرأة"، دعوني أقرأ لكم أن إحداهن، و هي خبيرة حصيفة في شؤون الأسرة، توصي بعدم اشراكه في غمرة تلقي الخبر لأول مرة.

ألقت المجلة في الهواء، صرخت، و السرور يترقرق من عينيها المبتلتين :

- لقد قمت بذلك ... لقد قمت بذلك ...

أجابها رجل وسيم ...كانت المسافة بينهما أكثر تقلصا من المسافة بين عينيها :

- نعم .. لقد قمت بذلك ... و بتفوق.

نهضت، بخفة باهرة، و طفقت تنظم متعلقات محفظتها اليدوية ثم رتبت نفسها أمام المرآة.

لم يسألها أحد عن وجهتها رغم أنها طلبت منهم جميعا استفسارها عنها...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا