الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عامود البيت

جوزفين كوركيس البوتاني

2018 / 5 / 11
الادب والفن


بماذا تتباهى هذه المنكسرة
هذه التي تتفنن بإخفاء ضعفها وتبديل خوفها بشجاعة زائفة.هذه التي رفضت التهاون مع المستغلين.هذه التي كانت كلماتها أنعم من حبة الدخنوأغلظ من حبل القنب.هذه التي تجيد الغناءوالبكاءمعاً.هذه التي علمتها التجارب بأن"القانون" بدعة أخترعها اللصوص.ولا يحمي الضعفاءكما علموها أسلافها الطيبون.هذه التي أقنعوها أن تعلق خرزة حسد على عتبة بيتها، لأن الكل يحسدها ولا تعرف على ماذا.ربما على ذلك المدعو "عامود البيت"؟
تقولها ضاحكة اسفاً على ذلك الذي كان أغلب الأوقات غائباً عن البيت وعنها، فمنذ ان زفت اليه عنوة وهو غائب.وبين غياب وغياب حضور مربك قصير كمن يزور مومساً بالخفية.
بدأكجندي بطل، ثم تحول الى حارس في الجيش الشعبي. بعدها حارس يحرس أبنية حساسة. ثم أعيد للخدمة من جديد بعد ان أستدعوا مواليده. وفي لحظة صحوة عابرة، هرب بعد أن ملَّ من الحروب الكثيرةالتي هدمت حيله وحيل كل رجال العشيرة.تحول الى معارض يطالب بأسقاط الحكم.ثماختبئ في دولة جارة تلم كل المعارضين دون أن تتدخل في التفاصيلطالما في جيوبهم أموالاً منهوبة.
بعدها أنشغل بأمرأة غريبة أغرمت به وأدعت انها لا تطيق العيش بدونه، وقبض عليه بتهمة ملفقة مخلة بالشرف ثم افرج عنه بكفالة. أو ربما بمناسبة وطنية. على اي حال لم تعد تتذكر.هذاهو ذلك الذي أحبته بصدق مجبرة. لم يزرع في حقلها سوى ثلاث أبناء ووحشة باردة .
تمضي الوقت بالغناء لهم وللوحشة التي لازمتها طيلة حياتها.كانت تغني لهم كل ليلة قبل ان يخلدوا للنوم،حتى سمعها جار أرمل مرة وهو عائد من زيارة قبر زوجته وأغرم بصوتها دون أن يراها. كان يقف كل ليلة عند نافذتها المغلقة محاولاً استراق السمع الى صوتها الشجي وهي تغني لأبناءها أوربما له أو لتبدد سكون الوحشة.كبرالأبناءعلى أصوات المدافع وعلى صوتها وعلى صراخ والدين كل يلوم الآخر على خراب البيت،بينما الحروب هي التي خربت البيت وخربتهم.
أمضت العمر تبنيوتهدموترمم وتربي وتقع وتنهض.كل هذا وحدها وعامود البيت غائب.وغالباً تلجأالى الكذب على أبناءها.كذبة بيضاء واحياناً سوداء عندما كانوا يسألونها "ماما متى يعود بابا؟" كانت ترد بكذبة قامت بتجهيزها سلفاً: "قريبا جدا سيطل علينا يا ابنائي الأعزاء." وكبرأبناءها والكذبة البيضاء لا زالت ترن بآذانهم.وهاجروا مجبرين تاركين البيت بلا رجعة.والأرمل مات أثر وحدة قاتلة.وأستمرت هي بالغناءلترفه عن نفسها المغلوبه على أمرها.كل هذا وعامود البيت لم يكن موجوداً.واليوم، حتى البيت لم يعد موجوداً.
وهاهي اليوم غدت عريضة كبوابة البيت وبذاكرة بيضاء كالقشطة.تلعب بالدمى مع أحفاد جارتها الطيبة. وأما أبناءها الذين حرصت على ابقاءهم أحياء رغم كل الحروب،فهم اليوم مبعثرين هنا وهناك كلقالق أعشاشها في الأماكن الخطأ. أماكن قد تهدمها الريح بأي لحظة.أبناء مشردون يبشرون عبرعالمهم الأفتراضي بغدٍ أفضل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في


.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة




.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد