الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع السفسطائي الديني-4

أيمن عبد الخالق

2018 / 5 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حوار مع السفسطائي الديني-4
" التفكير حوار الروح مع ذاتها" – أفلاطون
o السفسطائي الديني: في الواقع منذ أن تركتني في الجلسة الأخيرة، وأنا لم أستطع أن أنام طوال الليل، ولم أعد أشتهي الطعام، بل أكثر من ذلك، فإنني في أحد الليالي، قررت بيني وبين نفسي أن أقطع الحوار معك، وأن أقاطعك بالكلية، ولكن مع كل هذا لم أستطع، أن أمنع نفسي للعودة مرة أخرى للحوار معك.
• الفيلسوف: سبحان الله...وماهو السبب ياترى؟ هل أسأت إليك في الكلام.
o السفسطائي الديني: لا بالعكس، وهذا مايثير تعجبي ويقلقني، فالحوار معك يختلف عن الحوار مع الاخرين، حيث دائما ماكنت أتعارك معهم أثناء الحوار، ونتبادل الاتهامات والشتائم، ولكن مع ذلك لم يكن يصيبني مثل هذا القلق، ولم أكن أشعر بالألم النفسي كما أشعر به الان معكم، بالرغم من أنكم تتحاورون معي بكل أدب وهدوء، ولا أدري ماالسبب؟
• الفيلسوف: السبب في نظري، هو أنني قد حركت عقلك النائم، فبدأ يصحو ويستيقظ من نومه العميق، بل من غيبوبته الطويلة.
o السفسطائي الديني: لاأدري ...ربما...، ولكن ماأشعر به بالفعل، هو صراع كبير يدور في نفسي، ولا أدري بالضبط ماهو منشؤه؟!...وأنا لاأُخفي عنك أنني أشعر تجاهك بشعور مزدوج، فأنا مع كوني معجبا بأخلاقك وأسلوبك في الحوار، إلا أنني أشعر في نفس الوقت بكراهية، واستياء شديد تجاهكم عندما أراكم تسعون للتشكيك في أعز شيء عندي، وهو ديني وإيماني.
• الفيلسوف: وأنا من ناحيتي أتفهم جيدا مشاعركم، وأُقدّرها، ولكن من قال لك أنني أريد أن أزعزع دينك وإيمانك، فأنا لم أقصد إلا الحوار العقلي الموضوعي، ولم أقصد أصلا مجادلتك، أو إبطال اعتقاداتك، فهذا ليس من شأن الحكيم كما تعرف، كما أنّ هذا أمر أنت الذي تقرره، وليس أنا.
o السفسطائي الديني: في الحقيقة عندما راجعت كلامك مع نفسي، وحللت استسفاراتك حول معنى الحق، والاعتقاد الصحيح، وكيفية تحصيله، وجدت نفسي عاجزا عن الجواب المنطقي، واكتشفت أنّ طريقة تحصيلي لاعتقاداتي الدينية ـ على الرغم من إيماني ويقيني بها ـ إلا أنها لاتختلف أصلا عن طريقة الآخرين، من أصحاب الديانات الأخرى، فنحن جميعا تبنينا اعتقادات تلقيناها من بيئتنا التي نشأنا وتربينا فيها، ومن آراء مشايخنا وكبرائنا الذين نثق فيهم، بحيث لو فرضتُ أنني قد ولدت، ونشأت في بيئتهم، لاعتنقنت نفس عقائدهم!.
• الفيلسوف: وهذا ماأردتُ أن ألفت نظرك إليه، حيث إنّ أكثر الناس يغفلون عن هذه الحقيقة الواضحة، فلايشعرون بشعور الاخرين، ولا يراعون ظروفهم الاجتماعية التي نشؤا فيها.
o السفسطائي الديني: فإذا كان الأمر هكذا، فكيف أطمئن من صحة اعتقادي وإيماني، وهو محض وليد الصدفة، والظروف الزمانية والمكانية، وكيف يمكنني أن أحكم على عقائد الاخرين بالبطلان، مع كوني لااتميز عنهم، إلا بالبيئة التي ولدت فيها، والمحيط الذي اتفق أن نشأت فيه، فكل واحد منا قد ورث عقائد بيئته، وما أعجبه واطمئن به قلبه من آراء من يثق فيهم، ويطمئن إليهم.
• الفيلسوف: لقد استيقظ ضميرك، وارتفع صوت العقل فيك، وهذا ماكنت أصبو إليه، وأتمناه.
o السفسطائي الديني: ولكنك قد ورطتني، وأوقعتني في مأزق نفسي كبير لاأعرف كيف أخرج منه.
• الفيلسوف: وماهو هذا المأزق؟!، هل عودة العقل، وتحكيمه في نفسك، تعتبره مأزق، وورطة؟!
o السفسطائي الديني: أنت تعلم جيدا ماأقصده...فأنا إنسان مؤمن ومتدين، ولا أستطيع أن أتخلي عن ديني وإيماني بهذه السهولة والبساطة التي تتخيلها.
• الفيلسوف: أولا أنا لم اطلب منك أن تتخلي عن دينك وإيمانك، ولا أدعي أنّ تغييرك لفكرك ورؤيتك للحياة أمر سهل، كل الذي أطلبه منك فقط هو أن تكون موضوعيا، ومنصفا للآخرين، وأن تتجرد عن التعصب والانفعال، وإلا فإنك في النهاية لن تضر إلا نفسك، ومجتمعك.
o السفسطائي الديني: هذه الموضوعية التي تطلبها مني، هي التي ستخرجني عن ديني، واعتقادي، لأنها تتنافى بالكلية مع قدسية الاعتقاد الذي أؤمن به، وأدافع عنه بكل ماأملك.
• الفيلسوف: وكيف تقدس اعتقادا، أنت اعترفت بنفسك أنك قد ورثته بمحض الصدفة، ولم يكن لك عليه أي دليل عقلي أو علمي، سوى ماادعيته من اليقين والاستئناس، وكلام الناس من حولك.
o السفسطائي الديني: وهذا هو مايؤلمني ويعذبني...وكم أتمنى الان أن أعود إلى حالتي الإيمانية الأولى، لأنها الأفضل من جهة الراحة والاستقرار، ولكن لاأدري كيف؟! ليتني لم أعرفك، ولم ألقاك.
• الفيلسوف: هذا كلام غريب منك جدا...فكيف بعد أن عاد إليك عقلك، وإنسانيتك، تود أن تعود مرة أخرى، لتكون مجرد وعاء يصب فيه الاخرون آراءهم، ويلقنوك عقائدهم، لتصبح مجرد بوق لهم تردد مايقولونه كالببغاء، أين الحرية والكرامة الإنسانية؟
o السفسطائي الديني: أرجوك لاتزيد في جرحي أكثر من ذلك
• الفيلسوف: لابأس...هدئ من روعك...فإن ماتشعر به الان من صراع هو أمر صحي، وطبيعي جدا، ولكن المهم ألا تستسلم له، وألا تتعجل في اتخاذ قرار غير صائب، ربما يكلفك الكثير، وأنا من جانبي لن اتركك لوحدك، وسأسعى أن آخذ بيدك للخروج من هذا الصراع، ومساعدتك للوصول إلى بر الأمان...ولكن بشرط أن تساعدني، وتتعاون معي، لأنني لن أجبرك على تبني شيء تكرهه.
o السفسطائي الديني: أعدك بأنني سأحاول ....ولكن ماذا تقصد من كلامك هذا؟
• الفيلسوف: سؤالي هو: أليس اعتقاد الإنسان، ورؤيته للحياة، تؤثر على سلوكه، ومصيره فيها.
o السفسطائي الديني: بالتأكيد
• الفيلسوف: إذا كان الأمر كذلك، فإذا كان اعتقادك، ورؤيتك للحياة خطأ فسيكون مسيرك في الحياة خطأ، وربما يؤدي بك إلى الشقاء.
o السفسطائي: بلا شك
• الفيلسوف: إذن فمعرفتك بخطأ اعتقادك، ثم تصحيحك إياه، مع كونه أمرا صعبا، ومؤلما لنفسك، فهو أفضل لك بكثير من أن تعيش في الأوهام، والحرمان من الحياة االواقعية، والندم بعد ذلك، حيث لاينفع الندم.
o السفسطائي الديني: نعم صحيح... ولكن ماالذي يمكنني أن أفعله الان.
• الفيلسوف: أن تلتزم بالموضوعية، وأن تنصت لكلامي جيدا بعيدا عن الانفعال.
o السفسطائي الديني: أنا قررت الاستمرار في الحوار معك على الرغم من الألم الذي يعتصرني، لأنه أصبح من الواضح عندي، ضرورة المواجهة مع نفسي، وخوض هذا الصراع المصيري مهما كلفني الأمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على