الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفسير اللفظي والاستنتاج من مفهوم النص الدستوري في ضوء قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق رقم 61/اتحادية/2017 في 6/5/2018

سالم روضان الموسوي

2018 / 5 / 12
دراسات وابحاث قانونية


التفسير اللفظي والاستنتاج من مفهوم النص الدستوري

في ضوء قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق رقم 61/اتحادية/2017 في 6/5/2018

القاضي / سالم روضان الموسوي

المقدمة

القوانين وجدت لخدمة المجتمع، إلا إنها تبقى صماء لا حياة فيها إلا بعد تفعيلها من قبل الأشخاص الطبيعية والمعنوية وقد تتقاطع مصالح هؤلاء الأشخاص عند ممارستهم لحقوقهم التي أقرتها تلك القوانين فالحاجة تكون قائمة إلى وجود جهة مختصة بفض هذا التقاطع، وتكون محلا لقبول الجميع وذات قدرة تنفيذية من خلال قوة الإلزام التي تتمتع هذه الجهة، فظهرت المؤسسات القضائية، التي أصبحت معيار تقدم وتحضر الأمم، وظهرت الآليات والنظريات القضائية التي تعضد عمل هذه المؤسسات، ونتيجة لحتمية التطور تعددت أنواع ومسميات الجهات القضائية التي تتعامل مع النزاعات والخصومات الناشئة عن تقاطع العلاقات بين الأفراد والمؤسسات، مما دعا الحاجة إلى وجود محاكم دستورية تتعامل مع القوانين كموضوع للنزاع ، بمعنى أن تنظر في مدى مطابقتها للمبادئ الدستورية التي أقرتها الدساتير، وصحة الإجراءات التي صدرت بموجبها، كذلك توفر هذا النوع من المحاكم على صلاحية تفسير النصوص الدستورية التي تشكل أحيانا غموضا في فهمها أما لخلل في الصياغة التشريعية، أو قابليتها على التأويل بأكثر من وجه مما يجعلها سببا في حصول الخلاف في وجهات النظر بين فئات المجتمع سواء كانت على شكل أحزاب سياسية أو تجمعات دينية أو ثقافية وسواها[1]، وحينما تولت المحكمة الاتحادية العليا هذه المهمة في تفسير النصوص الدستورية، ولأنها هيئة قضائية وليس مجلس دستوري أو هيئة سياسية، فإنها اتبعت السبل المتاحة لعمل المحاكم بوصفها محكمة قضاء دستوري[2] على وفق المادة (92) من الدستور العراق لعام 2005 ويكون تفسيرها هو التفسير القضائي لان للتفسير عدة طرق (التفسير التشريعي ، التفسير القضائي ، التفسير الفقهي ، والتفسير الإداري)[3] وحينما تمارس المحكمة المذكورة اختصاصها في النظر بدستورية القوانين او التشريعات المطعون في عدم دستوريتها فإنها ستتعرض إلى تلك النصوص وتفسيرها من اجل الوصول إلى الحكم الحاسم بدستوريتها أو عدم دستوريتها وكانت المحكمة وفي أكثر من مناسبة تتصدى للتفسير اما للنص الدستوري حينما يطلب منها أو للنص الدستوري والنص القانوني محل الطعن عندما يعرض عليها في دعوى دستورية يقيمها احد الأطراف ممن له المصلحة في ذلك، وفي أكثر مناسبة تصدت المحكمة إلى هذه المحكمة في قرارات عديدة منها قرارها التفسيري العدد 25/اتحادية/2010 في 25/3/2010 الذي فسرت فيه مفهوم الكتلة النيابية الأكبر الواردة في نص المادة (76) من الدستور وقرارها العدد 37/ اتحادية/2010 في 14/4/2010 حيث أكدت على إن تفسير عبارة (مهام) الواردة في نص المادة (1) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 هي ذاتها عبارة (تختص) الواردة في صدر المادة (93) من الدستور و قرارها العدد 18/اتحادية/2009 في 8/4/2009 الذي قضى بإسقاط حق رئيس الجمهورية بالاعتراض على القوانين المحالة إليه للمصادقة، وقرارات أخرى بالإمكان الرجوع إليها عبر الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا في العراق[4]، إلا إن المحكمة أصدرت مؤخراً قرارها العدد /اتحادية/2017 في 6/5/2018 الذي قضت فيه برد الطعن المقدم من رئيس مجلس النواب إضافة لوظيفته ويطلب فيه الحكم بعدم دستورية نظام المراسم رقم (4) لسنة 2016 الذي أصدره مجلس الوزراء ومحور الادعاء في تلك الدعوى تمثل بطلب الحكم بعدم دستورية النظام أعلاه لأنه اعتمد الأسبقية لرئيس الجمهورية ثم رئيس مجلس الوزراء ثم لرئيس مجلس النواب وان ذلك يتقاطع مع المواد (1 ، 47) من الدستور وان تراعى أحكام المواد (47، 78، 67) من الدستور عند ترتيب الأسبقية في نظام المراسم ويذكر ان نظام المراسم رقم (4) لسنة 2016 قد حدد ترتيب للأسبقيات عند إجراء المراسم منها ما جاء في المادة (ثانياً) وعلى وفق الآتي (ثانيا ــ تكون الأسبقية لرئيس الجمهورية ثم لرئيس مجلس الوزراء ثم لرئيس مجلس النواب ثم لرئيس مجلس القضاء الأعلى ثم لرئيس مجلس الاتحاد ثم لرئيس الإقليم ثم لرئيس مجلس وزراء الإقليم ثم لرئيس مجلس نواب الإقليم) ويقصد بالمراسم ما ورد ذكره في المادة (1) من قانون المراسم رقم (26) لسنة 2000 التي جاء فيها الآتي (يقصد بالمراسم، مجموعة القواعد والإجراءات التنظيمية والأساليب وتسلسل الأسبقية والأعراف والتقاليد والواجب مراعاتها في : آـ المناسبات الرسمية والدبلوماسية خلال الاستقبال والتوديع والمقابلات والمؤتمرات والاجتماعات والاحتفالات والحفلات والزيارات والمآدب ب - المراسلات والوثائق الرسمية . (ونظام المراسم قد صدر بموجب الصلاحية الممنوحة لرئيس الوزراء بموجب المادة (2) من قانون المراسم رقم (26) لسنة 2000 وكذلك استناداً إلى الفقرة (ثالثاً) من المادة (80) من الدستور التي منحت رئيس الوزراء صلاحية إصدار الأنظمة وللوقوف على الأسلوب الذي اتبعته المحكمة الاتحادية العليا في تفسير النصوص القانونية والدستورية لابد من معرفة طبيعة الأنظمة وهل تعتبر من التشريعات المماثلة للقوانين التي يجوز الطعن بها أمام المحكمة الاتحادية العليا بوصفها المحكمة الدستورية لذلك سأعرض للأمر على وفق الفروع الآتية :

المطلب الأول

رقابة المحكمة الاتحادية العليا على دستورية الأنظمة والتشريعات

هذا المطلب يتكون من فرعين الأول سأتناول فيه الاختصاص الحصري للمحكمة الاتحادية العليا في الرقابة الدستورية على القوانين والأنظمة النافذة وفي الفرع الثاني سأعرض لموضوع الأنظمة وتعريفها باعتبارها نوع من أنواع التشريع وتسمى بالتشريعات الفرعية التي تصدر عن السلطة التنفيذية بعد تفويض الدستور لها بإصدار تلك الأنظمة وعلى وفق الاتي:

الفرع الأول

الاختصاص الحصري للمحكمة الاتحادية العليا في الرقابة الدستورية

إن المحكمة الاتحادية العليا هي المحكمة المختصة في القضاء الدستوري في العراق على وفق ما تقدم ذكره وينعقد لها الاختصاص بموجب أحكام المادة (93) من الدستور التي جاء فقرتها الأولى الاختصاص في الرقابة الدستورية على القوانين والأنظمة النافذة[5] والجدير بالذكر إن الدستور العراقي حينما وزع الاختصاصات بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) قد اعتمد أسلوب التحديد للاختصاص لكل سلطة بما يقطع الطريق على الاجتهاد في ممارسة الاختصاصات وجعل من كل سلطة جناحين مثال ذلك جعل السلطة التشريعية مكونة من مجلس النواب ومجس الاتحاد إلا انه لم ينظم عمل مجلس الاتحاد وتركه الى مجلس النواب لتشريع قانون بذلك على وفق حكم المادة (65) من الدستور والسلطة التنفيذية جعلها من رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والسلطة القضائية تتكون من القضاء الاعتيادي والقضاء الدستوري الممثل في المحكمة الاتحادية العليا ويلاحظ ان الاختصاصات التي منحها الدستور الى مجلس النواب هي الاختصاصات التي تختص بها السلطة التشريعية اجمعها ومجلس الاتحاد إن تشكل فان اختصاصاته ستكون من جرف اختصاصات مجلس النواب وبموجب التفويض الدستوري لذلك الاختصاصات التي تختص بها السلطة التشريعية هي الاختصاصات التسعة التي وردت في المادة (61) من الدستور والسلطة التنفيذية وزع اختصاصاتها الدستورية بين اختصاصين تنفيذيين الأول وضع بعنوان صلاحيات لرئيس الجمهورية في المادة (71) من الدستور وهذه جميعها صلاحيات لاحقة وليس منشئة لعمل ما لأنها إما تتعلق بالتصديق على القوانين التي تصدر عن السلطة التشريعية او إصدار المراسيم واقتراح مشاريع القوانين بمعنى ان عمل رئاسة الجمهورية يكون وجوده بعد وجود نشاط آخر سابق له صادر عن إحدى السلطات الثلاث بينما منح الدستور الى مجلس الوزراء ثمانية صلاحيات حصرية يمارسها ولا يجوز له ان يتعداها وعلى وفق ما جاء في المادة (80) من الدستور إلا إن هذه الصلاحيات أوسع من صلاحيات رئيس الجمهورية منها صلاحيات تشريعية بموجب تفويض الدستور لها بإصدار الأنظمة التي تعد تشريعات فرعية على وفق ما سيتم عرضه لاحقاً والسلطة القضائية قد منح لفرعها الاول القضاء الاعتيادي ممثلاً بمجلس القضاء الأعلى ثلاث صلاحيات وعلى وفق المادة (91) من الدستور التي جاء فيها الآتي (يمارس مجلس القضاء الأعلى الصلاحيات الآتية: أولاً: إدارة شؤون القضاء والإشراف على القضاء الاتحادي. ثانياً: ترشيح رئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية، ورئيس الادعاء العام، ورئيس هيئة الإشراف القضائي، وعرضها على مجلس النواب للموافقة على تعيينهم. ثالثاً: اقتراح مشروع الموازنة السنوية للسلطة القضائية الاتحادية، وعرضها على مجلس النواب للموافقة عليها) أما الفرع الثاني من السلطة القضائية وهو المحكمة الاتحادية العليا فقد منحها الدستور ثمانية اختصاصات بعضها يتفرع إلى أكثر من اختصاص على وفق أحكام المادة (93) من الدستور وهذا العرض سيكون له محل عند التطرق لاحقاً إلى أسلوب تفسير المحكمة الاتحادية لمفردات الدستورية وبما إن الدستور اعتبر العراق دولة اتحادية (فدرالية) على وفق المادة (1) من الدستور[6] وتختلف الدساتير الفيدرالية في الكيفية التـي تـوزع بهـا اختصاصات بين السلطات الفيدرالية وسلطات الولايات، اختلافاً لا يرجـع إلـى الاعتبارات القانونية بقدر ما يرجع إلى الاعتبارات العملية السياسية ، فلكل دولـة ظروفها السياسية الخاصة بها ومن ثم تتنوع الأساليب التي يمكـن أن تتبـع فـي توزيع الاختصاصات في الدولـة الفيدراليـة، ويقصد بنطاق الاختصاصات ، المهام التـي تمارسـها السلطات الثلاث في أي مـستوى مـن مستوياتها وتوزيع الصلاحيات والاختصاصات بين السلطات الثلاث هو جوهر العمل بدأ الفصل بين السلطات الذي اعتمده الدستور النافذ في المادة (47) من الدستور[7] إلا إن الطبيعة البشرية في الاستحواذ على كل شيء ومحاولة الحكام في تركيز السلطة بأيديهم كانت الدافع لوجود هذا المبدأ ويرى الفقيه (مونتسكيو) بان كل من يحوز على السلطة يقوم به ميل الى التعسف فيها والاستبداد بها حتى تقوم في مواجهته سلطة أخرى وعلاج هذا الاستبداد هو توزيع السلطات لتحول دون التحكم والتفرد بمقدرات الأمم ويجري هذا التوزيع في ضوء الوظائف القانونية للدولة[8]، بمعنى ان تختص كل سلطة بوظيفة معينة، لان تركيز السلطة بيد شخص او مجموعة من الأشخاص هو تمكينهم من القدرة على التحكم والسيطرة على المحكومين وبذل اصبح الصراع على السلطة ظاهرة اجتماعية ووسيلة وحيلة لحماية الامتيازات للحكام القابضين على السلطة مثلما أشار ماركس إلى ذلك حيث اعتبرها أداة لإجبار الطبقة العاملة (البرولتياريا) على احترام القواعد القانونية التي وضعتها تلك السلطة الحاكمة والتي تعبر عن مصالح تلك السلطة دون الطبقة العاملة[9] ومن هذا الاساس التزم الدستور العراقي بمبدأ الفصل بين السلطات وقام بتوزيع الاختصاصات في ضوء الوظيفة القانونية والدستورية لكل سلطة من تلك السلطات ، كما يلاحظ ان الدستور العراقي قد استخدم مصطلحين مختلفين عند توزيع الوظائف بين السلطات حيث استخدم مصطلح اختصاص عند بيان وظيفة السلطة التشريعية فذكر عبارة (يختص مجلس النواب) عند بيان وظائف مجلس النواب وعلى وفق ما جاء في المادة (61) من الدستور وكذلك عند بيان وظائف المحكمة الاتحادية العليا حيث وردت عبارة (تختص المحكمة الاتحادية العليا) على وفق ما جاء في المادة (93) من الدستور بينما استخدم مصطلح صلاحية عندما تطرق الى وظائف السلطة التنفيذية بفرعيها ( رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء) حيث ذكر عبارة ( يتولى رئيس الجمهورية الصلاحيات الآتية) وعلى وفق ما جاء في المادة (73) من الدستور وعند بيان وظائف مجلس الوزراء استخدم أيضاً مصطلح الصلاحية حيث وردت عبارة (يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الآتية) على وفق ما جاء في المادة (80) من الدستور وهذا التمييز في استخدام المصطلحين له أثار حيث يرى بعض فقهاء القانون الدستوري انه ذهن المصطلحين (الاختصاص والصلاحية) هما مصطلحان مستوردان من الفقه الدستوري الفرنسي إلا إن استعمال العرب لهما لم يكن يميز بينهما، إذ جعل اختصاص رئيس الجمهورية هي صلاحياته وصلاحياته هي ذاتها اختصاصاته وتساوى المعنى بينهما عند الاستعمال في الدساتير العربية الا بينما الواقع يشير إلى إن لكل مصطلح دلالة قانونية فبعض المختصين في الفقه الدستوري والإداري يرون إن المعنى الذي يصدق عليه مصطلح الاختصاص هو السلطة الحصرية التي تنفرد بها تلك الجهة[10] أما مصطلح الصلاحية فهو يتعلق بوظائف أي من السلطات التي من الممكن ان يتشارك فيها مع جهات أخرى أي لا يتفرد بها، لذلك استعمل مصطلح الاختصاص في بيان وظائف مجلس النواب لان وظيفته هي التشريع بالدرجة الأساس ولا يجوز أن تمارسها أي سلطة أخرى وكذلك وظيفة المحكمة الاتحادية العليا فإنها تمارس القضاء الدستوري الذي لا يجوز لأي سلطة أخرى أن تتشارك معها في ذلك العمل وهذا ما دعا كاتب الدستور إلى وضع مصطلح الاختصاص عند بيان وظائفها بينما نجد إن السلطة التنفيذية من الممكن أن تشاركها جهات أخرى مثل الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم وعلى وفق ما جاء في المادة (114) من الدستور، بينما الصلاحيات الحصرية وردت في المادة (110) من الدستور، كذلك استخدم مصطلح الصلاحية عند بيان وظائف مجلس القضاء الأعلى في المادة (91) من الدستور ولم يذكر مصطلح الاختصاص وذلك لوجود جهة أخرى تمارس الأعمال التي يعمل بها ولا تعد وظائفه حصرية متعلقة فيه حصراً مثل القضاء العسكري الوارد ذكره في المادة (99) من الدستور وكذلك القضاء الإداري الذي يختص به مجلس الدولة وعلى وفق المادة (101) من الدستور، كذلك العمل القضائي وولايته لا تسري على عموم الأراضي العراقية لان مجلس القضاء الأعلى في كردستان العراق يعمل بشكل منفصل عن مجلس القضاء الأعلى الاتحادي ومن الممكن ان تسحب الولاية من مجلس القضاء الأعلى الاتحادي في حال ظهور أقاليم أخرى لان المادة (121) من الدستور أجازت ذلك، بينما القضاء الدستوري يكون حصراً بالمحكمة الاتحادية العليا واختصاصها يشمل جميع الأراضي العراقية وهذا ما جرى العمل به وأخرها دورها في معالجة الأزمة السياسية للاستفتاء الذي جرى في إقليم كردستان بموجب قراراها العدد 89 و 91 و 92 و 93/ اتحادية/2017 في 20/11/2017 والتزم بما ورد فيه الجميع سواء في المركز أو في الإقليم ، وهذا العرض سيوضح لنا لاحقاً تفسير المحكمة الاتحادية العليا لتراتبية الرئاسات في نظام المراسم المطعون فيه لان المحكمة اعتبرت إن المهام لكل جهة هي الحاكمة في ضبط هذه التراتبية وليس على اساس تعدادها في نظام المراسم ، وتكون كل سلطة مقررة قانونا تتفرد بها جهة معينة، شخصا أو هيئة، فهي اختصاص. ومالا تتفرد به فهي صلاحية وبالتالي من الخطأ البين التسوية بينهما في المجال القانوني عموما والدستوري خصوصا[11] ومن خلال ما تقدم فان الصلاحية الحصرية للقضاء الدستوري تكون للمحكمة الاتحادية ومن اختصاصها النظر في عدم دستورية التشريعات ومنها نظام المراسم رقم (4) لسنة 2016.



الفرع الثاني

هل تعتبر الأنظمة من التشريعات

إن المحكمة الاتحادية العليا في العراق تختص بالرقابة على دستورية الأنظمة فضلاً عن القوانين وعلى وفق حكم المادة (93) من الدستور التي جاء فيها الأتي (الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة) حيث يتولى مجلس الوزراء بوصفه احد أجنحة السلطة التنفيذية إصدار الأنظمة على وفق أحكام الفقرة (ثالثاً) من المادة (80) من الدستور التي جاء فيها الآتي (ثالثاً: إصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات، بهدف تنفيذ القوانين) والنظام الذي يدخل ضمن منطوق المادة أعلاه هو الذي عرفته كتب المعاجم القانونية حيث يقصد بالنظام التشريع الذي يشبه القانون وله معيار عام وغير شخصي ويكون في القرارات التي تتخذها السلطة التنفيذية في ممارستها لصلاحياتها التنظيمية ويتضمن قواعد عامة ومجردة[12]، وهو غير حالة النظام الداخلي للمؤسسات والجهات سواء الحكومية وغير الحكومية[13] ويقصد به أيضا التشريع الفرعي الذي تسنه السلطة التنفيذية بمقتضى الاختصاص المخول لها في الدستور بصفة أصلية ويطلق عليها الأنظمة بينما في بعض البلدان تسمى اللوائح التنظيمية وتمتاز هذه الأنظمة عن سواها، مثل اللوائح والتعليمات التنفيذية الأخرى التي تصدرها السلطة التنفيذية سواء كان رئيس الوزراء أو الوزراء، بان هذه الأنظمة لها طابع مستقل عن القوانين الصادر بمعنى إنها لا تصدر بموجب قانون نافذ لتنفيذ أحكامه وإنما لها مركز قانوني مستقل وتصدر لتنظيم حالة غير منظمة بموجب قانون آخر ولها قيمة مساوية لقيمة القانون من حيث الأثر[14] وتعد الأنظمة بمستوى أدنى من التشريع لان الأنظمة هي التشريع الفرعي وهي عبارة عن مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء في العراق ولها أشكال متعددة منها ما يسمى الأنظمة التي يختص بسنها مجلس الوزراء حصراً بموجب المادة (78) من الدستور[15]، وفي المنظومة التشريعية العراقية عدة انظمه من هذا القبيل منها نظام رعاية الطوائف الدينية رقم 32 لسنة 1981 الصادر عن رئيس الجمهورية بموجب المادة (57) من دستور عام 1970 الملغى والنظام الداخلي لمجلس النواب الصادر بموجب المادة (51) من الدستور والأنظمة الأخرى التي تصدر بموجب المادة (80) من الدستور التي منحت مجلس الوزراء سلطة إصدار الأنظمة، لابد أن تصدر هذه الأنظمة على وفق مبادئ الدستور وتقع تحت طائلة الرقابة الدستورية، ومارست المحكمة الاتحادية العليا رقابتها الدستورية على الأنظمة في عدة قرارات منها قرارها العدد 63/اتحادية/2015 في 8/7/2015 الذي جاء فيه الآتي (إن طلب مجلس النواب الرأي بخصوص التصويت على منح الثقة للوزير يتطلب بيان المادة الدستورية المختلف في تفسيرها أو القانون أو النظام الذي استند الإجراء المتخذ إليه للوقوف على دستورية ذلك الإجراء)[16] حيث أكدت في هذا القرار إن لها سلطة في الرقابة على دستورية الأنظمة عندما أشارت إلى النظام مقرونا بالقانون، فضلاً عن نظرها طعن يتعلق بنظام جوازات السفر الصادر عن مجلس الوزراء وعلى وفق ما جاء في قرارها العدد 22/اتحادية/2016 في 8/11/2016 الذي قضت فيه بدستورية المادة (17/أولا) المطعون فيها من نظام الجوازات والسفر رقم 2 لسنة 2011 الذي أصدره مجلس الوزراء لان ذلك يعد خياراً تشريعيا لمجلس الوزراء[17] ونظام المراسم رقم (4) لسنة 2016 هو من التشريعات الفرعية التي منح مجلس الوزراء صلاحية تشريعها لانها تتسم بالعموم ولا تتعلق بحالة فردية خاصة والمحكمة الاتحادية نظرة الطعن فيها لأنها تدخل ضمن اختصاصها المشار إليه في المادة (93) من الدستور.

المطلب الثاني

الأسلوب التفسيري المتبع في نظر الدعوى الدستورية المتعلقة بنظام المراسم

إن المحكمة الاتحادية نظرت الطعن بدستورية نظام المراسم رقم (4) لسنة 2016 بموجب دعوى أقامها السيد رئيس مجلس النواب إضافة لوظيفته على السيد رئيس مجلس الوزراء إضافة لوظيفته وطلب فيها الحكم بعدم دستورية نظام المراسم أعلاه لانه خالف المواد (47، 67، 47) من الدستور والمتضمن اعتماد الأسبقية لرئيس الجمهورية ثم لرئيس الوزراء ثم لرئيس مجلس النواب ولأنه يتعلق بالأعراف والتعاملات الدولية في الدول التي تتشابه أنظمتها مع نظام الحكم النيابي في العراق ومنها نظام الحكم في ألمانيا الذي يضع رئيس الدولة في المقدمة ثم رئيس مجلس النواب (البوندستاج) ثم يليه منصب المستشار (رئيس الحكومة) ولهذه الأسباب يطعن بعدم دستورية نظام المراسم، إلا أن المحكمة الاتحادية ردت دعوى المدعي وقضت بدستورية نظام المراسم واعتمدت في أسباب الرد إلى تفسير نص المادة (47) من الدستور وكذلك اعتماد نظام المراسم إلى المهام التي أناطها الدستور بالمنصب وفي ذلك القرار اعتمدت المحكمة الاتحادية على أسلوبين في تفسير النص الدستوري وكذلك النص الوارد في نظام المراسم الأسلوب الأول هو التفسير اللفظي للنصوص الدستورية حينما عرضت تفسير وجود حرف العطف (واو) بين مكونات الدولة العراقية التي أشارت لها المادة (47) من الدستور والثاني التفسير عن طريق الاستنتاج من مفهوم النص لذلك سأعرض لهذين الأسلوبين اللذين اعتمدته المحكمة الاتحادية العليا عند تصديها للطعن في عدم دستورية نظام المراسم رقم (4) لسنة 2016 وعلى وفق الآتي :



الفرع الأول

أسلوب التفسير اللفظي

جاء في منطوق قرار الحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا رقم 61/اتحادية/2017 في 6/5/2018 إن من أسباب رد دعوى المدعي في الدعوى الدستورية ان المادة (47) من الدستور التي جاء فيها الآتي (تتكون السلطات الاتحادية، من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات) تجد فيها المحكمة الاتحادية العليا بأنها عددت مكونات السلطات الاتحادية في العراق ورسخت مبدأ الفصل بينها وماورد في هذه المادة عند ذكرها السلطات الاتحادية في العراق كان الغرض منه تعداد هذه السلطات حيث استعملت بين كل سلطة وأخرى حرف (الواو) وهو حرف عطف في اللغة العربية التي هي اللغة التي كتب بها الدستور وتساوي بين المعطوف والمعطوف عليه وكونا في درجة واحدة مهما تعددت المسميات، وبهذا التسبيب فانها تصدت لنص المادة (47) من الدستور لبيان مفهوم ما ورد فيها لان الامر قد التبس على المدعي حينما اعتقد بان الترتيب الوارد يمثل أسبقية لسلطة على الأخرى التي تليها وإنها اتبعت اسلوب التفسير اللفظي لذلك سأعرض لبيان معنى التفسير اللفظي ثم بيان موقف اللغة العربية من معنى حرف (الواو) وأثره على سياق الجملة التي ترد فيها وعلى وفق الآتي :

1. معنى التفسير اللفظي : يقصد به الكشف عن مدلول هذه الألفاظ واستخلاص المعنى من مجموع عبارات النص على هدي قصد المشرع[18] ويكون الغموض أحيانا في لفظ محدد أو في عموم النص في المادة الدستورية لذلك ولغرض التعرف على الحكم لابد من تفهم جمل وكلمات النص وتطبيق قواعد اللغة عليها، لان النص القانوني او الدستوري، والذي هو جزء من القانون بمعناه العام ويسمى بالقانون الدستوري، لا يعدو عن كونه مجموعة ألفاظ يريد بها المشرع أو كاتب الدستور التعبير عن معنى هادف، ويعتبر الكشف عن مدلول الألفاظ هو الخطوة الأولى في التفسير، وتفترض هذه الخطوة تحديد دلالة كل لفظ على حده ومن ثم تحديد المعنى الإجمالي للنص واهم أداة يتبعها المفسر، وهنا يتمثل بالمحكمة الاتحادية العليا، هو الاستعانة بقواعد اللغة العربية لان كل لفظ وارد في النص الدستوري له ضرورته ولا يجوز اعتباره نافلة من القول[19]، والنافلة هو الكلام الذي لا فائدة منه على وفق ما ورد في معاجم اللغة العربية، لذلك علم الصياغة التشريعية اهتم كثيراً في اللغة التي يكتب بها النص القانوني او الدستوري وتُعدّ لغة النص التشريعي وأسبابه الموجبة بمثابة ركيزة أساسية في ممارسة صناعة القانون. إن اختيار الألفاظ والتعابير وبُنية الجمل تشكّل تحدّياً حقيقياً يواجه الصائغين، لذلك كان امتلاك ناصية اللغة، استيعاباً وتعبيراً، ضرورياً لا لمعرفة فصول القانون ومواده فحسب إنما لاستخدام اللغة المؤثرة ببلاغتها من غير تفصيل مُملّ ولا إيجاز مُخلّ[20]، فضلاً عن فان صيغة النص يقصد بها التعبير بالألفاظ عن الصور الذهنية وهي المعاني، فاللفظ هو القالب الذي يتجسد فيه المعنى المراد إيصاله، ومن أهم الوسائل الرئيسية المباشرة لاستخراج الحكم من النص هو الاستعانة بمنطوق النص وهيئته التركيبية ، وهو ما يسمى بدلالة المنطوق[21] والأصل إن الألفاظ يجب أن تفهم وفقاً لمعناها الدارج إلا إذا كان لها معنى فني خاص لا يطابق معناها الدارج، لأن الشارع عندما يستعمل ألفاظا معينةً إنما يستعملها في معناها الخاص لا في معناها الدارج، ثم ان الواجب أن نفهم عبارات التشريع في مجموعها، فلا نفهم كل منها على حده[22] والمحكمة الاتحادية اتبعت في العديد من قراراتها هذا الأسلوب بالتفسير واستعانت بمفهوم العبارات الواردة في الدستور وأسست عليها عقيدتها تجاه تفسير النص المطلوب تفسيره ومنها القرارات الآتية:

‌أ. قرارها التفسيري العدد 25/اتحادية/2010 في 25/3/2010 الذي فسرت فيه مفهوم الكتلة النيابية الأكبر الواردة في نص المادة (76) من الدستور وجاء في القرار التفسيري الأتي (تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عدداً من الكتلة أو الكتل الأخرى) حيث اعتمد على عبارات النص وألفاظه و استجلى منها المعنى المقصود حيث بين القرار إن التفسير سار باتجاه تعريف عبارة الكتلة النيابية على وصف العبارات في داخل النص

‌ب. قرارها العدد 37/ اتحادية/2010 في 14/4/2010 حيث أكدت على إن تفسير عبارة (مهام) الواردة في نص المادة (1) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 هي ذاتها عبارة (تختص) الواردة في صدر المادة (93) من الدستور التي جاء فيها الآتي (تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي) وجعلها تقابل العبارة (تمارس مهامها) الواردة في نص المادة (1) من قانون المحكمة الاتحادية العليا التي جاء فيها الآتي (تنشأ محكمة تسمى المحكمة الاتحادية العليا ويكون مقرها في بغداد تمارس مهامها شكل مستقل لا سلطان عليها لغير القانون)

2. موقف اللغة العربية من حرف العطف (واو) : جاء في قرار المحكمة الاتحادية العليا موضوع البحث انها اعتمدت على مقاصد اللغة العربية في بيان دلالة حرف العطف (واو) الذي ورد في نص المادة (47) من الدستور وكان سند المدعي في طلبه بالحكم بعدم دستورية النص الوارد في نظام المراسم رقم (4) لسنة 2016 حيث ادعى إن النص أعلاه أفاد بالأسبقية بين المناصب لمكونات الدولة العراقية وسلطاتها الثلاث والمحكمة الاتحادية اعتبرت ان استعمال كاتب الدستور لحرف العطف (واو) كان يقصد به تعداد المكونات وليس بيان الأسبقية بينهم وفي علوم اللغة العربية وجد ان حرف العطف واو هو من الأحرف التي وردت في اللغة العربية ومعنى الحرف عند أهل اللغة هو (كلمة لا تدل على معنى في نفسها، وإنما تدل على معنى في غيرها، بعد وضعها في جملة، دلالة خالية من الزمن)[23] واستعمال حرف (الواو) في أي جملية يسمى عطف النسق لان للعطف نوعان الأول يسمى عطف البيان وهو اسم جامد يتبع اسما سابقاً عليه ويخالفه في لفظه ويوافقه في معناه للدلالة على ذاته مثال ذلك عندما نقول الشاعر المتنبي فكلمة المتنبي عطف بيان على كلمة الشاعر والنوع الثاني هو عطف النسق وهو محور البحث وهو العطف بحرف من حروف العطف المعروفة وسميَّ نسقاً لأنه ينسق الكلام بعضه على بعض بحيث يأخذ المعطوف نسق المعطوف عليه في أحكام معينة[24] وحروف العطف تسعة هي (الواو ، الفاء، ثم، حتى، ام، او، لكن، لا، و بل) ولكل حرف مهمة عند استعماله لعطف اسم على اسم مثال ذلك اذا استعمل حرف (الفاء) فانها تفيد الترتيب والتعقيب أي ان الحكم والأسبقية لدالة الفعل للأول ثم يليه بعد ذلك الاسم الثاني مثل (حضر زيد فعمرو) واستعمال حرف (الفاء) في العطف في هذه الجملة ادى الى معنى حضور زيد ثم بعد ذلك حضر عمر لكن دون وجود فترة زمنية طويلة بينهم ، كذلك اذا استعملت (ثم) فإنها أيضاً تفيد الترتيب والمهلة بين الاسمين المعطوفين على بعضهم او بينهم تراخي أي ان الحكم يكون للمعطوف عليه اولا ثم يكون للمعطوف مع وجود تراخي ومهلة زمنية طويلة نسبياً مثل جملة حضر زيد ثم عمرو بمعنى حضر زيد أولا ثم بعد فترة طويلة نسبياً حضر عمرو اما عن حرف (الواو) الذي استخدم في نص المادة (47) من الدستور فان هذا الحرف إذا استعمل فانه يفيد مطلق المشاركة أي إن المعطوف يشارك المعطوف عليه في الحكم دون النظر الى ترتيب زمني او غيره مثل جملة حضر (زيد وعمرو) فالعطف هنا يفيد مطلق اشتراك زيد وعمرو في الحضور دون ان يدل ذلك على ان زيد حضر قبل عمرو او معه او قبله بفترة وجيزة او طويلة او حضر بعده[25] والواو هي أصل حروف العطف لكثرة استعمالها فيه، وقد ذكر النحاة وظائف كثيرة للواو ويشير جمهور النحاة إلى أن الواو تدل على "إشراك الثاني فيما دخل فيه الأول، وليس فيها دليل على أيهما كان أولاً وهو ما عبر عنه بعض النحاة بمطلق الجمع ، فهي تعطف الشيء على مصاحبه وتجمع هذه الأشياء على هذه المعاني، فإذا سمعت المتكلم يتكلم بهذا أجبته على أيها شئت؛ لأنها قد جمعت هذه الأشياء[26] ومن الأمثلة التطبيقية في النصوص القانونية على استخدام حرف العطف (الواو) وحرف العطف (الفاء) والفرق بينهم في الحكم ما جاء في المادة (6) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 المعدل التي جاء فيها الآتي (يشترط في الدعوى ان يكون المدعى به مصلحة معلومة وحالة وممكنة ومحققة ومع ذلك فالمصلحة المحتملة تكفي ان كان هناك ما يدعو الى التخوف من إلحاق الضرر بذوي الشأن ويجوز كذلك الادعاء بحق مؤجل على ان يراعى الاجل عند الحكم به وفي هذه الحالة يتحمل المدعي مصاريف الدعوى) ويلاحظ ان من شروط الدعوى ان تتوفر فيها المصلحة المعلومة وحالة وممكنة ومتحققة وهذه يجب توفرها معاً لان هذه من صفات المصلحة ولا تكون الدعوى متوفرة على أسبابها اذا تخلفت هذه الصفات او إحداها ويستدل من ذلك على إن كل صفة مساوية من حيث الحكم للصفة الأخرى فاستعمل المشرع حرف (الواو) للعطف بينهم وهذا هو الأصل في الدعوى لكن أورد المشرع وصفاً آخر يأتي بمرحلة لاحقة على المصلحة المعلومة والحالة والممكنة والقائمة وهي المصلحة المحتملة أي تاتي بعدها بالترتيب فاستعمل لها حرف العطف (الفاء) لأنها استثناء حيث ان القاعدة هي المصلحة التي اشترط لها الصفات المعطوفة على بعضها بحرف العطف (واو) والاستثناء هو المصلحة المحتملة[27] لذلك نجد ان المحكمة الاتحادية عند تفسيرها لنص المادة (47) من الدستور قد استعانت بأدوات اللغة العربية للوصول إلى دلالة حرف العطف وهذا الجهد هو من صميم عمل القاضي اذ يقول احد القضاة الفرنسيين (رانسون) ان القاضي عليه أن يلم بالعلوم القانونية والعلوم الساندة ومنها اللغة وان لا تغيب عن فكرة الفيلسوف[28].

الفرع الثاني

التفسير عن طريق استنتاج مفهوم النص الدستوري

ان تفسير النصوص القانونية أو الدستورية لم تقف عند نوع معين او محدد وإنما تعددت سبله لان التشريعات تعجز دوماً عن تامين متطلبات التطورات السريعة والمتتابعة وهي معرض للآفات الثلاث كما يسميها بعض الكتاب المختصين في تفسير النصوص وهذه الآفات هي ( الغموض، والتعارض، والنقص)لذلك يتعقبها أهل الاختصاص بالنظرة الثاقبة العميقة النافذة لاستخراج مبادئ عامة تتكيف مع الحاجات الجديدة ثم يلاحقها القضاة ، كما يوصفها احد الكتاب، بعمليات تشبه العمليات الجراحية في بتر العضو الفاسد وتركيب عضو جديد لمواكبة الواقع وتتكيف معه ولا شك في ان كل ذلك يقع تحت مظلة التفسير وقواعده[29]وبما ان التفسير هو تبيين المراد من النص بشكل قاطع وواضح وهو بذلك يختلف عن تأويل النص لان التأويل هو أيضا تبيان مراد النص ولكن بشكل ظني وعلى هذا الأساس ظهرت عدة أنواع للتفسير منها التشريعي والقضائي والإداري والفقهي ويستعين القاضي بعدة أساليب للوصول إلى دلالة النص على مضمونه وعلى وفق دلالة مفهوم النص وهي عبارة عن عملية فهم وإدراك أحكام قانونية أو شرعية لا من ألفاظ النص بل من مقصده ومعناه[30] لذلك تجد القاضي يسلك عدة وسائل أو أساليب لاستخلاص معاني النص واستنباط الأحكام منه، وهذه ليست ملزمة للقاضي وإنما له أن يتبع أي وسيلة أو أسلوب يراه مناسباً أو قد يتبع أكثر من أسلوب عند التصدي لتفسير نص غامض مثلما فعل القضاء الدستوري في العراق في عدة مناسبات ومنها قرار الحكم الذي أصدرته المحكمة الاتحادية العليا رقم 61/اتحادية/2017 المتعلق بنظام المراسم لان التفسير هو ليس عملية حسابية من شانها أن تؤدي بالمفسر إلى نتيجة معينة إذا سلك طريقاً معيناً بل هو عمل أساسه ذوق المفسر وخبرته وعلمه[31] ، وظهرت عدة أساليب واجتهد الكتاب في تصنيفها إلى أساليب أصلية للتفسير وأخرى غير أصلية لا مجال للتوسع فيها في هذا المحل وهذه الأساليب كما مر ذكره آنفاً تقسم إلى عدة أنواع منها الأسلوب اللفظي الذي أشير إليه في الفرع الأول من هذا المطلب وكذلك أسلوب آخر يسمى الاستنتاج من مفهوم النص وهو ما عملت به المحكمة الاتحادية عند تفسيرها لنص المادة (47) من الدستور حول مفهوم تراتبية المناصب التي وردت في المادة (2) من نظام المراسم رقم (4) لسنة 2016، وكان الطاعن في عدم الدستورية ينعى عليها إنها خالفت نص المادة (47) من الدستور حيث أشار قرار المحكمة الاتحادية العليا إلا إن التراتبية يعتمد لتحديها بين مكونات الدولة هو معيار المهام التي تضطلع بها كل جهة من هذه الجهات التي تتكون منها المكونات، وفي هذا الاتجاه أخذت المحكمة الاتحادية بأسلوب التفسير عن طريق استنتاج مفهوم النص لان هذا الأسلوب يقصد به التعرف على الحكم القانوني أو الدستوري من خلال المفهوم الحاصل مما يؤديه التفسير اللفظي لان النص الدستوري أو القانوني مثله مثل أي كلام مقصود وهادف له معنيان معنى أولي وهو الذي يؤدي إلى فهم كلمات وعبارات النص ومعنى ثانوي وهو ما يستنتج من المعنى الأولي إيجابا أو سلباً وأساس هذا الاستنتاج هو التلازم المنطقي الحاصل بين المعنيين[32] و المحكمة الاتحادية العليا كانت قد عملت به في عدة مناسبات سابقة منها القرارات الآتية :

‌أ- القرار الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا العدد 18/اتحادية/2009 في 8/4/2009 الذي قضى بإسقاط حق رئيس الجمهورية بالاعتراض على القوانين المحالة إليه للمصادقة ، حيث جاء في القرار التفسيري ما يلي (أوردت المادة 73 من دستور جمهورية العراق الصلاحيات التي يتولاها رئيس الجمهورية ومنها ما ورد في الفقرة " ثالثاً" من المادة آنفة الذكر التي تنص " يصادق ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب ، وتعد مصادق عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها" . أما الصلاحية المنصوص عليها في المادة " 138/ خامساً" من الدستور فإنها أنيطت حصرياً بمجلس الرئاسة المشكل بموجب المادة " 138" آنف الذكر ولم ترد ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في المادة "73" من الدستور . وإن المادة " 138/ سادساً" من الدستور نصت على أن "يمارس مجلس الرئاسة صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في هذا الدستور " . أي أن مجلس الرئاسة يمارس إضافة إلى الصلاحية المنصوص عليها في المادة " 138" من الدستور صلاحية رئيس الجمهورية المنصوص عليها في المادة "73" ولدورة واحدة. وبناءً عليه فإن رئيس الجمهورية الذي سينتخب في الدورة القادمة لمجلس النواب لا يملك الصلاحية المنصوص عليها في الفقرة "خامساً " من المادة " 138" من الدستور لأنها لم ترد في المادة "73" من الدستور)[33]، حيث اعتمدت المحكمة في تفسيرها على الألفاظ والعبارات الواردة في نصين مختلفين وبنت عقيدتها بالاستنتاج أعلاه من خلال إجمال فهم عبارات النصين الوارد ذكرهما في القرار أعلاه

‌ب- القرار التفسيري الصادر بالعدد 21/اتحادية/2007 في 26/9/2007 الذي فسرت بموجبه عبارة (المحاكم المختصة) الواردة في الفقرة (ثامناً) من المادة (73) من الدستور حيث جاء في القرار بان العبارة جاءت مطلقة والمطلق يجري على إطلاقه وبذلك تشمل المحكمة الجنائية العراقية، واتبعت المحكمة الاتحادية العليا في التفسير أسلوب الاستنتاج من مطلق العبارة وعدم تقييدها[34].

‌ج- القرار التفسيري العدد 23/اتحادية/2007 في 21/10/2007 الذي فسر عبارة (الأغلبية المطلقة) الوارد في نص المادة (76/رابعاً) والمادة (61/ثامناً) من الدستور مستدلاً بأسلوب الاستنتاج من مفهوم النص الدستوري[35]

ومن خلال العرض لوسيلة التفسير عبر الاستنتاج من مفهوم النص نجد ان المحكمة الاتحادية حينما اعتبرت التراتبية والاسبقية بين السلطات التي تتكون منها الدولة العراقية لا تقوم على أساس التقديم والتاخير عند ذكرها في النص الدستوري وانما يعتمد لذلك المعيار الموضوعي الذي يتعلق بمهام كل مكون فاذا كانت مهام اي من المكونات المشار إليها في المادة (47) من الدستور اكبر وأوسع يكون هو الاول بالترتيب عند التفاضل بينه وبين أي مكون اخر ومثال ذلك مجلس النواب يكون الاول عند التفاضل بينه وبين برلمان الإقليم أو مجلس المحافظة في المنتظمة بإقليم لان مجلس النواب اختصاصه حصري في تشريع القانون الاتحادي الذي يشمل الإقليم وغير الإقليم وان سلطانه يمتد إلى جميع أراضي الدولة العراقية ومكوناتها كذلك عند التفاضل بين مكونات السلطة الواحدة نجد إن المهام هي التي تكون الفيصل في بيان الأول ثم الثاني في التراتبية ومثال ذلك جناحي السلطة القضائية رغم إن الفرع الأول من الفصل الثالث من الباب الثالث من الدستور خصص لمجلس القضاء الأعلى بينما المحكمة الاتحادية العليا وردت في الفرع الثاني من الفصل الثالث من الباب الثالث من الدستور فان هذا الترتيب الشكلي لمواد الدستور لا يؤثر على الأولوية للمحكمة الاتحادية العليا لأنها أوسع من حيث الاختصاص من مجلس القضاء الأعلى حيث يمتد اختصاصها إلى جميع الأراضي العراقية والى جميع المؤسسات الدستورية في العراق والسلطات الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية) وكذلك إقليم كردستان بينما مجلس القضاء يقف عند حدود صلاحياته المقرر دستورياً في المادة (91) من الدستور التي لا تتعدى إلى إقليم كردستان ولا على بقية السلطات فضلاً عن ذلك ان الدستور قد استخدم مصطلح الصلاحية عند بيان وظائف مجلس القضاء الأعلى في المادة (91) من الدستور ولم يذكر مصطلح الاختصاص وذلك لوجود جهة أخرى تمارس الأعمال التي يعمل بها ولا تعد وظائفه حصرية متعلقة فيه حصراً مثل القضاء العسكري الوارد ذكره في المادة (99) من الدستور وكذلك القضاء الإداري الذي يختص به مجلس الدولة وعلى وفق المادة (101) من الدستور، كذلك العمل القضائي وولايته لا تسري على عموم الأراضي العراقية لان مجلس القضاء الأعلى في كردستان العراق يعمل بشكل منفصل عن مجلس القضاء الأعلى الاتحادي بينما القضاء الدستوري يكون حصراً بالمحكمة الاتحادية العليا واختصاصها يشمل جميع الأراضي العراقية وهذا ما جرى العمل به وهذا هو الفرق بين استعمال الصلاحية لمجلس القضاء الاعلى والاختصاص للمحكمة الاتحادية حيث اوضحت ان الاختصاص يكون في الصلاحيات الحصرية التي لا تشارك فيها أي جهة اخرى بينما الصلاحية من الممكن ان تكون لاكثر من جهة وعلى وفق الشرح الوارد في الفرع الاول من المطلب الاول المشار اليه في اعلاه لذلك وسأوضح امتداد ولاية المحكمة الاتحادية على بيقة السلطات التي لايستطيع مجلس القضاء الاعلى الوصول اليها وعلى وفق الآتي:

1. السلطة التشريعية : ويقصد بها مجلس النواب وهي إحدى السلطات الثلاث للدولة العراقية في ظل دستور عام 2005 النافذ وتتولى إصدار التشريعات والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية عملا بأحكام المادة (61) من الدستور ومن خلال ممارستها لدورها التشريعي تحت مظلة الدستور وحمايته لذلك يجب عليها ان تنفذ الحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا سواء تعلق بالحكم بعدم الدستورية أو بتفسير الدستور ويتعين عليها إن تفعل ذلك من تاريخ صدور الحكم الذي يعد نافذا وباتا وملزما من لحظة صدوره ويرى بعض الكتاب المصريين من خلال تجربتهم مع القضاء الدستوري في مصر بان الواقع العملي يؤكد إن السلطة التشريعية تماطل في تنفيذ الأحكام القضائية[36] إلا إن الواقع الذي عليه في العراق بان السلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب ملتزمة بتنفيذ أحكام المحكمة الاتحادية لغاية الآن وهناك أمثلة كثيرة على ذلك منها الآتي:

‌أ. تنفيذ ما جاء في قرارها العدد 15/اتحادية/2006 في 26/4/2007 الذي قضى بعدم دستورية نص المادة (15/ثانيا) من قانون انتخابات مجلس النواب رقم 16 لسنة 2005 لأنها اعتمدت معيار لتحديد عدد أعضاء مجلس النواب وحصة كل محافظة على خلاف المعيار الوارد في المادة (49) من الدستور[37]

‌ب. تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية العليا التفسيري[38] العدد 13/ اتحادية/2007 في 31/7/2007 الذي اوجب على المشرع ان يراعي نسبة 25% للنساء من عدد أعضاء مجلس المحافظة المنتخب على الرغم من ان الدستور لم يذكر ذلك وإنما تطرق إلى نسبة 25% للنساء من أعضاء مجلس النواب فقط وعلى وفق النص الوارد في الفقرة (رابعاً) من المادة (49) من الدستور.

2. السلطة التنفيذية : مثلما أشرت سلفا إلى إلزامية أحكام المحكمة الاتحادية العليا لكافة السلطات فان السلطة التنفيذية ملزمة بتنفيذ الحكم حال صدوره وصيرورته نافذاً عند النطق به والمتابع لذلك الشأن سوف يجد بأن السلطة التنفيذية كانت ملتزمة بتنفيذ الأحكام الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا ولم نلحظ لغاية الآن ما يشير إلى امتناع او تسويف او مماطلة ومن الأمثلة على التزام الحكومة بتنفيذ تلك الأحكام الآتي:

‌أ. التزام مجلس رئاسة الجمهورية بتنفيذ قرار المحكمة الاتحادية العليا التفسيري العدد 13/اتحادية/2007 في 31/7/2007 الذي اوجب على المشرع ان يراعي نسبة 25% للنساء من عدد أعضاء مجلس المحافظة المنتخب[39]، وذلك على وفق ما جاء في قرار مجلس رئاسة جمهورية العراق رقم 24 في 28/12/2009 المنشور في الوقائع العراقية العدد 4041 في 28/12/2009

‌ب. تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية العليا التفسيري[40] رقم 118/اتحادية/2015 في 30/5/2015 الذي قضى بتفسير المادة (87) من الدستور وجاء فيه عدم إمكانية اعتبار وظائف القضاء الإداري ومجلس شورى الدولة من الوظائف القضائية حيث امتنعت الأمانة العامة لمجلس الوزراء من معاملة العاملين في وظائف القضاء الإداري باعتبارهم قضاة.

3. السلطة القضائية : التزم مجلس القضاء الأعلى والمحاكم المنضوية تحت لوائه بتنفيذ العديد من قرارات المحكمة الاتحادية العليا ومنها الآتي:

‌أ. التزام مجلس القضاء الأعلى بقرار المحكمة الاتحادية العليا العدد 19/اتحادية/2017 في 11/4/2017 الذي قضى بعدم دستورية عدد من فقرات المواد في قانون مجلس القضاء الأعلى رقم 45 لسنة 2017 ومنها صلاحية مجلس القضاء الأعلى بترشيح أعضاء المحكمة الاتحادية وإعداد الموازنة للسلطة القضائية واستحداث دائرة المحققين القضائيين والتزاما من مجلس القضاء الأعلى بذلك تم إلغاء تلك الدائرة .

‌ب. الالتزام بقرار المحكمة الاتحادية العليا العدد (114/اتحادية/2013 في 4/12/2013) الذي قضى بعدم دستورية المادة (25) من قانون هيئة دعاوى الملكية رقم 13 لسنة 2010 حيث التزمت محكمة بداءة الكرادة بالقرار أعلاه واستندت إليه عند إصدار حكمها العدد 3787/ب/2012 في 14/1/2014

‌ج. إقليم كردستان العراق : التزمت حكومة اقليم كردستان العراق بقرار الحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا العدد 89 و 91 و 92 و 93/ اتحادية/2017 في 20/11/2017 والذي قضى بإلغاء الاستفتاء الذي أجرته حكومة الإقليم وإلغاء جميع أثاره وكان ذلك القرار قد حظي باهتمام دولي وإقليمي ومحلي واسع والمتابع لردود الأفعال الدولية والمحلية سيجد بان الخصوم ذاتهم قد قبلوا بما صدر عن المحكمة الاتحادية العليا والتزموا بقراراتها وأعلنوا ذلك صراحةً على الرغم من قناعتهم بصحة مسعاهم لكن أسلوبهم المتحضر تجاه إدارة الأزمات في البلاد دفعهم إلى إعلان القبول بقرارات المحكمة الاتحادية العليا بوصفها ذات طبيعة ملزمة للجميع وهذا القبول من طرفي الخصومة سواء في حكومة الإقليم أو الحكومة الاتحادية نال استحسان وقبول الأمم المتحدة والدول الكبرى والدول الإقليمية المحيطة بالعراق بل إن بعض السياسيين في الدول الكبرى تغنوا بهذه القرارات من خلال الإشادة بها لأنها وفرت للجميع الفرصة للعودة إلى أحضان البلد الواحد وحسم النزاعات بالطرق الحضارية والدستورية وأسهمت كثيراً في ضمان وحدة البلاد واستقراره السياسي والاقتصادي والأمني.

ومن خلال ما تقدم عرضه فان استنباط المحكمة الاتحادية لمفهوم المهام عند التراتبية بين السلطات التي تتكون منها الدولة العراقية لم يكن عن طريق النص المكتوب بشكل صريح وإنما استنبطته عبر دلالة النص الدستوري وغاية كاتب الدستور وطبيعة المهام التي يتولاها كل من السلطات المذكورة أعلاه وهو أسلوب اتبعته المحكمة الاتحادية في أكثر من مناسبة وهذا الأسلوب التفسيري هو الاستنتاج من مفهوم النص.

الخاتمة

ان عملية تفسير النصوص الدستورية عملية تحتاج الى قدرات وجهود كبيرة تتوجها الخبرة مع الحنكة والحكمة والحياد والموضوعية لان اهميتها تكمن في اهمية الدستور ذاته الذي يبني الدولة ويضح معالمها وشكلها ونظام الحكم فيها وكان للمحكمة الاتحادية الدور الرائد في صيانة المبادئ التي وردت في الدستور عبر التصدي للخروقات التي تطال الاحكام الدستورية اما عبر الدعاوى الدستورية التي نظرتها او عبر الطلبات التفسيرية من الجهات التي لها الحق في ذلك ووجدنا المحكمة الاتحادية العليا منذ ان ظهرت إلى الوجود بموجب الأمر رقم 30 لسنة 2005 الذي صدر بتاريخ 24/2/2005 وخلال هذه الحقبة الزمنية أصدرت المحكمة قرارات كثيرة ومنها ما يتعلق بالطعن في عدم دستورية القوانين النافذة وأخرى في تفسير المواد الدستورية التي كانت محل لبس لدى من طلب التفسير أو كانت محل خلاف بين الجهات ذات العلاقة وأرست المحكمة الاتحادية العليا ثوابت دستورية أسهمت في تكوين شكل الدولة العراقية الحديثة بما يتلائم وروح الدستور النافذ، كما أسهمت كثيراً في تشكيل وصياغة النظام الدستوري في العراق وحافظت على مبدأ سيادة القانون من خلال تعطيل النصوص القانونية التي تتعارض مع المبادئ الدستورية الواردة في دستور عام 2005 النافذ، والمتابع للقرارات والأحكام التي أصدرتها سيجد إنها عطلت نصوص قانونية لأسباب تتعلق بالشكل الدستوري لصدورها أو لتعلقها بموضوع الأحكام الواردة فيها، فضلا عن دورها في سد النقص التشريعي في بعض القوانين التي طالها الإغفال التشريعي، وعلى امتداد عمرها القصير نسبياً كان لها اثر كبير في تحقيق منجز فقهي يتعلق بالقضاء الدستوري فاق عمل العديد من المحاكم الدستورية في بعض البلدان المجاورة أو والمماثلة لنظام الحكم في العراق، كما أثنى الكثير من فقهاء القانون الدستوري في الوطن العربي وخارجه بالعطاء الثر لعمل المحكمة، مما يدعو الجميع إلى التفاخر بوجود قضاء دستوري عراقي له سمات خاصة تتناسب وطبيعة نظام الحكم في العراق وينطلق من استقلاله التام وحياده وموضوعيته تجاه القضايا التي نظر فيها ولو لم تكن الكتيبة الفقهية المتمثلة بقضاة المحكمة الاتحادية العليا على قدر عالي من المسؤولية والحكمة والتجربة القضائية الطويلة لما كان لنا هذا المنجز الفقهي الكبير ولابد من الإشارة إلى الرجال الذين أسهموا في هذا الانجاز الفقهي وهم أعضاء المحكمة الاتحادية العليا وعلى رأسهم معالي الرئيس القاضي مدحت المحمود في ظل رئاسته كانت المثال الحي على وحدة العراق ففي أروقتها كان كل العراق يقف امتثالا لقول القضاء سواء في المحافظات او في الإقليم، فان المحكمة الاتحادية لها الولاية على الجميع وعلى كل التراب العراقي وحصل ان مثل المتخاصمون من الإقليم وغيره أمامها وإنها تصدت لكل المحاولات السياسية لجرها الى ملعبهم لكنها كانت ومازالت عصية على ذلك لان السياسة إذا دخلت محراب القضاء خرجت منه العدالة حتماً على وفق ما قاله المفكر والفيلسوف الفرنسي فرانسوا جيزو.

القاضي

سالم روضان الموسوي

12/5/2018











المصادر

1. احمد غراب ـ ضرورة التمييز بين مصطلحي الاختصاص والصلاحية في المجال القانوني ـ المنشور في مجلة العلوم الاجتماعية والسياسية الصادر عن جامعة باتنة الجزائر ـ العدد 37 لسنة 2017

2. اوليفيه دوهاميل و ايف ميني ـ المعجم الدستوري ـ ترجمة منصور القاضي ـ منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ـ طبعة بيروت الاولى عام

3. القاضي ج. رانسون ـ فن القضاء ترجمة المستشار محمد رشدي ـ منشورات مطبعة مصطفى الحلبي وأولاده في مصر ـ طبعة عام 1913

4. الدكتور رافد خلف البهادلي والدكتور عثمان سلمان غيلان العبودي ـ التشريع بين الصناعة والصياغة ـ الطبعة الأولى عام 20091996الدكتور

5. ربيع أنور فتح الباب متولي ـ النظم السياسية ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ ط1 عام 2013

6. القاضي سالم روضان الموسوي ـ حجية أحكام المحكمة الاتحادية العليا في العراق وأثرها الملزم دراسة مقارنة ـ منشورات مكتبة صباح ـ طبعة أولى عام 2017

7. القاضي عبدالرحمن العلام ـ شرح قانون المرافعات المدنية ـ منشورات المكتبة القانونية ـ الطبعة الثانية عام 2008

8. الدكتور عبده الراجحي ـ التطبيق النحوي ـ منشورات دار المسيرة للنشر والطباعة في الاردن ـ ط 4 عام 2012

9. الدكتور علي هادي عطية الهلالي ـ النظرية العامة في تفسير الدستور ـ مطبعة الأجراس في بغداد ـ طبعة عام 2008

10.الدكتور محمد رفعت عبدالوهاب ـ القضاء الإداري الكتاب الأول ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ الطبعة الاولى عام 2005

11. محمد سامي صالح الطويل ـ دلالة حروف العطف وأثرها في اختلاف الفقهاء ـ رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية الفلسطينية عام 2009 منشورة في الانترنيت

12.الدكتور محمد شريف احمد ـ نظرية تفسير النصوص المدنية ـ مطبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ـ طبعة عام 1980

13.الدكتور محمود احمد زكي ـ الحكم الصادر في الدعوى الدستورية آثاره وحجيته وتنفيذه ـ منشورات دار النهضة العربية ـ الطبعة الثانية عام 2005

14. الدكتور محمود محمد علي صبرة ـ الاتجاهات الحديثة في إعداد وصياغة مشروعات القوانين ـ منشورات مكتب صبرة للتأليف والترجمة القاهرة ـ طبعة عام 2009 الدكتورة مروج هادي الجزائري ـ استقلال السلطة التشريعية دراسة مقارنةـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ ط 1 عام 2018

15.دليل إعداد وصياغة التشريعات والأسباب الموجبة الصادر عن معهد ويستمنستر للديمقراطية والمعهد العربي للتدريب البرلماني والدراسات التشريعية

16.المجموعة التي أصدرتها جمعية القضاء العراقي لقرارات المحكمة الاتحادية العليا التي ضمت قراراتها وأحكامها ـ المجلد الثاني لشهر نيسان عام 2011

17.الدستور العراقي

18.الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا في العراق https://www.iraqfsc.iq/ethadai.php




الهوامش

[1] للمزيد انظر القاضي سالم روضان الموسوي ـ حجية أحكام المحكمة الاتحادية العليا في العراق وأثرها الملزم دراسة مقارنة ـ منشورات مكتبة صباح ـ طبعة اولى عام 2017 ـ ص155

[2] نص المادة (92/أولا) من الدستور العراقي لعام 2005 التي جاء فيها الآتي (أولاً: المحكمة الاتحادية العليا هيئةٌ قضائيةٌ مستقلة مالياً وإدارياً(

[3] للمزيد انظر القاضي سالم روضان الموسوي ـ حجية أحكام المحكمة الاتحادية العليا في العراق وأثرها الملزم دراسة مقارنة ـ مرجع سابق ـ ص 167

[4] الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا في العراق https://www.iraqfsc.iq/ethadai.php

[5] نص المادة (93) من الدستور (تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي: أولاً :ـ الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة . ثانياً :ـ تفسير نصوص الدستور. ثالثاً :ـ الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات، والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء، وذوي الشأن، من الأفراد وغيرهم، حق الطعن المباشر لدى المحكمة. رابعاً :ـ الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية، وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية. خامساً :ـ الفصل في المنازعات التي تحصل فيما بين حكومات الأقاليم أو المحافظات. سادساً :ـ الفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، وينظم ذلك بقانون. سابعاً :ـ المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب. ثامناً : ـ أ ـ الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي، والهيئات القضائية للاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم. ب ـ الفصل في تنازع الاختصاص فيما بين الهيئات القضائية للاقاليم، أو المحافظات غير المنتظمة في أقليم)



[6] نص المادة (1) من الدستور العراقي (جمهورية العراق دولةٌ اتحاديةٌ واحدةٌ مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ، وهذا الدستور ضامنٌ لوحدة العراق )

[7] نص المادة (47) من الدستور العراقي (تتكون السلطات الاتحادية، من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات)

[8] الدكتورة مروج هادي الجزائري ـ استقلال السلطة التشريعية دراسة مقارنةـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ ط 1 عام 2018 ـ ص33

[9] نقلاً عن الدكتور ربيع أنور فتح الباب متولي ـ النظم السياسية ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ ط1 عام 2013ـ ص47

[10] للمزيد انظر بحث احمد غراب ـ ضرورة التمييز بين مصطلحي الاختصاص والصلاحية في المجال القانوني ـ المنشور في مجلة العلوم الاجتماعية والسياسية الصادر عن جامعة باتنة الجزائر ـ العدد 37 لسنة 2017ـ ص185

[11] احمد غراب ـ مرجع سابق ـ ص 197

[12] للمزيد انظر الدكتور محمد رفعت عبدالوهاب ـ القضاء الإداري الكتاب الأول ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ الطبعة الاولى عام 2005 ـ ص188

[13] اوليفيه دوهاميل و ايف ميني ـ المعجم الدستوري ـ ترجمة منصور القاضي ـ منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ـ طبعة بيروت الاولى عام 1996ـ ص1183

[14] الدكتور محمود محمد علي صبرة ـ الاتجاهات الحديثة في إعداد وصياغة مشروعات القوانين ـ منشورات مكتب صبرة للتأليف والترجمة القاهرة ـ طبعة عام 2009 ـ ـ ص 24

[15] الدكتور رافد خلف البهادلي والدكتور عثمان سلمان غيلان العبودي ـ التشريع بين الصناعة والصياغة ـ الطبعة الأولى عام 2009ـ ص16

[16] للاطلاع على القرار مراجعة الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا https://www.iraqfsc.iq/ethadai.php

[17] للاطلاع على القرار مراجعة الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا https://www.iraqfsc.iq/ethadai.php

[18] للمزيد انظر الدكتور محمد شريف احمد ـ نظرية تفسير النصوص المدنية ـ مطبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ـ طبعة عام 1980ـ ص 244

[19] الدكتور محمد شريف احمد ـ مرجع سابق ـ ص242

[20] دليل اعداد وصياغة التشريعات والاسباب الموجبة الصادر عن معهد ويستمنستر للديمقراطية والمعهد العربي للتدريب البرلماني والدراسات التشريعية ـ ص16

[21] الدكتور محمد شريف احمد ـ مرجع سابق ـ ص64

[22] الدكتور علي هادي عطية الهلالي ـ النظرية العامة في تفسير الدستور ـ مطبعة الأجراس في بغداد ـ طبعة عام 2008ـ ص 33



[23] محمد سامي صالح الطويل ـ دلالة حروف العطف وأثرها في اختلاف الفقهاء ـ رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية الفلسطينية عام 2009 منشورة في الانترنيت ـ ص10

[24] الدكتور عبده الراجحي ـ التطبيق النحوي ـ منشورات دار المسيرة للنشر والطباعة في الاردن ـ طبعة عمان الرابعة عام 2012 ـ ص396

[25] الدكتور عبده الراجحي ـ مرجع سابق ـ ص 397

[26] محمد سامي صالح الطويل ـ مرجع سابق ـ ص 18

[27] القاضي عبدالرحمن العلام ـ شرح قانون المرافعات المدنية ـ منشورات المكتبة القانونية ـ الطبعة الثانية عام 2008 ـ الجزء الأول ـ ص95

[28] القاضي ج. رانسون ـ فن القضاء ترجمة المستشار محمد رشدي ـ منشورات مطبعة مصطفى الحلبي وأولاده في مصر ـ طبعة عام 1913 ـ ص23

[29] الدكتور محمد شريف احمد ـ مرجع سابق ـ ص9

[30] الدكتور محمد شريف احمد ـ مرجع سابق ـ ص73

[31] الدكتور محمد شريف احمد ـ مرجع سابق ـ ص273

[32] الدكتور محمد شريف احمد ـ مرجع سابق ـ ص251

[33] للاطلاع على نص القرار الرجوع الى المجموعة التي أصدرتها جمعية القضاء العراقي لقرارات المحكمة الاتحادية العليا التي ضمت قراراتها وأحكامها ـ المجلد الثاني لشهر نيسان عام 2011 ـ ص 22 او على الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا العراقية

[34] للاطلاع على نص القرار الرجوع إلى المجموعة التي أصدرتها جمعية القضاء العراقي لقرارات المحكمة الاتحادية العليا التي ضمت قراراتها وأحكامها للأعوام (2005، 2006، 2007) ـ ص56 أو على الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا العراقية

[35] للاطلاع على نص القرار الرجوع إلى المجموعة التي أصدرتها جمعية القضاء العراقي لقرارات المحكمة الاتحادية العليا التي ضمت قراراتها وأحكامها للأعوام (2005، 2006، 2007) ـ ص57 أو على الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا العراقية

[36] الدكتور محمود احمد زكي ـ مرجع سابق ـ ص678

[37] للاطلاع على نص القرار الرجوع الى المجموعة التي أصدرتها جمعية القضاء العراقي لقرارات المحكمة الاتحادية العليا التي ضمت قراراتها وإحكامها ـ المجلد الثاني لشهر نيسان عام 2011 ـ ص17 او على الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا العراقية

[38] للاطلاع على نص القرار الرجوع الى المجموعة التي أصدرتها جمعية القضاء العراقي لقرارات المحكمة الاتحادية العليا التي ضمت قراراتها وأحكامها للأعوام (2005، 2006، 2007) ـ ص 53 او على الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا العراقية

[39] للاطلاع على نص القرار الرجوع الى المجموعة التي أصدرتها جمعية القضاء العراقي لقرارات المحكمة الاتحادية العليا التي ضمت قراراتها وأحكامها للأعوام (2005، 2006، 2007) ـ ص 53 او على الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا العراقية

[40] للاطلاع على القرار مراجعة الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا العراقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غارتان إسرائيليتان تستهدفان خيام النازحين في حي زعرب برفح


.. اعتقال مؤيدين لفلسطين في جامعة ييل




.. الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟ • فرانس 24


.. وكالة الأونروا.. ضغوط إسرائيلية وغربية تهدد مصيرها




.. آلاف المهاجرين في بريطانيا يخشون الترحيل إلى رواندا