الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصادق المهدى: كيف يقرأ الماركسية!؟

محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)

2018 / 5 / 16
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


يحتوى هذا المقال تعليقا على مقال للسيد الصادق المهدى أسماه " الماركسية .... قراءة جديدة"

وفق رواية المهدى اعتمادا على مقولة بدون ثبت مصدرها هي أن ماركس بعد أن سمع باخبار إندلاع الثورة المهدوية ....... هرول مخاطبا رفيقه أنجلز بأن ما يجرى في السودان يتطلب منهما مراجعة مذهبهما، خاصة رايهما في أن الدين بانه مجرد إفراز للوضع الطبقي، لأن الدين الإسلامي بالصيغة المهدوية في السودان أصبح رافداً للثورة العالمية ضد الإمبريالية.

وهكذا فإن ماركس الذى توصل للمفهوم المادى للتاريخ في فترة متقدمة من حياته كإفتراض حينها تطلب منه البرهنة تجريبيا على صحته وهو ما فعله خلال فترة من الإستقصاء والتحقيق والدراسة إستمرت زهاء ال 34 عاما، إختفت عنه هذه الأناة - التي تقضيها المسئولية العلمية-عند سماعه أخبار الخرطوم وأطلق رأيه ذلك ولم ينتظر حتى إنتصار الثورة المهدوية الحدث الذى تم وهو لم يكن موجودا جسديا في الدنيا حيث فارقها في 1883.

كما أن ما نسبه المهدى لموقف ماركس من الثورة المهدوية لا يستقيم مع الموقف الفلسفى للأخير، ويعكس جهلاً بمادية ماركس الجدلية الغير قابلة، بالمنطق الفلسفى، للتوافق مع الأفكار المثالية والغيبيات التي تمثل جنسا مختلفا من المثالية؛ ولم يحد ماركس عن هذا الموقف وتفسير الظواهر بمبدأ المادية الجدلية حتى في آخر ما كتبه في 1882 في طبعة جديدة للبيان الشيوعى.

إن الماركسية تناولت التعليق على الحركة المهدوية السودانية في القرن الثامن عشر في إطار تحليل تاريخى للحركات الدينية في العالم، بما في ذلك أفريقيا، فى القرون السابقة باعتبار أن تلك الحركات هي نتاج صراع بين غمار الفقراء في الأرياف وسكان الحضر الأثرياء. ورأى الماركسية، الذى لا مراء فيه، فى الحركة المهدوية هو ما جاء في مُؤلف فريدريك انجلز” في تاريخ المسيحية المبكرة” حيث كتب:

” إن سكان الحضر يزدادون ثراء ومتهاونون في الامتثال للقانون الكنسى (canon law). والبدو فقراء وهم أصحاب قيم أخلاقية متشددة وينظرون بحسد وطمع في ذلك الثراء وتلك المتعة. ومن ثم يتحدون خلف نبى او مهدى بهدف التنديد بالحواريين ويستعيدوا الإمتثال للعقيدة وصحيح الإيمان والاستيلاء على أموال المرتدين كإثابة من عند الله؛ وخلال مائة عام يصبحوا في نفس الوضع الذى كان فيه المرتدين وتبرز ضرورة تنقية العقيدة ويظهر مهدى جديد ويبدأ تفعيل العملية من البداية. وهذا ما حدث خلال الحملات التي قادها المرابطون والموحدون فى إسبانيا، وحتى مهدى الخرطوم الأخير........كل تلك الحركات تتدثر بالدين ولكن أساسها يكمن في أسباب اقتصادية؛ وحتى عندما يحالفها الانتصار، فإنها تبقى على العلاقات القديمة كما هي...“

كتب أنجلز هذا الرأي قبل أكثر من قرن والنقطة الأساس فيه ان الحركات الدينية بواعثها في التحليل النهائي إقتصادية والثورة المهدوية ليست إستثناء وان طبيعة الإنتاج في النظام الذى أقامته تتسم بملامح العلاقات الإقطاعية والعبودية، وحاليا بعد إنقضاء هذه الفترة الطويلة على مؤلف انجلز فإن التحليل اكتسب ميزة النظر للثورة المهدية في إطار صورة أكبر شكلتها أحداث تاريخية كبيرة أعقبت ذلك الزمن : اختفت الأشجار التي تمنع رؤية الغابة. فسقوط حكم الثورة المهدوية كان إنهاءً لاستقلال السودان الذى تحقق رغم الصراعات الداخلية والأخطاء (بعضها خطير) لفترة وجيزة من تاريخ البلاد بعد مرحلة السيطرة التركية. وكان دافع بريطانيا التي أطاحت بالنظام في ذلك الوقت ربط السودان عضوياً برأس المال العالمى.

وكنقد عام للماركسية، جاء في مقال المهدى أن ماركس إنطلق من أهمية المادة في المعاملات بين الناس؛ إلا أن الكاتب يخلط بين المادة بمعناها الفيزيائى (physical) وبين خاصتها كمفهوم فلسفى. وبهذا الفهم جاء تصوير موقف ماركس من الرأسمالية بإعتباره رد فعل لمساوئ ما أسماه الكاتب بالرأسمالية الأولى. أولا لا يوجد شيئ اسمه رأسمالية أولى أو ثانية. الرأسمالية هي الراسمالية، وهى تتميز كنظام إنتاج بسيادة العمل المأجور وسيادة قانون القيمة، والإنتاج السلعى المعمم (generalized commodity production). وبالطبع حدث تغير للرأسمالية عبر الزمن ولكن في شكلها (form) وليس في جوهرها كالإنتقال من المنافسة إلى الإحتكار (الذى أولد الإمبريالية) وفى طريقة عملها (modus operandi) كطريقة إستخلاص قائض القيمة وفي نسبة فائض القيمة النسبى إلى فائض القيمة المطلق، إلخ.

ويقول المهدى” كان ماركس يصف نظريته بالعلمية، أي أنها تسلط الفهم العقلي على مفردات الواقع. فماذا يقول إذا تغيرت معطيات الواقع؟ “ولكن أولاً، حول الفهم العقلى، فإن منهج ماركس لم يكن مبنياً على العقلانية المثالية التي تفصل الأفكار عن الواقع بل المعرفة بإعتبارها حركة الواقع المادى منعكسة على الدماغ البشرى. ولهذا فإن جملة” تسلط الفهم العقلي على مفردات الواقع” الواردة في المقتطف تؤدى الى الفهم الخاطى أن قوانين الماركسية هي صياغة لافكار ذاتية ولم تكن مكتشفة من خلال دراسة حركة الواقع التي تنعكس على الدماغ البشرى. وبالضبط لهذه الخاصية (أن قوانينها قوانيناً موضوعية مكتشفة)، فإن الماركسية ليست مسلمات عقائدية، وتتمتع بفرادة مقدرة منهجها على الإدراك الموضوعى لحركة الواقع المتغير دوماً. وبهذا المنهج العلمى تحققت الثورة في البلدان الإشتراكية السابقة وهو منهج ليس بمثابة “قميص حديد أيديولوجي“كما ذكر الكاتب، وسقوط منظومة الدول الإشتراكية لم يكن إلا نتيجة التخلي عن المنهج المذكور، وهذا موضوع آخر.

ويمضى الكاتب قائلا أن الرأسمالية حلت مسألة النمو فهو يشير إلى أن نجاح الاقتصاد الرأسمالى في ألمانيا هو المثال الساطع للنمو من دون اللجوء للاشتراكية. هذه الفكرة عرضها الكاتب في سطرين. ثم ينتقل فجأة وفى سطر واحد يذكر ان ذكر اسم كارل ماركس يجعل الكثيرين في "بلداننا" يتعوذون من شيطان رجيم؛ وهو يريد القول بأن الناس في "بلداننا" لا يريدون الماركسية.

لكن ما يجرى في البلدان الراسمالية العظمى يعطى صورة لأزمة حادة لم تبرح تضرب البلدان الراسمالية منذ سبعينات القرن السابق وتبرز بشكل حاد أحياناً كما حدث في 1998. إن أزمة الرأسمالية تعزى للتناقضات في بنيتها نفسها .....فى جدواها كنظام إجتماعى/إقتصادى. وقطاعات كبيرة من الشعوب في البلدان الغربية لا تشارك الكاتب في الصورة الوردية التي رسمها للرأسمالية. في أمريكا ظهر من يستخدمون كلمة الرأسمالية كتعبير إزدرائى (derogatory).

إن أزمة النظام الرأسمالى العالمى الاقتصادية تسببت فيها أساسا العمالة المكلفة والتوسع الضخم في الطاقات الإنتاجية بدون أن يواكبها توسع في الإستهلاك رغم تحفيزه بمختلف الطرق. وهذا ما دفع البلدان الغربية إلى تصدير الأزمة للبلدان الفقيرة فى شكل زيادة تصدير رؤرس الأموال الفائضة للإستثمار في الدول الفقيرة وإستغلالها عبر التجارة الغير متكافئة ....

وكلمة أخيرة في تعامل المانيا مع الذكرى المائتين لميلاد ماركس، الذى يجد إحتفاؤها بها تفسيره في الصراع السياسى الدائر هناك. فألمانيا، كباقى الدول الغربية، تواجه حاليا إنفجار الاحتجاجات المتعاظمة االتى يقودها العمال والمهنيين الآخرين ضد رأس المال والإنتشار المتزايد لأفكار كارل ماركس وسط قطاعات واسعة من الشعب؛ لهذا لجأت مؤخراً بعض تلك الحكومات لحيلة الاحتفاء والتغنى بخصال ماركس المصحوب بالترويج لفكرة أن الماركسية وليدة مرحلة سابقة من تطور الرأسمالية وهى في هذا تستغل ما قامت به "الماركسية الثقافية" بتحويل النظرية لاعتذار (apologia) بتجريدها من محتواها الثورى كنظرية مادية نقدية ثورية هدفها التغيير.

قال الرئيس الألماني شتاينماير في الاحتفالات” إتسمت أفكار ماركس بالجرأة ..... غير أن القوة الداخلية الدافعة لماركس كانت هي ظروف عصره“ وواصل قائلا” إلا أنه ليس من الممكن فصل ماركس عن الماركسية، ولا يمكن فصل أعماله عن آثارها“!!

إن القادة الألمان الذين وافقوا على إقامة التماثيل لماركس (في مسقط رأسه مثلا) هم نفسهم الذين في العام 1990 أزاحوا كل تمثاليه من الساحات العامة وغيرها من الأماكن وصورته من العملة في المانيا الشرقية وكل آثار له في اعقاب توحيد الألمانيتين. ففي ذلك الوقت كان أولئك القادة يعتبرون الماركسيين الشياطين المتجسدة (devils incarnated) ....... والآن لم يفعلوا شيئاً غير تحويل إرثه لمجرد تحفة تاريخية (period piece).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا