الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ستتخلى حقآ كوريا الشمالية عن السلاح النووي ؟

أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .

(Ahmad Hamdy Sabbah)

2018 / 5 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


هل ستتخلى حقآ كوريا الشمالية عن السلاح النووي ؟

الكاتب : أحمد حمدي سبح
مستشار مالي وتنمية مجتمعية
كاتب ومحلل استراتيجي

يتابع العالم مذهولآ كيم جونج أون وهو يعبر خط 38 الى كوريا الجنوبية ليصافح غريمه الجنوبي مون جاي ان ، ويرتفع المشهد الى عليائه والجميع يستمع الى تصريح الزعيم الشمالي بأنه يسعى الى اخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي ، وترامب يصيح غبطآ هذا جراء سياساتنا الحميدة بتغليظ العقوبات على كوريا الشمالية ، والصين ترحب واليابان تراقب ولا تخفي سعادتها وتطالب بمزيد من الخطوات ، لكن على ماذا سيسدل الستار في هذه المسرحية ، حقيقة الأمر أن كثيرآ من التراجيديا يختلط بمزيد من الهزل في هذه المسرحية الواقعية الملأى بالحبكات و المناورات التي شهدا العالم في الفترة الماضية والتي سنشاهدها طوال فترة العرض في مقبل الأيام .

كوريا الشمالية دولة شيوعية تعيش عزلتها اليوتوبية أو هكذا يتصورون ، على مدار اليوم تسير فيها الحياة بايقاع بطئ عنوانه عبادة الحاكم وموضوعه تنفيذ رؤية الحاكم ونهايته فراش بعيد عن مقصلة الحاكم ان سار اليوم كما هو محدد ومرسوم .

فقد نجح النظام الكوري الشمالي منذ عهد أبيه المؤسس كيم ايل سونج مرورآ بابنه كيم جونج ايل انتهاءآ الى حفيده كيم جونغ اون في بناء دولة تأسر شعبها خلف أسوار حديدية منعزلة عن العالم الا في حدود ما يقدمه الاعلام الرسمي الموجه ، وأن العالم بالخارج مكان موحش تملؤه قاذورات فكرية ومنهجية وصراعات اجتماعية واقتصادية وحروب مدمرة وشوارع تفوح منها روائح الموت والدماء والغوغائية حاكمة والمجرمون يصدحون في كل مكان والفقر يعزف آلامه في النفوس قبل البطون ، وأن رؤية الأب الزعيم الذي يتعلم الأطفال تأليهه من عمر السنين الأربع هي المنجى من كل ذلك .

كل ذلك يتم في اطار تربية وتنشئة ذهنية ونفسية تشترك فيها المدرسة والأسرة والمجتمع تتمحور حول الزوتشية كعقيدة أيديولوجية سياسية وضعها كيم ايل سونج معلنآ مبادئها الأساسية عام 1965 وهي استقلال في الحركة السياسية للدولة ، واقتصاد مكتفي ذاتيآ غير معتمد على الآخرين ، ودفاع وطني ذاتي قوي ، وجعلت الزوتشية الجيش يحل محل البروليتاريا في المنظومة الشيوعية ومحتكرآ لأوجه النشاط الاقتصاد المختلفة مؤسسآ ومديرآ ومتغلغلآ على اختلاف انواعها ، وسرعان مع الوقت ما امتزجت هذه العقيدة السياسية مع مفهوم الايديولجيا الدينية ، حيث تعتبر الغالبية العظمى من أبناء كوريا الشمالية ملحدون وينص الدستور الكوري الشمال على عدم السماح بحرية المعتقد الديني ، أي بمعنى آخر أصبح الايمان بالشيوعية وبالعلو المطلق للزعيم في صلب العقيدة الزوتشية التي شغلت المجال السياسي والديني في العقل الجمعي هناك ويتجلى ذللك في الزيارات المتكررة التي يقوم بها الكوريون الشماليون كقوافل حج جمعية للنصب التذكارية لزعماء كوريا الشمالية وعلى رأسها النصب التذكاري كيم ايل سون وكيم جونج ايل في مانسو هيل في العاصمة بيونج يانج.

في ظل أوضاع كهذه وولاء تام للجيش وأجهزة الأمن ، يصعب تمامآ حتى مع وجود أزمة اقتصادية (لو نجح النظام الكوري الشيوعي بابقائها ضمن حدود معقولة) أن يعتمد الغرب على ثورة شعبية جارفة يمكن أن تغير النظام الكوري الشمالي والمجيئ بنظام آخر متقارب معهم ويحقق االكوريون الجنوبيون حلمهم بالوحدة بين الأشقاء الذين فرقتهم الحرب الكورية (1950-1953) .

أما فيما يتعلق باخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي فان كيم جونج اون يعلم تمامآ أن تخليه عن السلاح النووي هو بمثابة تسليمه لمقصلة رأسه لأعدائه بل ومخاطرة باحداث صدمة وهزة ثقافية وفكرية لشعبه الذي يؤلهه ،خاصة وأن التخلي عن السلاح النووي سيترافق مع تخليه عن برنامجه الصاروخي الذي لن يكون له فائدة آنئذ ، فهذا الشعب الذي ارتضى العيش فقيرآ ووحيدآ ومؤلهآ لزعيمه كان دومآ ولازال بحاجة ماسة لانجازات ملموسة تبرر تضحياته وتعزز موقف قادته وزعيمه أمام العالم وتترجم وتمجد عقائد هذا الشعب .
ففي حال حدوث كهذه صدمة فانها ستعدوا صدمة حضارية مهينة لن تعود بعدها الامور كسابقاتها وسيفقد الزعيم والقادة مكانتهم الالهية والمركزية وسيغدوا السيطرة على الدولة والشعب والجيش في حالة حرجة خاصة مع صغار الضباط حيث سيترجم ذلك على أنه تراجع وانهيار أمام الأعداء وايذان ضمني باختراق الآخرين لمنظومة الستار الحديدي تحت رايات نصرهم وفشل المنظومة الحياتية برمتها التي عاش فيها الكوريون الشماليون طيلة العقود الماضية .

مما يعني بداية حدوث تغيير جذري في بنية الحكم والحياة في كوريا الشمالية حتى لو حدث وكانت انطلاقة التغيير بطيئة لكنه من المؤكد أنه ساعتها لن تعود العجلة للوراء مما يعني مذبحة كاملة لرموز الحكم والسلطة في كوريا الشمالية المؤيدون منهم لنزع السلاح النووي كما يتوهم الأمريكيون وغيرهم .

اما الاعتقاد بأن اغراء الكوريين الشماليين بجزرة الاستثمارات والانفتاح الاقتصادي الكامل عليهم ، فلا يعد ذا منفعة كبيرة ، فحدوث حالة من الانفتاح الاقتصادي الشامل أو حتى شبه الشامل بعيدآ عن كيسونج أو بعيدآ عن نموذجها المحدد ، لايعد هدفآ مجيدآ لأرباب وسدنة الحكم في بيونج يانج لأنه سيحمل معه بذور انفتاح سياسي وفكري بعيدآ عن المنظومة التوجيهية والموجهة التي تتبعها السلطات هناك في تكريس الوهية الزعيم ومركزية السلطة وهذا بالطبع ليس في صالحهم الشخصي .

اذن ما الذي يسعى اليه كيم جونج اون من كل تحركاته السياسية في الفترة الماضية ان كان مبدأ نزع سلاحه النووي ليس مطروحآ في خلده ولا موجودآ في جيبه ، ان المسألة برمتها هي عبارة عن مناورة كبيرة واسعة المجال كبيرة الوعود متضخمة الآمال والتوقعات لكن دون أن يتجاوز ذلك مخيلة أعدائه كما يريد كيم جونج اون فهو لن يبحث عن وسيلة لتحقيق ذلك على أرض الواقع على الأقل بدون شروط تكفل ضمان أمنه وأمن نظامه بشكل مطلق من قبيل سحب القوات الأمريكية من كور يا الجنوبية ، ومنع تواجد غواصات وقوات بحرية امريكية في المياه الكورية ، ايقاف المناورات الأمريكية الكورية الجنوبية المشتركة ، تقديم الولايات المتحدة الأمركية ضمانات قوية حول عدم استخدام السلاح النووي ضد كوريا الشمالية وكذلك عدم محاولة تغيير النظام في كوريا الشمالية أو محاولة غزوها .

بل وقد يصل الأمر الى المطالبة بنزع السلاح النووي في العالم كله وبذلك يظهر بمظهر البطل العالمي ورسول السلام ويحوز اعجاب الشعوب حول العالم التي ملت من أضحوكة وسذاجة الطرح المتعلق بالعمل على ضمان احتكار قوى معينة في العالم للسلاح النووي دون غيرها ، وبذلك يكون قد أسقط في يد الادارات الغربية وعلى رأسها الادارة الأمريكية التي تتزعم لواء نزع السلاح النووي الكوري الشمالي ويجعلها في وضع محرج أمام العالم أو أمام المنطق والعدل على الأقل .

ومن ناحية أخرى فان الانسحاب الأمريكي الاستعلائي من الاتفاق النووي الايراني سيمنح كيم جونج اون مجالآ للمناورة مع الصين وحلفاء أمريكا في منطقة شرق آسيا وذرفآ لمبررات النكوص عن تعهدات رمزية وكلام استهلاكي دعائي عن اخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي ، وهو ما سيؤزم الملف الكوري ، ويدفع بالسفينة بعيدآ عما يتوهمه الأمريكيون الآن من نجاحهم في الملف الكوري وأنهم باتوا قاب قوسين او أدنى بأن يحققوا مرادهم هناك .

فهذا الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الايراني سيساعد في منح الزعيم الكوري القدرة والجرأة على الضغط على الصين لتخفيف مؤثر لجملة العقوبات التي فرضتها على كوريا الشمالية ، فالعقوبات الصينية هي كلمة السر والتي كانت العامل المؤثر على توجيه الكوريين الشماليين لمائدة المفاوضات لأنها الحليف شبه الوحيد لبيونج يانج ومنفذها ومتنفسها الاقتصادي والمالي الأساسي سواء من خلال العمال الكوريون الشماليون الذي يعملون في الصين ويرسلون تحويلات مهمة لاقتصاد الدولة الشيوعية وامتصاص جزء من البطالة وتزويد بيونج يانج بالطاقة والأموال والدعم السياسي خاصة وأنهما دولتان تتبعان الشيوعية كبناء سياسي ، خاصة وان هذه المطالب الكورية الشمالية ستتماثل مع المصالح الصينية وحتى الروسية بانهاء الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة أو على الأقل تخفيضه بشكل كبير وابعاده عن الحدود القريبة وحصره في الجزيرة اليابانية لحين جلائه عنها في وقت لاحق .

وليس مستبعدآ أن يكون قد تم الاتفاق بين الصين وكوريا الشمالية على هذا التحرك في الزيارة الأخيرة للزعيم الكوري الشمالي لبكين في الآونة الأخيرة ، وذلك أيضآ من قبيل تخفيف الضغط على الصين وعدم اظهارها بمظهر المعيق لتحركات وقرارات معلنة من الأمم المتحدة ويعيق ملف مفاوضاتها التجارية مع واشنطن التي باتت تنحو نحو الحمائية التجارية مما يحمل معه خسائر مليارية للصين ويعيق تقدمها الاقتصادي .

مما يعني فعليا بعد كل هذا ستكون العودة بشكل ما الى المربع صفر في الازمة الكورية الشمالية فيما يتعلق بنزع السلاح النووي بعد رمي الكرة في الملعب الامريكي من خلال المطالب السابقة في مقابل نزع سلاحها النووي ، مع مكاسب كورية شمالية تتمثل في تقارب نسبي مع الجارة الجنوبية واعادة تشغيل مجمع كيسونج واستئناف تقديم مساعدات مالية وانسانية سواء من الصين أو حتى كوريا الجنوبية التي ستأمل بالتمسك بتلابيب التقارب الذي حدث خلال الآونة الأخيرة .

وليس خافيآ أن كوريا الجنوبية تعلم أنها أكثر من يتضرر من التوترات السياسية التي تحدث في المنطقة ، وتتحمل فاتورتها بشكل كبير خاصة مع رئيس أمريكي يعمل على زيادة تحميل حلفاؤه في كل مكان بالعالم تكاليف تواجد القوات الأمريكية في بلادهم ومناطقهم ، وهذا توجه سيصبح دائمآ وليس مرتبطآ بادارة ترامب حصرآ ، لأنه ليس من المتوقع أن يأتي رئيس قادم سيرغب في اعادة تحميل خزينة بلاده مزيدآ من الالتزامات كان وقد سبق التخلص منها خاصة في ظل ارتفاع التكاليف وعجز الموازنة الامريكية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا