الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسابح العنصرية

مظهر محمد صالح

2018 / 5 / 18
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني



مسابح العنصرية
‎الكاتب:د. مظهر محمد صالح

‎04/12/2013 12:00 صباحا

‎ايقظتني الصورة العنصرية المحزنة من فوري وانا اتطلع الى لقطة مرعبة يعود تاريخها الى العام 1964 وهي لرجل عنصري ابيض يسكب سائلاً حامضاً حارقاً في مياه مسبح كانت تسبح فيه سيدة سوداء ربما في واحدة من مدن الجنوب الافريقي!.فبعد ان اختلط لدي ذهول الكيف بوجود الفكر، وانا من يهتم بسعادة الناس مهما كان لون بشرتهم الى حد اشقاء نفسي، عاد بي ثعلب الذكريات المؤلمة ليصدمني كرة أخرى بالانسام التي تداعب سعير افكارنا من اجل الحرية في جميع الاحوال وفي اي مكان ومهما كان لونها من العالم. فتذكرت خريف سبعينيات القرن الماضي، يوم اختلط لدي لون العشب الاخضر بلون البشرة السوداء عندما حطت الطائرة التي استقليتها ارض العاصمة الموزمبيقية موبوتو، وتشكلت يومها في وجداني لوحة انسانية واسعة في مرتسم الحرية.فهذه البلاد التي استقلت في العام 1974بعد حرب التحرير ضد الاستعمار البرتغالي و قادتها جبهة تحرير( فروليمو) بزعامة الثائر الشاب سومورو ميشيل، قد بدت اليوم خالية من اي جنس آخر سوى الجنس الوطني الاسود، يوم زرتها بُعيد الاستقلال، ويوم غادرتها الادارة العنصرية البيضاء كلها، بما فيهم عمال صيانة المواسير وعمال الكهرباء ومصلحو الحافلات من المستوطنين البرتغاليين البيض، فأمست البلاد وقتها خالية تماماً من العنصرية البيضاء ولكن أُفرغت حقاً من القوة الفنية المهمة والاساسية في آن واحد.انها بلاد سوداء جميلة مطعمة ببقايا ضئيلة من الاجناس الاخرى من الهنود او من ذوي الاصول العربية وهم من الناشطين في إدارة الشؤون الرسمية للبلاد بعد التحرير او بقايا نساء من الجنس الابيض واللواتي اصبحن زوجات بعض المسؤولين الموزمبيقيين، ممن اقترن بامرأة شقراء برتغالية الاصول في وفاق ومحبة لتناسي الماضي العنصري الأليم. كانت غرفتي تطل على مسبح مياهه هادئة زرقاء تتلاصق مع امواج المحيط الهندي. فعندما استيقظت في صباحي الاول، وانا اتطلع الى الطبيعة الغناء واتذكر يوم كانت العاصمة الموزمبيقية( لورنكا ماركيس) منتجعاً للاثرياء البرتغاليين قبل ان يستبدل اسمها بعد التحرير الى( موبوتو) : تساءلتُ.... لماذا لا اجد احداً يسبح في مياه هذا المحيط العظيم او في هذا المسبح الأخاذ في جمال مياهه؟ اجابني رجل موزمبيقي وهو يتنفس الصعداء قائلاً: انك ايها القادم من حوض المتوسط تسكن هنا اليوم في واحدة من القلاع الصعبة التي حررتها الثورة الموزمبيقية....ففي هذا الفندق الذي شيد في عشرينيات القرن الماضي كان يحظر على سكان البلاد السود الاقامة فيه او السباحة في هذا الحوض اوغيره. وان المسبح الذي امامك تعرَض في واحدة من السنوات الى حادثة فصل عنصري شنيعة ذلك عندما جازف شاب اسود من العاملين في الفندق الى ممارسة السباحة في هذا الحوض اثناء استراحته....قلت وماذا كانت النتائج؟اجابني انقض عليه احد الرجال البيض ورماه بمنشفته البيضاء، فالتفت على رقبته وسحبه ومعه صحبه ليخرجونه من المسبح بعد ان انهالوا عليه ابتداءَ بالضرب... واختلط نزيف دمه بمياه جسمه الندي، ومن شدة بكائه فحتى الأْلم لم يعد يشعر به! واستمر البيض بالضرب حتى فقد الشاب وعيه. وجرى على الفور استبدال مياه مسبح الفندق الزرقاء بمياه بيضاء عنصرية بغيضة. ولكن قبل ان يمتلئ المسبح بمياهه المخضبة بالعنصرية، وقبل ان ينصرف الجميع، اقترب زميل الضحية وهو يهمس في اُذنيه، يؤسفني ايها الشاب البري ان اخبرك بأن امراً قد صدر من ادارة الفندق يقضي بطردك من العمل واحالتك الى القضاء العنصري لانتهاكك حرمة المياه البيضاء بجسدك الاسود!!
‎تأسفت كثيراً،وقلت لمحدثي، الرجل الموزمبيقي الوطني، اين هم العنصريون البيض اليوم؟اجابني لاوجود لهم ..انهم فقدوا الشكل واللون واختفوا تماماً من هذه البلاد السمراء، ولم يعد يوجد منهم شيء يُرى بالعين المجردة.وليس ثمة اليوم في موزمبيق الحرة الا صوت واحد يعلو دوماً هو صوت الحرية ولون واحد يسطع في الافق هو ارادة الحياة، وهي التي تجعلنا نحن الجنس الاسود نسمو بها على انفسنا من اجل ان لاتتبدل مياه مسابحنا بأوعية بيضاء بغيضة تتشبث بالحياة وهي تنتحر في عقولها العنصرية !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة