الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إضاءات- قول في الدستور السوري لعام 2012

منذر خدام

2018 / 5 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


(إضاءات)
قول في الدستور السوري لعام 2012
منذر خدام
لقد سار بشار الأسد على خطى والده الراحل حافظ الأسد الذي حكم سورية بـ "السوط والجزرة"، طيلة ثلاثين عاماً، في ظل دستور فصله على مقاسه، وها هو الابن اليوم يفصل دستورا جديدا على مقاسه أيضاً. لقد نجح الرئيس الأب في تمرير دستور لنظام استبدادي بامتياز، دون أن يواجه أية اعتراضات تذكر في حينه، واليوم أيضا ينجح الرئيس الشاب بفرض دستور جديد مفصل على مقاسه، لكن بوجود معارضة كبيرة له. وبحسب ما أفادني به في حينه أحد أعضاء لجنة إعداد الدستور، التي تم تشكيلها بمرسوم رئاسي، فقد كان " القصر " يتدخل لحسم خلافات أعضائها بشان بعض المواد ، وخصوصا تلك المواد المتعلقة بفصل السلطات، وصلاحية الرئيس، وطريقة ترشحه وانتخابه، ومدة رئاسته وغيرها من مواد، وذلك بتوجيه اللجنة لإجراء تصويت عليها، فتفوز بالنتيجة إرادة الرئاسة، نظرا لأن أغلبية أعضاء اللجنة تأتمر بأوامرها. لكن السؤال هو كيف سوف يقنع الشعب المتمرد عليه، والمعارضة السياسية بدستوره الجديد؟!.
كما في الدستور القديم، فإن الرئيس بموجب الدستور الجديد، يتمتع بصلاحيات تنفيذية، وتشريعية واسعة، فلا يوجد مجال من مجالات الحياة السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والاجتماعية، إلا وله الصلاحيات المطلقة للتدخل فيها، سواء عبر التشريع، أم عبر الأوامر والتعليمات الإدارية. فهو الذي يسمي رئيس الوزراء، والوزراء، ونوابهم، ويقبل استقالتهم، أو يقيلهم، (المادة97)،. وهو الذي يحيلهم إلى المحاكم أيضاً(المادة 124). وهو الذي يحدد السياسة العامة للدولة مع مجلس الوزراء الذي هو يعينه بطبيعة الحال(المادة 98). وله الحق أن يترأس اجتماعات مجلس الوزراء، وطلب تقارير من رئيس الوزراء، أو الوزراء(المادة 99). وله الحق بالاعتراض على القوانين التي يصدرها مجلس الشعب (المادة100). وهو الذي يصدر المراسيم، والقوانين، والأوامر، وفقاً للقوانين(المادة 101). وهو الذي يعلن الحرب، والتعبئة العامة، ويعقد الصلح، بعد موافقة مجلس الشعب ً( المادة102). وهو الذي يعلن حالة الطوارئ ويلغيها بحسب القانون(103). وهو القائد العام للجيش والقوات المسلحة، ويصدر جميع القرارات، والأوامر اللازمة، لممارسة هذه السلطة(المادة 105). وهو الذي يعين الموظفين المدنيين، والعسكريين، وينهي خدماتهم(المادة 106). ويخوله الدستور الجديد سلطة التشريع خارج دورات انعقاد مجلس الشعب، وأثناء انعقاده أيضاً (المادة 113)، وله أن يحل مجلس الشعب متى أراد (المادة 111). ومن حقه أن يتخذ الإجراءات السريعة التي تطلبها الظروف، لمواجهة أي خطر يهدد الوحدة الوطنية، أو سلامة واستقلال البلد، أو يعوق مؤسسات الدولة عن العمل( المادة 114) دون ذكر لهذه الإجراءات. وله أن يشكل اللجان، والهيئات، والمجالس الخاصة، ويحدد مهامها وصلاحياتها ( المادة 115).وهو رئيس مجلس القضاء الأعلى ( المادة133)، ويسمي أعضاء المحكمة الدستورية (المادة141) . وهو فوق كل ذلك غير مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها، إلا في حالة الخيانة العظمى (المادة117). في الواقع لم يترك الدستور الجديد أية صلاحية أعطيت لأبيه الراحل حافظ الأسد في الدستور القديم (دستور 1973) إلا ومنحت له بموجب الدستور الجديد (دستور 2012).
من الواضح بموجب الدستور الجديد أن لا معنى لفصل السلطات، واستقلالها، ولا معنى للمساواة بين السوريين، بل لا معنى للحياة السياسية، طالما أن الحزب الذي يمكن أن يفوز بالانتخابات( وهو احتمال ضعيف جدا في ظل النظام الحالي)، لا يستطيع تشكيل الحكومة. ومع أن المادة الثامنة من الدستور نصت على أن النظام السياسي في الدولة يقوم على " التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديمقراطيا عبر الاقتراع"، إلا أن الدستور لم ينص على أن الحزب الفائز هو الذي سوف يشكل الحكومة، بل الرئيس.
في خطابه الثالث بعد تمرد قطاعات واسعة نسبيا من الشعب عليه، وصارت تملأ الشوارع، تجاوز بشار الأسد ما كان قد تحدث عنه عندما قال : " إذا كان المطلوب تعديل بعض مواد الدستور فهذا يحتاج إلى مجلس الشعب، أما إذا كان المطلوب إعداد دستور جديد، فهذا يحتاج إلى جمعية تأسيسية"، الأمر الذي لم يحصل فتم الاكتفاء بتعيين لجنة لإعداد دستور " جديد " على المقاس المطلوب، متجاهلا وجود معارضة، ومتجاهلا وجود أزمة تعصف بالبلاد أصلا. والغريب في الدستور الجديد هو أنه اشترط على من يترشح لمنصب الرئيس أن يكون سوريا بالمولد، ومن أبوين سوريين بالمولد، وأن يكون مقيما في الجمهورية العربية السورية لمدة عشر سنوات متواصلة( المادة 84)، في حين اكتفى الدستور السابق بان يكون المرشح إلى الرئاسة "عربيا سوريا متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية"( المادة 83). في الدستور الجديد وبحسب منطوق المادة 84 لا يشترط بالمرشح أن يكون عربياً حصرا ، كما كان الحال في الدستور السابق وهذا شيء إيجابي ، لكن الشروط التي وضعت تستثني من حق الترشح من لم يولد أبويه سوريان قبل نحو ستين عاما على الأقل هذا إذا كان عمر المرشح أربعين عاما، وهذا تمييز فج تجاه قسم من السوريين. ومن الواضح أيضا أن جميع السوريين المقيمين في الخارج لأسباب مختلفة سوف يفقدون الحق بالترشح إلى منصب الرئيس بدلالة عدم استمرارية الإقامة في البلد لمدة عشرة سنوات متواصلة.
وقد تجاهل الدستور حقوق الأقليات القومية، ولم يأتي على ذكرها، رغم أنه أشار في مقدمته إلى وجود مكونات للشعب السوري، وأشار في مادته التاسعة إلى وجود تنوع ثقافي في البلاد، لكنه تجاهل ذكر هذه المكونات، والتي هي مكونات قومية، وليست ثقافية فحسب، ولها بالتالي حقوق قومية، كان ينبغي الاعتراف بها دستورياً . لقد عان الأكراد السوريون كثيرا من تجاهل حقوقهم، رغم أنهم شركاء حقيقيون في الوطن، ولهم دورهم في تطوره، وهم اليوم مساهمون مع بقية السوريين في التمرد على النظام الاستبدادي القائم.
حافظ الدستور الجديد في نص المادة الثالثة منه على أن " دين رئيس الدولة هو الإسلام "، وهذا يتناقض مع مبدأ الحقوق المتساوية للمواطنين، وتحابي معتنقي الديانة الإسلامية على حساب معتنقي الديانات الأخرى. وأكثر من ذلك فهي تشكل إهانة لجزء مهم من الشعب السوري، أعني المسيحين السوريين، ومن في حكمهم ولكثير من السوريين المسلمين.
ثمة الكثير من مواد الدستور الجديد غير مقبولة، وثمة الكثير غيرها يحتاج إلى قوانين تطبيقية، وبحسب خبرة الشعب السوري مع هذا النظام ، فهو لن يصدر هذه القوانين كما فعل والده، حتى لا تفقد تلك المواد الدستورية مصداقيتها، خصوصا تلك المتعلقة بالحريات العامة والخاصة. أضف إلى ذلك فقد أعطى النظام لنفسه مهلة ثلاث سنوات لتكييف القوانين المخالفة للدستور الحالي( المادة 154)، بما فيها القوانين التي أصدرها في سياق الأزمة، وما أكثرها، ومن خبرة السوريين مع والده فهو لن يلغيها، ولا يجعلها متوافقة مع الدستور، وسوف تظل تحمل اسم " القوانين الاستثنائية "، وهذا ما حصل بالفعل.
باختصار، فإن الدستور الجديد ليس دستورا عصريا، بل مفصلا على مقاس بشار الأسد. ومع أن النظام نجح بتمريره رسميا عبر الاستفتاء العام عليه، في السادس والعشرين من شهر شباط لعام 2012 ، بالطريقة ذاتها التي اعتاد أن يمرر بها جميع الانتخابات، والاستفتاءات، فإن أغلبية السوريين من عرب، وأكراد، وقوميات أخرى، إضافة لمعتنقي جميع الأديان غير الإسلام، إضافة إلى اللادينيين لم يشاركوا بالاستفتاء على هذا الدستور في اليوم المحدد، بحسب مصادر من داخل أجهزة النظام المعنية بالاستفتاء.
ملاحظة: اعيد نشر هذه المادة بمناسبة موافقة السلطة على ارسال من يمثلها إلى اللجنة الدستورية بعد لقاء سوتشي بين بوتين والأسد بالأمس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح