الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عز الدين المناصرة والقصيدة الشعبية

حكمت الحاج

2018 / 5 / 18
الادب والفن


منذ أن نشر قصيدته الطويلة (باجس أبو عطوان) عام 1974، وعز الدين المناصرة يحاول أن يستنهض من الواقع الممزوج بدم الأسطورة الشعبية، رمز المرأة – الأم، المرأة- الرحم، المرأة- الأرض المنتهكة. وتخلق هذا النزوع الشعائري حول (جفرا) وظلت "جفرا" تلاحقه أينما حلّ فهي تزوره في صوفيا وهي تعود إلى قبرها في بيروت وهي تغسل شعرها تحت أمطار بودابست وهي تشهد سلخ الجلد في تشيلي، ودائما هي في حلحول
والخليل، وتحت في أشجار الضفّة ويغافلها أحيانا ليشرب كأس كروم الخليل.
وعز الدين المناصرة، شاعر فلسطيني من جيل النروج الثاني، الجيل الذي قدّم لنا: أحمد دحبور، وليد سيف، راشد حسين، على فوده. عرفناه في مجموعته الأولى "يا عنب الخليل، 1968" ثمّ أتبعها بــــــ "الخروج من البحر الميت" عام 1970 إلاّ أنّ صوته المتميز لم يتّخذ سمته الشعرية إلاّ في مجموعته "قمر جرش كان حزينا" عام 1974 حيث الهم الفلسطيني تجسّد في لغة ابتعدت عن المباشرة السمجة المتّكئة على وقع الاسم الرنان والوضع الخائب: فلسطين، والمشردون في الأصقاع البعيدة ، وكان الجرح الفلسطيني العميق ما يزال ينزّ بالألم والدماء.
ويطلع علينا الشاعر بعد ذلك بقصيدته الطويلة "باجس أبو عطوان" التي كانت بداية حقيقية للسير في نهج القصيدة الشعبية. إنّ شعبية الشعر كما تقدّمها تجربة المناصرة لا تتأتّى من الإتّكاء على كمشة مقتطفات من التراث الشعبي الفلسطيني حيث يبقى الشاعر في موقع المتفرّج ويرطن بلغة غريبة- ضمن النسق الجمالي – عن الشعب وهو في قمّة التعبير الفني عن رؤيته للعالم على أشكال منها: الرقصة، الأهزوجة، أغاني الأفراح، مراثي الندابات على الموتى، ألعاب الأطفال، بل على العكس تماما ما فعله المناصرة، حيث تدخل مفهومة "الشعبية" – بمعنى روح الطقوس- في صلب إشكالات الصنعة الفنية المتقصّدة وفي بعد المنظور الرؤيوي للأشياء تكون القصيدة في هذه الحالة ليست استلهاما ولا تضمينا ولا إشارة إلى الواقع المعاش من قبل جموع الشعب ذي الذاكرة التي لم تستطع ظروف القهر ولا ممارسات الصهيونية ولا ألاعيب الدول الكبرى، أن تمحوها من الوجود الفاعل. هكذا جاءت قصيدة الشاعر حاملة معها هويتها ورموزها وشخوصها الذين قد يتعبنا البحث عنها في كتابات "دارسي التراث الفلسطيني" أو عبر أحاديث فضوليي النبش في مخيمات اللاجئين، إذ نتعرف على "أم علي النصراوية" وهي ترقص في عرس " أسامة بن منقذ" نتعرف على "لينا النابلسي" العروس الشهيدة، وأيضا المناضل الكبير "جمال عياش"، ودائما وعبر كل الهموم نحن على موعد مع "جفرا" الحبيبة الرفيقة والوطن المشتهى.
وتجيء القصيدة أيضا راكبة إيقاعات رقصاتها المستجدّة في سياق التجربة.
سيدعونا الشاعر لمشاركته الرقص مع النساء الكنعانيات وهنّ ينشدن:
"في عرسك
الحناء من دمك الغزير
وعظامنا حطب القدور
يا بنات الخليل اللواتي
يمتطين الحيطان
لإلقاء خطب للوطن.."
وبمصاحبة الرقصات سنسمع التهليلة المعروفة "آ...وي....ها...":
"آ..وي..ها يا قمر الأحراش
آ..وي..ها حملتك رشاش
آ..وي..ها خلص الدوا والشاش.."
إنّ الممارسة الشعرية الواعية لدورها الفاعل في حركة الجموع ، والمنفعل بها في عين الوقت وفي حركة التاريخ أيضا هذه الممارسة التي تعمل على تصعيد الروح الفنية الصانعة للقصيدة وصولا بها إلى أقصى حالات المعاصرة، تعمل أيضا على تجذير الهم الفلسطيني في أرض النضال الإنساني ممتزجا برؤية متشابكة دياليكتيكية مع مطامح حركة الجموع الثائرة في بقاع أخرى من العالم. هذا كلّه مع استخدام صريح وواضح للمفردة العامية قد تجسّد بصورة أدعى للملاحظة والانتباه في مجموعته "جفرا" عام 1981 حيث يجعلنا الشاعر في مواجهة شعر حقيقي منزه عن التزويقات، لا يستبطن التجربة بانكفاء الذات إلى الداخل بدعوى الكشف الصوفي المجرّد، بل باستشراف واقع الزمن ومجريات الحدث حول محور الهم الأساس: جفرا/ فلسطين، ثمّ محور الهم البديل: جفرا/ بيروت.
ولا ننسى أن ننوّه هنا إلى تلك التجربة القتالية التي خاضها الشاعر منذ أن انطلقت رصاصات الحرب في لبنان، لقد كان واضحا في نزوله إلى الخندق كما هو في شعره، حمل الرشاش بيده واحتلّ موقعه الذي يمليه عليه وعيه المتقدّم. ولقد سجّل لنا تجربته تلك في كتاب بعنوان "عشاق الرمل والمتاريس".
وطلت خيلينا/ على نهر الليطاني
وصهلت خيلينا/ بوجه الأمريكاني
وطلت خيلينا/ على تل الزعتر
أشبالنا ثاروا/ على ظلم العسكر
وطلت خيلينا/ على جبالك رام الله
يا دم الشهدا/ ننساك لا والله
أحدنا تعاهدنا/ وما فينا غشاش
والي بدو يخون/ بيحصدو الرشاش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى