الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التأسيس لمعالم المدنية في محافظات الجنوب

طالب الجليلي
(Talib Al Jalely)

2018 / 5 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


العراق: التأسيس لمعالم المدنية في محافظات الجنوب.. العمارة انموذجاً

( مقال نشر في جريدة الصباح عام 2005 )



د. طالب الجليلي
منذ تأسيس الدولة العراقية، في عصرها الحديث، والى الآن.. اتخذ من العمارة منفى لمعارضي الدولة، ومكانا للمعاقبين من موظفي الدولة ومن كافة انحاء العراق من زاخو وحتى الفاو. ولم يكن ذلك اعتباطاً.. ولا لكون العمارة بعيدة عن باقي المحافظات..

بل لكونها محافظة لا تنافسها محافظة في مجال الفقر والاهمال.. ولكونها كما يطلق عليها في العامة(منقطعة)!!.. وحتى حين اولتها الدولة في الحقبة المتأخرة شيئاً من الاهتمام واقامت فيها بعض المشاريع التنموية.. بسبب ما تمتلكه المحافظة من ثروات طبيعية، تشكل مواداً اولية مجانية لتلك المشاريع.. عادت الدولة فأهملت تلك المشاريع ولم تطورها، بل ألغت معضمها ضمن عملية الاهمال والسياسة المتعمدة، في تدمير البنية الاقتصادية والاجتماعية لتلك المحافظة، والوقوف ضد أية بادرة من بوادر التطور فيها. فلا غرابة في ان تلتصق صفة(الهجرة) بأبناء العمارة وعوائلها.. فالذي يغتني من ابنائها،( وما اقلهم)، والكثرة ممن يعتصرهم الفقر والعوز، تجدهم يودعون ارضهم ويهاجرون الى مدن العراق الاخرى.. ولا غرابة في ان نجد غالبية سكان مدينة الصدر ـ الثورة، والبعض من أحياء العاصمة الاخرى هم من عشائر البو محمد وبني لام والسواعد والفرطوس والبهادل وآل ازيرج، وهي العشائر الرئيسية في العمارة.. والحال نفسه يتكرر في مدينة البصرة التي تشكل معظم سكانها من ابناء تلك العشائر المهاجرة من العمارة.. بل ان ثقافة وعادات تلك الاحياء والمدن تطبعت بطبائع وثقافة المجتمع العماري..
لقد دأبت الحكومات والنظم السابقة على الترويج لسياساتها العمرانية المستقبلية، بأتخاذ اعمار العمارة نموذجا لما تبشر به.. بل كانت تباشر فعلا بانشاء هذا المشروع او ذاك، لكي توهم المواطنين بانها قد بدأت فعلا بالوفاء بالتزامها لاكثر المناطق حاجة.. لكنها تقف عند ذلك الحد وثم تهمله.. وقد انتبه احد محافظي العمارة المخلصين(القلائل!) لتلك الخدعة.. فكان المرحوم كامل ساجت الجنابي، محافظ العمارة لعام 1994، والذي اعدم فيما بعد.. كان يبدأ باعمار حي من احياء العمارة الفقيرة، ثم يوقف المشروع قبل ان ينتهي ويتركه ليبدأ بمشروع آخر، في مكان آخر وهكذا. وكان يبرر ذلك؛ بأن المحافظ الذي سوف يليه، سيكون مضطرا لاكمال تلك المشاريع.
والان، وبعد ان مرت ثلاثة اعوام على سقوط النظام السابق.. ما زالت العمارة كما هي.. وسوف تظل كذلك، ما دام العلاج لا يتعدى معالجة الأمراض، ويترك المرض حرا، ينخر بالجسد.. بالرغم من الاموال الطائلة التي صرفت منذ السقوط، على اعمار المحافظة.. وما زالت الصحف، كالسابق! تغص بالاخبار عن(الدراسات) و(النيات) لرد الاعتبار للعمارة واهوارها.. واعلانات المناقصات تكرر مرتين في الصفحة الواحدة! وهي تعلن منظمة اخرى.. او يقتلع التبليط السابق، لضرورات المجاري! او الكهرباء.. ليعاد تبليطه من جديد، او يبقى بانتظار المهمات الاخرى.
نعم.. المحافظة بحاجة ملحة للخدمات.. وبحاجة لانشاء جامعة باسمها.. جامعة العمارة.. وبحاجة الى كليات طب وهندسة.. تخرج(اطباء ومهندسين حفاة!) كما فعلت(ثورة ماو تسي تونغ الثقافية)، في الصين الشعبية، في الستينيات من القرن الماضي..!! نعم لكل ذلك.. لكن النيات الطيبة وحدها غير كافية لمعالجة الامراض الحقيقية التي تعاني منها المحافظة.. وما لم يكن القائمون على تلك المعالجة ذوي باع في دراسة وتشخيص تلك الامراض، ومزودين بالامكانيات والصلاحيات اللازمة.. والاهم من ذلك! لديهم الحرص والغيرة على محافظتهم وخدمتها بلا نازع اخر.. ان المحافظة عموما ومدينة العمارة خصوصا.. تعاني الان من(ترييف) حاد بسبب هجرة ابناء القرى لها.. حيث تكتظ المدينة بأعداد هائلة من المحرومين والعاطلين، الذين اتخذوا من المدينة، بعد السقوط، مستقرا لهم.. وهم يشكلون بذلك عبئا كبيرا على كاهل الدولة.. وكل ذلك يشكل تهديدا مستقبليا للنسيج الاجتماعي، وصعوبة كبيرة سوف تواجه عملية تنفيذ المشاريع الخدمية المزمع انشاؤها. ان ذلك يتطلب ايجاد حلولا سريعة لمعالجة هذا النزوح المفاجئ.. وذلك بالتوسع(افقيا) في انشاء المشاريع التنموية السريعة في اطراف المحافظة وفي اريافها، والشروع العاجل والسريع، باعادة تأهيل المشاريع الانتاجية القديمة وتطويرها؛ كمشروع مزارع قصب السكر ومعاملها، ومعامل الورق، ومعامل الزيوت، ومعامل البلاستك، ومعامل البيبسي كولا، ومعامل الطابوق الحكومية، ومعامل الحصو والاسفلت، ومعامل تكرير النفط.. يرافق ذلك التوجه السريع نحو استغلال الاراضي الزراعية الواسعة وتطويرها وفق صيغ علمية متطورة. يوازي ذلك، اجراء دراسة(متخصصة) لكل الاخطاء السابقة في مجال التخطيط الزراعي والقيام بتلافي واصلاح تلك الاخطاء التي تشمل مشاريع الري والبزل وصيغة توزيع الاراضي. وتشجيع المزارعين وتسليفهم...وصولا الى اعادة الروح لتلك المشاريع كمشاريع نهر سعد، وجزيرة سيد احمد الرفاعي، مثلث كميت ـ علي الغربي، واراضي الشطانية والعدل واراضي الطيب.. وغيرها. يضاف الى ذلك ولا يقل اهمية،.. المباشرة في توزيع الاراضي السكنية في اقضية ونواحي المحافظة، للمواطنين وحسب مسقط الرأس، واعطائهم الاولوية في التسليف العقاري.. كل ذلك سوف يسهم في امتصاص البطالة، وتوزيع السكان على المحافظة بطريقة مدروسة، تضمن تقليل الضغط على المركز.. ونقل الخدمات الى اطرافها.. كذلك زيادة قدرة الانتاج التي بدورها ستسهم حتما في التطوير الاجتماعي والثقافي، وجعل المحافظة تستقطب أبناءها من الـ(مهاجرين) سواء في الداخل او الخارج.. وتشجيع الميسورين منهم على استثمار اموالهم فيها.. في تلك الحالة فقط، تستطيع اية حكومة قادمة ان تترجم صدق نياتها تجاه الوطن، لانه سوف لن يختلف اثنان على ان العمارة قد عانت من الاهمال والاستلاب اكثر من غيرها من محافظت العراق، وعلى مر العصور.. علما ان غيرها قد عانت الكثير، ولكن نسبيا، لا يوجد وجه للمقارنة..
قد يكون ما ورد اعلاه، شكلا من اشكل الحلم!.. طالما ان الاحلام مجانية.. ولكن.. ضمن ما تملك العمارة من خزين اسطوري من الثروات الطبيعية وياتي على رأسها بحر النفط الذي تطوف عليه!!.. والثروة المعرفاتية والثقافية التي يمتلكها ابناؤها الـ(متناثرين!!) في اصقاع الارض.. تصبح تلك الاحلام متدنية جدا، ولا تتعدى الحلم برغيف خبز وقدح شاي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب