الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التأسيس لمعالم المدنية في محافظات الجنوب 2

طالب الجليلي
(Talib Al Jalely)

2018 / 5 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


واسط بانتظار عمل جاد يؤسس لمدينة ناهضة
نهر يحتضنها بحنو وأبناء طموحاتهم بلا حدود

د.طالب عزيز الجليلي

تتميز محافظة واسط بشكل عام ومركزها مدينة الكوت بشكل خاص بمزايا جغرافية واقتصادية واجتماعية، خاصة تكاد أن تكون فريدة من بين محافظات العراق..
والغريب في الأمر أن هذه المحافظة الكنز تكاد أن تكون واعتمادا على إحصائية حديثة من أكثر المحافظات اقترابا من خط الفقر!! بالرغم من كل الهبات الطبيعية التي منحها لها الل ومن الإرث الحضاري المتجمع فيها على مر العصور ومن المشاريع الزراعية والصناعية الستراتيجية العملاقة التي أسستها الأنظمة المتعاقبة على أرضها.. تلك المشاريع التي أصاب البعض منها الاندثار وتفشى في البعض الأخر الإهمال ولا زال الاثنان ينتظران همة الجهات المعنية لإعادة الحياة لها لكي تمنح الحياة بدورها للمحافظة خاصة وللعراق بشكل عام وهي قادرة على ذلك وبجدارة!!
دعونا هنا نمر بشكل مختصر على مزايا هذه المحافظة وما هي عليه الان وما يمكن أن يثبت ما أشرنا إليه وما تبشر به النيات لو ترجمت آمالها إلى عمل جاد لكي تحقق مستقبلا زاهرا.
الآثار التاريخية
آثار واسط غنية عن التعريف حيث أنها المدينة التي بناها الحجاج بن يوسف الثقفي لكي تكون عاصمة له بعد أن راق له مناخها الفريد وموقعها الذي اشتق اسمها منه وهي تتوسط العراق من شماله إلى جنوبه وتقسم المسافة بين الحجاز وخراسان، تقع واسط على بعد خمسة عشر ميلا إلى الغرب من قضاء الحي .. مرقد التابعي الجليل سعيد بن جبير اخر من قتلهم الحجاج وصاحب القصة الشهيرة معه ويقع ضمن مدينة الحي وعلى بعد ثلاثة أميال منها. آثار بناية النجمي على بعد أحد عشر ميلا الى الغرب من قضاء النعمانية وهي من الآثار الإسلامية في العهد السلجوقي، تل العقرفي ويقع على بعد كيلومترين من قضاء بدرة وتدل اللقط والتلال المنتشرة من حوله على قدم تأريخه ولم ينقب عنه بعد تل النعمان ويقع على الضفة الغربية من نهر دجلة إلى الشمال من مدينة النعمانية بمسافة خمسة كيلومترات ويرجع إلى العهد الفرثي تل مريس يقع شمال بدرة وتل أبو شجير وتل أبو خميس في منطقة المزلاك شمال غربي الكوت وتل العقير وتلال الاخي شمال البسروكية وهي تلال تمثل اثارا من العهد الفرثي.
تل الولاية و تل الرغلة جنوب ناحية الأحرار وهي تلال تمثل اثارا إسلامية حسب اللقط المتناثرة حولها، كذلك تل سابس في منطقة الدجيلة وتمثل اثار مدينة سابس وهي مدينة إسلامية قديمة وعلينا ان لا ننسى تلال منطقة العزيزية وهي تلال تتداخل فيها الأزمنة والحضارات القديمة ولم ينقب عنها بعد.
تلكم اثار لحضارات سادت ثم بادت تنعق فيها الغربان وتتخذ منها بنات آوى والذئاب مساكن لها وتنهش في أحشائها أنياب الجرذان البشرية لكي تبيع لقطها وأثارها في سوق النخاسة واللؤم حيث لا شرطي يردعها ولا ضمير يؤنبها..
الواقع الزراعي
أرض محافظة واسط رسوبية، وقد تكونت مما حمله نهر دجلة وروافده من طمي وترسبات على مر التاريخ حيث تدل التنقيبات الأثرية على أن أرض الكوت كانت مغمورة بمياه البحر في العصور الحجرية.
يتهادى بكل أبهة وشموخ دجلة الخالد بأرض واسط ويمر فيها من شمالها إلى جنوبها ويمد ذراعيه الغراف والدجيلة لكي يروي ما بعد عنه من أراضيها المعطاء ..
واضافة لما أنتج الواقع الرسوبي المكون لأرض المحافظة من خصوبة جعل ثراها متميزا بانتاج السمسم وزهرة عباد الشمس ..إضافة إلى ذلك فقد قامت الدولة في عهدها الملكي، بتشييد سدة الكوت ونواظم الغراف والدجيلة لكي تنظم الري جعل ريع الدونم الواحد في الخمسينيات من القرن الماضي يصل إلى طنين من الحنطة!, ولكن فيما بعد غدت تلك الأراضي المعطاء فريسة للسبخ والتصحر وأصبحت مساحات واسعة منها مناجم لإنتاج ملح الطعام. وبعد حين شهدت واسط تنفيذ بعض المشاريع الزراعية العملاقة في المحافظة لكن تلك المشاريع قد أجهضت لاحقا بسبب انشغال الدولة بالحروب والنزاعات الداخلية والخارجية ما جعل تلك المشاريع تتراجع وتضمحل لتصبح المحافظة عبارة عن خزنة مقفلة ضاعت مفاتيحها وتراكم الصدأ عليها وبحاجة لمن يفتح أقفالها..فما هي ابرز تلك المشاريع؟؟
مشروع الدجيلة
في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي وعقب إنشاء سدة الكوت العملاقة وكل من ناظم الغراف وناظم الدجيلة انشئ مشروع عملاق آخر سمي بمشروع الدجيلة الزراعي جنوب مدينة الكوت وقد قسمت أراضي ذلك المشروع على الفلاحين وبواقع تسعين دونما لكل فلاح..
ومع أن ذلك المشروع كان قد نظم بشكل جيد إلا أنه كالعادة كانت تنقصه فقرة مهمة جدا إلا وهي إنشاء المبازل فيه مما عجل بانخفاض سريع بانتاجيته حيث تدنى محصول الدونم الواحد من طنين من الحنطة ليصبح ثمن ذلك الناتج بعد مرور عشرة أعوام فقط..تلا ذلك تحول تلك الأراضي الخصبة إلى مساحات واسعة من الأرض الخراب...
في السبعينيات من القرن الماضي قامت الاجهزة المعنية بإعادة الحياة إلى هذا المشروع حيث تم استصلاح 290 الف دونم منها والشروع بإنشاء مشروع زراعي صناعي ضخم أكملت الجزء الأول منه بإنشاء مزرعة نموذجية ووفق أسس علمية وبمواصفات عالمية وقد نفذتها شركة يوغسلافية . لقد نفذ في المرحلة الأولى عملية استصلاح الأرض وإنشاء المبازل وتنظيم الري وذلك بتبطين السواقي بالسمنت واستعمال التقنيات الحديثة للسقي المبرمج وفق أسس ومكننة علمية وبمواصفات عالمية رصينة. وكانت الخطة تشمل إنشاء محطات ستراتيجية لتربية الأبقار وإنشاء معامل للألبان فيها...
إلا أن ذلك المشروع الستراتيجي الضخم أجهضته الحرب العراقية الإيرانية وما تبعها من حروب النظام المباد وقد أعقب ذلك تخبط في استغلال تلك الأرض المستصلحة.
وباختصار تمتلك محافظة واسط من الأراضي الصالحة للزراعة ما مجموعه مليونين ونصف المليون دونم وذلك لكونها تشتمل على أراض مستصلحة ومؤهلة وفق أسس علمية دقيقة أنفقت عليها الدولة أموالا ضخمة واسهم في تنفيذها العقل العراقي وخبرة أشهر الشركات العالمية المتخصصة في القرن الماضي..
ولأنها مشاريع ما زالت تنتظر يدا لكي تمتد اليها تسهم في التأسيس لمعالم المدنية أولا وامتصاص البطالة ثانيا والتخفيف من البطالة المقنعة والازدحام المرعب في مراكز المدن الذي جعل سعر المتر السكني في مدينة الكوت يصبح مليون دينار!! وهو أغلى من نظيره في جزيرة مانهاتن الأميركية.
نهوض صناعي وثقافي
لقد كان اقتصاد واسط يعتمد فقط على المنتج الزراعي والحيواني لما كانت تتمتع به المحافظة كما أسلفنا من أرض خصبة ووفرة في المياه. وفي العقد الرابع من القرن الماضي ادى إنشاء سدة الكوت وأعقبها تشييد ناظم الغراف والدجيلة إلى تنظيم الري في المحافظة أولا وفتح أفاق واسعة جديدة من التطور الصناعي والثقافي والاجتماعي كما أدى إلى تغيير جذري في البنية السكانية وتنوعها..
إلى جانب الوظيفة الاروائية لتلك المشاريع فقد كانت سدة الكوت ونواظم الغراف والدجيلة يمكن أن توفر توليد الطاقة الكهربائية بما يكفي لسد حاجة المحافظة وتزويد المحافظات المجاورة بما يفيض من ذلك المنتج..
إلا أننا لم نسمع يوما بأن تلك الطاقة قد استغلت بل كانت ولا تزال تهدر كما يهدر الغاز الطبيعي من حقول نفط العراق على مر العصور بدءا من شعلة كركوك التاريخية ووفرة المحاصيل والناتج الحيواني أسست مشاريع جديدة وأهمها المعامل الانتاجية الستراتيجية بعد العام 1958 وقد ساعد وجود تلك المشاريع إضافة إلى مردودها المادي على امتصاص البطالة ونمو طبقة عمالية واعية جديدة على سطح النسيج الاجتماعي، كما اسهم وجود تلك المعامل والمشاريع على تنوع مكونات المجتمع وتداخلها لتسهم في تمدين تلك التجمعات الوظيفية والسكانية وتبادلها في خبرتها وثقافتها، الذاتية والمكتسبة من ورش العمل المقامة في داخل وخارج العراق.. كما شكلت تلك المشاريع مدخلا مشجعا لإقامة مشاريع أخرى..
إلا أن سوء التخطيط وعدم رسم خطط مستقبلية لتطويرها وعدم إدامتها أدى إلى ترهلها ومن ثم الانخفاض التدريجي في إنتاجها وتحولت أعداد كبيرة من ملاكاتها إلى عبء من البطالة المقنعة التي أدت إلى خسارة كبيرة بدل أن تسير في إنتاجها على خط بياني صاعد من الوفرة في الإنتاج والجودة..
إن تلك المعامل لا زالت متواجدة رغم قدم مكائنها وتآكلها وعدم إدامة بناياتها ومكوناتها ويمكن ان تعاد لها الحياة لكي تواكب التقدم الصناعي الهائل في العالم.
معمل نسيج الكوت
بسبب وفرة الزرع والضرع في واسط كانت هذه المحافظة تشتهر بصناعة السجاد اليدوي وما يعرف بالنسيج الواسطي وهو نسيج مبتكر يستعمل في صناعة الشيفون..
وكانت مدينة الحي بالذات تشتهر بصناعة السجاد والمفروشات الصوفية والعباءة العربية... وتأسيسا وامتدادا لاشتهار و تواجد هذه الصناعة عمدت دولة الرابع عشر من تموز الى إنشاء معمل النسيج في مركز مدينة الكوت وقد شيد هذا الصرح الحضاري على أرض مساحتها أكثر من خمسة عشر هكتارا وافتتح العام 1966، وقد شيد بجانبه وضمن نفس هذا المشروع العملاق معمل النسيج القطني الذي افتتح العام 1970. اعتبر هذا المعمل أكبر معمل للنسيج في العراق ومن أكبر معامل الشرق الأوسط وقت إنشائه وكانت منتوجاته في بداية تشغيله تضم الغزول الصوفية المتنوعة وأقمشة البازة والتترون والألبسة الداخلية والجواريب والألبسة النسائية المتنوعة.. وقد اسهم مساهمة كبيرة في تشغيل المحافظة حيث ضم في بعض الأحيان معظم أفراد العائلة الواحدة بين موظف مختص وعامل وعاملة، كما أسس لعلاقات اجتماعية وحضارية متنوعة..
وقد كان عدد العاملين فيه في أحدى مراحله يربو على السبعة آلاف موظف وعامل...وقد أفرد حي كامل لموظفيه وعماله وشيدت الدولة لهم دورا ووزعت على البعض الأخر أراض سكنية..
غير ان هذا المعمل وعلى مر الاعوام ترهل وتراجع إنتاجه كما ونوعية وتضخم عدد العاملين فيه بعد أن عاد جميع الذين اضطروا إلى تركه سابقا في فترة الحصار حين أصبحت رواتبهم لا تكفي لسد أجور نقلهم منه واليه...
وبعد أن وجدوا بابا رحيما يعيدهم لاستلام الراتب الجديد لكنه ومن جميع الوجوه يمكن أن تعاد للمعمل الحياة وبأيد عراقية وبأموال عراقية لكي يبقى مشروعا وطنيا ستراتيجيا تستثمره الدولة بإمكانياتها الضخمة وكذلك لا ننسى معمل معجون الطماطة في النعمانية، وهو معمل ضخم تأسس في أواخر السبعينيات من القرن الماضي ويعمل فيه أكثر من 850 عاملا وينتج أجود أنواع المعجون وايضا معمل عرق السوس في العزيزية ومعمل إنتاج قناني غاز الطبخ في الكوت وهو من المعامل الضخمة ومعمل الطابوق الحكومي في الكوت ومعامل الحصو في بدرة ومعمل نسيج الحي ومن بين المعامل التي اقيمت داخل الوحدات الادارية التابعة لواسط معمل السجاد اليدوي الملغى في الحي وكان هذا المعمل قد أنشئ في قضاء الحي في الستينيات وكان ينتج أجود وأغلى أنواع السجاد اليدوي الذي كان في جودته يضاهي السجاد العالمي، وكان تابعا لوزارة الصناعة وقد كان الهدف من إنشائه ليس للإنتاج فقط إنما لتعليم الأطفال وتدريبهم لكي تنقل التجربة إلى البيوت من قبل نفس الأطفال وبإسناد ودعم من الدولة..
وهناك الكثير من المعامل الإنتاجية الأخرى نأمل أن توليها الدولة الاهتمام لكي تسد حاجة السوق المحلية والوطنية بدلا عن أن يكون هذا السوق مرتعا للمستورد الفاسد ولكي لا تكون محافظة واسط تعيش تحت خط الفقر..
واسط والنفط ومصادر الطاقة
محافظة واسط تسكن تحت ثراها الكثير من عيون النفط حيث كانت قد اكتشفت فيها الكثير من عيون هذا الذهب الأسود بوصفه وبسمعته، لكنه يظل ذهبا يحلم به الغني والفقير...
تقول الدراسات أنه توجد عيون للنفط في مركز مدينة الكوت وقضاء النعمانية وناحية الأحرار والدجيلة وقضاء الصويرة..
لكن وفي الآونة الأخيرة تم التعاقد مع شركة صينية للتنقيب عن النفط واستثماره في حقل الأحدب، ومواطنو واسط يأملون خيرا من هذا الانجاز ويعلقون الكثير من الامال على أن تكون محافظتهم من المحافظات المنتجة للنفط وما قدم للمحافظة ولمواطنيها من خدمات وامال لا ينكرها أبناؤها لكنهم يطمحون الى الكثير ..
ومواطنو الكوت بالذات يعتزون بمدينتهم التي وهبها الله من جغرافية فريدة حيث أنها تمثل شبه جزيرة يحتضنها دجلة الخالد كما تحتضن الأم رضيعها وتسقيه من لبنها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير