الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام الأسدي و النموذج الإسرائيلي

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2018 / 5 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


مكرهاً أضحى السوري مُقارناً بين النظام الأسدي، وعدوه التاريخي اسرائيل. ما كان لهذه المقابلة أن تتم في مواجهة عدو تاريخي ليس للسوريين فقط، بل للعرب جميعاً، كونه نظام احتلال واستيطان يعتنق عقيدة إبادة الأغيار، وإحلال الصهاينة اليهود في أرضهم، عبر الجريمة المنظمة، التي ارتكب فيها ولايزال مئات المجازر منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وحتى اليوم، وليست مجزرة غزة آخرها. النظام الأسدي الذي استحوذ على السلطة في سوريا، استولى على مقدرات الشعب السوري، وصادر واقعه ومستقبله، وجيّره لخدمة النظام الذي تأسس في اعتبار المواطنين السوريين أغياراً، فانتهج سياسة القمع والقهر والحكم بالقوة، وصولاً الى ارتكاب مئات من جرائم التطهير الطائفي والسياسي، وإحداث تغيير ديموغرافي بصورة منظمة.
اذا كانت اسرائيل عدواً طبيعياً تاريخياً، فإن النظام السوري، عمل على استعداء الشعب، ونجح في ذلك. ومنذ نصف قرن، يمارس سياسة السطو على القرار الوطني، وعلى مقدرات الدولة والمجتمع، ويسرق أراضي المواطنين وجهودهم، إضافة الى منهجية القتل وتكميم لأفواه ومصادرة الحريات. لقد احتلت الأسدية، الدولة السورية تدريجياً في السبعينات حتى منتصف الثمانينات، ثم قطعت كل صلة لها مع قوانين التطور الطبيعي، في المرحلة التي تلت مجازر حماه وتدمر، لتضع يدها على كل شئ جذرياً، بصورة متفردة تاريخياً.
وطوال تلك العقود المريرة كان النظام الأسدي، يمارس الإكراه والإذلال تحت ذريعة مقاومة الاحتلال الصهيوني، المشجب الذي عُلّقت عليه عليه كافة القضايا الوطنية المهمة، لصالح قضية فلسطين، لكن النظام الذي انكشفت كذبته مبكراً، كان يفعل ما بوسعه للتقرب من اسرائيل، وكان يقوم بكل ما تعجز عنه من ملاحقة القوى والتنظيمات الفلسطينية، في مصادرة قرارها، وإعاقة مشروعها التحرري، وزج المناضلين في المعتقلات، وملاحقة وتصفيتهم. لقد جهد في تشتيت المقاومة الفلسطينية وتشرذمها، بدءاً من مواقفه في أيلول الأسود، ووصولاً الى تدمير مخيم اليرموك، بما يمثله من معان ورؤى ونضالات الفلسطينيين والسوريين معاً. لقد انحاز النظام الأسدي كليّاً لخدمة المشروع الإسرائيلي، فلم تتخل عنه الدولة الصهيونية، و التي توصي بالحرص على استمراره حتى اليوم.
لم نكن نحتاج الى تطورات النزاع والمواجهة بين إسرائيل وإيران، كي نتلقف رسائل تل أبيب الى الأسد. لكن رسالة ليبرمان تؤكد مجددا، أن دور اسرائيل محوري في توجيه الموقف الدولي من طاغية دمشق، وتتجاوز ذلك الى الوعد بإمكانية القيام بدور ما لتغيير المزاج العام. هذا يعني شيئاً واحداً، وهو مزيد من الجهود لخنق انتفاضة السوريين و ثورتهم.
تدافع اسرائيل عن النظام الأسدي، وتحثّه على التخلص من إيران، وهي تدرك تماماً أنه ليس بوسعه القيام بذلك، وأنه غارقٌ في محاكاة النموذج الإسرائيلي، في العسف والجور، كمثال يرتقي الى درجة التشرب الكامل للمنهجية الإسرائيلية. مقارنة السوري اليوم تُفاضل في درجة البشاعة في ارتكاب الجرائم، بحيث تبدو مجزرة كفر قاسم، أو جنين، جرائم صغيرة محدودة أمام مجزرة بانياس، أو أمام مجازر الأفران وأسواق الخضار، وتدمير الأحياء.
كانت اسرائيل ولاتزال تعاقب نشطاء الثورة الفلسطينية بتهديم منازل ذويهم، ولكن بعد أن يُخرجوهم منها. كذلك تعلّم القذافي من اسرائيل. لكن الأسدية كانت تدمر مساكن وأحياء ومدن بأكملها فوق ساكنيها وتلاحق الفارين منهم بالرصاص، وتقتل المئات بأسلحة محرمة دولياً.
استخدمت اسرائيل سياسة الحصار والتجويع في الضفة وفي قطاع غزة، واستخدم الأسد ببشاعة لا وصف لها نفس الأساليب بقوة أشد. اعتبر الأسد السوريين الثائرين بأنهم جراثيم، ورأى حاخامات إسرائيل في العرب أفاعٍ وعقارب.
في مقاربة أخرى رأى شبيحة النظام وكل أطياف مؤيديه، في تدمير الأحياء والمدن السورية تطهيراً لها. وأن الأراضي يجب تجريفها، وزراعتها بالبطاطا. تماماً كما يدعوا الصهاينة اليوم الى تجريف غزة، وتحويلها الى مرآب للسيارات، فيما يجهدون بوسائل مختلفة، الى تحميل الفلسطينيين أنفسهم تبعات كل ما يحدث، وأنهم يلقون بغزة الى الجحيم، وهي النظرة المتقاربة مع تحميل مؤيدي النظام وشبيحته، المعارضة السورية، نتائج ثورتهم من اجل الحرية، وأن المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام هي مناطق منتجة وحاضنة للتطرف والإرهاب.
أوجه التلاقي في الممارسات الإجرامية الأسدية – الصهيونية، كثيرة، الى درجة دفعت باسرائيل لاغتنام الحدث السوري، وتوظيفه بما يخدم دعاوتها السياسية: الأسد يقوم بقتل الفلسطينيين ودك مخيم اليرموك، ولا يتوجب مساءلتهم عما يفعلونه داخل حدود " دولتهم ".
في مطلع صيف2012 بدأ النظام بتدمير مناطق، والإبقاء على ركامها ( ورش ومنازل في حرستا – الطريق الدولي) على الطريقة الاسرائيلية في القنيطرة، كي تكون رسالة للسوريين وعبرة لهم. وما يزال يقوم بذلك حتى اليوم.
لو كان النظام السوري وطنياً، لما كانت هذه المقاربة ممكنة بأي حال. لكن الثورة السورية، أسقطت كل الأقنعة. لكن الأسدية حائزة بجدارة على كل صفات وسمات العصابة، تنظيم إجرامي مأجور لخدمة مشاريع الآخرين، في سوريا والمنطقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في معرض البندقية


.. الهجوم على رفح أم الرد على إيران.. ماذا ستفعل إسرائيل؟




.. قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في المحادثات بين إسرائيل وحماس


.. إسرائيل تواصل قصف غزة -المدمرة- وتوقع المزيد من الضحايا




.. شريحة في دماغ مصاب بالشلل تمكّنه من التحكّم بهاتفه من خلال أ