الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيران وسوريا في ميدان الصراع الروسي - الأمريكي(2-1)

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2018 / 5 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


ميثم الجنابي

إن احد الأمور الجلية للسياسة الأمريكية في منطقة المشرق العربي وبالأخص منطقة الهلال الخصيب والجزيرة العربية، وإيران وأفغانستان تقوم في محاولة الاستحواذ والسيطرة التامة المباشرة وغير المباشرة عليها وعلى مواردها الطبيعية (ومصادر الطاقة بشكل خاص). وهي المناطق المتاخمة للحدود السوفييتية سابقا، والروسية من حيث الكمون أو الواقع الحالي.
وإذا كان الاتحاد السوفيتي سابقا هو القوة المنافسة والرادعة والمواجهة والمناقضة للولايات المتحدة، فان انهياره في تسعينيات القرن الماضي قد جعل من الولايات المتحدة "الدولة العظمى الوحيدة" و"القطب الواحد" و"مركز القرار العالمي" مع ما استتبعه من أوهام أيديولوجية كبرى مثل "نهاية العالم" غير الأمريكي و"القرن الأمريكي" وغيرها. وتزاوج ذلك مع صعود نفسية الغطرسة والاستفراد والهيمنة والخروج على منطق القيم وقواعد الحدود القانونية التي جرى استغلال أحداث الحادي عشر من أيلول لتمريرها بطريقة "نموذجية". وبما انه نموذج موهوم، أو على الأقل يحتوي بقدر واحد على سوء النية وتجاهل منطق التاريخ، فانه سرعان ما كشف عن خوائه الروحي والمادي.
إلا أن ذلك لا يغير من الحقيقة القائلة، بان نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين تزامنت مع انتهاء مقدمات "الحرب الباردة". بمعنى انتهاء وجود نظم اجتماعية اقتصادية متصارعة وأيديولوجيات متناحرة. لكنها حقيقة لم تتحول إلى بديهية سياسية. والسبب العميق لذلك يقوم في أن انتهاء "التناحر" لا ينفي التنافس في شيء ولا يحول دون إمكانية اتخاذه أشكالا لا تقل عن أشكال الحرب الباردة. فتغير وتبدل النظم السياسية لا ينفي ولا يلغي تباين واختلاف وتعارض المصالح. ومع أفول القطبين تنوعت الاختلافات وازدادت. وهي مرحلة تاريخية معقدة يصعب التنبؤ بحدودها الزمنية، لكنها جزء من صراع كوني جديد. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن هذا التنافس الجديد كان وما يزال في اغلب مكوناته محكوما بنفسية وذهنية "الانتصار والهزيمة"، فانه يولد بالضرورة مشاعر "الأخذ بالثأر". بعبارة أخرى، إن نهاية مقدمات الحرب الباردة لم يصاحبها برودة في حرارة المصالح وهوس الدعاية. ولا يمكن فصل هذه الحالة عما هو متجذر في الرؤية الغربية (الأمريكية – الأطلسية) من أولوية المصالح النفعية الضيقة. مع ما يترتب عليه من ضمور للنزعة الإنسانية. وحالما تكون الرؤية العقلانية محكومة بالمصالح الضيقة، فإنها تؤدي إلى انعدام أو ضعف الحكمة السياسية. ومن تضافر النزعة النفعية الضيقة وضعف الحكمة السياسية تتقد شرارة الرياء المتنوع في التعامل مع ابسط القيم والمفاهيم. وفي هذا يكمن سر "تكرار" الأحداث وتشابهها، بما في ذلك صعود ما يسمى بالحرب الباردة من جديد. انه مؤشر على وجود الزمن وتكراره وليس تراكم التاريخ العقلاني.
فقد أدى "الفوز" في "الحرب الباردة" إلى تصنيع أوهام جديدة، كما كان يمكن رؤيتها في المفاهيم الأيديولوجية مثل "نهاية التاريخ" و"القطب الواحد" و" القرن الأمريكي" التي استتبعها مفهوم "صراع الحضارات". وهي سلسلة متراكمة من حلقات الوهم الأيديولوجي المميز لصعود الإمبراطوريات في ظل فقدان مقدماتها الضرورية. وليس مصادفة أن يظهر مصطلح "اكبر إمبراطورية ديمقراطية" ويجري إطلاقه على الولايات المتحدة الأمريكية. بمعنى عثورنا فيه على مكونات نزوع إمبراطوري وديمقراطي! وهو تناقض لا يمكن حله إلا على حساب احدهما. وقد كان الخيار الأمريكي هو "طريق الإمبراطورية" القديم، أي الهيمنة.
لقد سعت الولايات المتحدة إلى مصادرة التاريخ من خلال جعل تاريخها القصير نهاية التاريخ، ومن نفسها محور وجوده وقطبه الدائر، ومن المستقبل قرنها الخاص. بمعنى اختزالها وجود الأمم وتاريخ الدول والحضارات والثقافات بالشكل الذي يجعلها فيصل الأحكام النهائية والقاطعة. بحيث أعطت لنفسها تحديد الأعداء والأصدقاء بما في ذلك بمعايير الثقافة والحضارة (صدام الحضارات)، مع أن الثقافة والحضارة من حيث مرجعياتها هو المكان والأسلوب الوحيد لتذليل صراع الأمم. وهو مؤشر خفي على خلل الرؤية الأمريكية. وذلك لأنها كانت تفتعل وتصنع مقدمات "حرب باردة" بما في ذلك من خلال دعوى "الانتصار" فيها. وهو تناقض وجد انعكاسه أيضا في مساعيها "تعليم" الشعوب كل شيء بما في ذلك "الإصلاح" و"الديمقراطية" و"الحقوق". وهي نزعة إمبراطورية قديمة محكومة بالفشل. وقد يكون تجريبها في العراق نموذجا حيا وطازج في الذاكرة. فقد أدى احتلال الولايات المتحدة للعراق وإسقاطها للسلطة الدكتاتورية الصدامية (ولم يكن ذلك غرضها الجوهري، بقدر ما كان النتيجة المتراكمة في حلقات السلسلة العملية التي نفذتها الولايات المتحدة منذ "عاصفة الصحراء" والحصار التي حولت العراق إلى منطقة بائدة وخربة. بعبارة أخرى، لقد كانت نتيجة "تحرير" العراق من السلطة الصدامية في الوقت نفسه تدميرا للدولة من حيث الجوهر. أما النتيجة فقد كانت خراب في خراب. وهذه هي ليست المرة الأولى، لكنها الأخيرة. والقضية ليست فقط في انه لا يحل مشاكل الأمم غير الأمم نفسها بوصفه طريق تطورها التلقائي، بل ولان "فرضه بالقوة" هو انتهاك لأبسط الحقائق التاريخية. ومن بين أكثرها بساطة ووضوحا هو أن التاريخ لا يعرف التكرار. ومن ثم لا يمكن استعادة مقدمات القرن الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين في ظروف القرن الحادي والعشرين! والشيء نفسه يمكن قوله عن مقدمات "الحرب الباردة". إذ لا يمكن الادعاء بالانتصار فيها وانتفاء مقدماتها والنظر والعمل بمقاييسها. فالتكرار هنا هو عين الجمود والسقوط. لاسيما وان العالم المعاصر يبحث عن حرارة معتدلة للعيش يتخطى بها حالة "الحرب الباردة". الأمر الذي يعطي لنا إمكانية القول، بان المشكلة ليست في وجود أو عدم وجود "حرب باردة"، بل في وجود وفاعلية "القانون الحديدي" القائل، بان موت الإمبراطوريات أمر حتمي. وبالتالي، فان المشكلة تقوم في أفول الإمبراطورية (الأمريكية) وليس في تصعيد روسيا للحرب الباردة كما كان يجري الحديث عنه قبل فترة وجيزة، ولا معارضة روسيا للديمقراطية والثورة و"الربيع العربي" كما يقال الآن.
إن غرابة هذا التصور والأحكام هي الوجه الآخر لانقلاب المفاهيم والقيم والرؤية. فعندما تأخذ الكلاب بالتغريد، والبلابل بالعواء، فان ذلك يعني أن تغيرا قد طرأ أما على الطبيعة الإنسانية (الأذن والسماع) أو طبائع الحيوان. فعندما تتحول الولايات المتحدة والغرب الأطلسي ودويلات الخليج شبه العربية (مملكة آل سعود وإمارة قطر) إلى "طليعة" الثورة العربية، فان ذلك يفترض بدوره مراجعة المفاهيم والمعنى والمضمون والغاية. وضمن هذا السياق ليس عواء البلابل الخليجية، وتغريد الكلاب الأطلسية فيما يتعلق بالموقف الروسي من سوريا ( وإيران) سوى الوجه الآخر لطبيعة موقفهم من "الثورة العربية".
غير أن هذه الحالة المثيرة للاندهاش والاستغراب ليست غريبة عن الحقيقة القائلة، بان للإمبراطورية اكتشافاتها الخاصة. وهي لا تميل بالطبع والطبيعة إلى الإقرار بما يعارضها. من هنا قدرتها الفائقة، حتى زمن الهزائم، على ابتداع كل ما يمكنه شحذ الوعي الاجتماعي (والجماهيري بشكل خاص) بأوهام العداوة والعدوان والاستعداء. وقد تكون الصيغة الأيديولوجية والدعائية والسياسية لفكرة "صدام الحضارات"من بين أكثرها بروزا. وفيها تتوازي أو تتعايش فكرة التوجس والتخوف من الإمكانيات الكامنة في القوى الحضارية المناهضة، التي جرى حصرها أساسا في الإسلامية والبوذية (الصينية) والأرثوذوكسية (الروسية). وهو مثلث استطاعت السياسة الأمريكية أن تفكك أضلاعه بصورة ملحوظة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. عندها تحولت روسيا، الوريثة الشرعية "لإمبراطورية الشر" وقطب "الحرب الباردة" إلى كيان أطرافي جرى استغلال نقاط الضعف الشديدة فيه آنذاك بحيث جرى التخلي عن كل المواعيد التي أعطيت له. وفي الوقت الذي كانت روسيا تائهة في مجرى دمارها الاقتصادي، وصراعاتها القومية والعرقية والاجتماعية، وإفساد نخبتها السياسية، وتخريب قيمها الاجتماعية والأخلاقية، فان السياسة الأمريكية كانت تلتهم دول المعسكر الاشتراكي لتدرجه في فلك الحلف الأطلسي. أي تستعيد بقوة مبطنة وسافرة كل نتائج الحرب الباردة لتجعلها أكثر برودة على جسد روسيا الملتهب!
وسواء كان ذلك من مفارقات التاريخ أو مصادفاته أو قوانينه الخفية أن تتزامن ذروة الضعف الروسي مع ذروة الهجوم "الإسلامي" غير العقلاني كما تجسد في الحادي عشر من أيلول، إلا انه كان أيضا "نموذجيا" بطريقته الخاصة. عندها تحول هذا الشبح المارد إلى قوة قادرة على أن تنطح بأجسادها العارية رموز الأبهة الأميركية وشموخها الحضاري والتكنولوجي. آنذاك أصبحت مفاهيم "الخطر الإسلامي" و"الإرهاب الإسلامي" و"العالم الإسلامي" شيئا واحدا يجسد النبوة الكاذبة "للصدام الحضاري" للحضارة الأمريكية مع احد غرمائها المحتملين (العالم الإسلامي)!
أما في الواقع، فان الهجمة الأمريكية الجديدة على العالم الإسلامي والتي تمثلت تقاليد الكولونيالية الأوربية بشقيها الانجلوسكسوني واللاتيني، كانت النتيجة الملازمة لفعل الإمبراطورية الصاعدة المستفردة من جهة، والسياسة العلنية للرؤية الإستراتيجية الخفية للولايات المتحدة للهيمنة والاستحواذ من جهة أخرى. وبالتالي، فان كل حوافز وبواطن السياسة الأمريكية وشعاراتها (أيا كانت) ينبغي فهمها ضمن سياق المصالح القومية.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على